أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


البَيان الجلي لمراد الإمام النَسائي في الرواة ليس بالقوي
دِراسة نظريةٌ تَطبيقية مِن خِلال الضعفاء
والمتروكين للإمام النسائي

المقدمة :
إنّ الحمد لِلّه نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه ونعوذ بِالله مِن شُرور أنفسُنا ومِن سيِّئات أعمالِنا ، مِن يهِده الله فلا مُضِلّ له ومِن يُضلِّل فلا هادي له وأشهد أنّ لا إله إلّا الله وحدِه لا شريك له وأشهد أنّ مُحمّدا عبدُه ورسولُه ، قال الله تبارك وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، وقال جل جلالهُ : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} ، وقال الله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد :
فمن نعم الله على الأمة الإسلامية حفظ دينها بحفظ كِتابه العَزيز ، وحِفظ السنة النَبوية مِن تَحريف الغالين وانتحال المُبطلين ، فأما الكِتاب فقد تَكفل الله بحفظهِ فقال جَل جَلاله : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[1] ، وأما السنة النبوية المباركة فإن الله وفق لها الحفاظ العارفين والأئمة البارعين ، وصيارفةً ناقدين ، ينفون عنها تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين فتنوعوا في التصانيف وفي التصحيح والتضعيف ، والتَعليل والجَرح والتَعديل فوثقوا الرجال وضعفوهم حاملين بذلك أمانةً عظيمةً على عاتقهم ، فأفنوا حياتهم في الذب عنها ودرء الشكوكِ حَولها ومَعرفة الصَحيح مِن السقيم والعَدل مِن الفاسق مِن المحدثين فكانوا مصابيحاً يستنار بهم وأعلاماً يُهتدى بعلمهم كَشعبة بن الحجاج ، وأحمد بن حنبل والقطان وابن مهدي ، والبخاري ومسلم والثوري وابن عيينة ، وأبو داود والنسائي ، والترمذي وابن حبان والدارقطني والحافظ ابن رجب وابن يونس وابن معين ، ومالك إمام دار الهجرة – رضي الله عنهم أجمعين – فكان مِن واجب طالب العلم إبراز تلك الجهود العظيمة والعُلوم النفيسة وبيان مناهج المحدثين في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل ، فتميزوا بالتقوى والورع في جرح الرواة والإيمان وترك الدنيا قال ابن قتيبة : ((فأما أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من جهته، وتتبعوه من مظانه، وتقربوا إلى الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبهم لآثاره وأخباره، براً وبحراً وشرقاً وغربا ، يرحل الرجل منهم راجلاً مُقُوياً في طلب الخبر الواحد، أو السنة الواحدة، حتى يأخذها من الناقل لها مشافهة ، ثم لم يزالوا في التَّنْقِير عن الأخبار والبحث لها، حتى فهموا صحيحها من سقيمها، وناسخها من منسوخها، وعرفوا من خالفها من الفقهاء إلى الرأي ، فنبَّهوا على ذلك حتى نجم الحق بعد أن كان عَافِيَا، وبسق بعد أن كان دَارساً، واجتمع بعد أن كان متفرقاً، وانقاد للسنن من كان عنها معرضا، وتنبه عليها من كان عنها غافلاً، وحكم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان يحكم بقول فلان وفلان وإن كان فيه خلاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد يعيبهم الطاعنون بحملهم الضعيف، وطلبهم الغرائب، وفي الغريب الداء ، ولم يحملوا الضعيف والغريب، لأنهم رأوهما حقاً، بل جمعوا الغَثَّ والسمين والصحيح والسقيم، ليُميِّزُوا بينهما، ويدلوا عليهما، وقد فعلوا ذلك ))[2] ، وقال أبو الفرج ابن الجوزي : (( لما لم يمكن أحدا أن يزيد في القرآن أخذ أقوام يزيدون في أحاديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله قومًا يذبون عن النقل ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح، وما يخلي الله منهم عصرا من الأعصار ))[3] ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيَّ المتوفى (سنة 161 هـ): «الْمَلاَئِكَةُ حُرَّاسُ السَّمَاءِ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ حُرَّاسُ الأَرْضِ» ، أجل والله ولنعم الحراس الأمناء والأئمة الأتقياء ، تحقق بهم الوعد الإلهي بحفظ هذه الملة، وجرت على أيديهم هذه المكرمة التي اختص الله تبارك وتعالى بها هذه الأمة ، رضي الله عنهم وأجزل مثوبتهم، وسلك بنا من محض فضله سبيلهم ، فكان هؤلاء الجهابذة يعيشون حياتهم للذب عن الدين والسنة وتنقيتها ، ومِن عظيم فهمهم وسعة اطلاعهم أنهم كانوا يعللون أحاديث الرواة بالنظر لموافقته لأحاديث غيره من الثقات ، حتى قال ابن حبان : (( أمعنوا في الحفظ ، وأكثروا في الكتابة ، وأفرطوا في الرحلة ، وواظبوا على السنة والمذاكرة والتصنيف والمدارسة ، حتى أخذ عنهم من نشأ بعدهم من شيوخنا هذا المذهب ، وسلكوا هذا المسلك ، حتى أن أحدهم لو سئل عن عدد الاحرف في السنن لكل سنة منها عدها عدا ولو زيد فيها ألف ، أو واو لاخرجها طوعا ولأظهرها ديانة ، ولولاهم لدرست الاثار واضمحلت الاخبار ، وعلا أهل الضلالة والهوى ))[4] ، وروي عن عبد الله بن المبارك المتوفى (سنة 181) أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الأَحَادِيثُ المَوْضُوعَةُ!! فقال: «تَعِيشُ لَهَا الجَهَابِذَةُ» ، وذكر الإمام الذهبي في " تذكرة الحفاظ " أَنَّ الخَلِيفَةَ الرَّشِيْدُ أَخَذَ زِنْدِيقاً لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ: «أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَلْفِ حَدِيْثٍ وَضَعْتُهَا؟» فَقَالَ الرَّشِيْدُ: «فَأَيْنَ أَنْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ ، وَابْنِ المُبَارَكِ يَنْخُلاَنِهَا، فَيُخْرِجَانِهَا حَرْفاً حَرْفاً» ، كل هذا يدل على عظم منزلة الأئمة – رضي الله عنهم – وما كان لهم من كثرة الترحال للسماع من الرواة وحفظ الأحاديث ، ومِن بعد ذلك كان تأسيس علم الجرح والتعديل ، فكان لهم القدم في معرفة ثقات الرواة والضعفاء منهم ، ومِن هؤلاء الإمام الجهبذ الثقة أبو عبد الرحمن النسائي ، فهذا الإمام مِن أكابر أئمة الجرح والتعديل ، وممن تكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً ، فكانت لهذا الإمام نظرةٌ قويةٌ بالرجال وشرط شديد بهم حتى قال بعض العلماء أن شرط الإمام النسائي في الرجال أقوى من شرط الإمام البخاري – رضي الله عنهما - ، ولهذا الإمام عبارات خاصة في الجرح والتعديل تلزم الطالب البحث لمعرفة مدلولها ومقصد هذا الإمام المُتقدم من قولها في الرواة ومن هذه الألفاظ قولهُ (( ليس بالقوي )) ، وقد كتب بعض أفاضل طلبة العلم في تفسير هذا القول عن الإمام النسائي ، ولكني لا أعرف أحدا أفرد هذا اللفظ من الإمام بالشرح والبيان إذ أن أفضل الطرق لمعرفة مدلول لفظة عند أحد أئمة الجرح والتعديل أن ينظر قولهُ مقارنة بأقوال غيره من أئمة الحديث ، قال الحافظ الذهبي : ((والكلامُ في الرُّواة يَحتاجُ إلى وَرَعٍ تامّ، وبَراءةٍ مِن الهوى والمَيْل، وخِبرةٍ كاملةٍ بالحديثِ، وعِلَلِه، ورجالِه. ثم نحن نفتَقِرُ إلى تحرير عباراتِ التعديلِ والجرح، وما بين ذلك مِن العباراتِ المُتَجَاذَبَة. ثم أهَمُّ مِن ذلك، أن نَعلمَ بالاستقراءِ التامِّ عُرْفَ ذلك الإمامِ الجِهْبِذ، واصطلاحَه، ومقاصِدَه، بعباراتِه الكثيرة ))[5] ، فأحببت أن أزاحم الأفاضل الذين كتبوا ، وأن ألج المضمار في تفسير ألفاظ أئمة الجرح والتعديل فاخترت أن أدرس مدلول لفظ الإمام من كتابه الضعفاء والمتروكين مُقارناً إياه بأقوال الأئمة – رضي الله عن الجميع – في كتب الجرح والتعديل ، وقد حوت هذه الدراسة الفصول التالية :
الفصل الأول : ترجمة الإمام النسائي – رحمه الله – وفيه :
- الباب الاول : اسمه ونسبه .
- الباب الثاني : مولده.
- الباب الثالث : شيوخه.
- الباب الرابع : تلاميذه.
- الباب الخامس : ثناء العلماء عليه.
- الباب السادس : وفاته .
الفصل الثاني : ذكر أقوال العلماء في تفسير قول الإمام النسائي (( ليس بالقوي )) ومناقشتها وتبيين الراجح منها .
الفصل الثالث : الدراسة التطبيقية مِن كتاب الإمام النسائي الضعفاء والمتروكين ثُم مقارنتها بأقوال الأئمة من كتب الجرح والتعديل المعتبرة ، مع ذكر أحكام ابن حجر على الرواة وفيه زيادةً على من لم أذكرهم مِن الرواة.
الفصل الرابع : دِراسة لفظة " ليس بالقوي " عند الأئمة وإطلاقاتهم لها ، معَ بيان مُراد الإمام النسائي مِن قوله بالرواة : (( ليس بالقوي )) وهل هو جرحٌ شديد ، أو لينٌ كما نص على ذلك .
الخاتمة : وفيها التوصيات إن شاء الله .
هذا وقد بذلت جُهدِي وكامِل وُسعي ، لِلوُصول لِنتيجة صائِبة مِن تحديد مُراد الإمام الجليل النسائي – رحمه الله – من هذه العبارة ن فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ... والله المُستعان .

وكتب /
أبو الزهراء بن أحمد آل أبو عودة الغزي الأثري
1435 هـ


ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
[1]سورة الحِجْر الآية : 9.
[2]تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (ص266).
[3] دفاع عن السنة ورد شبهات المستشرقين (ص291).
[4] المجروحين من المحدثين لأبي حاتم البستي (1/55) وانظر: منهج المتقدمين في التدليس ص (45-46).
[5]الموقظة (ص81)