أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


ومما جاء في الخطبة.......

إن للشام مكانة في نفوس المسلمين، فهي الأرض التي باركها الله تعالى في القرآن الكريم، وزادت بركة وشرفا بزيارة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي دعا لها بقوله:« اللهم بارك لنا في شامنا» فطوبى للشام وأهلها، فقد بسطت ملائكة الرحمن أجنحتها عليها، وعاش على أرضها من الصحابة الكرام آلاف، نشروا في ربوعها المحبة والإيلاف، مشوا على ترابها، وتنفسوا من هوائها، وغرسوا قيمهم في أهلها، ونعم من فيها برؤيتهم رضي الله عنهم، قال الوليد بن مسلم: دخلت الشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتعاهدوها رضي الله عنهم بالفضل والإحسان، ورعوها بما يحقق الكرامة للإنسان، حتى بلغ من حالهم أنهم نثروا الحبوب على رؤوس الجبال، كي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين، فصارت الشام منطلق الحضارة الإسلامية، يشع من جنباتها النور للإنسانية.


وإنه لمما يدمي القلب، وتتفطر له النفس، وتدمع له العين، ما وقع لأهل الشام من النوائب، فقد اشتدت عليهم المصائب، وتوالت عليهم النكبات، وغشيتهم الملمات، وها هم اليوم يمرون بمحنة عصيبة، وأزمة رهيبة، فقد فيها الملايين بيوتهم، وشردوا عن بلادهم، فأصبحوا يعانون ظروفا قاسية، وأوضاعا إنسانية مأساوية، فكم من أسرة تفرق شملها، وكم من زوجة ترملت بفقد زوجها، وكم من طفل تيتم بوفاة أبيه، وكم من أم فجعت في أبنائها، وفلذات كبدها، وقد زادت المعاناة عليهم قسوة وشدة، بموجة برد قارسة، وعاصفة ثلجية شديدة، مات منها النساء والأطفال، وقاسى منها المسنون والرجال، فوجب على كل مسلم قادر مساعدتهم، ومد يد العون لهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) أي لا يتركه في مصيبته، بل عليه أن يواسيه، ويبذل له ما يستطيع لمساعدته، فلا يحل له أن يترك إعانته وهو قادر على ذلك.


فيا أيها المسلم، يا من آمنت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا؛ ها هي الصور تأتيك، والأخبار تنبيك، عن أحوال أهل الشام، وما يعايشونه من الآلام، فلا تسلم المنكوبين لمصيبتهم، وكن عونا لهم في محنتهم، وانظر إلى حال الطفل السوري الذي يرتعد من البرد القاتل، وتخيل أنه ابنك المدلل! كيف يكون شعورك حين تراه وقد تجمدت الدماء في عروقه، وأذهب البرد حيويته وبريقه، كيف تتركه على حاله، وقد ازرقت شفتاه، وانهمرت عيناه، وارتجفت يداه، وهو يستصرخك: يا أبتاه، أدفئ جسدي العاري بكساء، فقد قضى علي ثلج الشتاء، وأنت تتلفت ذات الشمال وذات اليمين، فلا تجد المأوى لقرة العين، ينظر إليك وقد علق عليك حياته، وأنت تراه قد قارب وفاته، أتسلمه لما داهمه؟ أم تتركه يتجرع ما يخنقه ويقتله؟

يا عبد الله تصور لبرهة من الزمن أن المرأة التي تراها عبر الشاشات في المخيمات هي إحدى قريباتك! ما هو موقفك حين تسمعها تنوح وتبكي، وتئن وتشتكي، وتستنجدك: استر عورتي، وآمن روعتي، وقني من غائلة البرد وجوعتي. وانظر إلى حال المسن المريض، والعجوز الكبير، وهو يستغيث بولده ليوفر له دواء يسكن به ألمه، ولقمة يسد بها جوعته، وكساء يستر به عورته، وصوفا يقيه من برده! وهو لا يجد ما يغذيه ويداويه، ولا يملك ما يدفئه ويؤويه! ألم تسمع أيها المؤمن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».

فكونوا عونا لأشقائكم المنكوبين كان الله في عونكم، ارحموا غربتهم يرحمكم ربكم، فرجوا كربتهم فرج الله كربتكم.

عباد الله: إن الله تبارك وتعالى قد امتحن أولئك الأشقاء بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ليصبروا، وامتن عليكم بنعمه الكثيرة وآلائه الوفيرة لتشكروا، وفتح لكم أبوابا لفعل الخيرات لتزيدوا من حسناتكم، وتكثروا من صالحات أعمالكم، فبادروا بإعانتهم، وكونوا دفئا لهم من بردهم، وساهموا في سد احتياجاتهم، وإطعام جائعهم، فإن الذي يغيث الملهوفين، ويطعم الجائعين، يحظى بكرامة رب العالمين، ويجد ذلك في صحيفة أعماله يوم الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي».

نعم يا عباد الله ستجدون ذلك عند الله تعالى، فإنكم إذا أنفقتم ابتغاء مرضاة ربكم فإنه سبحانه سيخلف ما بذلتموه، ويضاعف لكم ما أنفقتموه، وسترونه في دنياكم بركة في أموالكم، وفي آخرتكم ثوابا في صحائفكم، قال الله تعالى:( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون).

أيها المؤمنون: لقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبرع لأصحاب الحاجات والنوازل، فقد جاء ناس من الأعراب إلى رسول اللهصلى الله عليه وسلم فرأى سوء حالهم، فحث الناس على الصدقة، فتتابعوا بالتصدق والإنفاق حتى عرف السرور في وجهه صلى الله عليه وسلم لاستجابة أصحابه المكرمين، ووقوفهم إلى جانب المنكوبين.

فنسألك اللهم أن تفرج عن أهل الشام، وتنفس كربتهم، وتقضي حاجاتهم، وتسد جوعتهم، وتؤوي شريدهم، وتعينهم في محنتهم، ونسألك اللهم أن توفقنا لمساعدتهم، وللوقوف إلى جانبهم، لنكون عونا لهم.
.................................................. ............
وقد نزلت بأهل الشام الكوارث، وأنتم تملكون ما تغيثونهم به من غذاء وكساء ودواء، فهبوا لنجدتهم، واستجيبوا لصرختهم، ولبوا نداء الرحمة في قلوبكم، فإنه لا عذر للمستطيع منكم أمام ربكم جل وعلا، إن امتنع عن البذل مع قدرته على ذلك، ومن لا يملك معاونتهم فلا أقل من أن يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء لهم لتفريج كروبهم.

وإن هذه الدولة المباركة قد عرف عنها وعن أهلها؛ المسارعة في قضاء الحاجات، وتقديم المساعدات، وإغاثة الملهوفين، ونجدة المنكوبين، ورعاية الأيتام والمحرومين، وها هو رئيسها، وقائدها، وولي أمرها، صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله تعالى يأمر بحملة خيرية إنسانية، لمساعدة أهل الشام في مصيبتهم، وتقديم يد العون لهم، بتوفير احتياجاتهم، والنظر فيما يفرحهم، فجزاه الله تعالى عنا وعنهم خير الجزاء، فقد فتح لنا بابا للخير عظيما، وكان لنا نعم القدوة في ترجمة ما حثنا عليه ديننا القويم.

وتنفيذا لتلك التوجيهات السامية، والنظرة الإنسانية الحانية، نظمت هيئة الهلال الأحمر الإماراتية، حملة تحت عنوان (قلوبنا مع أهل الشام) وفتحت أبواب التبرع لها بشتى الوسائل، وأرسلت الوفود للوقوف على أحوال المنكوبين في تلك البلاد، وتحديد احتياجاتهم، وتوفير متطلباتهم، وتوصيل مساعداتكم إليهم، فهي هيئة رسمية موثوقة، وأعمالها الإنسانية مشهودة، وجهودها الإغاثية معروفة مشكورة، يعمل أفرادها ليل نهار، في السر والجهار، بغية وجه الكريم الغفار، فبادروا بتبرعاتكم، وأنفقوا من أموالكم، يضاعف الله لكم أجوركم، ويبارك لكم، ويدخلكم الجنة بخير أعمالكم، قال تعالى:( آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير)
.................................................. ............
اللهم فرج عن أهل الشام كروبهم، ونفس عنهم ما هم فيه، وارزقهم من الخيرات، ووفقنا لإعانتهم، وتقبل منا بفضلك ورحمتك يا رب العالمين. اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، وارحم المرضى والمساكين.