أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الموضوع كان عبارة عن مذاكرة بسيطة مع بعض الفضلاء .. فلما رجوت أن يكون به بعض النفع ارتأتيت إفراده بموضوع مستقل .. وأسأل الله أن يخلص النية ويصحح المقصد .


الخلاف مبني على شئ واحد فقط .. عدم صحة شئ في هذه المسألة .. والقول بزكاة الذهب مبني على حديثين في الاصل .. وكلاهما فيه شئ من النظر .. وهو سبب انصراف الجمهور عن القول بوجوب زكاة الذهب ..


الدليل الأول

أما الحديث الأول هو ما رواه أبوداود والنسائي وغيرهما أن امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم و في يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب .. فقال : أتؤدين زكاة هذا ؟ قالت : لا .. قال : أيسرك أن يسورك الله عز و جل بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ قال فخلعَتهما فألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : هما لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم ( حسنه الألباني .. ومستند تصحيح الحديث عندهم على أن كل ما سكت عنه أبوداؤود فهو صالح )

نقد الحديث

أولا قاعدة أن كل ما سكت عنه أبوداؤد فهو صالح فيها مشكلة كبيرة .. ذلك أن مجلدا كاملا - من سنن أبي داود - استخرجه الإمام العلم العلامة محمد ناصر الدين الألباني هي كلها مما سكت عنها ابوداود ! .. فلو حقا كل ما سكت عنه أبوداود فهو صحيح - أو صالح - فلكان هذا المجلد من ضعيف أبي داود كله افتراء على الإمام سليمان بن الأشعث السجستاني ويقال إن الألباني ظلم أباداوود وعبث في مسنده ! .. فتسقط مقولة إن كل ما سكت عنه فهو صالح .. وذلك مأخوذ من رسالته لأهل مكة رحمه الله .. نعم هو كان يراه صالحا .. ولكن في ذلك شئ من النظر أثبته الإمام ناصر الدين الألباني .. العلة الأولى للتصحيح منقوضة .أما العلة الثانية فيه أن القول بالإيجاب يحتاج لدليل قطعي الصحة لا لبس فيه .. بينما هذا الحديث غاية جودته هو الحسن وليس الصحة .. فإن الشيخ ناصر الدين الألباني نفسه مما ذهب لإيجاب الزكاة فإنما حسنه ولم يجرؤ على تصحيحه لذاته مع انه ممن اشترط الصحة حتى يقال بوجوب الحكم أو بتحريمه إلا أنه كثيرا ما يخالف شرطه إذ يقول بالوجوب ليس استدلالا بحديث صحيح لغيره بل حتى حسن .. وليس حسنا لذاته بل حسنا لغيره بسبب اجتماع الطرق .. وذلك يستحق تعديل الجلسة .. فإن كان هناك شئ من التصحيح فإنما هو التصحيح للغير .. وذلك لا ينهض للإيجاب وتأثيم العباد على شئ لم تنقطع به الصحة .. وكون النص ظني الصحة فذلك يحتاج لشئ من التوقف لأنه مظنة عدم الثبوت مادام حسنا لاجتماع الطرق أو حتى صحيحا لاجتماع الطرق .. وأزيدك فيه مستراحا أن الإمام أبا محمد بن حزم قال في الحديث ( واهي ) .. ربما قصده شديد الضعف و لا يُحتج به .. وربما أسوأ من ذلك إذا كان يقصد بأنه موضوع مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! - وذلك بعيد في ظني والعلم عند الله - .. ومادام من أهل الإمامة في ا لحديث من طعن في صحة الحديث .. ومن احتج به إنما اقتصر على الصحة .. وكبيره كبيره إن طلع بها فإنه صححه لغيره - أقول ذلك تجوزا وإلا فلا أعرف أن الشيخ ناصر الدين الألباني يصححه لغيره وإنما المحفوظ عنه أنه يحسنه فقط ! .. والحديث أصلا مداره على عمرو بن شعيب عن ابي عن جده .. وفي صحة هذا السند أصلا اختلاف بين أهل الحديث - راجع فتح المغيث للعراقي - .. وهذا هو سبب انصراف الجمهور - بل الجماهير الغالبة إن صحت النسبة - عن إيجاب الزكاة في الحلي .. ثم إن من قال بالإيجاب إنما استند إلى حديث لم يرتقي حتى لمرتبة الصحة المطلقة .. وتلك مشكلة كبيرة ! .. مع الإنتباه إلى أن الشيخ الألباني رحمه الله كان متوسعا في قضية التحسين لغيره أو التصحيح لغيره .. وهذه مشكلة وتحتاج لتردد طويل قبل متابعته رحمه الله .. وذلك معلوم عند المعتنين بالفن .. أما شيخي الإمام الفقيه محمد بن عثيمين - فإني أدركت بحضرة الشيخ سبب إيجابه لزكاة الحلي - .. وهو لم يقل بهذا عن سبر حديثي وإنما تابع الشيخ ناصر الدين الالباني في تناول الحديث فقال بالإيجاب تبعا لحكم الألباني على الحديث .. فما كان الأصل فيه معرضا للنقد والنقاش فكيف بك إذن مع ما تفرع عنه ؟!

أما الدليل الثاني عند الموجبين

هو عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأتين تطوفان بالبيت وعليهما سواران من ذهب فقال : أتؤديان زكاتهما ؟ فقالتا : لا .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار ؟ فقالتا : لا .. فقال : أديا زكاتهما ( روه الترمذي وقال .. وما أحسن ما قال رضي الله عنه : قال أبو عيسى وهذا حديث قد رواه المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب نحو هذا و المثنى بن الصباح و ابن لهيعة يضعفان في الحديث ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله وسلم شيء (انتهى ) .. ومع ذلك قال الألباني في الحديث : حسن بغير هذا اللفظ .

المستفاد من ذلك أن الألباني إنما ذهب في هذا بالتحسين للغير .. مجرد تحسين ! فكيف يقال بسببه بالإيجاب ؟ هذا عجيب جدا والله .. لأن قاعدة جميع الأصوليين والفقهاء من أهل السنة على مدار الدهر أن التحريم والإيجاب لا يمكن الجزم بهما إلا إن صح الدليل .. وهنا لم يصح الدليل .. لا تفرح بتحسين الألباني مادام الترمذي نفسه - الراوي بنفسه - قال : ( ولا يصح هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم ) .. هذا الكلام يجب أن تفرح به جدا لأن الترمذي بالذات يدخل في تصنيف المتساهيل في التصحيح أو في توثيق الرجال .. مع العلم بأن جميع رجال هذا المتن بكل طرقها مضروبين بين ضعيف وكذاب ومدلس .. وهذا سبب قنبلة الترمذي هذه .. ولا أعرف تبريرا ولا تعليلا سائغا لحكم الألباني بأن الحديث حسن لغيره !! هذا عجيب .


وأظن في الباب بعض الأحاديث الأخرى أيضا وكلها مضروبة لا يثبت منها شئ على وجه الصحة المقطوعة .. وهذا هو سبب القلة الشديدة في عدد من قال بزكاة الحلي .. لأنهم أصلا لم يثبت لديهم صحة الحديث ولا أهليته للتحريم والإيجاب .. أما الألباني فقد مر عليك بيان الأمر .. أما ابن عثيمين فهو يتابع الألباني في ذلك .. والترمذي يقول لااااا يصح في الباب شئ .. والحديث العمدة في الباب يقول فيه ابن حزم ( واهي ) .. ولا يمكن أن تجد طريقا واحدة من هذه الأسانيد تخلو من التجريح والعلة .

فالقول بوجوب زكاة الذهب في المسألة قول واه لأنه يفتقر للحجة .. وهو سبب ترك جماهير العلماء للأخذ بهذا المذهب .. بسبب عدم ثبوت النص حول ذلك .


وفي النهاية


إن كانت المسلمة مصممة على دفع زكاة حليها - من باب الإصرار - فإن الفقير ليس عليه زكاة ! .. وتخرج هي بهذه العلة من مذهب المذهب النادر القائل بوجوب زكاة الحلي .
يعني هل ستقول للمسلم الفقير بعد انتهاء رمضان : بع ثوبك أو شيئا من فرش بيتك حتى تخرج زكاة الفطر لكونها واجبة - على مذهب الموجبين - ؟؟!! هذا مثل ذاك .. إن قيل - من باب التجوز - بالوجوب فإنه للأغنياء فقط .. الفقير يأخذ الزكاة لا أن يخرجها .




وفق الله الجميع لمرضاته


.