أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


** العشماوي بين التراث والفكر الغربي.. طريق ذو اتجاهين **

(مستلة من ملخصات أبحاث "ندوة تكريم الأستاذ الدكتور محمد زكي عشماوي، أستاذ النقد والأدب بكلية الآداب، جامعة الإسكندرية، يومي 3-4 نوفمبر 2002، بقاعة الندوات بالمجلس الاعلى للثقافة بالقاهرة، لجنة الدراسات الأدبية واللغوية).

بسم الله الرحمن الرحيم..
• هذه قضية من القضايا الكبرى في الفكر العربي الحديث وبخاصة في مصر.. ولم يتوقف النقاش - منذ رفاعة - عن "شرعية" العلاقة بين التراث العربي والإسلامي والفكر الغربي الحديث.. والذي لا شك فيه أن التيار الأغلب في مصر - صدوراً عن طبيعتها المعروفة - اتجه إلى رفض قطع التراث من العصر الحديث.. بل سعى إلى الكشف عن عناصر المزج والالتقاء.. على أن السؤال الذي شغل حيزا كبيرا من فكر هذا التيار الغالب: أين نقطة الانطلاق؟ من التراث إلى الفكر الغربي الحديث تأكيدا لإثبات التميز القديم وإظهارا لمواطن الافتخار بالفضل التراثي على التقدم الغربي المعاصر..
أم من الفكر الغربي إلى التراث سعيا وراء قراءة جديدة للعناصر القديمة، أوكشفا عن بعض مجالات العور في محاولة إلى "رتقه" و"إكماله" أو"نقده" وربما إلى "نقضه" عند قلة قليلة من الأتباع.
• بدأ العشماوي خطواته البحثية الأولى مع الشعر القديم، مع النابغة، فانغمس انغماسا كبيرا في الشعر الجاهلي وفي تناول نقادنا القدماء له.. وأصبح في هذه الفترة الباكرة متمثلاً روح الشعر القديم وجوهر التراث النقدي.. ولقد خيل إليّ يوما أنه توحد مع هذا القديم حتى كدنا نرى النابغة أو زهيرا أو بشارا أو المتنبي حين كان يلقي علينا شيئا من أشعارهم.. ولقد ظننت يوما أني أعرف الجاحظ وعبد القاهر معرفة شخصية حين كان العشماوي يقرأ علينا بعض ما كتباه.
• وحين ابتعث العشماوي إلى لندن لدرجة الدكتوراة توجه إلى دراسة عبد القاهر.. ويبدو أن عبد القاهر كان البوابة الكبرى أمام الجيل كله للولوج إلى الغرب فقد وجدوا فيه أساسا قويا للحوار بين التراث العربي والنقد الغربي الحديث..
ولسنا هنا بصدد عرض ما هو معروف لكن المهم فيما نرى أن نبرز اتجاه الحركة.. بعضهم رأها حركة في طريق ذي اتجاه واحد، من عبد القاهر إلى الغرب أوالعكس، وتمثل ذلك في طريقة التناول ولغة المعالجة كما يظهر عند التقليديين ممن نعرف، وعند الحداثيين مثل تناول كمال أبو ديب.. ورآها أصحاب التمثل للتراث وللنقد الحديث حركة في طريق ذي اتجاهين لا يحدد نقطة البدء عنصرا للحكم على الأشياء لكنه يصدر عن أسس قد نجملها فيما يلي:
1- أن البعد الزمني ليس بعدا فارقا في اكتناه الأشياء.
2- أن حركة العقل الإنساني حركة كلية
Universal تحكمها قوانين الاشتراك ولا تحسمها عناصر البيئة أو العنصر، وما يبدو أمامنا من ملامح خاصة إنما هي ملامح "الأداء" لا طبيعة "الجوهر".
3- أن الأدوات الجديدة - مهما يكن أصحابها - إنما هي سعي بشري نحو التقدم يجب ألا يواجه بالرفض "الدوجماتي" بل يجب أن يتلقى بالامتنان ليجعل من استثمار هذه الأدوات فعلا بانيا في الاتجاهين.
يعد العشماوي واحداً من سدنة هذا التوجه، نراه في تناوله العلمي منذ دراسته لعبد القاهر إلى الآن، ونراه كذلك في سلوكه العام في الحياة..
أتوقع منكم ألا تنتظروا مني أدلة جزئية مفصلة، والمقام مقام إجمال، بل يكفي أن أشير إلى ملامح من توجهه في دراسة النقد الأدبي.. قال في مقدمة كتابه الذي يحمل عنوان "قضايا النقد الأدبي" أن ثمة أهدافاً لكتابه منها:
"أن يعيش في الحاضر كما يعيش في الماضي، يحاول الربط بين تراثنا القديم، وحركة التطور المعاصر، وهو حين يعود إلى القديم لا يعود إليه بقصد إحيائه، وإعادة النظر فيه على ضوء ما أحرزناه من دراسات نقدية حديثة فحسب، بل بقصد توضيح الحاضر وتوجيهه كذلك...
ومنها: "أن يحاول الوصول إلى مفهوم شامل للشعر يصدق على الماضي والحاضر".
• من هنا كان صدوره في دراساته عن عبد القاهر مزجه بين آراء كولردج وريتشاردز وت. س. إليوت وعبد القاهر.. وقد وضع يده على كثير من أدوات الفكر النقدي الغربي وبخاصة عند من يرون الأدب فنا لغويا وبخاصة في مفهوم اللفظة المفردة والسياق وتحليل النص.. وأحسب أن ذلك حين يدعمه التطور المعروف في أدوات الدرس اللغوي من التحليل الأفقي
Syntagmatic والتحليل الرأسي أوالاستبدالي Paradigmatic ودراسة التماسك Cohesion في تحليل النص Text Analysis إنما يجعل من أمر العلاقة بين التراث والفكر الغربي والفكر الحديث حيث يكون سنة طبيعية تنهض على السير في الاتجاهين دون إحساس بالدونية ولا بالكنتية على السواء.
**************

(الكلمة التالية كانت بخط الشيخ في ظهر ورقة من ورقتي الكلمة السابقة؛ ولعلها كانت في حفل تأبين آخر للعشماوي، فكتبها الشيخ وأرفقها بالورقتين السابقتين...)

... فما أود أن ألقي في العشماوي كلمة تأبين.. بل ما أود أن يكون هذا الاجتماع اجتماع رثاء.. وقد طلب إليّ بعض أبنائنا أن أتحدث عنه حين كان مدرسا، وقد قدروا أني من أقدم من جلس إليه وقتذاك.. لذلك اخترت كلمة من إحدى ورقتين ألقيتهما في المهرجان العظيم الذي عقده المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة تكريماً للعشماوي 2002 ، أهدف منها إلى أمرين: أولها: أنها كلمة ألقيت في تكريمه، وإني لأرغب إلى إخواني جميعا أن يكون كل مجلس نجتمع فيه مع العشماوي مجلسَ تكريم. ثانيهما: إني أردت أن أقدم صورة عما كان في الجامعة حينذاك... ولا أدعو أحدا إلى المقارنة بين ما كان وما هو كائن.. لكن قد أدعوهم إلى الأمل فيما سيكون...

(عبده الراجحي)