أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.

ما الذي تحتاجه أمتنا الإسلامية اليوم؟!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد فقدت الأمة الإسلامية قبل بضع سنين جماعة من العلماء الراسخين والأئمة المصلحين،كالشيخ ابن باز و الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين وغيرهم كثير (رحمهم الله أجمعين)، حيث جعلهم الباري جل جلاله سدا منيعا أمام الفتن والشبهات والبدع والمحدثات،فنفع الله جل وعلا بهم العباد والبلاد.
وحمل الراية بعدهم علماء أجلاء ومشايخ فضلاء،كالشيخ الفوزان والشيخ اللحيدان والشيخ عبد المحسن العباد، وغيرهم ولله الحمد كثير، (حفظهم الله أجمعين)ممن هم حراس العقيدة، وحفاظ السنة، ومنارات الهدى ومصابيح الدجى، الذين هم بمنزلة النجوم في السماء وبهم يهتدي الحيران في الظلماء.
إن أمتنا اليوم أيها الأحبة الكرام ليست بحاجة إلى أطباء ولا إلى مهندسين،ولا غيرهم من الدنيويين!! بقدر ما هي بحاجة ماسة إلى أمثال هؤلاء العلماء الربانيين، وكذلك إلى طلاب علم مجدين خيرين، حيث يدعون الناس إلى توحيد رب العالمين واتباع سنة خير المرسلين، ويحذرونهم من شبهات المبطلين وزيغ المنحرفين!خاصة مع ما نراه من كثرة الفتن وازدياد المحن! وقلة العلم وانتشار الجهل والظلم!،والله المستعان.
لذا أيها الأفاضل على كل غيور على الدين،محب لنشر الخير بين المسلمين أن يحرص على طلب العلم الشرعي النافع، الذي بإذن الله الرحمن ينقذ به نفسه من الفتن وسبل الشيطان،وعليه أن يحث غيره من المسلمين خاصة من هم أقرب إليه من آباء وأبناء وإخوان و أصحاب مقربين.
لأن العلم الشرعي النافع أيها الكرام هو ميراث الأنبياء وطريق الأصفياء وزاد الأتقياء،وهو أفضل مكتسب وأعلى منتسب، فعن معاوية-رضي الله عنه- قال:قال صلى الله عليه وسلم:"من يُرِدْ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ".رواه البخاري(71) ومسلم(1037)
يقول ابن بطال–رحمه الله- :"وفيه فضل الفقه في الدين على سائر العلوم،وإنما ثبت فضله، لأنه يقود إلى خشية الله، والتزام طاعته،وتجنب معاصيه ".شرح صحيح البخاري لابن بطال(1/ 154)
ويقول الإمام ابن القيم (رحمه الله)- مبينا مكانة العلم وفضله- :"فيا لها من مرتبة ما أعلاها ومنقبة ما أجلها و أسناها أن يكون المرء في حياته مشغولا ببعض أشغاله، أو في قبره قد صار أشلاء متمزقة وأوصالا متفرقة،وصحف حسناته متزايدة يملى فيها الحسنات كل وقت،وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب، تلك والله المكارم والغنائم،وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وعليه يحسد الحاسدون،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وحقيق بمرتبة هذا شأنها أن تنفق نفائس الأنفاس عليها ويستبق السابقون إليها،وتوفر عليها الأوقات وتتوجه نحوها الطلبات".طريق الهجرتين(ص521)
أيها الأفاضل إن سبب تفضيل العلم الشرعي النافع على غيره من العلوم الفانية لأنه من أقوى الأسباب المعينة على طاعة الوهاب وذلك بفعل المأمورات واجتناب المنكرات ، يقول الإمام سفيان الثوري –رحمه الله- :" وإنما فضل العلم على غيره لأنه يُتقى به الله ".جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر(1/192)
ولهذا فإن الأصل في طالب العلم أن يكون من أخشى الناس لرب البريات وأبعدهم عن المحرمات وأتقاهم للشبهات،يقول تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) [ فاطر :28]
يقول الإمام ابن كثير –رحمه الله-:"أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر".تفسير ابن كثير ( 3 / 554)
ويقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:"فكل من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي والاستعداد للقاء من يخشاه،وهذا دليل على فضيلة العلم،فإنه داع إلى خشية الله، وأهل خشيته،هم أهل كرامته". تفسير السعدي(ص 689)
أيها الأفاضل الكرام إننا كما نعاني اليوم من قلة إقبال المسلمين عموما وأهل الاستقامة خصوصا على مجالس العلماء ودروس طلاب العلم النجباء،وانصرافهم عن تحصيل العلم الشرعي النافع، وانشغالهم –إلا من رحم الله- بأمور دنيوية ولذات فانية!مع أننا في دار ممر! لا دار مستقر! والله المستعان، نُعاني كذلك–وللأسف-من مرض خطير وشر مستطير أصاب بعض!من يحمل شيئا من ميراث البشير النذير، وهو الانفصام الظاهر! بين العلم والعمل!!، وإن كان هذا الداء العضال والمرض القتال قد حذر من خطورته من سبقنا من الصالحين الأخيار لما رأوا أنه بدأ في زمانهم بالانتشار!!،حيث يقول الإمام الذهبي–رحمه الله- :"وأما اليوم فما بقي من العلوم القليلة! إلا القليل في أناس قليل!!، ما أقل من يعمل منهم بذلك القليل!! فحسبنا الله ونعم الوكيل".تذكرة الحفاظ (3/1031)
لكنه في وقتنا الحاضر عمَّ شره وزاد ضرره،حتى أصبح حديث العامة قبل الخاصة،والله المستعان.
