خطبة
موسى عليه السلام في يوم عاشوراء
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
أما بعد فيا عباد الله /
أرسل الله جل وعلا الرسل مبشرين ومنذرين ، وهؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام أصل دينهم واحد وهو الدعوة إلى عبادة الله جل علا ، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } وأما شرائعهم ومناهجهم فهي مختلفة متباينة كما قال جل وعلا { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } ويوضح ذلك أكثر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء في الصحيحين ( أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة ، الأنبياء أخوة من علّات ) وهم أولاد الرجل من نساء شتى ( الأنبياء أخوة من علّات أمهاتهم شتى وأصل دينهم واحد ) وهؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام لهم من المناقب والفضائل ما يفوق الحصر ، ومن بين هؤلاء الذين ورد ذكرهم في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو [ موسى بن عمران ] قال جل وعلا { َواذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{51} وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } وهذا النبي له من الفضائل والمناقب والمزايا والمآثر ما لا تحصر ، بل وتوشك ألا تستقصى ، هذا النبي عليه الصلاة والسلام له من الصفات والفضائل الشيء الكثير، ولعلنا أن نتطرق إلى بعض منها في هذا المقام القصير، قد جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة ومنقبة لموسى عليه الصلاة والسلام ، وهذه المنقبة هي سفره مسافة طويلة لطلب العلم ، جاء في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال ( قام موسى خطيبا في بني إسرائيل فسئل من أعلم الأرض ؟ فقال موسى: أنا ، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فقال جل وعلا يا موسى بل هناك عبد لي أعلم منك ، قال موسى ؟ ومَنْ لي به ؟ ) كيف الوصول إليه ؟ ( فقال الله جل وعلا خذ حوتا في مِكْتَلّ فإذا فقدته فثمه ، فانطلق موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ، ومعهما الحوت والمكتل ، فانطلقا يسيران ، حتى أتيا إلى صخرة فوضعا رؤوسهما عليها فناما ، فأحيا الله جل وعلا الحوت فجعل يسير في البحر ، أصبح البحر له سربا أي طريقا ومنفذا ونفقا يسير فيه ، وأمسك الله عنه جري الماء ، فلما استيقظا انطلقا فجعلا يسيران ليلتهما وبقية يومهما ، فلما جاء من الغد وقد لاقى موسى من النصب ما لاقى ، قال آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ، فقال فتاه لقد نسيت الحوت عند الصخرة ، قال ذلك ما كنا نبغي فارتدا يقصان آثارهما ، فلما أتيا إلى الصخرة إذا برجل مسجَّى فسلم عليه موسى فرد عليه السلام فقال أنّى بأرضك السلام ، قال أنا موسى ، قال الخضر ) ولماذا سمي الخضر بهذا الاسم ؟ قد بينت ذلك الروايات الأخرى في الصحيحين إذ قال عليه الصلاة والسلام ( إنما سمي الخضر خضرا لأنه جلس على فروة بيضاء وهي أرض بيضاء فاهتزت من ورائه خضراء ) ( قال أنّى بأرضك السلام ، قال أنا موسى ، قال الخضر موسى بني إسرائيل ؟ قال نعم ، جئت لكي أصحبك ولتعلمني ، قال الخضر إنك لن نستطيع معي صبرا ، قال موسى ستجدني إن شاء الله صابرا ، فانطلقا حتى وقفا على الساحل فمرت سفينة فعرفوا الخضر فأركبوه ، فلما ركبا في السفينة أتى عصفور على حافة السفينة فنقر نقرة أو نقرتين في البحر ، قال الخضر يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا ما نقص هذا العصفور بمنقره من ماء البحر ، ثم عمد الخضر وأخذ فأساً واقتلع خشبة من السفينة ، فأنكر عليه موسى واستعظم الأمر ، قال قوم حملونا بغير نول ) يعني بغير أجرة ( عمدت إلى سفينتهم لتغرق أهلها ، فقال له الخضر: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ؟ قال موسى لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ، ثم انطلقا حتى مر الخضر على غلام فاقتلع رأسه كأنما يقطف شيئا ) وقد جاء في الصحيحين ( أن هذا الغلام ) كما قال عليه الصلاة والسلام ( طبع يوم أن طبع كافرا ، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا ) ( فقال موسى أقتلت نفسا زكية بغير نفس ؟ فقال له الخضر ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ؟ فقال موسى: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ، فانطقا حتى أتيا قرية فاستضافوهما فلم يضيفوهما ، فرأى الخضر جدارا فأصلحه وأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا؟ قرية استضفناهم فلم يضيفونا ، فقال الخضر هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ، قال عليه الصلاة والسلام رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبرا لرأى من صاحبه العجب ) عباد الله / مر النبي صلى الله عليه ليلة أسري به بموسى ، وقد جاءت من مجموع الأحاديث التي في الصحيحين ( أن صفة موسى أنه أسمر، وأنه طويل ، وأنه نحيف ، وأنه مسترسل الشعر ) أي ناعم الشعر ، وأما ما ورد في مسلم ( أنه جعد ) فالمراد جعودة جسمه واكتناز لحمه عليه الصلاة والسلام ،
ومن مناقب وفضائل موسى / أنه كان صابرا ، بلغ أعلى وذرة مقام الصبر ، فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ( أنه عليه الصلاة والسلام قسم قسماً ذات يوم فقال رجل هذه قسمة لم يرد بها وجه الله ، فأخبر ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب عليه الصلاة والسلام لكنه تسلى بموسى فقال رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر )
ومن صفات ومناقب وفضائل موسى عليه الصلاة والسلام / أن له وجاهة عند الله جل وعلا ، وأن من مناقبه أنه حييٌ سِتيِرٌ يحب الستر فقد جاء في الصحيحين ( أن موسى عليه الصلاة والسلام كان حييا ستيرا يحب الستر ، فقالت بنو إسرائيل ما يستتر موسى هذا الستر إلا من آفة في جسمه إما أُدرة ) وهي عظم الخصيتين ( وإما برص وإما آفة ) فأراد الله جل وعلا أن يبرئه مما قالوا ( فخلا ذات يوم فاغتسل فوضع ثيابه على الحجر فلما خرج ليلبس ثيابه عدا الحجر بثوبه وهو عريان حتى مر بطائفة من بني إسرائيل فرأوه أبرأ ما يكون ، فذلك قول الله جل وعلا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً }
ومن مناقبه وفضائله عليه الصلاة والسلام / ما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في طريق بين مكة والمدينة فقال أي وادٍ هذا ؟ قالوا هذا وادي بني الأزرق ، فقال عليه الصلاة والسلام كأني أنظر إلى موسى واضعا أصبعيه في أذنيه له جئوار إلى الله بالتلبية ماراً بهذا الوادي ) وقد جاء في صحيح ابن حبان ( كأني أنظر إلى موسى يرمي الجمرة على ناقة حمراء خطامها من ليف عليه جبة من صوف )
ومن مناقبه عليه الصلاة والسلام / كما قال عليه الصلاة والسلام ( إن موسى سأل ربه عن ست خصال كان يظنها أنها له ، والسابعة كان موسى لا يحبها ،
سأل موسى ربه جل وعلا فقال يا رب مَنْ اتقى الناس ؟
قال الله جل وعلا : الذي يذكر ولا ينسى ،
فقال موسى : أي الناس أهدى يا رب ؟
فقال الله جل وعلا : الذي يتبع الحق ،
فقال موسى : أي الناس أحكم ؟
قال : الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه ،
قال موسى: أي الناس أعلم ؟
قال : عالم لا يشبع من العلم يضيف إلى علمه علم الناس ،
فقال موسى يا رب أي الناس أعز ؟
قال : من إذا قدر غفر ،
قال موسى يا رب من أغنى الناس ؟
قال : الذي يرتضي بما يؤتى ،
وأما السابعة / قال موسى يا رب أي الناس أفقر ؟
قال رجل منقوص )
قال ابن حبان في تعليقه على هذه الكلمة قال : ينتقص ما في يده ويطمع في الفضل الذي في أيدي الناس ،
بل إنه عليه الصلاة والسلام علق على هذا الحديث ، فقال عليه الصلاة والسلام ( ليس الغنى عن ظهر ) يعني عن تملكٍ للدواب والأموال ( إنما الغنى غنى النفس ، ومن أراد الله به خيرا جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه ، ومن أراد الله به شرا جعل فقره بين عينيه )
ومن مناقب موسى عليه الصلاة والسلام / ما جاء في الصحيحين ( أن يهوديا عرض سلعة له في سوق المدينة فأُعطي سعرا لم يرتض به فقال لا والذي بعث موسى على البشر ، فقام أنصاري فلطم خده ، فقال أتقول هذا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ؟ فقام هذا اليهودي يشكو هذا الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال ما الذي حملك على لطم خده ؟ قال : إنه يقول والذي اصطفى موسى على البشر وأنت يا رسول الله بين أظهرنا ، فغضب عليه الصلاة والسلام ثم قال: لا تفضلوا بين الأنبياء فإنه ينفخ في الصور فيصعق مَنْ في السماوات ومَنْ في الأرض ثم ينفخ فيه أخرى فأكون في أول من بعث، فإذا أنا بموسى قائم قد أخذ بقوائم العرش ، فلا أدري أحوسب بصعقة الطور أو بعث قبلي ؟ ) وهذا فيه فضيلة لموسى ومنقبة عليه الصلاة والسلام
ومع ذلك فكل مخلوق لابد أن يمر بطريق الموت ، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } مات موسى عليه الصلاة والسلام ، فقد جاء في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام أخبر ( أن ملك الموت أتى موسى ) والأنبياء حينما تقبض أرواحهم يخيرون هل تقبض أرواحهم في هذا الوقت أم يؤجلون إلى وقت آخر ( فأتاه ملك الموت فصك موسى وجهه ) وقد جاء في رواية أحمد ( جاء في صورة آدمي ) ( فصك وجهه ففقأ عين ملك الموت ، فرجع ملك الموت والله جل وعلا أعلم ، قال ما بالك ؟ قال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، فقال الله جل وعلا اذهب إليه ليضع يده على متن ثورٍ فله بما غطت يده بكل شعرة سنة ، فأته ملك الموت فأخبره فقال موسى ثم ماذا ؟ قال ثم الموت ، فقال موسى إذاً فالآن )
ومع ذلك كله فالنبي صلى الله عليه وسلم أفضل منه ، فقد جاء في المسند والدارمي قوله عليه الصلاة والسلام ( لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي )
الخطبة الثانية
أما بعد فيا عباد الله /
في مثل هذا الشهر ، وبالتحديد في اليوم العاشر منه نصر الله عز وجل عبده موسى وأغرق الطاغية فرعون ، والقصة معروفة ومقروءة في كتاب الله جل وعلا { فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ{61} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ{62} فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } فسار موسى وأتباعه في البحر حتى نجوا وفرعون في الضفة الأخرى ، فأراد موسى عليه الصلاة والسلام أراد أن يضرب البحر بعصاه حتى يعود كما كان فيحول بينه وبين فرعون ، فقال الله جل وعلا لموسى {وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً } دعه على حاله ، لي مع هؤلاء شأن ، {وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } فلما دخل فرعون وقومه وتوسطوا في البحر أمر الله جل وعلا البحر أن يعود كما كان ، فأغرق الله فرعون ، قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت في المسند ( إن الله لما أغرق فرعون وقال { آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } قال جبريل يا محمد لو رأيتني وأنا أدس التراب في أنفه وفي فمه ) يعني في أنف فرعون ( من حثالة البحر حتى لا تدركه رحمة الله جل وعلا )
وهذا الانتصار -عباد الله- وقع في هذه الشهر [ المُحرم وفي اليوم العاشر منه ] وهذا الشهر وبالتحديد في اليوم العاشر منه لنا معه وقفات وفوائد ومسائل /
من بين هذه الفوائد : أن هذا الشهر المحرم هو من الشهور الأربعة التي عظمها الله جل وعلا في كتابه {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } وجاء في صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام قال( السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حُُرُم ثلاثة سرد وآخر فرد ، أما الثلاثة الأشهر السرد في [ ذو القعدة – وذو الحجة - ومحرم ] وأما الفرد فهو [رجب] الذي بين جمادى وشعبان ) وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيام هذا الشهر ، فقد جاء في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ) ومع ذلك لم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يكثر صومه ، بل كان يكثر من صيام شعبان ، والسبب والله أعلم إما لكونه كان مشغولا بالجهاد في هذا الشهر ، أو أنه عليه الصلاة والسلام لم يوح إليه فضل صيام شهر محرم إلا آخر حياته فلم يتمكن من صيامه عليه الصلاة والسلام ، أو من صيام أكثره ، وقد جاء في صحيح مسلم ( أن صيام يوم عاشوراء يكفر سنة ) كما في حديث أبي قتادة ، ( أن صوم يوم عاشوراء يكفر سنة وأن صيام يوم عرفة يكفر سنتين ) ولماذا كان يوم عرفة أفضل من يوم عاشوراء في الصيام ؟ لأن يوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أما يوم عاشوراء فهو منسوب إلى موسى عليه الصلاة والسلام ، ولا شك ولا ريب أن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو أفضل الأنبياء على الإطلاق ، أما قوله عليه الصلاة والسلام ( لا تفضلوا بين الأنبياء ) فمراده عليه الصلاة والسلام ألا يكون هذا التفضيل على وجه التنقص بالمفضول ، وعلىأو على وجه الحمية ثم أيضا أراد بذلك كما هي عادته عليه الصلاة والسلام أراد التواضع ،
إذاً / صيام شهر عاشوراء يُكفِّر سنة ، والمراد من التكفير هنا الصغائر ، قال النووي رحمه الله [ هذا الصيام إن ورد على صغائر وكبائر كفر الصغائر ، وإن لم يرد لا على صغائر ولا على كبائر فيكتب له حسنات ، وأما إن ورد على كبائر فقط فيرجى أن تكفر الكبائر أو تكفر بعضها ] وهذا اليوم وهو يوم عاشوراء كما جاء في المسند وسكت عنه ابن حجر والقاعدة التي يسير عليها ابن حجر في كتابه الفتح [ أنه إذا سكت عن حديث إما حسن وإما صحيح ] جاء في المسند ( أن هذا اليوم وهو يوم عاشوراء هو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي فصامه نوح شكرا لله عز وجل ) وإنما اقترن اسم موسى باسم نوح لأن الله عز وجل نجّى نوحا ونجّى موسى من الغرق فاشتركا في هذه الصفة ، وجاء في صحيح مسلم أن هذا اليوم وهو يوم عاشوراء ( تعظمه النصارى ) قال ابن حجر رحمه الله [ لعله من الأحكام التي لم تنسخها شريعة عيسى من شريعة موسى فلعل عيسى عليه الصلاة والسلام كان يصوم هذا اليوم ] أما ما ورد في مصنف أبي شيبة ( أنه عليه الصلاة والسلام قال إن الأنبياء تصوم هذا اليوم فصوموه أنتم ) فقد حكم عليه الألباني رحمه الله بأنه حديث منكر،( وكان اليهود يعظمون يوم عاشوراء ويجعلونه عيدا ) كما ورد ذلك في صحيح مسلم وورد بنحوه في صحيح البخاري وكان من جملة تعظيمهم لهذا اليوم أنهم كانوا ( يصومونه ) فالنبي عليه الصلاة والسلام ( لما هاجر وجد اليهود يصومونه فسألهم عن سبب صيام هذا اليوم ؟ فقالوا هذا يوم صالح نجّى الله فيه موسى فصامه موسى شكرا لله فنحن نصومه ، فقال عليه الصلاة والسلام نحن أحق بموسى منكم ) ومعلوم كما ورد في الخُطَب السابقة أنه عليه الصلاة والسلام وصل إلى المدينة بعد هجرته ( وصل في شهر ربيع الأول ) وهذا يؤكد ويقرر رجحان القول الآخر من أن النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه هم أحق وأولى بموسى ، لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، لأنه يصومه على حسب الرؤيا ، أما اليهود فإنهم يصومونه على حسب السنين الشمسية ، ويدل لذلك ما جاء في معجم الطبراني بإسناد صححه ابن حجر رحمه الله في الفتح ( أن زيد بن ثابت قال إن يوم عاشوراء ليس هو اليوم الذي يسميه الناس وإنما هو يوم تكسى فيه الكعبة وكان يدور في السنة ، لأن اليهود يأتون فلانا من اليهود فيحسب لهم بالحساب ) فهذا يؤكد على أن النبي صلى الله عليه وسلم أحق بموسى من اليهود ،
وليعلم أن صيامه عليه الصلاة والسلام لم يكن متابعة لليهود ولم يكن هذا الصيام تجديد حكم للنبي صلى الله عليه وسلم ، بل ثبت في صحيح البخاري ( أنه كان عليه الصلاة والسلام يصومه في الجاهلية ) فهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يتابع اليهود في هذا الصيام ، والأفضل عباد الله / أن يصوم المسلم يوما قبله أو يوما بعده ، ولهذا جاء في صحيح مسلم أنه عليه الصلاة السلام ( قيل له: هذا يوم تعظمه اليهود ، فقال عليه الصلاة والسلام لئن عشت إلى قابل ) يعين إلى السنة العاشرة ( لأصومن التاسع ) فلم يدرك تلك السنة إذ توفي عليه الصلاة والسلام ،
وليعلم عباد الله / أن مراتب الصوم كما ذكر ذلك ابن القيم وابن حجر رحمهما الله ، أنه على ثلاثة مراتب
إما أن تصوم اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر ،
والمرتبة الثانية أن تصوم مع العاشر إما التاسع وإما الحادي عشر
والمرتبة الأخيرة ، وقد نص شيخ الإسلام رحمة الله عليه [ أنه لا يكره إفراد صيام يوم عاشوراء ، المرتبة الثالثة : أن تقتصر في الصيام على يوم عاشوراء ،
بل إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحرصون على صيام هذا اليوم حرصا زائدا ، فقد قال ابن حجر رحمه الله [ كان السلف يصومونه حتى في السفر ، وممن صامه في السفر ابن عباس رضي الله عنهما ] وإذا لم يعرف دخول شهر الله المحرم ، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله [ يصوم المسلم التاسع والعاشر والحادي عشر ] وأما إذا أراد الإنسان ألا يصوم كما ذكر ذلك الإمام أحمد رحمه الله آنفا ، فعليك أن تكمل شهر ذي الحجة ، تعتبر بأن شهر ذي الحجة كاملا ، وبذلك تصوم اليوم العاشر والحادي عشر ، فإنه إن كان في علم الله أن شهر ذي الحجة ناقص فتكون بذلك صمت العاشر والحادي عشر ، وعلى اعتبار أن شهر ذي الحجة ناقص في علم الله عز وجل فيكون بذلك صمت اليوم التاسع واليوم العاشر .
وليعلم / أن في شهر عاشوراء بدعا ومنكرات ومستحدثات ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى قال رحمه الله : من البدع التي تكون في يوم عاشوراء / طبخ الولائم والأطعمة ، والاكتحال ، والاغتسال ، ونحو ذلك من شعائر الفرح ، وهذه طائفة قابلت البدعة بالبدعة ، لأن الروافض لما جعلوا هذا اليوم أعني اليوم العاشر ، جعلوه موسم ووقت حزن ومأتم وكآبة ، قابلتهم طائفة منحرفة ضالة فاختلقوا الأحاديث في فضل التوسع على العيال في هذا اليوم ، وفي فضل المآثر في الفرح والسرور في هذا اليوم ، قال شيخ الإسلام رحمه الله : قابلوا الشر بالشر والفساد بالفساد والبدعة بالبدعة ، وتلك الطائفتين ضالة منحرفة عن السنة انتهى كلامه رحمه الله بتصرف كثير ،