أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


(تعليقاتي على مقدمة الشيخ ستكون بين معقوفين،هكذا: [] وستكون هذه المقدمة في حلقتين، هذه هي الحلقة الأولى)

( أ ) بين يدي الكتاب: لفضيلة الشيخ محمد مصطفى المجذوب.



بسم الله الرحمن الرحيم

مؤلف هذا الكتاب من أوائل الذين بدأت صداقتي معهم، منذ الأيام الأولى لالتحاقي مدرساً في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد مرَّ على ذلك سبعة وعشرون عاماً، لم توهن من تلك العلاقة الأخوية، على تقلب الأحوال وتباعد المنازل والأعمال.

ولما أضافت رئاسة الجامعة إليَّ مهمة الإشراف الاجتماعي، لم يكن لي بد من السكن فيها، وكانت مناسبة أخرى لمزيد من التلاقي مع هذا الأخ الفاضل، إذ كان السكن بجواره [كان المؤلف يسكن مع أهله في مقر الجامعة ـ قبل أن يسكن به الشيخ المجذوب ـ بأمر من سماحة شيخه ابن باز، وفقه الله.] مدعاة لكثير من التزاور، على مدى ما يقارب السنتين، انقطعتُ بعدهما إلى التدريس وحده [تولى المؤلف ـ بعد الشيخ المجذوب ـ شؤون الإشراف الاجتماعي، في الجامعة الإسلامية، بتكليف من سماحة شيخه، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الذي كان نائباً لرئيس الجامعة، وبقي المؤلف قائماً بهذا العمل مع التدريس لمدة لا تقل عن عشر سنوات، انتقل بعدها عميداً لكلية اللغة العربية في الجامعة.] ، ومن ثم قلّتْ فرص لقائنا، إلا أن الصلة لم تنفصم، إذ كانت مناسبات النشاطات التي كنا نقوم بها لاصطحاب الطلبة في الرحلات الأسبوعية، مع بعض الإخوة المدرسين، وفي طليعتهم هذا الصديق الحبيب، فرصاً معوضة تتمازج فيها أفكارنا فتشد من علائقنا الحميمة... ولا أنس أثر دماثته الخلقية في تعهد هذه الصلة بمغذياتها الطيبة، وهي الصفة التي يشترك فيها مع رفاقه الوافدين إلى الجامعة من جنوب المملكة، إلى جانب مميزا‏تهم الأخرى، من حب العلم والعمل الجاد في الدعوة إلى الله وحقائق الإسلام في كل تصرفاتهم الفردية والاجتماعية.

وحسبي شاهداً على ذلك ما كنت أراه في هذا الأخ من جد في تتبعه لأفكار شيخنا محمد الأمين الشنقيطي تغمده الله برحماته، سواء في قاعة الدرس بالجامعة، أو في رحاب المسجد النبوي المبارك، أثناء دروس الشيخ أيام شهر رمضان في كل عام، إذ كان يأخذ نفسه بتسجيل كل صغيرة وكبيرة، من كلمات ذلك العلامة [كنت أسجل ـ كتابةً ـ دروس الشيخ رحمه الله في قاعة الدرس فقط، وبخاصة في السنتين الأخيرتين من سني الدراسة، أما الحرم، فلم أسجل فيه من دروسه شيئاً، بل كان حضوري قليلاً، وكنت أسمع منه فقط إذا حضرت. المؤلف.] الذي لم أعرف له نظيراً في علوم القرآن وشواهده من فصيح العربية، وقد استطاع أن يجمع من تلك الدروس مقتبسات نشرت في كتابين [سيذكرهما الشيخ فيما بعد، وهما ـ في الحقيقة ـ كتابة مستوعبة، لما كان شيخنا الكبير يلقيه من الدروس في قاعة الدرس، لمدة سنتين دراسيتين، وقد فصَّلت القول في كيفية كتابتي تلك في مقدمة الكتابين ـ معارج الصعود إلى تفسير سورة هود، وتفسير سورة النور ـ وليسا مقتبسين فقط، كما قال الشيخ.].

ومن هنا كان سروري بالدعوة لكتابة هذه المقدمة، إذ وجدتها فرصة حبيبة لاستعادة بعض الذكريات التي نسجتها صداقة عمر يقارب الثلاثة من العقود.

ولئن أطلت بعض الشيء عن شخصية المؤلف وبيئته بادي الرأي، فلما أعلمه من الصلة الوثقى بين إنتاجه الفكري ومقوماته النفسية التي تطغى على سائر إنتاجه وتجعله صورة مُجَسِّمة لهذه الشخصية، حتى لكأن قارئه إنما يحاور ذاته من خلال كلماته.

وقبل الدخول في تعريف الكتاب، يحسن بي أن أعرض بلمحة وجيزة لعنوانات بعض الصادرات من مؤلفاته، ولقد سجلت الرقم الثامن عشر حتى الآن، يتلوها عدد آخر يعمل في تجهيزه للطبع.

فمن هذه المطبوعات:

1 ـ الردة عن الإسلام، وخطرها.. وهو مضمون رسالة نال بها شهادة الماجستير من كلية الشريعة والقانون من جامعة الأزهر [هذه الرسالة بحث صغير ـ وهو إحدى مواد الدراسة ـ إذ لم تكن الكلية في تلك الفترة تشترط لشهادة الماجستير رسالة مستقلة، وكان ذلك في سنة 1394ﻫ ـ 1974م. وهي الآن قيد المراجعة لطبعة جديدة.].
2 ـ الشورى.
3 ـ الإسلام وضرورات الحياة.
4 ـ الدعوة إلى الإسلام في أوربا.
5 ـ تفسير سورة هود (معارج الصعود إلى تفسير سورة هود) مقتبسات من دروس الشيخ الشنقيطي، رحمه الله.
6 ـ تفسير سورة النور ـ مقتبسات من دروس الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله.
7 ـ حوار مع مسلمين أوربيين.
8 ـ حوار مع أوربيين غير مسلمين [اسم الكتاب الأول: حوارات مع مسلمين أوربيين، واسم الثاني: حوارات مع أوربيين غير مسلمين.].
9 ـ أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي.
10 ـ الجهاد في سبيل الله [واسم الكتاب: الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته، ويقع في مجلدين كبيرين، وقد راجعت الكتاب بغية اختصاره، ولكنه أصبح الآن أربعة مجلدات، بسبب زيادة إيضاحات، وموضوعات جدت]. الأطروحة التي نال بها شهادة الدكتوراه.

والقارئ عندما ينعم الفكر في هذه العنوانات، سيدرك أنه تلقاء الطابع الواقعي الذي أول ما يواجهه من أعمال المؤلف، فهو في سائر كتبه إنما يهدف إلى إبراز الفكرة التي يؤمن بها والمنهج الذي يدعو إليه، وليس هناك صفحة واحدة كتبت لمجرد اللغو واللهو، وما أحسبك واجداً ثمة فقرة واحدة تتجاوز نطاق الرغبة في الإصلاح على ضوء الوحي، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرجل طبع منذ أن بدأ يتذوق طعم الحقيقة الإسلامية على الدعوة إلى الله، وكأني به يحاسب نفسه على كل لحظة تعبر من حياته في غير العمل لهذه الحقيقة.

ولا أنسى أطروحته لشهادة الدكتوراه، وهي في موضوع الجهاد وأهميته في نظام الإسلام، إنما تمثل رؤيته الشمولية لأهداف هذا الدين الذي ناط به خالق الكون سلام الإنسانية وانتظام مسيرتها في الطريق الموصل إلى سعادة الدارين، فكل انحراف عن مهيعه ـ قل أو كثر ـ مؤد إلى مقداره من الانزلاق في هاوية الشقاء والضياع والفتن التي تشحن الأرض بالرعب، لتستحيل إلى الوضع الذي تعيشه البشرية هذه الأيام مرتعاً لضروب الآثام والصراع على توافه الأوهام.
ومن هنا كانت رحلته الطويلة في تلك الأطروحة التي جاوزت الألف من الصفحات، للتعبير عن يقينه التام بأن دين الله لا بد له من الإعداد والتسلح بالقوة الرادعة التي تدفع عنه مكايد الشياطين، وتفسح له السبيل للوصول إلى قلوب الغافلين، كي تؤهلهم لتطهير الأرض من الفساد والمفسدين، تحقيقاً لأمر الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ(60)}[الأنفال].

وإيمانا بتوجيهه الحق: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ(251)}[البقرة] ذلك لأن الإسلام في مفهوم المؤلف، لا يقف عند حدود العقيدة والعبادات اليومية، بل هو حياة شاملة متوازنة، لا انفصام فيها، ودعوة فاعلة لا تعرف الجمود، وكيف وهو يقرأ في كتاب ربه قوله الحاسم: {لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَالمَلَائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ(177)}[البقرة].

كيف وهو يرى من خلال هذا التوجيه الأعلى معالم الهدى التي تستوعب كل الأضواء التي تُعَيِّن للسالكين طرائق النجاة، فلا يزيغ عنها إلا هالك؟

وكيف لا يستهويه الحديث المسهب عن الجهاد، وهو يرى طغاة البشر غارقين أبداً في تطوير أدوات الموت، للانقضاض على المستضعفين والمسلمين في كل مناسبة وكل مكان وقد سخروا أذنابهم من القاديانيين والعلمانيين للدعوة إلى إلغاء الجهاد من حياة المسلمين؛ كي يمكنوا لأولئك الطواغيت من استبقاء أغلالهم في أعناق المستضعفين من أقوامهم.

والقارئ ذو الوعي الرشيد إذ ينعم الفكر في هذا الواقع اللازب، لا يتمارى أن يردد على نفسه قول ربه الحكيم: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ(44)}[النور].

ولو أوتي هؤلاء المتنكرون لفريضة الجهاد الإسلامي، مُسكة من التفكير المنير، لما فاتهم أن يبصروا مذابح المسلمين اليومية على أيدي وحوش الهندوس، وبنيران أعداء الإنسانية من غزاة اليهود في فلسطين، ومن قبل تحت كابوس الشيوعية الحمراء في مناطق المسلمين في الاتحاد السوفييتي، وفي جحيم الماركسية الصينية، وبأيدي عتاة الإلحاد في ألبانيا ويوغسلافيا وبلغاريا.. وكل مكان عَنَا فيه ضعفاء المسلمين لطواغيت الظالمين.

وأخيراً لو أتيح لهؤلاء المتنكرين لفضيلة الجهاد الإسلامي أن ينعموا النظر في أثر هذا الجهاد وفاعليته الرائعة في تحطيم أكبر قوة إلحادية في العالم على أيدي الحفاة العراة الجياع من أبطال الإسلام في أفغانستان، ثم آثار جهادهم في تحرير الشعوب الراسفة في أغلال العبودية الماركسية على مستوى الأرض كلها.. أجل.. لو قدر لهؤلاء العمي أن يبصروا ذلك؛ لخجلوا من تنكرهم لدين الله، ولأيقنوا أن الجهاد في سبيل الله هو السبيل الوحيدة لإنقاذ الإنسانية من مخالب الطغاة، وإعطائها الفرصة لاسترداد مكانتها التي أكرم الله بها جنس الإنسان.
ونحن في ضوء هذه المعالم نطل على مضامين الكتاب الذي نحن بصدد تعريفه للقارئ.