أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



والبرزخ هو الحد الفاصل بين حياة المخلوق في الدنيا وبعثه يوم القيامة، سواء كان ممن مات ودفن في قبر، أم لم يدفن في قبر، كما هي حال من يهلكون في حوادث الطيران أو السيارات أو الزلازل والبراكين أو غيرها.

هذا البرزخ يبدأ فيه نعيم الصالحين الأبرار، وعذاب الفاسقين الفجار، كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)}.[المؤمنون]

اختبار مختصر:

وعندما ينتقل الميت من حياته الدنيا إلى برزخه، يبدأ اختباره بكلمات مختصرة إذا وفقه الله تعالى للإجابة عنها، بشر بسعادته في البرزخ وما تتلوه من حياة الآخرة، كما في حديث البراء بن عازب: أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: (المسلم إذا سئل في القبر: يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)}. [صحيحا البخاري ومسلم. والآية من سورة إبراهيم، برقم: 27.]

وفي حديث طويل للبراء بن عازب، يقول خرجنا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، في جنازة ـ إلى أن ذكر أنه عليه الصلاة والسلام، قال: ـ (فترد روحه إلى جسده، فتأتيه الملائكة فيقولون: من ربك؟ قال: فيقول: الله. فيقولون: ما دينك؟ فيقول: الإسلام. فيقولون: ما هذا الرجل الذي خرج فيكم؟ قال فيقول: رسول الله. قال فيقولون: وما يدريك؟ قال: فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت). [أخرج الحاكم في المستدرك (19/111) دار الكتب العلمية.]

فمحطة البرزخ - ومنه القبر - الثابتة في كتاب الله وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وكل العقلاء يرونها أمامهم، وكل واحد ينتظرها طال عمره أم قصر، توجب على الإنسان ـ وبخاصة المؤمن الذي يعلم أن القبر إما أن يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ـ أن يستعد لها، وأن يفكر فيها تفكيراً يملأ قلبه بالهيبة والرهبة والخشية التي تكسبه الخشوع لربه كلما ذكر مصيره إليه.

إنه القبر محل وحشة لا يجد الإنسان فيه أهلاً ولا ولداً ولا مالاً ولا أنيساً، إن أهله وأصدقاءه يحملونه على نعشه فيضعونه في قبره ويظهرون حزنهم عليه حيث يوسد التراب الذي سيكون فيه ضيفاً على الدود بعد فترة ليست بالطويلة، وسيتركونه ويرجعون مع النعش واللحاف الذي غطوه به، فلا يبقى معه سوى عمله.

كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما، عن أنس بن مالك، يقول: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله) وقد ثبت عذاب القبر ونعيمه في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

نعيم القبر وعذابه:

وقد نهى الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام، عن الصلاة على المنافقين، وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول، كما قال تعالى؛ لأن المقصود من الصلاة على الموتى الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة في قبورهم وبعد خروجهم منها، وجعل قبورهم رياضاً من رياض الجنة والمنافقون محرومون من ذلك، قال تعالى: {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)}.[التوبة] وقال تعالى - وهو يذكر بعض مراحل خلق الإنسان -: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ(21)}. [عبس]

وقال تعالى، مذكراً خلقه بعبورهم إلى البعث عن طريق المقابر ـ: { أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ(2)} [التكاثر] يذكرهم تعالى بأن ما أشغلوا أنفسهم به من زخارف الحياة الدنيا من الأموال والأولاد وغيرها، ألهاهم عن مقابرهم التي سيزورونها بعد موتهم، فيجدون أن ما ألهاهم عن التفكر فيها وتذكرها كان وبالاً عليهم؛ لأنهم لم يعدوا لها ما يسعدون به فيها من الأعمال الصالحة التي ترضي ربهم عنهم.

ومن الآيات التي استدل بها العلماء على عذاب القبر، قوله تعالى في فرعون وقومه: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)}.[غافر] قال القرطبي رحمه الله عند تفسير للآية: "والجمهور على أن هذا العرض في البرزخ. واحتج بعض أهل العلم في تثبيت عذاب القبر بقوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} ما دامت الدنيا. كذلك قال مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب كلهم قال: هذه الآية تدل على عذاب القبر في الدنيا، ألا تراه يقول عن عذاب الآخرة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}.

ومن الأحاديث الدالة على نعيم القبر وعذابه، ما رواه ابن عمر رضي الله عنهـما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي. إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة. وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار. يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة). [البخاري (1/463) دار إحياء التراث العربي، ومسلم (17/169) دار الكتب العلمية.]

وفي حديث أنس رضي الله تعالى عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد عليه الصلاة والسلام؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة). قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فيراهما جميعاً).. (وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس. فيقال: لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين). [البخاري (1/448).]

ومعلوم أن المسلم لا يدري ما يختم له، ففي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: "حدثنا رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات، فيكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة.. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار). [البخاري (3/1212)..]

وهذا يدعوه إلى الخوف المستمر من سوء الخاتمة التي إذا مات عليها استحق عذاب القبر، فيبقى مقبلاً إلى ربه متذللاً خاشعاً يرجوه حسن الخاتمة، والنجاة من عذاب القبر، ولهذا كان الرسول ‘ يكثر من الاستعاذة بالله من عذاب القبر، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما.