أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


* «النكت والفروق من مسائل المدونة والمختلطة»، لأبي محمد عبد الحق بن محمد بن هارون السهمي القرشي الصقلي، المتوفى سنة 466هـ.
=== === ====
تواترت النسخ الخطية التي وقفنا عليها على إثبات حرف الجر (مِن) بين شطرَيْ عنوان الكتاب، وانفرد المعتني بالطبعة التي نشرتها دار ابن حزم في بيروت سنة 2009م بإبدال هذا الحرف لاماً على الرغم من أن النسخ الثلاث التي اعتمدها تخالف ما ذهب إليه.
وزيد على عنوان بعض النسخ ما يُبيِّن موضوع الكتاب؛ فجاء في صفحة عنوان نسخة الإسكوريال: النكت والفروق من المدونة والمختلطة باختصار اللفظ في طلب التفرقة [بين معانيها] ومعرفة اختلاف [أحكامها].اهـ.
وفي صفحة عنوان النسخة الأزهرية رقم (3156): نكت أعيان مسائل المدونة والمختلطة والتفريق بين مسائل [تشابهت] ألفاظها، وافترقت أحكامها.اهـ.
شرَع عبد الحق في تصنيف هذا الكتاب وأتمَّه في عام 418هـ على ما ذَكَر في خطبته، وزاد فيها أنه وضعه إجابةً لرجاء مَن سأله من أصحابه جمعَ ما يَرى أن المبتدئ في طلب الفقه ومن لم يتسع فيه محتاجٌ إليه في مسائلَ المدونة والمختلطة، ليكونَ معونةً للمبتدئين ورياضةً للمتوسطين(1).
جاء في "ترتيب المدارك"، للقاضي عياض:8/73، عن نُكَت عبد الحق، ما نصُّه: ... ويقال إنه ندم بعد ذلك على تأليفه، ورجع عن كثير من اختياراته وتعليلاته فيه، واستدرك كثيراً من كلامه فيه، وقال: "لو قدرت على جمعه وإخفائه لفعلت"، أو نحو هذا.اهـ.
ومع أن عياضاً أورد هذا الكلام بصيغةٍ تفيد التمريض، فمن العجب أن يُنقَل عنه في كتب التراجم دون تثبُّت، وكأنه من المسلَّمات كما فعل صاحب "الديباج" وغيره.
ويردُّ هذا الزعمَ – إن ثَبتَ نقلاً – ما ذَكَره فؤاد سزكين في "تاريخ التراث العربي" من أن للنُكَت والفروق نسخةً بخط مؤلفها كتَبَهَا سنة 459هـ-أي: قبل وفاته بنحو ست سنوات فقط-ويحفظ أصلها تحت رقم (78)في مكتبة الإسكوريال.
فكيف يُعقَل أن يندَم على تأليف كتاب ثم ينسخه بيده أواخرَ عمره رحمه الله!
ومن العجب –أيضاً- أن عبد الحق – نفسَه- ذَكَر في خطبة كتابه الكبير "تهذيب الطالب" ما يفيد نقيضَ ما نقله عياض، حيثُ جاء فيها ما نصُّه: ولم أذكر من كتاب "النكت والفروق" الذي كنت جمعته ... إلا أشياء تعقبتها وبينَّت وجه التعقب فيها، وما يحتاج إلى إيضاح وبيان أكثر مما وقع هناك، وأضربت عن غير ذلك -إلا اليسير-مما آثرت ذكره.اهـ.
وفي ثنايا تهذيب عبد الحق ما يخالف ما نقله عياض؛ فقد وقفتُ أثناء اشتغالي بتحقيقه على عشرات المواضع التي يحيل فيها على "النكت والفروق"، ثم يأتي بعد تلك الإحالةبعباراتٍ منها: "فأغنى ذلك عن تكراره هاهنا"، أو"على ما ذكرناه في مسائل كتاب النكت"، أو شيئاً يفيد ذلك.
وربمَّا أحال إلى موضعٍ في "النُّكَت" وزاده توضيحاً في "التهذيب" كما في قوله: "كنت ذكرت في كتاب النكت مسألة الذي مس ذكره في غسله من جنابة، وأنا أعيدها هاهنا، وأوضح فيها ما لم يقع هناك ...".
أو يستدرك في تهذيبه على قولٍ أو توجيهٍ أو استدلالٍ نَقَلَه عن غيره في نُكَته، كما في قوله: "ذكرت في كتاب النُّكَت والفروق أن من شك هل أصابت جسده نجاسة أم لا أن حكمَه يغسل ذلك، وإنما النضح في الثياب، وهذا قاله غير واحد من القرويين، وقد استدل على ذلك بقوله في المدونة في مسألة غسل الأنثيين من المذي، حيث قال: ليس عليه غسل أنثييه إلا أن يخشى أن يكون أصابهما، يدل أنه إن خشيَ غسل -إلى آخر ما ذكرته فيها هناك- وهذا الاستدلال بالمسألة التي ذكرت فيها نظر، ولعله إنما يقول بالغسل هاهنا لما جاء في بعض الحديث: اغسل ذكرك وأنثييك".
ونحو هذا قوله في "التهذيب": "ذكرت في كتاب النُّكَت أن لسحنون في كتاب المناسك خلاف هذا التأويل، وأنه ذكر قول ابن القاسم، ثم أعقبه بأنها تطوف، فإذا حبس الكَرِيُّ المقدار الذي وصف، وقد تأملت لفظ سحنون في مناسكه، فرأيته يقتضي أنه يحبس عليها خمسة عشر يوماً؛ لأنه قال: يحبس عليها أيضاً أقصى ما يحبس النساء الحيض خمسة عشر يوماً".
فكيف يُزعَم أنه ندم على تأليفه ويُنسَب إليه أنه قال: "لو قدرت على جمعه وإخفائه لفعلت"، مع أنه يحيل إليه -مكتفياً بما فيه- في كتابه الذي ألفَّه أواخرَ عمره، واخترمته المنيَّة قبل إتمامه!
ولا يَعْكُر على ما ذهبنا إليه وجود مواضع من "النُّكَت" تغيَّر اجتهاده فيها أو رجع عنها أو صححها أو وضحها في "التهذيب"؛ لأن هذا دأب البشر.
وربما حمل القولُ الذي ذكره عياض في "المدارك" بعضَ مَن صنَّف في الكتب المعتمدة عند السادة المالكية؛ فأسقط "النُّكَت" من بين الكتب المعتمدة في المذهب، كما وقعَ في "إتحاف المقتنع بالقليل" المعروف بــ "نور البصر"، للهلالي، و"بوطليحية" للنابغة الغَلاوي.
بينما ذَكَرها التندغي في منظومته التي شرحها العلامةُ ابن السالك في "عون المحتسب"،ص: 165، ونصُّ ما قاله في النَّظم:
لعبدِ حَقٍّ نُكَتٌ زِيْدَتَ بِهَا تِسْعُونَ مِنْ كُتْبِ الثِّقَاتِ النُّبَهَا

وتابعه في ذِكْرها الشيخ محمد الأمين (عرفات) في منظومته المسماة بـــ "رشف الفضال"، ص: 85، حيثُ قال:
ثُمّتَ عبْدُ الحقِّ ذو الإمامه
* ذاك المُحقِّقُ الرِّضَى الفهّامَهْ

وكمْ مُصنَّفٍ مليحٍ دوَّنَهْ
* كنُكَتٍ له على المُدوّنَهْ


---------------
(1) باختصار وتصرف يسيرَيْن من خطبة المؤلف رحمه الله