أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


(03) الإيمان هو الأساس

(ب) مقدمة الدكتور عبد الوهاب الديلمي لكتاب "الإيمان هو الأساس"

[الدكتور عبد الوهاب الديلمي، نال الشهادة الجامعية "مرحلة الليسانس" من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ونال شهادة الماجستير من جامعة أم القرى بأم القرى، وشهادة الدكتوراه، من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، وقام بالتدريس في جامعة صنعاء، ويقوم بالإمامة والخطابة في بعض مساجد صنعاء، وكان وقت كتابته هذا التقديم، وزير العدل بالجمهورية اليمنية. (المؤلف).]

الحمد لله الذي أنزل على عبده قوله سبحانه وتعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ(7)}[الزمر].

وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً(175)}[النساء].

وقوله جل شأنه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(155)}[الأنعام].

وقوله تقدست أسماؤه: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(7)}[الأعراف].

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(71)}[الأنعام].

وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57)}[يونس].

وقال عز من قائل: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى(172)}[طه].

وقال جل جلاله: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ(54)}[النور].

وقال ـ وهو أصدق القائلين ـ: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(3)}[النور].

وقال جلت قدرته: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(51)}[النور].

وقال جلت عظمته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ(100)}[آل عمران].

وقال عزَّ سلطانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ(149)}[آل عمرن].

والصلاة والسلام على رسول الله القائل: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار). رواه مسلم.

والقائل: (إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقو على مهلتهم، وكذَّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبَّحهم الجيش فأهلكم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق). أخرجه الشيخان.

والقائل: (إنما مثلي ومثل أمتي كرجل استوقد ناراً، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحمون فيه). رواه مسلم.

والقائل: (كل أمتي تدخل الجنة إلا من أبى) قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى). رواه البخاري.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فإني قد قضيت ساعات ممتعة، أطالع فيها هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ.

فقد شدني إليه مواطن كثيرة خرجت بالقارئ عن المألوف مما كتب عن الإيمان، مما لم يسلم في كثير من الأحيان من الفلسفة الكلامية التي غلبت على كثير مما كتب في هذا المجال، لوجود عوامل متعددة، من غزو علم الكلام لهذا العلم الجليل، حتى خضع لفلسفات عقلية [زعم أصحابها أن العقل اقتضاها، وهي في الحقيقة ثمرات عقول مريضة معتدية على وحي الله وشرعه، فسموها: عقلية، والعقول السليمة بريئة منها]. وجدل عقيم، ومهاترات سلبت هذا العلم رونقه وبهاءه، وأبعدته عن الغاية المطلوبة منه.

ومن يقارن بين ما كتب فيما عُرِف بـ(علم العقيدة) وبين النصوص الشرعية في الكتاب والسنة، يجد البون الشاسع؛ فتلاوة القرآن بتأمل وخشوع واستهداء وموضوعية، تُكسب المرء قوةً في إيمانه، وكشفاً لأحوال نفسه التي تحتاج دائماً إلى رعاية ويقظة وتربية ومحاسبة، فتعرف مكامن الخلل وجوانب النقص في سلوكه.

وهنا يسعى إلى الرقي في معارج الإيمان ومدارج التقوى، بينما القارئ للكتب المشار إليها، يجد جفافاً في عباراتها، وتعقيداً في تراكيبها، وخروجاً بالنصوص الشرعية عن أهدافها التي أُنزلت من أجلها، ومعركة عقلية بين طوائف متعددة، مما يبعد القارئ عن الغاية التي أرادها الله عز وجل من إنزال كتاب الهداية والنور والبيان والشفاء والموعظة.

وقد وجدت أخانا "عبد الله بن أحمد قادري الأهدل" مؤلف الكتاب الذي بين أيدينا، حاول أن يحرر كتابه عن ذلك المنهج الذي أشرت إليه، فنجح نجاحاً كبيراً، وعالج في كل موضوع من موضوعات الكتاب ما يُحتاج إليه، مشبعاً في ذلك البحث، حريصاً على أن يجعل القارئ مستوعباً لما يريد بيانه وإيضاحه، متوخياً منهج القرآن والسنة في إيصال الهداية إلى النفوس، معالجاً بذلك كثيراً من المشكلات القائمة من الإنحراف في الفهم، والتعطيل للأحكام الشرعية، والابتعاد عن تحكيم شرع الله تعالى، وفشو الجهل في الناس، والتواني في الدعوة إلى الله تعالى، والاختلاف الذي أدى إلى التناحر والتباغض والشحناء واستحلال الأعراض، والبعد عن الأسلوب الشرعي في الجدال والحوار، وفقدان حسن الظن وسلامة الصدر[لفقدان الإيمان الحق الذي يعصم من ذلك كله. (المؤلف).].

كما شرح أركان الإيمان شرحاً مستوفياً للغرض المقصود بأسلوب يشد القارئ إلى عبارته السَّلِسَة الموضوعية التي يخرج منها المرء بزاد من التقوى والإيمان بإذن الله.

وقد نَبَّه إلى أن الحياة لا تستقيم إلا إذا سار الكون - بما فيه الإنسان - طبقاً لسنن الله عز وجل الكونية: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. وسننه سبحانه الشرعية: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدين القيم}، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، وأن تمرد الإنسان وخروجه على مقتضى شرع الله عز وجل إنما يؤدي إلى الفساد والإفساد، فالذي خلق الكون بنواميسه وسننه، ليسير وفقاً لها، بحيث لو خرج عنها لأدى ذلك إلى فساد عظيم، هو سبحانه الذي خلق الإنسان وشرع من الأحكام ما لا تصلح حياته بدونها: {فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}، والضلال يقابله الهدى في الدنيا، كما أن الشقاء يقابله النعيم والسعادة والفلاح في الآخرة.

ومن المواطن التي حرر فيها المقام: تكفير المسلم، ومتى يجوز شرعاً التكفير والتفسيق؟ ومتى يقال للعمل كفر، ولا يقال لفاعله كافر؟ وتقسيم الكفر إلى أكبر وأصغر، وكذا الشرك، وبيان أن السلف اختلفوا في بعض مسائل [من] أصول الدين، ولم يؤد ذلك إلى التشنيع على المخالف، مثل الاختلاف في:

ـ هل كان الإسراء بالروح فقط، أو كان بالجسد؟

ـ هل رأى محمد ربه سبحانه وتعالى؟
ـ هل يسمع الميت صوت الحي؟

ـ هل يعذب الميت ببكاء أهله؟

ـ هل تفنى الجنة والنار؟ وغيرها من المسائل.

ومن المواطن التي جلَّى فيها وجه الحقيقة: التحذير من تعطيل الاجتهاد وما يؤدي إليه ذلك من مفاسد عظيمة، فالاسلام دين الله عز وجل الخالد إلى يوم الدين، وهو الشامل لكل قضية، ولم يبعث الله تعالى بعد محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، والقضايا المستجدة تحتاج إلى بيان حكمها في شرع الله، والعلماء ورثة الأنبياء، وفي الإسلام من القواعد والأصول ما يستوعب كل جديد إذا رُدَّ إليها، وهناك القياس بضوابطه.. كما تحدَّث عن مفهوم السياسة الشرعية الإسلامية والتشويه المتعمد لمعناها، ومحاولة إقصاء الإسلام عن ميادين الحياة والواقع العملي..

وخلاصة القول: إنَّ الكتاب جدير بأن يقتنى ويدرس بعناية.

وكم أتمنى لو أن الكتب المنهجية في الجامعات التي تدخل الطالب في متاهات الجدل العقيم، حذت هذا الحذو وسارت في هذا المنهج وسلكت هذا السبيل، فما أحوج الشباب اليوم إلى الوسائل التي تغرس الإيمان وتثبته في قلوبهم، وتربطهم بمنابع الإسلام الصافية العذبة غير مشوبة بما يكدرها، ليواجِه بذلك خضم الفتن من حوله، وسيل الشبهات، وإغراء الشهوات، حتى يقوى على مقاومة كل ذلك بقوة الإيمان وسلامة العقيدة، ومتانة الخلق، واستقامة السلوك، ومطابقة العمل لشرع الله سبحانه وتعالى.

وفي الختام أسأل الله أن يثيب الكاتب على جهده المشكور، وأن ينفع بكتابه هذا وبسائر كتبه، وأن يوفق الجميع إلى ما فيه مرضاته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين
25 رجب عام1417ﻫ
5 ديسمبر عام 1996م

عبد الوهاب بن لطف الديلمي.


(ب) مقدمة الدكتور عبد الوهاب الديلمي لكتاب "الإيمان هو الأساس"

[الدكتور عبد الوهاب الديلمي، نال الشهادة الجامعية "مرحلة الليسانس" من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ونال شهادة الماجستير من جامعة أم القرى بأم القرى، وشهادة الدكتوراه، من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، وقام بالتدريس في جامعة صنعاء، ويقوم بالإمامة والخطابة في بعض مساجد صنعاء، وكان وقت كتابته هذا التقديم، وزير العدل بالجمهورية اليمنية. (المؤلف).]

الحمد لله الذي أنزل على عبده قوله سبحانه وتعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ(7)}[الزمر].

وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً(175)}[النساء].

وقوله جل شأنه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(155)}[الأنعام].

وقوله تقدست أسماؤه: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(7)}[الأعراف].

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(71)}[الأنعام].

وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57)}[يونس].

وقال عز من قائل: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى(172)}[طه].

وقال جل جلاله: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ(54)}[النور].

وقال ـ وهو أصدق القائلين ـ: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(3)}[النور].

وقال جلت قدرته: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(51)}[النور].

وقال جلت عظمته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ(100)}[آل عمران].

وقال عزَّ سلطانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ(149)}[آل عمرن].

والصلاة والسلام على رسول الله القائل: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار). رواه مسلم.

والقائل: (إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقو على مهلتهم، وكذَّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبَّحهم الجيش فأهلكم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق). أخرجه الشيخان.

والقائل: (إنما مثلي ومثل أمتي كرجل استوقد ناراً، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحمون فيه). رواه مسلم.

والقائل: (كل أمتي تدخل الجنة إلا من أبى) قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى). رواه البخاري.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فإني قد قضيت ساعات ممتعة، أطالع فيها هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ.

فقد شدني إليه مواطن كثيرة خرجت بالقارئ عن المألوف مما كتب عن الإيمان، مما لم يسلم في كثير من الأحيان من الفلسفة الكلامية التي غلبت على كثير مما كتب في هذا المجال، لوجود عوامل متعددة، من غزو علم الكلام لهذا العلم الجليل، حتى خضع لفلسفات عقلية [زعم أصحابها أن العقل اقتضاها، وهي في الحقيقة ثمرات عقول مريضة معتدية على وحي الله وشرعه، فسموها: عقلية، والعقول السليمة بريئة منها]. وجدل عقيم، ومهاترات سلبت هذا العلم رونقه وبهاءه، وأبعدته عن الغاية المطلوبة منه.

ومن يقارن بين ما كتب فيما عُرِف بـ(علم العقيدة) وبين النصوص الشرعية في الكتاب والسنة، يجد البون الشاسع؛ فتلاوة القرآن بتأمل وخشوع واستهداء وموضوعية، تُكسب المرء قوةً في إيمانه، وكشفاً لأحوال نفسه التي تحتاج دائماً إلى رعاية ويقظة وتربية ومحاسبة، فتعرف مكامن الخلل وجوانب النقص في سلوكه.

وهنا يسعى إلى الرقي في معارج الإيمان ومدارج التقوى، بينما القارئ للكتب المشار إليها، يجد جفافاً في عباراتها، وتعقيداً في تراكيبها، وخروجاً بالنصوص الشرعية عن أهدافها التي أُنزلت من أجلها، ومعركة عقلية بين طوائف متعددة، مما يبعد القارئ عن الغاية التي أرادها الله عز وجل من إنزال كتاب الهداية والنور والبيان والشفاء والموعظة.

وقد وجدت أخانا "عبد الله بن أحمد قادري الأهدل" مؤلف الكتاب الذي بين أيدينا، حاول أن يحرر كتابه عن ذلك المنهج الذي أشرت إليه، فنجح نجاحاً كبيراً، وعالج في كل موضوع من موضوعات الكتاب ما يُحتاج إليه، مشبعاً في ذلك البحث، حريصاً على أن يجعل القارئ مستوعباً لما يريد بيانه وإيضاحه، متوخياً منهج القرآن والسنة في إيصال الهداية إلى النفوس، معالجاً بذلك كثيراً من المشكلات القائمة من الإنحراف في الفهم، والتعطيل للأحكام الشرعية، والابتعاد عن تحكيم شرع الله تعالى، وفشو الجهل في الناس، والتواني في الدعوة إلى الله تعالى، والاختلاف الذي أدى إلى التناحر والتباغض والشحناء واستحلال الأعراض، والبعد عن الأسلوب الشرعي في الجدال والحوار، وفقدان حسن الظن وسلامة الصدر[لفقدان الإيمان الحق الذي يعصم من ذلك كله. (المؤلف).].

