أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي ( وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.

تذكير أهل الإسلام بخطر الكذب في الكلام

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد ابتلي بعض المسلمين! اليوم! أيها الأفاضل بداء عضال ومرض قتال،ألا وهو داء الكذب!.
يقول الإمام النووي –رحمه الله- :" اعلم أن مذهب أهل السنة أن الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، سواء تعمدت ذلك أم جهلته، لكن لا يأثم في الجهل وإنما يأثم في العمد". الأذكار (ص 302)
إن عواقب الكذب أيها الأحبة الكرام وخيمة وأخطاره جسيمة، حيث لا تقتصر على الفرد فقط! بل يرجع ضرره وتعود مفاسده كذلك على المجتمعات.
يقول الماوردي –رحمه الله- :" الكذب جماع كُلِّ شَرٍّ وأصل كُلِّ ذَمٍّ، لسوء عواقبه وخُبْثِ نَتَائِجِهِ ؛ لأَنَّه يُنْتِجُ النَّميمة، والنَّميمة تُنْتِجُ البغضاء، والبغضاء تؤول إلى العداوة ، وليس مع العداوة أَمْنٌ ولا راحَةٌ ". أدب الدنيا والدين ( ص 321)
ويقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:" الكذب متضمن لفساد نظام العالم، ولا يمكن قيام العالم عليه لا في معاشهم ولا في معادهم، بل هو متضمن لفساد المعاش والمعاد، ومفاسد الكذب اللازمة له معلومة عند خاصة الناس وعامتهم، كيف وهو منشأ كل شر، وفساد الأعضاء لسان كذوب، وكم أزيلت بالكذب من دول وممالك، وخربت به من بلاد، واستلبت به من نعم، وتقطعت به من معايش، وفسدت به مصالح، وغرست به عداوات، وقطعت به مودات، وافتقر به غني، وذلَّ به عزيز، وهتكت به مصونة، ورميت به محصنة، وخلت به دور وقصور، وعمرت به قبور، وأزيل به أنس، واستجلبت به وحشة، وأفسد به بين الابن وأبيه، وغاض بين الأخ وأخيه، وأحال الصديق عدواً مبيناً، ورد الغني العزيز مسكيناً، وهل ملئت الجحيم إلا بأهل الكذب الكاذبين على الله، وعلى رسوله، وعلى دينه، وعلى أوليائه، المكذبين بالحق حمية وعصبية جاهلية". مفتاح دار السعادة ( 2/74)
إن هذه الخصلة القبيحة والآفة المذمومة، ليست من صفات أهل الإيمان! بل هي من علامات أهل النفاق كما أخبرنا بذلك رسول العزيز الرزاق، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذا حَدَّثَ كَذَبَ وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ وإذا اؤتمن خَانَ ". رواه البخاري (44)، ومسلم (59)، واللفظ له.
يقول الإمام النووي –رحمه الله-:" الصحيح المختار أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلق بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه، وهذا المعنى موجود في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس، لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر، ولم يُرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار ".الشرح على صحيح مسلم (2 /47)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :"والفارق بين المؤمن والمنافق هو الصدق، فإن أساس النفاق الذي يبنى عليه هو الكذب".مجموع الفتاوى(10/12)
إن الكذب أيها الأحبة والإخوان سوف يجر صاحبه يوم القيامة إلى النيران إذا لم يبادر بالتوبة والرجوع إلى العزيز الرحمن ويتخلص منه قبل فوات الأوان، فعن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فإن الْكَذِبَ يهدي إلى الْفُجُورِ". رواه البخاري (5743) و مسلم (2607) واللفظ له.
يقول المناوي –رحمه الله- :" أي :يؤدي ويجر إلى الميل عن الاستقامة ،والانبعاث في المعاصي ".فيض القدير (3 / 6)
يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- :" ليس فيما دون الصدق من الحديث خير، من يكذب يفجر، ومن يفجر يهلك ".الصمت وآداب اللسان لابن أبي الدنيا(ص 242)
ويتضاعف إثم الكذب ويزداد إذا قارنه صاحبه بالقسم برب العباد، وهذه هي التي تسمى بيمين الغموس ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:" اليمين الغموس : وهو أن يحلف- أي صاحبها-كاذبا عالما بكذب نفسه، فهذه اليمين يأثم بها باتفاق المسلمين، وعليه أن يستغفر الله منها، وهي كبيرة من الكبائر لاسيما إن كان مقصوده أن يظلم غيره ". مجموع الفتاوى (33/128)
وكذلك يتضاعف جرمه أيها الأخيار! إذا كان الكذب على الرسول المختار، بأن يُنسب إليه صلى الله عليه وسلم ما لم يصح عنه من أخبار!،لأن في ذلك إفساد لدين العزيز الجبار، فعن المغيرة بن شعبة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليس كَكَذِبٍ على أَحَدٍ، من كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النَّارِ ". رواه البخاري (1229) واللفظ له ، ومسلم (4)
يقول المناوي –رحمه الله- :" إن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم أعظم أنواع الكذب، لأدائه إلى هدم قواعد الدين وإفساد الشريعة وإبطال الأحكام(فمن كذب علي متعمدا)أي: غير مخطئ في الإخبار عني بالشيء على خلاف الواقع ( فليتبوأ)أي:فليتخذ لنفسه(مقعده من النار)مسكنه،أمر بمعنى الخبر، أو بمعنى التحذير،أو التهكم،أو الدعاء على فاعل ذلك، أي:بوأه الله ذلك، واحتمال كونه أمرا حقيقة، والمراد(من كذب عليَّ) فليأمر نفسه بالتبوؤ بعيدا،وهذا وعيد شديد يفيد أن الكذب عليه من أكبر الكبائر ".فيض القدير (2/476)
إن الكذاب أيها الأحباب يعيش دائما في قلق واضطراب لعدم تعلق قلبه برب الأرباب،بخلاف الصادق فهو دائما في طمأنينة وانشراح في الصدر لارتباط قلبه بالعزيز المقتدر، فعن الحسن بن علي –رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ ". رواه الترمذي (2518)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- .
يقول المناوي –رحمه الله- :"(إن الصدق طمأنينة) أي: يطمئن إليه القلب ويسكن، وفيه إضمار أي: محل طمأنينة أو سبب طمأنينة، (وإن الكذب ريبة) أي: يقلق القلب ويضطرب ".فيض القدير (3 /529)
إن مما ينبغي على كل مسلم أن يحفظ لسانه من الكذب والغيبة و النميمة وسائر أنواع العصيان! لأنه سيسأل عنه يوم وقوفه بين يدي العزيز الرحمن، وأن يحذر من أن يُطلق له العنان! لأنه سيجره إذا لم يتداركه إلى النيران! ، فعن معاذ بن جبل –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وَهَلْ يَكُبُّ الناس في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ، أو على مَنَاخِرِهِمْ، إلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ".رواه الترمذي(2616)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول الإمام ابن رجب –رحمه الله- :"والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته،فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات،ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة،ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد غدا الندامة، وظاهر حديث معاذ يدل على أن أكثر ما يدخل به الناس النار النطق بألسنتهم، فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك، وهو أعظم الذنوب عند الله عز وجل،ويدخل فيها القول على الله بغير علم وهو قرين الشرك ويدخل فيها شهادة الزور التي عدلت الإشراك بالله عز وجل، ويدخل فيها السحر والقذف وغير ذلك من الكبائر والصغائر، كالكذب والغيبة والنميمة وسائر المعاصي الفعلية لا يخلو غالبا من قول يقترن بها يكون معينا عليها".جامع العلوم والحكم (ص 274)
وليحذر أشد الحذر من التهاون في أمر الكذب! لأجل إرضاء الناس أو إضحاكهم! فإن هذا الفعل ليس بحميد! و الوعيد فيه شأنه شديد، فعن معاوية بن حيدة –رضي الله عنه- قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" وَيْلٌ لِلَّذِي يحدث فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ له، وَيْلٌ له ".رواه أبو داود(4990)، وحسنه الشيخ الألباني –رحمه الله-
يقول المناوي –رحمه الله- :"كرره إيذانا بشدة هلكته، وذلك لأن الكذب وحده رأس كل مذموم وجماع كل شر" . التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 484)
وليجتنب كذلك الكذب عند المزاح والهزل! لأن ذلك مخالف لهدي رسول الله عز وجل، فعن ابن عمر-رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -:"إني لأمزح، ولا أقول إلا حقاً".رواه الطبراني في المعجم الكبير (12/391)، وصححه الشيخ الألباني - رحمه الله – في صحيح الجامع (2494).
وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قالوا يا رسول الله: إنك تداعبنا، قال: "إني لا أقول إلا حقاً". رواه الترمذي (1990) ، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
وينبغي أن نعلم أيضا أيها الأحبة الأخيار أنه لا يجوز كذلك أن يكذب الكبار على الصبية الصغار!، بأن يعدوهم بفعل شيء ثم لا يوفون! فإن هذا ليس من صنيع ولا هدي المتقين الأبرار ، فعبد الله بن عامر –رضي الله عنه- قال: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ في بَيْتِنَا فقالت: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وما أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ ؟"، قالت: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أَمَا إِنَّكِ لو لم تعطيه شيئا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ ". رواه أبو داود (4491) ، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- :" لا يصلح الكذب في جد، ولا هزل، ولا أن يعد أحدكم ولده شيئا ثم لا ينجز له ". رواه البخاري في الأدب المفرد (387)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-- كما في صحيح الأدب المفرد (387).
فعلينا أيها الأفاضل أن نحرص على الصدق الذي يهدي إلى كل بر وسرور ، ونحذر أشد الحذر من الكذب الذي يجر إلى كل بلاء وفجور ، ولنحفظ ألسنتنا من كل الشرور ، فإن في ذلك النجاح والفلاح في الدارين بإذن العزيز الغفور.
يقول أبو حاتم –رحمه الله- :"إن الله جل وعلا فضل اللسان على سائر الجوارح ورفع درجته وأبان فضيلته بأن أنطقه من بين سائر الجوارح بتوحيده فلا يجب للعاقل أن يعود آلة خلقها الله للنطق بتوحيده بالكذب، بل يجب عليه المداومة برعايته بلزوم الصدق، وما يعود عليه نفعه في داريه، لأن اللسان يقتضي ما عود إن صدقا فصدقا وإن كذبًا فكذبا ". روضة العقلاء (ص 51)
وكذلك علينا أيها الكرام أن نمتثل ما أمرنا به خير الأنام الذي عليه أفضل الصلاة والسلام، فلا ننشر كل ما نسمعه بين أهل الإسلام! قبل أن نتأكد من صحته لئلا نقع في الآثام! فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سمع". رواه مسلم(5)
يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-:"يعني أن الإنسان إذا صار يُحدث بكل ما سمع من غير تثبت وتأن، فإنه يكون عرضة للكذب، وهذا هو الواقع ولهذا يجئ إليك بعض الناس يقولون: صار كذا وكذا، ثم إذا بحثت وجدت أنه لم يكن!، أو يأتي إليك ويقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا بحثت وجدته لم يقل!". شرح رياض الصالحين (6/185)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لطاعته وأن يُعيننا على فعل كل ما يحبه ويرضاه، ومن ذلك الصدق، وأن يجنبنا كل ما يبغضه ويأباه، ومن ذلك الكذب، فهو سبحانه قدير وبالإجابة جدير .

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي