أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


جنة الدنيا

لقد خلق الله الحياة الدنيا مشتملة على أضداد متباينة، فرح وحزن، غنى وفقر، اجتماع وافترق، حياة وموت، ... تلك الأحوال التي لا يخلو منها إنسان على وجه الأرض، والناس حيال هذا التنوع على صنفين: صنف: شاكر صبور، وصنف: يؤوس كفور، يرضى ساعة ويسخط أخرى، بينما الصنف الأول راضٍ عن ربه في كل قدر ينزل به، وسرُّ هذا الرضا؛ إيمانه المطلق بأن الله قدَّر عنده كل شيء، وأن تقدير الله جارٍ وفق حكمةٍ بالغة، وسنةٍ عادلة، فهو ساكن القلب، مطمئن الفؤاد.
ولا يمكن للعبد الوصول إلى غاية الرضا بالقدر إلا بتحقيق مقدمتين:
المقدمة الأولى: اعتقاد أن الله بيده مقاليد الأمور، وأن حكمه نافذ، ونواصي العباد في قبضته، وهذا جزء من توحيد الله في ربوبيته.
المقدمة الثانية: اعتقاد العبد أن أقدار الله كلَّها عدلٌ، لا ظلم فيها ولا حَيْف، وهاتان المقدمتان منتظِمتان في حديث النبي صصص (اللهم إني عبدك ابنُ عبدك ابنِ أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عَدْلٌ فيَّ قضاؤك) (رواه بن حبان في صحيحه).
فقوله: (ناصيتي بيدك، ماض في حكمك) دليل المقدمة الأولى، وقوله: (عدْل فيَّ قضاؤك) دليل المقدمة الثانية.
وهما مأخوذتان كذلك من قول النبي صصص في جزء من الدعاء الآخر: (له الملك وله الحمد) (متفق عليه).
فالْمُلْك متضمن نفاذَ أحكامه في عباده، والحمد أوجبه عدالةُ أقدارِه.
فإذا سُقِي وادي الإيمان بهاتين السحابتين، أنبت زرع الرضا يانعةً أغصانُه، مُبْهِجةً ثمارُه، خاليةً من أشواك التسخُّط، سالمةً من جوائح الكفران.
فعندها سيكون العبد على يقينٍ أنَّ الله لم يقدِّر له إلا الأصلحَ له، فما منعه إلا ليعطيَه، ولا ابتلاه إلا ليعافيَه، ولا أمرضه إلا ليشفيَه، ولا أماته إلا ليحييَه.
ومن ثمرات الرضا: حصول القناعة، التي هي أصل الغنى، قال صصص: (وارْضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس) (رواه الترمذي).
ومن ثمراته: حصول الرضا من الله، وقد جاء في وصف السابقين الأولين في الكتاب الحكيم: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) (التوبة:100) وقال صصص: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومنسخط فله السخط) (رواه الترمذي)
ولْيعلم المسلم أنه لن يصل إلى مرتبة الرضا إلا بعد مصابرة ومجاهدة؛ إذ هي درجة فوق الصبر، فهي صبر وزيادة، فإذا أدركها العبد أدرك الخير كلَّه، وَوَلَج جنَّة الدنيا من باب الرضا، ومن طلب السعادة بغير الرضا فقد طلب محالاً، وما أدرك مَنالاً.