إننا والله لنحزن أيها الأحبة عندما نرى السمت والتحلي بحسن الخلق قاصرا عند بعض عوام المسلمين، ولا نشاهده عند بعض المستقيمين!خاصة من كان منهم من حملة العلم!!.
وإننا والله لنفرح جدا ونحمد الباري سبحانه عندما نشاهد الحرص على نشر المعروف والخير وما ينفع الأمة، وكثرة الإنفاق في سبيل الله تعالى،ونخجل في نفس الوقت عندما لا نراه عند بعض المتعلمين وبالأخص من كان من الميسورين!!.
وإننا صدقا لنسعد من مبادرة بعض المسلمين إلى الصفوف الأولى في صلاة الجماعة والتبكير إلى الصلوات، والحرص على قراءة القرآن، والنوافل من صلاة وصيام، ونأسف من تخلف بعض حملة العلم وتأخرهم وعدم حرصهم على ذلك!!!.
فكيف بالله عليكم يكون طالب العلم قدوة لغيره من المسلمين؟! وهم يرونه مقصرا في النوافل والمستحبات! بل قد يكون ذلك حتى في الواجبات؟!.
أليس الواجب والأجدر أيها الأفاضل أن يكون طلاب العلم والمستقيمين من السابقين الأولين لكل أنواع الطاعات والخيرات و القربات؟!.
يقول الإمام الحسن البصري –رحمه الله- :" الذي يفوق الناس في العلم جدير أن يفوقهم في العمل".جامع بيان العلم وفضله (2/10)
أيها الكرام إننا لا نعني بكلامنا هذا أن طالب العلم لا يقع في الخطأّ،بل هو كغيره من المسلمين يقع منه التقصير، لأنه ليس بمعصوم من الذنوب والزلل!.
لكن الذي يُحزن ويؤسف أن يستمر في خطأه، دون أن يعالجه ويتخلص منه،حتى يصبح علامة عليه، يذمه بسببه العوام! وقد يكون ذلك مدخلا لأهل الانحراف والشهوات للتحذير من الاستقامة و الطعن في دين رب البريات!،والله المستعان.
فيا من يسر الله جل جلاله لك سبل تحصيل العلم ووفقك لنيل شيء منه، عليك أن تحمد الباري جل وعلا على هذه النعمة العظيمة، وتجاهد نفسك وتخلص له سبحانه وتعالى،وتجتهد في العمل به وأن تكون قدوة لغيرك لأنك تمثل نبيك صلى الله عليه وسلم.
وتذكر-سددك الله وثبتك- أنك ستقف أمام خالقك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم،وسيسألك عن علمك الذي كنت تعلمه في الدنيا ماذا عملت به؟!،فعن أبي برزة الأسلمي –رضي الله عنه- قال: ، قال رسول صلى الله عليه وسلم: " لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يوم الْقِيَامَةِ حتى يُسْأَلَ، عن عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ من أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أبلاه".رواه الترمذي (2417) وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول ابن الجوزي-رحمه الله-:"ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل".صيد الخاطر ( ص2)
فأمتنا الإسلامية اليوم أيها الأحبة الكرام في حاجة ماسة والله إلى علماء ربانيين وطلاب علم عاملين وأهل خير وصلاح مخلصين، يقودونها إلى بر الأمان، ويذكرونها أن حقيقة النجاح والفلاح والتقدم والازدهار بين الأمم تكون بالتمسك بالوحيين،والابتعاد عما يفسد الدين من شبهات وشهوات وسائر المنكرات، والبراءة من الكفار والمنافقين وسائر المفسدين والمنحرفين.
وأن ما أصاب أمتنا اليوم من ضعف و تفرق وتسلط من أعداء الدين إنما هو بسبب الابتعاد عن الوحيين،فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم:" تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي...". رواه الحاكم في المستدرك (1/172) ،وصححه العلامة الألباني –رحمه الله- في صحيح الجامع (2937)
يقول المناوي –رحمه الله- :"أنهما-أي الكتاب والسنة-الأصلان اللذان لا عدول عنهما، ولا هدى إلا منهما، والعصمة والنجاة لمن تمسك بهما واعتصم بحبلهما، وهما الفرقان الواضح والبرهان اللائح بين المحق إذا اقتفاهما، والمبطل إذا خلاهما، فوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة متعين معلوم من الدين بالضرورة".فيض القدير(3/241)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعل الأمة الإسلامية تتمسك بدينها القويم وتتبع سنة نبيها الكريم، وأن يبعد بحوله سبحانه وقوته عن المسلمين كل المفسدين وأولياء الشيطان الرجيم، فهو جل وعلا ولي ذلك، والعزيز الحكيم.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي