أسواق وأرقام


150 مليار ريال تدفقات استثمارية أجنبية متوقع دخولها إلى سوق الأسهم


عبدالحميد العمري

يمثّل قرار موافقة مجلس الوزراء على قيام هيئة السوق المالية، وفقاً للتوقيت الملائم، الذي تراه الهيئة بفتح المجال للمؤسسات المالية الأجنبية لشراء وبيع الأسهم المدرجة في السوق المالية، خطوة أخرى على طريق زيادة انفتاح السوق المالية السعودية أمام الاستثمارات الأجنبية. ووفقاً لما ستقوم به هيئة السوق المالية من جهودٍ، وتتخذه من إجراءاتٍ احترازية بالدرجة الأولى في حقيقتها لحماية السوق من مخاطر الأسواق العالمية، ومخاطر الأموال الساخنة التي عرف عنها أنّها أخطر مسببات تشكيل الفقاعات السعرية، ومن ثم هروبها مخلّفةً وراءها كوارث اقتصادية ومالية على البلد الذي تتعرض لأخطارها الكبيرة، شهد العالم جزءاً من فصولها الدرامية عبر العقود الماضية، كان من أشهرها وأحدثها الأزمة المالية التي تعرّضت لها النمور الآسيوية في 1997-1998، دفعت ثمنها فادحاً تلك الدول.
وحسبما أوضح البيان الصادر من هيئة السوق المالية، أنّها ستعمل على وضع القواعد الكفيلة بحماية السوق والاقتصاد الوطني من مثل تلك الأخطار المالية والاقتصادية، وبعد أن يستكمل إعداد تلك الإجراءات النظامية، ستقوم الهيئة بنشر مشروع (القواعد المنظمة لاستثمار المؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة في الأسهم المدرجة)، بعد أخذ آراء ومقترحات عموم المستثمرين والمهتمين بتلك القواعد خلال الشهر المقبل بإذن الله ولمدة 90 يوماً.
طبعاً ليست هذه المرة الأولى التي تُفتح السوق أمام الاستثمارات الأجنبية، فقد سبقها خطوة ضيقةٍ جداً في مطلع العام 2008 عبر عمليات المبادلة، التي منحت للمستثمر الأجنبي حق الانتفاع من عوائد الأصول المدرجة للتداول من خلال وسيط محلي مرخّص، ولكنها لم تمنحه حق التملك الكامل للأصل. نتج عن هذه الخطوة تدفقات استثمارية أجنبية ولكنها كانت متدنية قياساً على حجم السوق المالية السعودية، التي تتجاوز قيمتها الرأسمالية اليوم نحو 2.0 تريليون ريال (533.3 مليار دولار أمريكي)، وتعد السوق المالية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط. بلغت تلك التدفقات الاستثمارية من الخارج على السوق المالية السعودية، حسب ميزان المدفوعات السعودي بنهاية الربع الأول من العام الجاري، أكثر من 47.3 مليار ريال (12.6 مليار دولار أمريكي)، وهو ما لا يتجاوز كنسبة من إجمالي السوق المالية السعودية 2.4 في المائة.
بالنظر إلى حجم السوق المالية السعودية، الذي يشكل نحو 5.5 في المائة حجم الأسواق الناشئة، يُقدّر أن تستقطب تقريباً ما يعادل هذه النسبة من إجمالي الاستثمارات المتركزة على تلك الأسواق، وهو رقم ليس بالهيّن إذا علمنا أنّ الأسواق الناشئة في الوقت الراهن تستحوذ على اهتمام العديد من المؤسسات الاستثمارية وكبار المستثمرين حول العالم، اختلفت التقديرات حولها، إلا أنّها تعد ضخمة تتجاوز التريليونات من الدولارات الأمريكية.
في المقابل؛ توجد العديد من الاعتبارات والاشتراطات الدولية وفقاً للـMSCI Market Classification Framework ، التي يعتقد أنّها ستقلّص من عدد الشركات المتاحة للتداول من قبل المؤسسات الاستثمارية، والتي تتعلق بحجم الشركات على مستوى القيمة السوقية، حيث في الأسواق الناشئة يجب ألا تقل القيمة السوقية للشركة عن 3.3 مليار ريال (873 مليون دولار أمريكي)، وفي الأسواق الأقل منها تطوراً ألا تقل عن 6.5 مليار ريال (1.7 مليار دولار أمريكي)، وألا تقل الأسهم القابلة للتداول عن 50 في المائة من رأس مال الشركة، هذا عدا الشروط المبينة في الجدول المرفق على مستوى التنمية الاقتصادية للبلد، إضافةً إلى بقية الشروط التفصيلية من حيث سيولة السوق، وحجم تملك الحكومات في الشركات المدرجة،
هذا بدوره سيقلّص من عدد الشركات المدرجة المتاحة للتداول من قبل المؤسسات الاستثمارية الأجنبية، وهو ما يُضاف إلى معايير الربحية التي ستكون في مقدمة اعتبارات تلك المؤسسات. وبالنظر إلى الشركات السعودية المدرجة، وبتطبيق تلك الاعتبارات التي ستتضح بصورةٍ أفضل وأوضح في المستقبل القريب، فإن التقديرات المبدئية تتحدث عن أن أهلية الشركات الممكن تداولها من تلك المؤسسات قد لا يتجاوز الـ 40 شركة مساهمة في أحسن الأحوال، وهذا مجرد تقدير مبدئي، سيتضح بصورة دقيقة بعد انتهاء هيئة السوق المالية من عملها على الإجراءات التنظيمية التي ستظهر بعد نحو 90 يوماً من تاريخ صدور الموافقة السامية.
وتصل تقديراتنا لحجم التدفقات الاستثمارية المتوقع دخولها خلال أول عام من بداية تنفيذ القرار إلى 150 مليار ريال.
إجمالاً؛ السوق المالية السعودية بدأت النظرة الإيجابية لها بصورةٍ أكثر عدالة منذ نهاية عام 2012م، التي بدأ من حينها رحلة الصعود المستمرة، التي لم يتخللها إلا شهران فقط تعرض خلالهما لجني أرباح قصير، أسهم في مراحل تالية في زيادة تدفق السيولة، وكلا الانخفاضين في فبراير وأغسطس 2013 كانا -0.6 % و01.9 % على التوالي، نتج الأخير عن عوامل خارجية، فيما ظلت العوامل الداخلية اقتصادياً ومالياً تدعم صعود السوق، وتجتذب مزيداً من سيولة المستثمرين، ويدخل بطبيعة الحال في صلب تلك العوامل النمو المستمر الذي شهدته أرباح الشركات المدرجة في السوق، خاصةً الكبرى والمتوسطة، لتسجّل بنهاية العام الماضي نموها الإيجابي للعام السادس على التوالي، وهو ما حسّن من جاذبية الأصول الرابحة في السوق، في الوقت الذي وصلت إليه إلى مستوياتٍ من الأسعار تعد جاذبة، قياساً على مكررات الأرباح والقيم الدفترية مقابل قيمها السوقية المتدنية، كل تلك العوامل وغيرها المرتبطة باستمرار الانفاق الحكومي القياسي الذي تشهده البلاد طوال عقدٍ مضى، لا بد أن تجد نوافذها للتأثير على زيادة جاذبية السوق من جهة، ومن جهة أخرى تمنحه جداراً صلباً واقياً تجاه العوامل السلبية في الخارج، والتي تثبت التجربة زيادة مناعة السوق تجاهها.
والتوقعات تشير إلى استمرار تلك الإيجابية، وأن تشهد السوق مزيداً من تحقيق المكاسب، خاصة بعد إجازة عيد الفطر، قياساً على استمرار العوامل المذكورة سلفاً، وزيادة تأثيرها مستقبلاً، وبصدور هذا القرار؛ يتوقع أن تواصل اندفاعها بصورةٍ أقوى وأكبر.
الأمر الجدير يالتذكير به لأهميته، أنّ على المستثمرين تجاهل المقارنة السطحية بين قيمة المؤشر الحر بمستواه في الوقت الراهن، مع القمّة السابقة التي وصل إليها المؤشر العام في نهاية فبراير 2006م، وذلك للاختلاف الكبير الذي طرأ على آلية احتساب المؤشر. حسب إغلاق الأحد الماضي في 6 يوليو 2014م بلغت قيمة المؤشر الحر للسوق نحو 9752 نقطة، وهي تعادل وفق آلية المؤشر العام بطريقته القديمة نحو 13197 نقطة! وعليه فالقمة السابقة للمؤشر والأعلى في تاريخه التي بلغت 20634 نقطة، تعادل وفق معادلة احتساب المؤشر الحر اليوم مستوى قريباً من 15300 نقطة! وهو ما يعني اقتراب المؤشر في الوقت الراهن منها عاماً بعد عام، وقد لا يستغرق الوصول إليها أكثر من عامين مقبلين إن لم تكن أقل.
* عضو جمعية الاقتصاد السعودية