أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


حل إشكالية رواية البخاري ومسلم عن إسماعيل بن أبي أويس

إسماعيل بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي المدني ابن أخت الإمام مالك بن أنس، روي عنه البخاري ومسلم، وروي مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن رجل عنه.

أما النسائي فلم يخرج له وأطلق القول بضعفه، وروي عن سلمة بن شبيب أنه سمع إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت أضع الحديث لأهل المدنية إذا أختلفوا في شئ فيما بينهم.

وقال يحيي بن معين فيه: مخلط يكذب ليس بشئ. وقال النضر بن سلمة المروزي: ابن أبي أويس كذاب.
وقال ابن حزم في "المحلي" عن أبي الفتح الأزدي قال: حدثني سيف بن محمد: أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث.

وقال الحافظ ابن حجر في "التهذيب (1/273)" بعد أن نقل الأقوال السابقة: ولعل هذا كان عن إسماعيل في شبيبته ثم انصلح، وأما الشيخان –أي البخاري ومسلم- فلا يظن أنهما أخرجا عنه إلا الصحيح من حديثه الذي شارك فيه الثقات. اهــ

قلت: وهذا الكلام فيه نظر إذ كيف يسوغ أن يخرج الشيخان لكذاب يضع الحديث ما شارك فيه الثقات؟!!
ولماذا لم يخرجا لغيره من الكذابين والوضاعين ما شاركوا فيه الثقات؟!!

والصواب: أنه ينبغي التفريق بين من اتهم بالكذب (ولم يثبت عليه) وبين من اتصف فعلاً بالكذب وثبت عليه، وإن كان كلاً من الوصفين من أوصاف الجرح.

وإن كان لا يخفي أن الكذاب قد تحقق فيه الوصف وثبت عليه الكذب فعلاً، بخلاف المتهم بالكذب فلم يتحقق فيه هذا الوصف ولم يثبت عليه الكذب، والسؤال الذي يتوجب هنا: هل إسماعيل بن أبي أويس تحقق فيه الكذب أم لا؟
والجواب: أن إسماعيل بن أبي أويس لم يتحقق فيه الكذب بدليل أن أئمة الجرح والتعديل لم يتفقوا علي تكذيبه، بل وعدله بعضهم، كالإمام أحمد فيما نقله عنه أبو طالب أنه قال: لا بأس به.
وقال ابن أبي خيثمة: صدوق ضعيف العقل، ليس بذاك –يعني: أنه لا يحسن الحديث، ولا يعرف أن يؤديه، أو يقرأ من غير كتابه-.
وقال أبو حاتم: محله الصدق، وكان مغفلاً –أي: يكتب حديثه للإعتبار ولا يجتح به إلا أن يوافقه غيره، أو يُردُّ.
وقال الحاكم: عِيبَ علي البخاري ومسلم إخراجهما حديثه، وقد احتجا به معاً، وغمزه من يحتاج إلي كفيل في تعديل نفسه أعني: النضر بن سلمة بن شاذان، فإنه قال: كذاب.
قلت عن النضر: قال عنه أبو حاتم: كان يفتعل الحديث!! "اللسان (6/160)".
وقال الدارقطني: كان يتهم بوضع الحديث. "اللسان (1/161)".
وأما يحيي بن معين فقد اختلفت أقواله فيه: فمرة قال: ضعيف، وقال مرة: يسرق الحديث، وقال مرة: مختلط يكذب ليس بشئ، وقال مرة: إسماعيل صدوق ضعيف العقل ليس بذلك، وقال مرة: لا بأس به.
وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح.
والحق ما قاله الحافظ الذهبي في "سير الأعلام 10/391-395": الرجل قد وثب إلي ذاك البِرّ واعتمده صاحبا الصحيحين، ولا ريب أنه صاحب أفراد ومناكير تنغمر في سعة ما روي، فإنه من أوعية العلم، وهو أقوي من عبد الله كاتب الليث.
وقال أيضاً: وكان عالم أهل المدينة، ومحدثهم في زمانه علي نقص في حفظه وإتقانه ولولا أن الشيخين احتجا به، لزحزح حديثه عن درجة الصحيح إلي درجة الحسن؛ هذا الذي عندي فيه. اهــ
وقال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري (2/1022، 1023)": احتج به الشيخان إلا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه، ولا أخرج له البخاري مما تفرد به سوي حديثين، وأما مسلم فأخرج له أقل مما أخرج له البخاري....
ثم قال: وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح: أن إسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن ينتقي منها، وأن يُعلّم علي ما يحدث به، ليحدث به، ويعرض عما سواه، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه، لأنه كتب من أصوله، وعلي هذا لا يحتج بشئ من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح به النسائي وغيره، إلا إن شاركه فيه غيره، فيعتبر فيه. اهــ
مما تقدم يتبين: أن الأئمة لم يتفقوا علي إتهامه، بل الظاهر من أمره أنه صدوق لا يتعمد الكذب، ولكنه ضعيف الحفظ وكان يعتمد علي حفظه في رواية الأحاديث فيقع في الوهم وينفرد عن سائر أصحابه بأشياء ليست عندهم، فمن نظر إلي صدقه في نفسه واعتبر حديثه بحديث غيره، وتأكد من صحة أصوله، قوي من أمره، وانتقي من حديثه وروي له، كما فعل الشيخان وغيرهم.
ومن نظر إلي ضعف حفظه وكثرة غرائبه وهن من أمره كما قال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح، وأما من ضعف عنده جانب الصدق واستكثر تلك الغرائب واستنكرها رماه بالكذب كالنسائي وغيره، ولذا قال الحافظ في "التقريب": صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه.
والصواب فيه: ما فعله البخاري ومسلم فقد أخرجا من حديثه انتقاءً. وله في البخاري (221 حديث، 8 متابعة) وله في صحيح مسلم (7 أحاديث)، توفي –رحمه الله- 226 ه

________
قال الشوكاني –رحمه الله-:
ورُضْتُ النفس حتي صفت عن قذر التعصب الذي هو بلا ريب الهلكة.
نيل الأوطار