أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين

وبعد

فقد كنت أقلب بعض أوراقي فوقفت على حديث كان أمرني معلمٌ لي فاضل حفظه الله من نحو سنتين أن أنظر فيه فكتب له كتابة -هي التي أذكرها هنا- ولم يتيسر لي تعيين علة الحديث والحمل فيه على من؟، مع يقيني أن الحديث لا يمكن أن يكون صحيحا، فقلت: أعرضه على إخواني فيكون فيهم إن شاء الله من يجلي لي علة الحديث والله يجزيه خيرا وله من أخيه جائزة مرضية إن شاء الله
وقد كنت انتفعت في بعض ما كتبت بصاحب كريم جزاه الله خيرا

قال النسائي في «الكبرى» (9/ 212) «= عمل اليوم والليلة» (ص: 382):
(أخبرنا معاوية بن صالح، حدثنا منصور وهو ابن أبي مزاحم، حدثنا أبو المحياة يحيى بن يعلى، عن منصور، عن مالك بن الحارث، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحت أثني عليك حمدا، وأشهد أن لا إله إلا الله ثلاثا، وإذا أمسى فليقل مثل ذلك").

مما ينبغي تأمله في هذا الحديث:
1 - أنَّ الحديث مخرجه مدنيٌ فكوفيٌ فبغداديٌ فشاميٌ!
وهيئة السند غريبة، يعز نظيرها في الأحاديث ...
ومع اختلاف بلدان رواته؛ فقد وقع التفرد في مواضع منه عمّن يُجمع حديثه


2 - الحديث لم يذكره المزي في أطرافه –مع أنه على شرطه، ولم يستدركه ابن حجر في نكته الظراف
غير أن المزي في تهذيبه ذكر رواية منصور بن أبي مزاحم عن أبي المحياة، ورقم لها بـ(سي)،
وكذلك صنع في رواية أبي المحياة عن منصور،
ولست أعلم لهما رواية عنهما في عمل اليوم والليلة إلا في هذا الحديث ..


3 - الحديث لم يذكره مَن عُني بالأفراد – كالدارقطني والطبراني والبزار
فيما طُبع من مصنفاتهم - على أنَّ ابن القيسراني قد يفوته في أطرافه بعض ما ذكره الدارقطني
ولم يذكره أيضا أصحاب المجاميع المتأخرة – وأوسعها كتاب المتقي الهندي «الكنز» الذي جمع فيه كتابيْ السيوطي


4 - ربما استنكر بعضُهم خلو الدواوين من الحديث وتفرد النسائي بإخراجه مع أنه من أحاديث اليوم والليلة،
= صنيعَ الحافظ ابن عبد الهادي – رحمه الله - في تنقيح التحقيق في حديث تفرد به الدارقطني في سننه،
مع ما عُلم من الفرق بين مقاصد الكتابين - في الجملة =
وربما أُجيب: بأنَّ النسائي تقعُ له روايات الشاميين من وجوه عزيزة،
ثم إنَّ التَّشديد في أحاديث الأذكار – وإن كانت من عمل اليوم والليلة – حتى تكون كالأحكام أو تقرب من ذلك؛ استدلالًا بحديث البراء (أخرجه البخاري 247) = محل بحثٍ وتأمل


5 - الحديث كوفيٌ في غالب طبقاته
وقد عُرف من حالهم كثرة روايتهم الحديث بالمعنى
= كما تراه مبثوثا في كتب العلل والتاريخ المتقدمة،
وقد جرّبتُ هذا في معاني الآثار للطحاوي،
- فإنه لمَّا كان يقصد إلى الاحتجاج لأبي حنيفة رحمه الله وأصحابه،
كان جل مرويه يمر بالكوفيين - في طبقة شيوخ مشايخه فمن فوقهم-،
فوجدته يكثرُ فيما يرويه أحاديث تخالف في ألفاظها ما في بقيَّة الدواوين =
فيحسن في حديث الكوفيين خاصَّة كثرةُ التّنقيب عن أصل الحديث؛
لتعلم سلامةُ المتن من التغيير
ولو استقرأ مجيدٌ كتابيْ النسائي وابن السني – عمل اليوم والليلة –
وأبواب أذكار الصباح والمساء من كتب الدعاء
لربما لاح له أصْلُ الحديث


6- إن كان في الحديث دغل، فيشبه أن تكون جهتُه من مالك بن الحارث – أحسبه السلمي،
فهو غير مشهور بالرواية عن أبي زرعة، بل لا أعلم له رواية عنه إلا هذا الحديث – والله أعلم، ولست أنفي أن يكون له غيره، وكم من إسناد لم يصل أبناء العصر ..
وروايته عنه بالعنعنة، وقد عُلم حال الكوفيين في التدليس ..
مع أنه أدركه زمنًا بيقين – إن شاء الله، إذ جل روايته عمّن هو أقدم منه قدما ظاهرا، وروايته عن مثله تستغرب، وفي مثله فيما أحسب يقول أبو حاتم الرازي رحمه الله في غير موضع من العلل: فلان عن فلان لا يجيء

ويحتمل أيضا أن تكون جهته من أبي المحياة - فليتأمل
فإنه إن كان كذلك:
ففي [منتخب] إرشاد الخليلي – رحمه الله (3/ 978 وما بعدها):
(سمعت أبا حاتم محمد بن عبد الواحد الحافظ يقول: سمعت أبا بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي يقول: سمعت عمر بن محمد بن بجير السمرقندي، يقول: سمعت الحسين بن الحسن المروزي بمكة يقول: سألت سفيان بن عيينة، قلت: يا أبا محمد ما تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" وإنما هذا ذكر وليس بدعاء، فقال عرفت حديث مالك بن الحارث: يقول الله عز وجل: «إذا شغل عبدي ثنائي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» قلت: أنت حدثتني عن منصور عنه، وحدثنيه عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن منصور عنه قال: فهذا تفسير ذلك، أوما علمت ما قال أمية بن الصلت حين خرج إلى ابن جدعان يطلب نائله، وفضله؟ قلت: لا قال: قال له:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضك الثناء
فهذا مخلوق نسب إلى الجود، قيل له: يكفينا من مسألتك أن نثني عليك، ونسكت فكيف الخالق جل وعز؟).
انتهى.
فربما كان أصلَ الحديث
والله أعلم بالصواب والملهم إياه


هذا وقد حسن الحديث الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند