من معاني الرحمة في القرآن :
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
مازال الحديث متواصلا حول معاني الرحمة في كتاب الله عز وجل
ذكر طرف من هذه المعاني في الليالي الماضية
ونتحدث في هذه الليلة عن بعض من هذه المعاني :
فمن معاني الرحمة في القرآن :
تأتي الرحمة في القرآن بمعنى المطر
((وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ))
يعني : يرسل الرياح قدام المطر
فإذاجاءت هذه الريح فإنها علامة وبشارة على نزول هذه الرحمة التي هي المطر
((وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ))
(({فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ))
والآيات في هذا المعنى كثيرة
النبي عليه الصلاة والسلام – إذا نزل المطر قال : (( رحمة )) كما في صحيح مسلم
من السنة – عبد الله – إذا نزل المطر من السنة أن تقول في جملة ما تقول من الأذكار عند نزول المطر تقول : (( رحمة ))
وهذا المطر : الذي وصفه جل وعلا بأنه رحمة هو من رحمة الله عز وجل
أنه يندب للإنسان حينما ينزل المطر أو حينما ينتهي المطر يقول : مطرنا بفضل الله ورحمته
إذا كان هذا المطر من رحمة الله عز وجل ووصف بأنه رحمة ترى ما هي الصور التي يمكن أن نستحضرها في هذا المقام والتي تبين لنا أن هذا المطر رحمة من الله وأنه في الحقيقة هو رحمة ؟
أن هذا المطر قد جبل الله النفوس على الفرحوالاستبشار به إذا نزل
حتى الأطفال إذا نزل المطر وهم لا يعرفون ما وراء هذا المطر
هذا لا شك أنه رحمة من الله أن يدخل السرور على نفسك وعلى أولادك وعلى أسرتك
إذاً : صدق أن يكون هذا المطر رحمة
(( فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ{49} ))
أن هذا المطر يذكرك باليوم الآخر :
واقرأ كتاب الله وإذا رأيت المطر مذكورا تجد أن بعد ذكر المطر يأتي ذكرالبعثوالنشور :
((فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{48} )) إلى أن قال : ((فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{50} ))
((وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً{14} لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً{15} وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً{16} ))
((إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً{17} ))
((وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } ))
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } الحج6
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فصلت39
((فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ{24} أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً{25} ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً{26} فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً{27} وَعِنَباً وَقَضْباً{28} وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً{29} وَحَدَائِقَ غُلْباً{30} وَفَاكِهَةً وَأَبّاً{31} مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ{32} فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ{33} ))
إذا نزل المطر يحيي هذه الأرض الميتة
فإذا كان الله عز وجل قادرا على أن يحيي هذه الأرض الميتة بالمطر فهو قادر على إعادة الخلق مرة أخرى
وهم أصحاب المواشي أصحاب الأنعام من إبل وغنم :
إذا نزل المطر ما العائد الذي يعود عليهم ؟
تحصل غدران يشربون منها وتشرب منها بهائمهم
ينبت هذا المطر العشب فترعى من ذلك بهائمهم
فيكون بذلك المطر رحمة لهم
إذ إنهم يستبقون أموالهم التي ينفقونها على بهائمهم إذا اشتروا أعلافا لها
فإذا كانت هناك زهور وعشب وكان هناك ربيع فإنهم يكفون المئونة وليسأل أهل هذه البهائم : كيف يرحمهم الله جل وعلا بنزول هذا المطر ؟
((وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً )) الفرقان49
فيكون هذا المطر رحمة بهؤلاء
هذا الفقير له حق من الزكاة في السائمة من بهيمة الأنعام
هذا الغني إذا أرعى إبله في الصحراء السنة أو أكثر السنة فإن الزكاة تلزمه في الإبل وفي البقر وفي الغنم
فإذا أنزل الله هذا المطر رحم الله به هذا الفقير
فإنه يجب على هذا الغني وهو صاحب البهائم أن يعطي هذا الفقير حقه من الزكاة
((هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ{10} ))
ولذا هذه البهائم إذا جفت الأرض ويبست الأرض وحصل القحط يقول بعض التابعين : " إن البهائم لتلعن عصاة بني آدم إذا حبس المطر من السماء "
من بين هذا الفساد – وهو قول له حقه وحظه من الصواب – " أن الفساد هنا هو وجود القحط بسبب المعاصي:
((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ))
فإذا جاء هذا المطر رحم الله به الدواب
أنه سبب بإذن الله إلى أن يرجع العباد إلى ربهم
تصور لو أن الأرض أجدبت بسبب منع السماء المطر
لو أن الناس لم تكن لديهم هذه المياه المحلاة
حال بؤس
لو أن المطر انحبس عن الناس سنة سنتين ثلاث أربع سنوات ؟
فإن العاصي وهو العاصي سيلجأ إلى ربه
إذا حصل القحط تشرع صلاة الاستسقاء
ما الدليل على أن المطر رحمة إذا امسك ؟
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }الروم41
أن هواة الصيد يستبشرون به
ما الذي يكون لهذا الصيد ؟
لهواة صيد الضِباب( مفرد ضب ) ينتعشون إذا جاء هذا المطر ولاسيما في بلادنا فإن الناس اشتهروا بصيد الضباب
فإذا رأوا مثل هذا الضب أو رأى مثل هذا الصيد فإنه يستبشر
ولا شك أن هذا رحمة من الله له
لكن شغف الإنسان بالصيد منهي عنه :
لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( من اتبع الصيد غفل ، ومن سكن البادية جفا ))
الإنسان يكون معتدلا في ذلك
ولاسيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الحروب قرب بلادنا :
وما كان في السابق في الكويت
و ما شابه ذلك فإن هذه الحروب تخلف عديما من عديمات الطائرات والحروب
فإن الناس قد يمرضون بهذا الداء
((وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً )) الفرقان48
لو رأيت ماء نزل من السماء قد تغير لونه فلتعلم أنه طهور
ويجوز لك أن تتوضأ به وأن تزيل به النجاسة :
لأن الله قال : ((وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً )) الفرقان48
بعض كبار السن ممن منّ الله عليه بالخشوع والتوفيق إذا قيل له : جاء الغيث قال : نسأل الله أن يغيث قلوبنا
بل به ينتصر المسلمون على الأعداء :
((إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ )) :
في غزوة " بدر " استولى المشركون على المياه القريبة منهم وبقي المسلمون لا ماء لهم
والأرض رملة تسيخ فيها أقدام الإبل والخيول
قال جل وعلا من باب النصر والتأييد لخلقه :
{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ }الأنفال11
ترى الربط على القلب من أهم ما يكون فيالمواقف الصعبة
ولذلك : اسأل ربك أن يربط على قلبك
أم موسى لما علمت بأن ابنها موسى قد وصل إلى فرعون الطاغية :
(( إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) القصص10
الفتية لما قاموا وصدعوا بالحق عند ذلك الملك الكافر في سورة الكهف :
((إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى{13} وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ))
وهذه من أعظم ما يكون من النعم
((وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ )) الأنفال11
ويكفي من بركاته ما سبق ذكره آنفا
{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ }ق9
فإن الله إذا وصف شيئا بأنه رحمة فلتعلم بأنه من رحمته هو جل وعلا
وعند التأمل والتدبر يظهر الشيء الكثير