كما شرح أركان الإيمان شرحاً مستوفياً للغرض المقصود بأسلوب يشد القارئ إلى عبارته السَّلِسَة الموضوعية التي يخرج منها المرء بزاد من التقوى والإيمان بإذن الله.

وقد نَبَّه إلى أن الحياة لا تستقيم إلا إذا سار الكون - بما فيه الإنسان - طبقاً لسنن الله عز وجل الكونية: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. وسننه سبحانه الشرعية: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدين القيم}، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، وأن تمرد الإنسان وخروجه على مقتضى شرع الله عز وجل إنما يؤدي إلى الفساد والإفساد، فالذي خلق الكون بنواميسه وسننه، ليسير وفقاً لها، بحيث لو خرج عنها لأدى ذلك إلى فساد عظيم، هو سبحانه الذي خلق الإنسان وشرع من الأحكام ما لا تصلح حياته بدونها: {فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}، والضلال يقابله الهدى في الدنيا، كما أن الشقاء يقابله النعيم والسعادة والفلاح في الآخرة.

ومن المواطن التي حرر فيها المقام: تكفير المسلم، ومتى يجوز شرعاً التكفير والتفسيق؟ ومتى يقال للعمل كفر، ولا يقال لفاعله كافر؟ وتقسيم الكفر إلى أكبر وأصغر، وكذا الشرك، وبيان أن السلف اختلفوا في بعض مسائل [من] أصول الدين، ولم يؤد ذلك إلى التشنيع على المخالف، مثل الاختلاف في:

ـ هل كان الإسراء بالروح فقط، أو كان بالجسد؟

ـ هل رأى محمد ربه سبحانه وتعالى؟
ـ هل يسمع الميت صوت الحي؟

ـ هل يعذب الميت ببكاء أهله؟

ـ هل تفنى الجنة والنار؟ وغيرها من المسائل.

ومن المواطن التي جلَّى فيها وجه الحقيقة: التحذير من تعطيل الاجتهاد وما يؤدي إليه ذلك من مفاسد عظيمة، فالاسلام دين الله عز وجل الخالد إلى يوم الدين، وهو الشامل لكل قضية، ولم يبعث الله تعالى بعد محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، والقضايا المستجدة تحتاج إلى بيان حكمها في شرع الله، والعلماء ورثة الأنبياء، وفي الإسلام من القواعد والأصول ما يستوعب كل جديد إذا رُدَّ إليها، وهناك القياس بضوابطه.. كما تحدَّث عن مفهوم السياسة الشرعية الإسلامية والتشويه المتعمد لمعناها، ومحاولة إقصاء الإسلام عن ميادين الحياة والواقع العملي..

وخلاصة القول: إنَّ الكتاب جدير بأن يقتنى ويدرس بعناية.

وكم أتمنى لو أن الكتب المنهجية في الجامعات التي تدخل الطالب في متاهات الجدل العقيم، حذت هذا الحذو وسارت في هذا المنهج وسلكت هذا السبيل، فما أحوج الشباب اليوم إلى الوسائل التي تغرس الإيمان وتثبته في قلوبهم، وتربطهم بمنابع الإسلام الصافية العذبة غير مشوبة بما يكدرها، ليواجِه بذلك خضم الفتن من حوله، وسيل الشبهات، وإغراء الشهوات، حتى يقوى على مقاومة كل ذلك بقوة الإيمان وسلامة العقيدة، ومتانة الخلق، واستقامة السلوك، ومطابقة العمل لشرع الله سبحانه وتعالى.

وفي الختام أسأل الله أن يثيب الكاتب على جهده المشكور، وأن ينفع بكتابه هذا وبسائر كتبه، وأن يوفق الجميع إلى ما فيه مرضاته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين
25 رجب عام1417ﻫ
5 ديسمبر عام 1996م

عبد الوهاب بن لطف الديلمي.