أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


التعليق على تفسير ابن جرير الطبري المجلس الحادي عشر: (10 - 4 - 1435)
التاريخ: 11 - 5 - 1435 الموافق 12/03/2014
عدد الزيارات: 199
اعتنى به: عمرو الشرقاوي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
[1: 228 - 230].
قال الطبري رحمه الله تعالى:
((الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ: تَأْوِيلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] هَذَا الْكِتَابُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وبإسناده، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] قَالَ: هُوَ هَذَا الْكِتَابُ ".
وبإسناده، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: " {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] هَذَا الْكِتَابُ ".
وبإسناده، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: " {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] قَالَ: هَذَا الْكِتَابُ ".
وبإسناده، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] هَذَا الْكِتَابُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] هَذَا الْكِتَابُ " .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَعْنَى هَذَا؟ وَهَذَا لَا شَكَّ إِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرٍ مُعَايَنٌ، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى غَائِبٍ غَيْرِ حَاضِرٍ وَلَا مُعَايَنٍ؟ قِيلَ: جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ مَا تَقَضَّى وَقَرُبَ تَقَضِّيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ فَهُوَ وَإِنْ صَارَ بِمَعْنَى غَيْرِ الْحَاضِرِ، فَكَالْحَاضِرِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ؛ وَذَلِكَ كَالرَّجُلِ يُحَدِّثُ الرَّجُلَ الْحَدِيثَ، فَيَقُولُ السَّامِعُ: إِنَّ ذَلِكَ وَاللَّهِ لَكُمَا قُلْتَ، وَهَذَا وَاللَّهِ كَمَا قُلْتَ، وَهُوَ وَاللَّهِ كَمَا ذَكَرْتَ. فَيُخْبِرُ عَنْهُ مَرَّةً بِمَعْنَى الْغَائِبِ إِذْ كَانَ قَدْ تَقَضَّى وَمَضَى، وَمَرَّةً بِمَعْنَى الْحَاضِرِ لِقُرْبِ جَوَابِهِ مِنْ كَلَامِ مُخْبِرِهِ كَأَنَّهُ غَيْرُ مُنْقَضٍ، فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] لِأَنَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ لَمَّا قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ الْكِتَابَ {الم} [البقرة: 1] الَّتِي ذَكَرْنَا تَصَرُّفَهَا فِي وُجُوهِهَا مِنَ الْمَعَانِي عَلَى مَا وَصَفْنَا، قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَبَيَّنْتُهُ لَكَ الْكِتَابُ. وَلِذَلِكَ حَسُنَ وَضْعُ ذَلِكَ فِي مَكَانِ هَذَا، لِأَنَّهُ أُشِيرَ بِهِ إِلَى الْخَبَرِ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: {الم} [البقرة: 1] مِنَ الْمَعَانِي بَعْدَ تَقَضِّي الْخَبَرُ عَنْهُ {الم} [البقرة: 1] ، فَصَارَ لِقُرْبِ الْخَبَرِ عَنْهُ مِنْ تَقَضِّيهِ كَالْحَاضِرِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، فَأُخْبِرَ عَنْهُ بِذَلِكَ لِانْقِضَائِهِ وَمَصِيرِ الْخَبَرِ عَنْهُ كَالْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ. وَتَرْجَمَهُ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهُ بِمَعْنَى هَذَا لِقُرْبِ الْخَبَرِ عَنْهُ مِنِ انْقِضَائِهِ، فَكَانَ كَالِمُشَاهَدِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِهَذَا نَحْوَ الَّذِي وَصَفْنَا مِنَ الْكَلَامِ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ هَذَا ذِكْرٌ} [ص: 49] فَهَذَا مَا فِي ذَلِكَ إِذَا عَنَى بِهَا هَذَا.)).

التعليق:
قوله: ((قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ))، هذا من مصطلحات الطبري - وإن لم تكن شائعة في استخدامه -، وذكر أربعة من السلف ممن قال بأن ذلك بمعنى هذا .
وذكر الاستشكال الذي مفاده، أن دلالة (هذا) غير دلالة (ذلك)، فذلك إشارة إلى غائب بعيد، وهذا إشارة إلى حاضر قريب .
وأشار إلى الجواب بقوله: ((وَلِذَلِكَ حَسُنَ وَضْعُ ذَلِكَ فِي مَكَانِ هَذَا، لِأَنَّهُ أُشِيرَ بِهِ إِلَى الْخَبَرِ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: {الم} [البقرة: 1] مِنَ الْمَعَانِي بَعْدَ تَقَضِّي الْخَبَرُ عَنْهُ {الم} [البقرة: 1] ، فَصَارَ لِقُرْبِ الْخَبَرِ عَنْهُ مِنْ تَقَضِّيهِ كَالْحَاضِرِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، فَأُخْبِرَ عَنْهُ بِذَلِكَ لِانْقِضَائِهِ وَمَصِيرِ الْخَبَرِ عَنْهُ كَالْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ.)), فكأنه يقول: أنه قد روعي المخاطب، فإنه حاضر في ذهنه، فصار بذلك هذا وذلك سواء في هذا الموضع .
وهناك فرق بين التفسير والدلالات، فإنه ومع تفسير ذلك بمعنى هذا، إلا أنها لا تفقد دلالاتها، ولذلك تصلح للبحث المفرد في علم اللغة والنحو والبلاغة .
والتعبير بذلك إشارة إلى بعد منزلة الكتاب .
وقوله: ((فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] لِأَنَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ لَمَّا قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ الْكِتَابَ {الم} [البقرة: 1] الَّتِي ذَكَرْنَا تَصَرُّفَهَا فِي وُجُوهِهَا مِنَ الْمَعَانِي عَلَى مَا وَصَفْنَا.)).
وهنا سيني مسألة علمية في إعراب ذلك، مرتبطة بالمعنى .
وقد سلك الزمخشري مسلك الطبري في ربط (ذلك) بـ (الم)، لكنه انطلق من منطلق مختلف، فهو لا يتبنى كون (الم) لها معنى، وإنما يتبنى المدلول عليه، وهو التحدي والإعجاز، فبنى عليه .
[1: 230]
قال الطبري:
((وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ السُّوَرُ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ اعْلَمْ أَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ سُوَرُ الْكِتَابِ الَّتِي قَدْ أَنْزَلْتُهَا إِلَيْكَ هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ. ثُمَّ تَرْجَمَهُ الْمُفَسِّرُونَ بِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: هَذَا الْكِتَابُ، إِذْ كَانَتْ تِلْكَ السُّوَرُ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ جُمْلَةِ جَمِيعِ كِتَابِنَا هَذَا الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.)).

التعليق:

إذا كان هذا التوجيه فيه إشارة إلى أمر قد مضى، لا إلى شيء حاضر فلا إشكال في التعبير بذلك.
وقوله رحمه الله: (وقد ترجمه المفسرون)، وقوله:( ثم ترجمه المفسرون)، بيانٌ أن التفسير عبارة عن ترجمة من لغة إلى أخرى، أو من اللغة إلى نفسها .
قال رحمه الله:
((وَكَانَ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِي قَوْلِهِمْ الَّذِي قَالُوهُ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ وَجَّهَ مَعْنَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَظِيرِ مَعْنَى بَيْتِ خُفَافِ بْنِ نُدْبَةَ السُّلَمِيِّ:
فَإِنْ تَكُ خَيْلِي قَدْ أُصِيبَ صَمِيمُهَا ... فَعَمْدًا عَلَى عَيْنٍ تَيَمَّمْتُ مَالِكَا
أَقُولُ لَهُ وَالرُّمْحُ يَأْطُرُ مَتْنَهُ ... تَأَمَّلْ خُفَافًا إِنَّنِي أَنَا ذَلِكَا
كَأَنَّهُ أَرَادَ: تَأَمَّلْنِي أَنَا ذَلِكَ. فَرَأَى أَنَّ {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] بِمَعْنَى هَذَا نَظِيرُ مَا أَظْهَرَ خُفَافٌ مِنَ اسْمِهِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ وَهُوَ مُخْبِرٌ عَنْ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ أَظْهَرَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْحَاضِرِ الْمَشَاهِدِ.
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْكِتَابِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعِلَلِ.)).

التعليق:

هذا القول يتفق مع القول الأول، لكنه يختلف في التوجيه اللغوي، فهذا جعله من باب التجريد.
تنبيه:

قال الطبري رحمه الله [1: 7]:
((وَنَحْنُ فِي شَرْحِ تَأْوِيلِهِ، وَبَيَانِ مَا فِيهِ مِنْ مَعَانِيهِ ـ: مُنْشِئُونَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ - كِتَابًا مُسْتَوْعِبًا لِكُلِّ مَا بِالنَّاسِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ عِلْمِهِ جَامِعًا، وَمِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ كَافِيًا، وَمُخْبِرُونَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِمَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنَ اتِّفَاقِ الْحُجَّةِ فِيمَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، وَاخْتِلَافِهَا فِيمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ مِنْهُ، وَمُبَيِّنُو عِلَلِ كُلِّ مَذْهَبٍ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ، وَمُوَضِّحُو الصَّحِيحِ لَدَيْنَا مِنْ ذَلِكَ، بِأَوْجَزِ مَا أَمْكَنَ مِنَ الْإِيجَازِ فِي ذَلِكَ، وَأَخْصَرِ مَا أَمْكَنَ مِنَ الِاخْتِصَارِ فِيهِ.)).

فهذا الذي معنا نموذج من نماذج منهج الطبري رحمه الله في كتابه، ومنهج الطبري في موضعين، الأول منهما مبين في الكلام السابق، والثاني: كلامه في وجوه تأويل القرآن.
قال الطبري:
((وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 2] يَعْنِي بِهِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَإِذَا وُجِّهَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا مُؤْنَةَ فِيهِ عَلَى مُتَأَوِّلِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حِينَئِذٍ إِخْبَارًا عَنْ غَائِبٍ عَلَى صِحَّةٍ)).

هنا سؤال، هل هذا القول معتبر عند الطبري أم لا ؟
الجواب:

1- عدم ذكره لمن قاله دليل على عدم اعتباريته .
2- أنه ذكره بعد أن انتهى من ترجيحه .
فهذه دلائل على ضعف هذا القول عنده، وهذا غالباً من منهجه في تضعيف القول، وهو أن يورده في آخر الأقوال ولا يذكر اسم قائله.
مسألة في قوله تعالى: {ذلك الكتاب}:
هل المراد كل الكتاب، أم السورة، أم المقطع من السورة، أم المراد ما نزل قبله ؟!
بعضهم أراد أن يطعن في القرآن من جهة أنه سماه كتابًا قبل أن يكتمل نزوله .
وهذا في حقيقته جهل بكلام العرب وتصرفهم في الكلام، فإن العرب تعبر عن الجزء بالكل، وتعبر عما سيأتي بما هو آت، فهو أسلوب جارٍ ومعروف عند العرب .
بل سمى الله القرآن كتابًا قبل أن تكتمل كتابته إشارة إلى أن مآله إلى أن يكون مكتوبًا، ففيه إخبار بالغيب .
فائدة: اختصاص القرآن باسم الكتاب، وإطلاقه عليه من باب العلمية = هو من باب الغلبة لاستحقاق القرآن له .
[1: 231 - 233]
قال الطبري:
((الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] لَا شَكَّ فِيهِ،
وبإسناده، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] ، قَالَ: لَا شَكَّ فِيهِ ".
وبإسناده، عَنْ عَطَاءٍ: " {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] قَالَ: لَا شَكَّ فِيهِ ".
وبإسناده، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: " {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] لَا شَكَّ فِيهِ ".
وبإسناده، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] لَا شَكَّ فِيهِ "
وبإسناده، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] قَالَ: لَا شَكَّ فِيهِ ".
وبإسناده، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] يَقُولُ لَا شَكَّ فِيهِ ".
وبإسناده، عَنْ قَتَادَةَ: " {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] يَقُولُ: لَا شَكَّ فِيهِ ".
وبإسناده، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَوْلُهُ: " {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] يَقُولُ: لَا شَكَّ فِيهِ " وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِكِ: رَابَنِي الشَّيْءُ يُرِيبُنِي رَيْبًا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّةَ الْهُذَلِيِّ.
فَقَالُوا تَرَكْنَا الْحَيَّ قَدْ حَصِرُوا بِهِ ... فَلَا رَيْبَ أَنْ قَدْ كَانَ ثَمَّ لَحِيمُ
وَيُرْوَى: حَصَرُوا، وَحَصِرُوا، وَالْفَتْحُ أَكْثَرُ، وَالْكَسْرُ جَائِزٌ. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: حَصِرُوا بِهِ أَطَافُوا بِهِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ، {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] لَا شَكَّ فِيهِ، وَبِقَوْلِهِ: أَنْ قَدْ كَانَ ثَمَّ لَحِيمُ يَعْنِي قَتِيلًا، يُقَالُ، قَدْ لُحِمَ إِذَا قُتِلَ.)).

التعليق:
ابتدأ الطبري رحمه الله تفسيره للآية بقوله: ((وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: {لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] لَا شَكَّ فِيهِ)). ثم استدل على قوله ذلك بأقوال الصحابة والتابعين .
ولم يقع بينهم خلاف في ذلك .
وأما ما حكاه بعضهم من التفريق بين الريب والشك، لا يعارض ما ذكر عن السلف، فهو من باب تقريب المعنى لا تحريره .
وتحرير المعنى، كل شك ريب، وليس كل ريب شكًا .
قال الطبري:
((وَالْهَاءُ الَّتِي فِي فِيهِ. عَائِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)).
وهناك اتفاق على عود الهاء على الكتاب .
ومعنى الكلام عند الطبري: لا ريب في أن الكتاب من عند الله تعالى .
وبعضهم قال لا ريب فيه، أي: ليس هناك مكان لوقوع الريب فيه .
وقيل: أي لا ترتابوا فيه، وفيه ضعف .
[1: 233 - 234]
قال الطبري:
((الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُدًى} [البقرة: 2].
وبإسناده، عَنِ الشَّعْبِيِّ: " {هُدًى} [البقرة: 2] قَالَ، هُدًى مِنَ الضَّلَالَةِ ".
وبإسناده، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] يَقُولُ: نُورٌ لِلْمُتَّقِينَ " وَالْهُدَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِكَ هَدَيْتُ فُلَانًا الطَّرِيقَ إِذَا أَرْشَدْتُهُ إِلَيْهِ. وَدَلَلْتُهُ عَلَيْهِ، وَبَيَّنْتُهُ لَهُ، أَهَدِيهِ هُدًى وَهِدَايَةً. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَوَمَا كِتَابُ اللَّهِ نُورًا إِلَّا لِلْمُتَّقِينَ وَلَا رَشَادًا إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ؟ قِيلَ: ذَلِكَ كَمَا وَصَفَهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْ كَانَ نُورًا لِغَيْرِ الْمُتَّقِينَ، وَرَشَادًا لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَّقِينَ بِأَنَّهُ لَهُمْ هُدًى، بَلْ كَانَ يَعُمُّ بِهِ جَمِيعَ الْمُنْذَرِينَ؛ وَلَكِنَّهُ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، وَشِفَاءٌ لِمَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَقْرٌ فِي آذَانِ الْمُكَذِّيِينَ، وَعَمًى لِأَبْصَارِ الْجَاحِدِينَ. وَحُجَّةٌ لِلَّهِ بَالِغَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ؛ فَالْمُؤْمِنُ بِهِ مُهْتَدٍ، وَالْكَافِرُ بِهِ مَحْجُوجٌ.)).

التعليق:
لم يذكر الطبري القول الذي اختاره، وإنما ذكر أقوال السلف، ودل كلامه أن المقصود بالهدى المعنى الشرعي، الذي هو التوفيق للخير .
وتفسير السدي جعل الهدى هو النور وهو تقريب للمعنى، فإن النور أثر من آثار الهدى .
[1: 237]
قال الطبري رحمه الله:
((الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].
وبإسناده، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلُهُ: " {لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] قَالَ: اتَّقَوْا مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ وَأَدَّوْا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ ".
وبإسناده، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] أَيِ الَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنَ الْهُدَى، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ ".
وبإسناده، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ".
وبإسناده، أن أَبا بَكْر بْن عَيَّاشٍ، قَالَ: " سَأَلَنِي الْأَعْمَشُ عَنِ الْمُتَّقِينَ؟ قَالَ: فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ لِي: سُئِلَ عَنْهَا الْكَلْبِيُّ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ» قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى الْأَعْمَشِ، فَقَالَ: نَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ.
وبإسناده، عَنْ قَتَادَةَ: " {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] هُمْ مَنْ نَعَتَهُمْ وَوَصَفَهُمْ فَأَثْبَتَ صِفَتَهُمْ فَقَالَ: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3] ".
وبإسناده، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] قَالَ: الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ وَيَعْمَلُونَ بِطَاعَتِي " وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] تَأْوِيلُ مَنْ وَصَفَ الْقَوْمَ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ اتَّقَوُا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي رُكُوبِ مَا نَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبِهِ، فَتَجَنَّبُوا مَعَاصِيَهُ وَاتَّقَوْهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ فَأَطَاعُوهُ بِأَدَائِهَا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِالتَّقْوَى فَلَمْ يَحْصُرْ تَقْوَاهُمْ إِيَّاهُ عَلَى بَعْضِ مَا هُوَ أَهْلٌ لَهُ مِنْهُمْ دُونَ بَعْضٍ. فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَحْصُرَ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى وَصْفِهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ شَيْءِ إِلَّا بِحَجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَةِ الْقَوْمِ لَوْ كَانَ مَحْصُورًا عَلَى خَاصٍّ مِنْ مَعَانِي التَّقْوَى دُونَ الْعَامِ مِنْهَا لَمْ يَدَعِ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيَانَ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ، إِمَّا فِي كِتَابِهِ، وَإِمَّا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْلِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ وَصْفِهِمْ بِعُمُومِ التَّقْوَى. فَقَدْ تَبَيَّنَ إِذًا بِذَلِكَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ: الَّذِينَ اتَّقَوُا الشِّرْكَ وَبَرَءُوا مِنَ النِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَهُوَ فَاسِقٌ غَيْرُ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ. إِلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ مَعْنَى النِّفَاقِ رُكُوبَ الْفَوَاحِشِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَضْيِيعَ فَرَائِضِهِ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ كَانَتْ تُسَمِّي مَنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُنَافِقًا، فَيَكُونُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا فِي تَسْمِيَتِهِ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ بِهَذَا الِاسْمِ، مُصِيبًا تَأْوِيلَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُتَّقِينَ .)).

التعليق:
النعوت التي ذكرها عن السلف نعوت عامة، وليست خاصة بنوع مما يتقى .
فائدة:

وقف الطبري رحمه في إسناد السدي، قال: ((وإن كنت في إسناده مرتابًا)).
فإن السدي لم يميز الأقوال، وقد ارتاب الطبري من هذه الجهة كما ذكر آل شاكر .
ولكنه يذكره ولا يعترض عليه طالما أنها سليمة المعنى لا إشكال فيها .
وذكر أولى التأويلات بقوله:
((وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] تَأْوِيلُ مَنْ وَصَفَ الْقَوْمَ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ اتَّقَوُا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي رُكُوبِ مَا نَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبِهِ، فَتَجَنَّبُوا مَعَاصِيَهُ وَاتَّقَوْهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ فَأَطَاعُوهُ بِأَدَائِهَا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِالتَّقْوَى فَلَمْ يَحْصُرْ تَقْوَاهُمْ إِيَّاهُ عَلَى بَعْضِ مَا هُوَ أَهْلٌ لَهُ مِنْهُمْ دُونَ بَعْضٍ.)).

