أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.

رسالةُ نصح وتذكير إلى أئمة المساجد

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الأًصل فيمن يتولى إمامة المسلمين في الصلاة أيها الأحبة الكرام أن يكون من أهل الصلاح المتقين، لأنها من الوظائف الإيمانية التي لا يتولاها إلا من هم من صفوة رب البرية،لذا تولاها خير المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم ومن جاء بعده من الخلفاء الراشدين.
فالمقدم في الإمامة أيها الأفاضل ليس بالنسب!ولا بالجاه والمال!وإنما بالعلم والتقوى وصالح الأعمال، فعن أبي مسعود الأنصاري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً، فَإِنْ كانت قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا في الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا".رواه مسلم ( 673)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :"فقدمه بالفضيلة العِلمية ثم بالفضيلة العمَلية. ،وقدم العالم بالقرآن على العالم بالسنة، ثم الأسبق إلى الدين باختياره، ثم الأسبق إلى الدين بسنه، ولم يذكر النسب".مجموع الفتاوى (19/26)
فإمام المسجد هو قدوة عند الناس حيث يرونه في اليوم خمس مرات،يراقبون فيها أفعاله وأقواله وكل حركاته، يقول الإمام الشوكاني –رحمه الله- :" والإمام لما كان هو القدوة للناس لكونهم يأتمون به ويهتدون بهديه أطلق عليه هذا اللفظ ".
فتح القدير (1/137 )
لذا ينبغي على كل من تولى هذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية، أن يكون مخلصا لله جل وعلا في عمله،مجتهدا في اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك بالحرص على طلب العلم الشرعي الذي يرفع به الجهل عن نفسه، ويستعين به على القيام بهذه الوظيفة الإيمانية،يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".زاد المعاد (1/69)
وليجتهد كذلك في نصح وإرشاد الناس ومن معه من المأمومين لما ينفعهم من أمور دينهم ودنياهم، وليحثهم كذلك على رفع الجهل عن أنفسهم ومعرفة هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم، فأهل الإسلام أيها الكرام في حاجة ماسة لمعرفة هدي خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام والرجوع إلى تعاليم دين العلام ، خاصة في هذه الأيام التي كثرت فيها الفتن وازدادت المحن ،وانتشرت فيها البدع وظهرت المعاصي والآثام!،يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" ومن ها هنا تعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به وتصديقه فيما أخبر به وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل،ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا ينال رضا الله البتة إلا على أيديهم،فالطيب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلا هديهم وما جاؤوا به، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال ".زاد المعاد (1/69)
وليستحضر عند قيامه بهذا العمل الجليل والفعل النبيل قول الله جل وعلا:(ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) [ فصلت :33].
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:"هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي:لا أحد أحسن قولا،أي:كلاما وطريقة،وحالة ( ممن دعا إلى الله)بتعليم الجاهلين،ووعظ الغافلين والمعرضين،ومجادلة المبطلين،بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها،والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن والزجر عما نهى الله عنه،وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه.
خصوصا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه،ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن ، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ومن الدعوة إلى الله ، تحبيبه إلى عباده، بذكر تفاصيل نعمه،وسعة جوده،وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله.
ومن الدعوة إلى الله،الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله،وسنه رسوله،والحث على ذلك , بكل طريق موصل إليه، ومن ذلك ،الحث على مكارم الأخلاق ،والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان،والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين.
ومن ذلك،الوعظ لعموم الناس في أوقات المواسم والعوارض والمصائب بما يناسب ذلك الحال ، إلى غير ذلك مما لا تنحصر أفراده مما تشمله الدعوة إلى الخير كله،والترهيب من جميع الشر.
ثم قال تعالى:(وعمل صالحا) أي: مع دعوته الخلق إلى الله،بادر هو بنفسه إلى امتثال أمر الله بالعمل الصالح الذي يرضي ربه .(وقال إنني من المسلمين) أي : المنقادين لأمره ، السالكين في طريقه،وهذه المرتبة تمامها للصديقين،الذين عملوا على تكميل أنفسهم وتكميل غيرهم، وحصلت لهم الوراثة التامة من الرسل".تفسير السعدي (ص 749)
أخي الإمام -رعاك الله- كن في صلاتك سواء بمفردك أو بالمصلين! متبعا لهدي خير المرسلين،وذلك بمراعاة صفتها كما جاءت بها النصوص الثابتة،عملا بقوله صلى الله عليه وسلم :" صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ". رواه البخاري (605) من حديث مالك بن الحويرث – رضي الله عنه-.