ثم نبه على مسائل مهمة في مساق حجته، فقال: ((وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِالتَّقْوَى فَلَمْ يَحْصُرْ تَقْوَاهُمْ إِيَّاهُ عَلَى بَعْضِ مَا هُوَ أَهْلٌ لَهُ مِنْهُمْ دُونَ بَعْضٍ.)) أي:
1- أنه لا يجعل أمر على سبيل الخصوص إلا أن يكون التخصيص في كتاب الله.
2- أو أن يخصه النبي .
3- أو أن يدل العقل على التخصيص .
وهنا مسألة مهمة، وهو العقل (الاجتهاد) وأثره في التفسير .
ولذا فإن الطبري رحمه الله في تفسيره يحتج بالمأثور، وكذلك بالعقل في تفسيره إذا لم يعارض ما سبق.
[1: 240 - 241]
قال الطبري:
((الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى. {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3].
وبإسناده، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 3] قَالَ: يُصَدِّقُونَ ".
وبإسناده، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 3] يُصَدِّقُونَ ".
وبإسناده، عَنِ الرَّبِيعِ: " {يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 3] يَخْشَوْنَ ".
وبإسناده، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: " الْإِيمَانُ: الْعَمَلُ ".
وبإسناده، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: "الْإِيمَانُ: التَّصْدِيقُ " وَمَعْنَى الْإِيمَانِ عِنْدَ الْعَرَبِ: التَّصْدِيقُ فَيُدْعَى الْمُصَدِّقُ بِالشَّيْءِ قَوْلًا مُؤْمِنًا بِهِ، وَيُدْعَى الْمُصَدِّقُ قَوْلَهُ بِفِعْلِهِ مُؤْمِنًا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: 17] يَعْنِي: وَمَا أَنْتَ بِمُصَدِّقٍ لَنَا فِي قَوْلِنَا. وَقَدْ تَدْخُلُ الْخَشْيَةُ لِلَّهِ فِي مَعْنَى الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ تَصْدِيقُ الْقَوْلِ بِالْعَمَلِ. وَالْإِيمَانُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِلْإِقْرَارِ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَتَصْدِيقُ الْإِقْرَارِ بِالْفِعْلِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ وَأَشْبَهُ بِصِفَةِ الْقَوْمِ: أَنْ يَكُونُوا مَوْصُوفِينَ بِالتَّصْدِيقِ بِالْغَيْبِ، قَوْلًا، وَاعْتِقَادًا، وَعَمَلًا، إِذْ كَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَحْصُرْهُمْ مِنْ مَعْنَى الْإِيمَانِ عَلَى مَعْنَى دُونَ مَعْنَى، بَلْ أَجْمَلَ وَصْفَهُمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ خُصُوصِ شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهِ أَخْرَجَهُ مِنْ صِفَتِهِمْ بِخَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ.)).

التعليق:

ذكر هنا ثلاثة أقوال عن السلف في تفسير الإيمان، وأنه بمعنى:
1- التصديق .
2- الخشية .
3- العمل .
فمن قال التصديق، فهي كلمة عامة، أما من قال الخشية فكأنه إشارة إلى عمل القلب، ومن قال إنه العمل فهو إشارة إلى عمل الجوارح .
وكأن في كلامه ردٌ على المرجئة الذين يزعمون أن الإيمان هو التصديق فقط .
تنبيه:
ذكر هنا - أيضًا - أن موجب التخصيص قد يكون خبرًا أو عقلًا .
[1: 241 - 242]
قال الطبري:
((الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3].
وبإسناده، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] قَالَ: بِمَا جَاءَ بِهِ، يَعْنِي مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ".
وبإسناده، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ: " {بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] أَمَّا الْغَيْبُ: فَمَا غَابَ عَنِ الْعِبَادِ مِنْ أَمْرِ الْجَنَّةِ وَأَمْرِ النَّارِ، وَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْقُرْآنِ. لَمْ يَكُنْ تَصْدِيقُهُمْ بِذَلِكَ، يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَرَبِ، مِنْ قِبَلِ أَصْلِ كِتَابٍ أَوْ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُمْ ".
وبإسناده، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَ: " الْغَيْبُ: الْقُرْآنُ ".
وبإسناده، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: " {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] قَالَ: آمَنُوا بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكُلُّ هَذَا غَيْبٌ ".
وبإسناده، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: " {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] آمَنُوا بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ وَلِقَائِهِ، وَآمَنُوا بِالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهَذَا كُلُّهُ غَيْبٌ وَأَصْلُ الْغَيْبِ: كُلُّ مَا غَابَ عَنْكَ مِنْ شَيْءٍ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ: غَابَ فُلَانٌ يَغِيبُ غَيْبًا ".)).

التعليق:

ذكر هنا مجموعة من الأقاويل وكلها متقاربة في معنى الغيب، وهو أنه كل ما غاب عنك مما أخبر به القرآن .
فهذه التعبيرات كلها - مثال - للغيب فهو من باب التفسير بالمثال .
______________________________
(*) المادة الصوتية .