يقول الملا علي قاري –رحمه الله- :"أي في مراعاة الشروط والأركان،أو فيما هو أعم منهما".مرقاة المفاتيح ( 2 /351)
احرص – سددك الله- على الرفق بمن يصلي وراءك، فعن أنَس بن مَالِكٍ –رضي الله عنه- قال :"ما صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً،ولا أَتَمَّ صَلَاةً من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم". رواه البخاري( 676) ومسلم (469) واللفظ له
يقول ابن الجوزي – رحمه الله- :"وفي هذا الحديث تعليم الأئمة الرفق بالمأمومين".كشف المشكل (3/210)
فلعل منهم المريض أو الكبير أو صاحب الحاجة، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا صلى أحدكم لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فإن منهم الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وإذا صلى أحدكم لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ ما شَاءَ ". رواه البخاري ( 670) ومسلم (467)
قال ابن بطال – رحمه الله- :"فيه دليل أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف لأمر رسول الله لهم بذلك،وقد بين في هذا الحديث العلة الموجبة للتخفيف،وهى غير مأمونة على أحد من أئمة الجماعة ؛ فإنه وإن علم قوة من خلفه،فإنه لا يدرى ما يحدث بهم من الآفات،ولذلك قال:وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء؛ لأنه يعلم من نفسه ما لا يعلم من غيره".شرح صحيح البخاري لابن بطال ( 2/333)
واحذر أشد الحذر -وفقك الله-من أن تشق عليهم! فتكون سببا في تنفيرهم من بيوت الله جل وعلا !، فهذا مما نهاك عنه نبيك صلى الله عليه وسلم،فعن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ ، فَأَيُّكُمْ ما صلى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ،فإن فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ".رواه البخاري ( 670) ومسلم ( 466)
يقول الإمام ابن الأثير –رحمه الله-:" أي: من يلقى الناس بالغلظة والشدة فينفرون من الإسلام والدين ".النهاية في غريب الأثر ( 5/91)
ويقول الإمام ابن رجب -رحمه الله- :" في هذا الحديث : أن الإمام مأمور بالتخفيف خشية الإطالة عَلَى من خلفه ؛ فإنه لا يخلو بعضهم من عذر كالضعيف والكبير وذي الحاجة . وهذا يدل عَلَى أن الأمر بالتخفيف إنما يتوجه إلى إمام يصلي فِي مسجد يغشاه النَّاس ".فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن رجب (4/207)
لكن عليك أن تعلم -سددك الله- أنه ليس من التخفيف المأمور به! عدم الطمأنينة في الصلاة وإتمام الركوع والسجود بل التخفيف المأمور به هو ما كان عليه صلى الله عليه وسلم إذا أمَّ الناس، يقول الإمام ابن رجب -رحمه الله- :"فالتخفيف المأمور بِهِ الأئمة هُوَ الَّذِي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله إذا أمَّ ، فالنقص مِنْهُ ليس بتخفيف مشروع ".فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن رجب (4/210)
وأن العرف وعادة الناس! ليس مرجعا للتخفيف!،يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" فالتخفيف أمر نسبي يرجع إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين". زاد المعاد ( 1/214)
فاعلم يا من ولاك الله جل وعلا إمامة الناس أن هذا الأمر ليس فقط من قبيل التشريف وإنما هو تكليف كذلك،وستسأل عنها يوم القيامة،فعن عبد الله بن عمر–رضي الله عنهما-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ألا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الذي على الناس رَاعٍ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ...". رواه البخاري(853) ومسلم (1829) واللفظ له.
يقول الإمام النووي –رحمه الله-:"قال العلماء :الراعي، هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه ،والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته" .شرح صحيح مسلم (12/213).
فحافظ على هذه النعمة العظيمة والمنحة الكريمة، وذلك بشكر الله جل جلاله أولا عليها، ثم بأداء ما يجب عليك من مراعاة أركانها وشروطها وسننها وآدابها والخشوع عند القيام بها، واستحضر عند إمامة الناس أنك تقتدي بنبيك صلى الله عليه وسلم، وإياك أن تجعلها فقط! من قبيل الوظائف الدنيوية فتصبح عندك من قبيل العادات! لا من العبادات! فلا تشعر باللذة الإيمانية عند القيام بها،يقول الملا علي قاري –رحمه الله- :"فمدار كمال الصلاة مثلاً بعد مراعاة الشروط والأركان وواجباتها وسننها وآدابها المسموعة المعروفة على حضور القلب مع الله وقطع النظر عما سواه ".مرقاة المفاتيح ( 9 /262)
ويا أيها المصلي وراء الإمام، اعلم – ثبتك الله- أنك في فضل كبير وخير كثير عند حضورك الصلاة مع جماعة المسلمين ، فعليك أن تشكر عليه رب العالمين ، وعليك كذلك أن تراعي ما يجب عليك في المسجد من واجبات وسنن وآداب، ومن ذلك أن تتقي الله جل وعلا فيمن يؤمك في الصلاة، فلا تشوش عليه! ولا تتدخل فيما هو خاص به، فإن هذا من الظلم والتعدي!ولا يجر إلا للفتن والشحناء والبغضاء بين الإمام والمصلين!ويصبح المسجد بعد ذلك مكانا للفوضى واللغو بدل أن يكون للعبادة والذكر!، والله المستعان .
وإذا رأيت أيها الفاضل! من إمامك التقصير فبادر إلى النصح والتذكير بالتي هي أحسن محتسبا عملك عند العزيز القدير، فهذا الذي يؤدي بإذن أرحم الرحمين إلى الألفة والمحبة بين المسلمين.
يقول الشيخ العلامة ابن باز –رحمه الله- :" الواجب على الأئمة جميعاً أن يتقوا الله، وأن يتحروا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاتهم وفي كل شئونهم، والواجب على الجماعة أن يتقوا الله أيضاً وأن يكونوا عوناً للأئمة على فعل السنة، فالإمام يتحرى السنة في صلاته، في قراءته وركوعه وسجوده حتى لا يشق على الناس، ويتحرى السنة أيضاً في أن لا يتأخر عنهم ويحبسهم في المسجد، يأتي في الأوقات المحددة،ويراعي الأوقات المحددة حتى لا يشق على الناس، ويرفق بهم، والجماعة عليهم أن يراعوا ذلك أيضاً فلا يشقوا عليه ويلجئوه إلى أن يخالف السنة، أو يلجئوه إلى أن يبكر حتى تفوت الصلاة كثيراً من الناس، بل كل منهما يتعاون مع أخيه الإمام، والجماعة يتعاونون على البر والتقوى، وعلى العناية بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، حتى يكون أداؤهم للصلاة على وجه مرضي، وإذا كان الإمام يعاندهم ولا يعتني بالسنة يرفع أمره إلى المرجع إلى الأوقاف، وإذا كانت الأوقاف لم تلب الدعوة ولم تبال يرفع إلى المحكمة، حتى تنظر المحكمة في الموضوع أو إلى الهيئة من باب التعاون على البر والتقوى، وإن استقام الأمر فالحمد لله، والواجب على الإمام أن لا يلجئهم إلى الرفع إلى المحكمة أو إلى الأوقاف، بل يتحرى السنة هو ويقنعهم بالسنة ويعلمهم السنة حتى يعلموها وحتى يقتنعوا بأن عمله طيب، وإذا لم يقتنعوا فالمحكمة أو الهيئة ترشد الجميع إذا كانت الأوقاف لم تقم بالواجب، نسأل الله للجميع الهداية". فتاوى نور على الدرب ( 12/ 131)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفق أئمة مساجد المسلمين لكل ما فيه خير لهم وللمأمومين ، وأن يجعلهم هداة مهتدين ، ولهدي خير المرسلين من المتبعين الداعين، فهو سبحانه ولي ذلك وأرحم الراحمين.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي