أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد ..
فهذه فوائد ولطائف ومسائل ونتف علمية تعدادها خمسون من كلام فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله رحمة واسعة في الشرح الممتع على زاد المستقنع من كتاب المناسك فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان.



1 - مسألة: امرأة مستطيعة ومعها محرم يمكن أن يحج بها كأخيها لكن لم يأذن زوجها؟
الجواب: إذا وجب الحج على المرأة فلا يشترط إذن الزوج بل لو منعها فلها أن تحج؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. 42


2 - وقد نص شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ على مثل من كان في الطائرة، أنه يجب أن يحرم إذا حاذى الميقات، وقد ذكر هذا حين تكلم عن السحرة الذين يكذبون على الناس، ويقولون: تحملنا الملائكة إلى مكة في يوم واحد، فنذهب إلى عرفة في يوم واحد، قال: هؤلاء يخطؤون حيث إن الشياطين تمر بهم من فوق الميقات ولا يحرمون منه، وهذا مثل الطائرة تماماً. 59


3 - والتلبية قد تكون في غير الحج، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رأى ما يعجبه من الدنيا قال: «لبيك إن العيش عيش الآخرة» ، فإذا رأيتم ما يعجبكم من الدنيا من قصور، أو سيارات، أو بنين، أو زوجات، أو غيرها فقولوا: «لبيك إن العيش عيش الآخرة»، انظر: كيف صد الإنسان نفسه بقول: لبيك، إجابة لله ـ عزّ وجل ـ حتى لا تذهب نفسه مع الدنيا، ثم قال: «إن العيش عيش الآخرة» يعني أن هذا العيش الذي أمامي ليس بشيء. 70


4 - مسألة: امرأة لم يطرأ الحيض على بالها، لكن معها كسل أو مرض، وتخشى ألا تتم النسك من أجل هذا المرض، فقالت: إن حبسني حابس فمحلّي حيث حبستني، تريد المرض، لكن المرض خف عنها أو زال، وحدث الحيض، فهل نقول: إن مقتضى حالها يخصص النية؟ أو نقول: إن العموم يشمل الحيض؟
الجواب: يحتمل الأمرين، لكن من قال يؤخذ بالعموم «حبسني حابس» قال بأنها نكرة في سياق الشرط فتعم، وهذا من الحوابس، فقد يكون في قلبها في تلك الساعة المرض، ويحصل حابس آخر كالحيض، والخوف، وفقدان النفقة، وموت المحرم، وما أشبه ذلك، والأخذ بالعموم أرجو ألا يكون به بأس، وإلا فإن الحال قد تخصص العموم.
فإن قال قائل: إذا اشترط شخص بدون احتمال المانع ـ على القول بأنه لا يسن الاشتراط إلا إذا كان يخشى المانع ـ، فهل ينفعه هذا الاشتراط؟
فالجواب: على قولين:
القول الأول: ينفعه؛ لأن هذا وإن ورد على سبب، فالعبرة بعمومه.
القول الثاني: لا ينفعه؛ لأنه اشتراط غير مشروع، وغير المشروع غير متبوع فلا ينفع، وهذا عندي أقرب؛ لأننا إذا قلنا: بأنه لا يستحب الاشتراط فإنه لا يكون مشروعاً، وغير المشروع غير متبوع، ولا يترتب عليه شيء، وإذا قلنا: إنه يترتب عليه حكم وهو غير مشروع، صار في هذا نوع من المضادة للأحكام الشرعية. 74


5 - ويقول الشيخ: فإذا كان قد اعتمر قبل أشهر الحج، ولم يسق الهدي فالأفضل له الإفراد، سواء اعتمر قبل أشهر الحج، وبقي في مكة حتى حج، أو اعتمر قبل أشهر الحج، ثم رجع إلى بلده، ثم عاد إلى مكة، حتى إنه قال: إن هذا باتفاق الأئمة، أي: أن الأفضل الإفراد؛ لأنه يحرم بالعمرة في سفرة مستقلة، وبالحج في سفرة مستقلة - ثم قال الشيخ محمد - ويقول - أي شيخ الإسلام - : إن هذا باتفاق الأئمة، فإن صح الإجماع فليس لنا أن نخالفه، وإن لم يصح الإجماع، فإنه يقال: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر أصحابه في حجة الوداع أن يجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي ، ولم يقل من اعتمر منكم قبل أشهر الحج فليبق على إحرامه، مع أنه فيما يظهر أنه يوجد من الصحابة من اعتمر قبل أشهر الحج، فلذلك هذه المسألة مشكلة عليّ من كلام شيخ الإسلام، وليس المشكل عليّ أنه ذهب إليها؛ لأنه ـ رحمه الله ـ معروف بقوة استدلاله وفهمه وعقله، ولكن المشكل عليّ قوله: باتفاق الأئمة، ثم رأيت كلاماً للشيخ في «مجموع الفتاوى» يوافق ما قلنا من أن الأفضل التمتع حتى لمن اعتمر في سفر سابق من العام، وقال: إن كثيراً من الصحابة الذين حجوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم كانوا قد اعتمروا قبل ذلك ومع هذا، فأمرهم بالتمتع ولم يأمرهم بالإفراد. 81


6 - إذاً الحديث في حال الضرورة - أي حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ حين أحرمت بالعمرة وحاضت بسرف فأمرها النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تهل بالحج - فهل نستدل به على حال السعة، ونقول: للإنسان إذا أحرم بالعمرة أن يدخل الحج عليها ليكون قارناً؟
الجواب: الفقهاء يقولون يجوز، لكن في النفس من هذا شيء؛ لأننا نقول إذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر من أحرم بالحج ولم يسق الهدي أن يجعله عمرة . 85


7 - مسألة: هل الأفضل أن يسوق الإنسان الهدي ليقرن أو يدعه ويتمتع؟
الجواب: هذه مسألة تحتاج إلى نظر، إن كانت السنة ـ أعني سَوق الهدي ـ قد ماتت والناس لا يعرفونها، فسوق الهدي مع القران أفضل لإحياء السنة، وإن كانت السنة معلومة لكن يشق على الناس أن يسوقوا الهدي؛ لأنهم يحجون بالطائرات والسيارات فترك سوق الهدي والتمتع أفضل. 87


8 - قال الشيخ بعد أن سرد الأقوال في وقت التلبية :
روى أهل السنن عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بسند فيه نظر أنه جمع بين الروايات المختلفة، وقال: «إن الناس نقل كل واحد منهم ما سمع، وإن النبي صلّى الله عليه وسلّم لبى بعد الصلاة، فسمعه أناس فقالوا: أهلَّ دبر الصلاة، ولبى حين ركب، فسمعه أناس فقالوا: لبى حين ركب، وسمعه ناس حين استوت به راحلته على البيداء، فقالوا: لبى حين استوت به راحلته على البيداء» ، وهذا الحديث لولا ما قيل في سنده لكان وجهه ظاهراً؛ لأنه يجمع بين الروايات.
ولكن نحن جربنا فائدة كونه لا يلبي إلا إذا ركب؛ لأنه أحياناً يتذكر الإنسان شيئاً كطيب أو شبهه، فإذا قلنا: أحرم بعد الصلاة لم يتمكن من استعمال الطيب بعد الإحرام، لكن إذا قلنا: لا تلبِّ ولا تحرم إلا بعد الركوب حصل في ذلك فسحة، إلا إذا صح حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، فإنه يبدأ بالتلبية عقب الصلاة. 102


9 - وقد ذكر ابن القيم في كتابه (بدائع الفوائد) بحثاً مستفيضاً حول الفروق بين الحمد والمدح، وكلمات أخرى في اللغة العربية تخفى على كثير من الناس، وبحث فيها بحثاً مسهباً، قال: كان شيخنا ـ ابن تيمية ـ إذا تكلم في هذا أتى بالعجب العجاب، ولكنه كما قيل:
تألق البرق نجدياً فقلت له
إليك عني فإني عنك مشغول
أي أن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ مشغول بما هو أهم من البحث في كلمة في اللغة العربية، وأسرار اللغة العربية.108


10 - مسألة: اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ هل يلبي وهو ماكث أو لا يلبي إلا وهو سائر؟
الجواب: من العلماء من قال إنه يلبي وهو سائر فقط، وأما إذا كان ماكثاً، أي: نازلاً في عرفات أو مزدلفة أو منى فإنه لا يلبي؛ لأن التلبية معناها الإجابة وهي لا تتناسب مع المكث، إذ أن المجيب ينبغي أن يتقدم إلى من يجيبه لا أن يجيب وهو باق، وهذا الثاني هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، وأنه لا يلبي إلا في حال السير بين المشاعر، والقول الأول: يقول يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، سواء كان ماكثاً أم سائراً.113


11 - والعجيب أنهم يقولون ـ أي: الفقهاء ـ: لو قص ثلاث شعرات من رأسه لم يحل، ثم يجعلون ثلاث الشعرات بمنزلة الحلق!. 118


12 - وقوله - أي الحجاوي - : «وإن لبس ذكر مخيطاً» عبّر بلبس المخيط، ولكن النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي أعطي جوامع الكلم لم يعبر بلبس المخيط مع أنه أعم مما عينه، وإنما ذكر أشياء معينة عينها بالعد، وكان ينبغي للمؤلف وغيره من المؤلفين، أن يذكروا ما ذكره النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما ذكرنا فيما سبق أن المحافظة على لفظ النص حتى في سياق الأحكام أولى. 127


13 - (والسراويل) يلحق بها التُّبان، والتبان عبارة عن سراويل قصيرة الأكمام، أي: لا تصل إلا إلى نصف الفخذ، لأنه في الواقع سراويل لكن كمه قصير، ولأنها تلبس عادة كما يلبس السراويل. 132


14 - ويستدل بهذا الحديث - أي حديث الذي وقصته راحلته - على مسائل عديدة، وهو من آيات الله ـ عزّ وجل ـ أن تقع حادثة لواحد من الصحابة، تؤخذ منها أحكام عديدة، أحكام في الحياة، وأحكام في الموت، وهذا من بركته صلّى الله عليه وسلّم أن الله يبارك في علمه، وقد أخذ ابن القيم من هذا الحديث اثنتي عشرة مسألة، وفيه أكثر مما ذكر عند التأمل. 138


15 - ونحن نرى أن الذين يضعون الطيب في الحجر الأسود قد أخطأوا؛ لأنهم سوف يحرمون الناس من استلام الحجر الأسود، أو يوقعونهم في محظور من محظورات الإحرام، وكلاهما عدوان على الطائفين.
فيقال لهم: إذا أبيتم إلا أن تطيبوا الكعبة، فلا تجعلوا الطيب في مشعر من مشاعر الطواف، اجعلوه في جوانب الكعبة، أما أن تجعلوه في مكان يحتاج المسلمون إلى مسحه وتقبيله، فهذا جناية عليهم؛ لأنهم إما أن يدعوا المسح مع القدرة عليه، وإما أن يقعوا في المحظور، فعلى طالب العلم أن ينبه هذا الذي احتسب بنيَّته، وأساء بفعله أنه قد أخطأ؛ لأن من قبَّلَ الحجر أو مسحه وأصابه طيب، وقيل له: اغسله، يكون فيه أذى شديد عليه، خصوصاً مع الزحام. 140


16 - قوله ( وَإِنْ جَامَعَ المُحْرِمُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ فَسَدَ نُسُكُهُمَا )
، نحن نقول: «فسد» ولا نقول: «بطل» لأننا إذا قلنا: «بطل» يعني الخروج منه، وإذا قلنا: «فسد» يعني المضي فيه ولو كان فاسداً، ولا يبطل الحج إلا شيء واحد وهو الردة ـ والعياذ بالله ـ حتى لو تاب وأسلم يؤمر بقضائه. 157


17 - وأما ذبح الهدي فلا علاقة له بالتحلل، فيمكن أن يتحلل التحلل كله، وهو لم يَذبح الهدي. 158


18 - فالفقهاء ـ رحمهم الله تعالى ـ يفرقون بين البر وغيره في جميع الكفارات والفدية، إلا في صدقة الفطر، ولهذا قرر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ قاعدة، وقال: إن البر على النصف من غيره، ففي الفطرة نصف صاع عند شيخ الإسلام.
ولكن مذهبنا في الفطرة مذهب أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ: «فإنه لما قدم معاوية ـ رضي الله عنه ـ المدينة، وقال: أرى مدًّا من هذه يساوي مدين من الشعير، قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم» (1) ونحن نقول كما قال أبو سعيد ـ رضي الله عنه ـ.
وكذلك مذهبنا هنا أن لا فرق بين البر وغيره. 169


19 - والذي صحت فيه الفدية ثلاثة أشياء:
الأول: حلق شعر الرأس.
الثاني: جزاء الصيد.
الثالث: الجماع، صح عن الصحابة.
والباقي ذكر بالقياس وذكرنا أن بعض الأقيسة لا تصح وحينئذٍ نذكر قاعدة مهمة جداً، أولاً: أنه لا واجب إلا ما أوجب الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. ثانياً: أنه لا يجوز استحلال أموال المعصومين إلا بدليل، فلا نقول لهم: يجب أن تخرجوا شيئاً من أموالكم إلا بدليل، هذا هو الأصل، ولكن ذكرت أنه من باب التربية والتوجيه ينبغي ألا تخرج عما كان عليه جمهور العلماء بالنسبة للإفتاء العام، أما بالنسبة للعلم كعلمٍ نظري، فلا بد أن يبين الحق، وكذلك لو فرض أن شخصاً معيناً استفتاك في مسألة ترى فيها خلاف ما يراه جمهور الفقهاء، فلا بأس أن تفتيه ما دمت تثق أن الرجل عنده احترام لشرع الله، فهنا يفرق بين الفتوى العامة والفتوى الخاصة وبين العلم النظري والعلم التربوي، وقد كان بعض أهل العلم يفتي في بعض المسائل سراً كمسألة الطلاق الثلاث كجد شيخ الإسلام أبي البركات، وهذه طريقة العلماء الربانيين الذين يربون الناس حتى يلتزموا بشريعة الله. 186


20 - قال الشيخ محمد في مسألة التفريق بين تشريك الثواب وتشريك الملك والإجزاء : التشريك في الثواب لا حصر له، وتشريك الملك هو الذي يحصر، وتشريك الملك في البدنة والبقرة سبعة بلا زيادة.
ففي الملك والإجزاء الشاة لا تجزئ إلا عن واحد، ولا يجزئ سبع البدنة إلا عن واحد، ولا تجزئ البقرة والبدنة إلا عن سبعة، أما الثواب فشرك من شئت، ولهذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم «يضحي بشاة واحدة عنه وعن أهل بيته» وأهل بيته تسع نسوة وهو العاشر، هذا إن لم يرد ـ عليه الصلاة والسلام ـ أهل بيته حتى الأقارب فيكون لا حصر له، ففرق بين الملك والإجزاء وبين الثواب. 210


21 - الفروق بين حرم مكة وحرم المدينة:
الأول: أن حرم مكة ثابت بالنص والإجماع، وحرم المدينة مختلف فيه.
الثاني: أن صيد حرم مكة فيه الإثم والجزاء، وصيد حرم المدينة فيه الإثم، ولا جزاء فيه.
الثالث: أن الإثم المترتب على صيد حرم مكة أعظم من الإثم المترتب على صيد المدينة.
الرابع: أن حرم مكة أفضل من حرم المدينة؛ لأن مضاعفة الحسنات في مكة أكثر من المدينة، وعظم السيئات في مكة أعظم من المدينة.
الخامس: أن من أدخلها، أي: المدينة صيداً من خارج الحرم فله إمساكه، ولا يلزمه إزالة يده المشاهدة، وعلى هذا تحمل قصة أبي عمير.
السادس: أن حرم مكة يحرم فيه قطع الأشجار بأي حال من الأحوال إلا عند الضرورة، وأما حرم المدينة فيجوز ما دعت الحاجة إليه، كالعلف، وآلة الحرث، وما أشبه ذلك.
السابع: أن حشيش وشجر حرم مكة فيه الجزاء على المشهور من المذهب، والصحيح أنه لا جزاء فيه وعلى هذا فلا فرق، وأما حرم المدينة فلا جزاء فيه. 224


22 - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: المجاورة في أي بلاد يقوى فيها إيمانه وتقواه أفضل من غيرها؛ لأن ما يتعلق بالعبادات والعلوم والإيمان أحق بالمراعاة مما يتعلق بالمكان.
وما ذهب إليه الشيخ ـ رحمه الله ـ هو الصواب، ولهذا نزح كثير من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلى الشام والعراق واليمن ومصر؛ لأن إفادتهم فيها أكثر من بقائهم في المدينة. 226


23 - وباب بني شيبة الآن عفا عليه الدهر، ولا يوجد له أثر.
لكننا أدركنا طوق باب مقوساً في مكان قريب من مقام إبراهيم، يقال: إن هذا هو باب بني شيبة.
وكان الذي يدخل من باب السلام، ويتجه إلى الكعبة يدخل من هذا الباب، وهل الدخول من باب بني شيبة، لو قدر وجوده أو إعادته، من السنن المقصودة أو التي وقعت اتفاقاً؟
الجواب: يقال فيه ما يقال في دخول مكة وهو أنه يسن إذا كان ذلك أرفق لدخوله، ودليل هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر أن يدخل الناس من أعلاها. 229


24 - تكلم الشيخ عن الخط الذي كان موجودا في قلب الحجر قال رحمه الله : وجعل هذا الخط في قلب الحجر، فكان علامة مريحة ومفيدة للطائفين لا سيما العوام، وأما طالب العلم فيمكن أن يتخلص ويحتاط بأن يتقدم إلى الركن اليماني ويؤدي طوافه بيقين، على أن هذا الخط فيه منازعات، فبعض الناس يقول يجب أن يرفع؛ لأن بعض العامة إذا وجد الخط وقف، وبعض العامة إذا كان الخط خالياً صلى على الخط فيظنون أن هذا الخط شيء مقصود شرعاً، وليس كذلك، قالوا: فمن أجل هذا يجب رفعه، فنقول: الحقيقة إن هذا أمر ـ كما يقولون ـ سلبي، ولكن الأمر الإيجابي أهم من هذا، وهو انضباط الناس في ابتداء الطواف وانتهائه، وأما مسألة الوقوف، ـ فنحن شاهدنا في الزحام وفي الفضاء ـ ليس وقوفاً كثيراً، ثم إن هذا الوقوف مقابل بالوقوف إذا لم يكن هناك خط، لأن كل إنسان يظن أنه حاذى الحجر سوف يقف فتتعدد المواقف، ويكون هذا أشد تضييقاً وزحاماً فهذا يقف يظن أنه حاذى الحجر، والثاني يقف يظن أنه حاذى الحجر، والثالث يقف بعده يظن أنه حاذى الحجر، فيكون أشد زحاماً، وأما الصلاة فإن كان زحام فلا أحد يقدر أن يصلي، وإن كان في غير زحام فالذين يصلون قليلون يمكن أن ينصحوا، المهم أن منفعته أكثر من مضرته فيما نرى، ونسأل الله أن يبقيه، وإلا فهناك معارضة قوية في أن يزال، ولكن نرجو من الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يمكنه حتى ينتفع الناس به. 234


25 - الظاهر أنه عند الإشارة يستقبله - أي الحجر الأسود - ولأن هذه الإشارة تقوم مقام الاستلام والتقبيل، والاستلام والتقبيل يكون الإنسان مستقبلاً له بالضرورة.
لكن إن شق أيضاً مع كثرة الزحام، فلا حرج أن يشير وهو ماش. 239


26 - فإن قال قائل: إذا دار الأمر بين أن أرمل مع البعد عن الكعبة وبين أن أمشي مع القرب، فأيهما أقدم؟
فالجواب: قدم الأول فارمل، ولو بعدت عن الكعبة؛ لأن مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة المتعلقة بزمانها، أو مكانها». 244


27 - وهذا الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط ففيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيها النص ظهوراً بيناً، فإنه لا ينبغي أن نلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. 262


28 - واختلف المؤرخون أين مكان هذا المقام في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، هل هو لاصق بالكعبة، أو هو في مكانه الآن؟
فمنهم من قال: إنه لاصق بالكعبة، وأن الذي قدمه إلى هذا المكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ من أجل التوسعة على الطائفين.
ومنهم من قال: بل هذا مكانه، وليس عندي شيء يفصل بين القولين. 264


29 - مسألة: صلاة الجنازة هل يقطع الطواف من أجلها؟
الظاهر نعم؛ لأن صلاة الجنازة قصيرة فلا يكون الفاصل كثيراً فيعفى عنه. 277


30 - ومن اليوم الثامن إلى الثالث عشر كلها لها أسماء، فالثامن يوم التروية، والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النحر، والحادي عشر يوم القر، والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني. 283


31 - فإن قلنا: إن الوادي - أي وادي عرنه - منها - أي من عرفة - ولكن أمرنا بأن نرتفع عنه؛ لأنه وادٍ فحجه صحيح، وإن قلنا إنه ليس منها فحجه غير صحيح، وهذا يحتاج إلى تحرير بالغ؛ لأنه مهم ينبني عليه أن الإنسان أدى فريضته، أو لم يؤد فريضته، فتحريره مهم جداً. 290


32 - وسماع الخطبة - أي خطبة يوم عرفة - الآن متيسر وإن لم تكن مع الإمام عن طريق الإذاعة، ولهذا ينبغي للناس أن يستمعوا إلى خطبة الإمام يوم عرفة، لأنها خطبة مشروعة، ثم إذا انتهت الخطبة يؤذنون في خيامهم ويصلون الظهر والعصر جمع تقديم، وإذا لم يتمكنوا من سماع الخطبة في الخيام، فيشرع لهم أن يخطب لهم أحدهم إن كان طالب علم حتى يعلِّم الناس. 291


33 - من عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وربما من قبل، كان الناس إذا نفروا أسرعوا، وللإسراع في ذلك الوقت وجه؛ لأن الدروب وعرة، والليل قد أسدل ظلامه، فكانوا يحرصون على السرعة من أجل مبادرة الوقت، بل قد كانوا في الجاهلية يدفعون قبل أن تغرب الشمس إذا صارت الشمس على الجبال كالعمائم على رؤوس الرجال دفعوا اغتناماً لضوء النهار. 302


34 - مسألة: هل نقول الآن: إنك إذا وصلت مبكراً قبل دخول العشاء فصل المغرب ثم صل العشاء في وقتها؟ نقول: نعم، إذا تيسر هذا فهو أولى، لكن في الوقت الحاضر لا يتيسر ذلك للزحام الشديد، واشتباه الأماكن، فالإنسان ربما ينطلق أمتاراً قليلة عن مقره ثم يضيع، فإذا ضاع تعب هو وتعب أصحابه، فالذي أري من باب الرفق بالناس ـ والله يريد بنا اليسر ـ أنه متى وصلوا إلى مزدلفة صلوا المغرب والعشاء جمعاً، وإن كنت قد ذكرت في المنهج التفصيل، أنهم إن وصلوا مبكرين صلوا المغرب في وقتها والعشاء في وقتها، استناداً إلى حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وإلى المعنى الذي من أجله جاز الجمع. 305


35 - ثم إذا قلنا: الواجب المبيت معظم الليل، فإن نصف الليل ليس هو معظم الليل؛ لأن الناس دفعوا من عرفة بعد غروب الشمس، والمسير من عرفة إلى مزدلفة يحتاج إلى ساعة ونصف أو ساعتين، ومن ثم كان من فقه أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ أنها كانت تنتظر حتى إذا غاب القمر دفعت وغروب القمر يكون في الليلة العاشرة بعد مضي ثلثي الليل تقريباً وقد يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً، وكأنها ـ رضي الله عنها ـ اعتبرت نصف الليل، لكن اعتبرت النصف من نزول الناس في مزدلفة، ونزول الناس في مزدلفة إذا اعتبرنا النصف، فإنه يزيد على النصف الحقيقي الذي هو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، بنحو هذا المقدار الذي اعتبرته أسماء وهو غروب القمر، وهذا هو الصحيح أن المعتبر غروب القمر، وإن شئت فقل: إن المعتبر البقاء في مزدلفة أكثر الليل، ولكن يؤخذ من الليل المسافة ما بين الدفع من عرفة إلى وصول مزدلفة، فيكون ما ذهبت إليه أسماء ـ رضي الله عنها ـ هو المطابق لمعظم الليل. 307


36 - : مسألة بعض الحجاج لا يصلون إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر، وبعد صلاة الفجر أيضاً حصرهم الزحام، فما الحكم؟
الجواب: على المذهب يجب عليهم دم، لأنه فاتهم المبيت بمزدلفة، وهو من الواجبات، والقاعدة عندهم أن من ترك واجباً فعليه دم.
وقال بعض العلماء: إن هؤلاء أحصروا إكراهاً، فيكون وصولهم إلى المكان بعد زوال الوقت كقضاء الصلاة بعد خروج وقتها للعذر، لذلك إذا أحصروا في هذه الحال، ولم يصلوا إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر وذهاب وقت الصلاة، فإنهم يكونون كالذين عذروا عن وقت الصلاة حتى خرج وقتها، فيقضونها بعد الوقت، وهذا القول أقرب إلى الصواب. 309


37 - واختلف العلماء في سبب الإسراع، فقال بعضهم: أسرع؛ لأن بطن الوادي يكون ليناً يحتاج أن يحرك الإنسان بعيره؛ لأن مشي البعير على الأرض الصلبة، أسرع من مشيه على الأرض الرخوة، فحرك من أجل أن يتساوى سيرها في الأرض الصلبة وسيرها في الأرض الرخوة، وعلى هذا فالملاحظ هنا هو مصلحة السير فقط.
وقيل: أسرع؛ لأن الله أهلك فيه أصحاب الفيل، فينبغي أن يسرع؛ لأن المشروع للإنسان إذا مر بأراضي العذاب أن يسرع، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم: حين مر بديار ثمود في غزوة تبوك زجر الناقة ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقنّع رأسه وأسرع - ثم قال الشيخ - وتعليل إسراع النبي صلّى الله عليه وسلّم في وادي محسر بذلك؛ فيه نظر لأن أصحاب الفيل لم يهلكوا هنا، بل في مكان يقال له المُغَمَّسُ حول الأبطح، وفي هذا يقول الشاعر الجاهلي:
حبس الفيل بالمُغَمَّسِ حتى
ظل يحبو كأنه مكسور
وقال بعض العلماء: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم أسرع؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يقفون في هذا الوادي، ويذكرون أمجاد آبائهم.
فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخالفهم، كما خالفهم في الخروج من عرفة وفي الخروج من مزدلفة، ولعل هذا أقرب التعاليل، ولهذا قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ} [البقرة: 198]، ثم قال: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}. - ثم قال رحمه الله - والظاهر أنه لا يمكن الإسراع الآن؛ لأن الإنسان محبوس بالسيارات فلا يمكن أن يتقدم أو يتأخر، وربما ينحبس في نفس المكان يحبس فيعجز أن يمشي، ولكن نقول: هذا شيء بغير اختيار الإنسان، فينوي بقلبه أنه لو تيسر له أن يسرع لأسرع، وإذا علم الله من نيته هذا فإنه قد يثيبه على ما فاته من الأجر والثواب. 315


38 - وأما ما يذكر من أن الرمي هنا إنما هو لإغاظة الشيطان، فإن هذا لا أصل له، إلا أن يكون من حيث عموم العبادة لأن الشيطان يغيظه أن يقوم العبد بطاعة الله، وعلى هذا المفهوم الذي لا أصل له صار بعض العامة إذا أقبل على الجمرة أقبل بانفعال شديد، وغضب شديد محمر العينين يضرب بأكبر حصاة يجدها، وبالنعال، والخشب وربما قال أقوالاً منكرة من السب واللعن لهذه الشعائر. 322


39 - ، ويحلق جميع الشعر وذلك بالموسى وليس بالماكينة حتى ولو كانت على أدنى درجة، فإن ذلك لا يعتبر حلقاً، فالحلق لا بد أن يكون بموسى، والحكمة من حلق الرأس أنه ذل لله ـ عزّ وجل ـ لا للتنظيف؛ ولهذا لم يؤمر به في غير الإحرام، فلم نؤمر بحلق رؤوسنا، وأمرنا بحلق العانة ونتف الإبط للتنظيف، وعليه فيكون حلق الرأس عبادة لله نتقرب به إلى الله ـ عزّ وجل ـ. 328


40 - وقوله: «أو يقصر» هنا للتخيير، ولكنه تخيير بين فاضل ومفضول، والفاضل الحلق؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة، وأتى بحرف العطف دون أن يقول: «اللهم ارحم المقصرين» للدلالة على أن مرتبة التقصير نازلة جداً. 328


41 - وقال بعض العلماء المحققين كابن دقيق العيد وغيره: إن هذا إنما يكون لمن كان معذوراً؛ لأنه في بعض ألفاظ الحديث: «لم أشعر فظننت أن كذا قبل كذا»، فقال: «افعل ولا حرج» ، ولكن لما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «افعل ولا حرج» وهي للمستقبل، ولم يقتصر على قوله: «لا حرج» علم أنه لا فرق بين الناسي والجاهل وبين الذاكر والعالم، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكرة حين أسرع وركع قبل الصف: «زادك الله حرصاً ولا تعد»، فلو كان الترتيب بين هذه الأنساك واجباً لقال النبي صلّى الله عليه وسلّم للسائل: لا حرج ولا تعد وهذا الذي قررناه، كما أنه ظاهر الأدلة، فهو الموافق لمقاصد الدين الإسلامي في إرادة اليسر على العباد لا سيما في مثل هذه الأزمان؛ لأن ذلك أيسر للناس. 336


42 - مسألة: هل الشرب من ماء زمزم بعد الطواف سنة مقصودة؟
الجواب: عندي في هذا تردد يعني كونه يقع بعد الطواف، أما أصل الشرب من ماء زمزم فسنة، ولكن كونه بعد الطواف، يحتمل أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم فعل هذا لأنه أيسر له أو أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ عطش بعد الطواف، أو ليستعد للسعي، لكن اشرب فهو خير. 347


43 - قوله: «لما أحب» اللام للتعليل، أي: أن ينويه لما أحب، فإذا كان مريضاً وشرب من أجل أن يذهب مرضه فليفعل ويشفى بإذن الله، وإذا كان عطشان وشرب لأجل الري فليفعل ويروى بإذن الله، وإذا كان كثير النسيان فشرب ليقوى حفظه فليفعل، وقد فعل ذلك بعض المحدثين، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ماء زمزم لما شرب له» ، والحديث حسن، وهذا فيه تردد، أما شربه لإزالة العطش فواضح، ولرفع الجوع واضح، وللمرض واضح، لأن المرض علة بدنية عضوية يمكن أن يزول بشرب زمزم كما يزول العطش والجوع، لكن المسائل المعنوية العقلية، الإنسان يشك في هذا، إلا أن نقول: لا يضرك، انوِ ما تريد، إن كان الحديث يتناوله حصل المقصود، وإلا لم تأثم، لو شربه الفقير للغنى؟ نقول: إذا كنا نتردد في شربه للحفظ فمن باب أولى للغنى، ولو شربه إنسان خطب امرأة وهو بين الرد والإجابة، وشربه لأجل أن يجيبوه إذا أخذنا بالعموم قلنا: «لما شرب له»، ولكن مثل هذا لا يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أراده؛ لأن هذه لا علاقة لها بالبدن الذي يستفيد بالشرب. 347


44 - مسأله هل يفعل شيئاً آخر - أي غير الشرب من ماء زمزم - كالرش على البدن وعلى الثوب، أو أن يغسل به أثواباً يجعلها لكفنه، كما كان الناس يفعلون ذلك من قبل؟
فالجواب: لا، فنحن لا نتجاوز في التبرك ما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلا نتجاوز إليه، فما ثبت عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخذنا به وإلا فلا.


45 - قوله: «ولا يقف عندها»، أي: لا يقف عند جمرة العقبة فإذا رماها انصرف، وإنما يقف بعد الأولى والوسطى.
قال بعض العلماء: لأن الدعاء التابع للعبادة يكون في جوف العبادة ولا يكون بعدها، ولذلك دعا بعد الأولى ودعا بعد الوسطى وهذه انتهت بها العبادة؛ وهذا على قاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية واضح، ولهذا يرى أن الإنسان إذا أراد أن يدعو في الصلاة، فليدع قبل أن يسلم؛ لا بعد أن يسلم، لا في الفريضة، ولا في النافلة.
وبه نعرف أيضاً أن الدعاء على الصفا والمروة يكون في ابتداء الأشواط لا في انتهائها، وأن آخر شوط على المروة ليس فيه دعاء؛ لأنه انتهى السعي، وإنما يكون الدعاء في مقدمة الشوط كما كان التكبير أيضاً في الطواف في مقدمة الشوط، وعليه فإذا انتهى من السعي عند المروة ينصرف، وإذا انتهى من الطواف عند الحجر ينصرف، ولا حاجة إلى التقبيل، أو الاستلام، أو الإشارة، والذي نعلل به دون أن يعترض معترض أن نقول هكذا فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم. 351


46 - مسألة: لو أن مفتياً أفتى بغير علم، وقال للحاج: عليك دم، فذهب الحاج واشترى دماً بخمسمائة ريال، وتصدق به على الفقراء، هل يمكن أن نقول بتضمين المفتي؟
الجواب: نعم نقول بتضمينه؛ لأنه هو الذي أفتاه بغير علم، وألزمه بما لم يلزمه الله به، ونحن نستفيد من هذا التضمين أن هذا الذي أفتى بغير علم اليوم لا يفتي بمثله أبداً، ولا يفتي بمسألة إلا وقد علمها أو غلب على ظنه أن هذا حكمها. 360


47 - قال في الروض: «يلصق به وجهه وصدره وذراعيه وكفيه مبسوطتين»، وهذا يسمى «الالتزام» عند أهل العلم، والمكان هذا يسمى «الملتزم»، وهذه مسألة اختلف فيها العلماء مع أنها لم ترد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وإنما جاءت عن بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ . 372


48 - ولكن هل - العمرة - لها أوقات فاضلة؟ نعم، وفي رمضان تعدل حجة كما صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، والصحيح أنها عامة خلافاً لمن قال: إن هذا الحديث ورد في المرأة التي تخلفت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحج فقال لها: «عمرة في رمضان تعدل حجة معي» ، فإن بعض العلماء قال: إن هذا خاص بهذه المرأة يريد أن يطيب قلبها، ولكن الصواب أنها عامة، وتسن أيضاً في أشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم خصها بالعمرة، وقد تردد ابن القيم ـ رحمه الله ـ أيهما أفضل: العمرة في أشهر الحج أو العمرة في رمضان؟ ولكن الظاهر أن العمرة في رمضان أفضل لقوله: «تعدل حجة» وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كرر العمرة في أشهر الحج؛ لتزول عقيدة أهل الجاهلية الذين يعتقدون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ويقولون: إذا عفا الأثر وبرأ الدبر ودخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر، حتى يأتي الناس في غير أشهر الحج إلى مكة فيحصل ارتفاع اقتصادي. 378


49 - مسألة: لو جعل القارن عمرته لشخص، وحجه لآخر؛ فقال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ: يجوز؛ لأن القران وإن كان فعلاً واحداً لكنه نسكان، وإذا كان نسكين أجزأ أن يجعل نسكاً عن شخص، ونسكاً عن شخص آخر.
وأميل إلى أنه لا ينبغي، لكن لو فعل فلا أقول بالتحريم؛ لأن النبي جعلهما نسكين.
وأما المتمتع فواضح أنه يجوز؛ لأن كل نسك منفصل عن الآخر. 379


50 - مسألة: في هذه العصور الأخيرة نشأ إشكال بالنسبة للمبيت بمنى؛ وهو أن الناس لا يجدون مكاناً، فماذا يصنعون؟
الجواب: نقول: ينزلون عند آخر خيمة من خيام أهل منى، استدلالاً بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
فإن قال قائل: لماذا لا تجعلون هذا من جنس الحصر، والحصر عن الواجب فيه دم كما قاله الفقهاء؟
قلنا: لأن المكان هنا ممتلئ فلا مكان أصلاً، أما الحصر فالمكان باقٍ لكن يُمْنَعُ منه، أما هنا فلا مكان فهو مثل قطع اليد يسقط غسلها في الوضوء، فيسقط المبيت في هذه الحال، وأن الإنسان يجب أن يكون عند آخر خيمة، أما فعل بعض الناس إذا لم يجد مكاناً في منى ذهب إلى مكة إو إلى الطائف أو ما أشبه ذلك، وقال: ما دام لم نجد مكاناً في منى فلنبت حيث شئنا، فإن هذا ليس بصحيح؛ لأننا نقول: إن المسجد إذا امتلأ وجب اتصال الصفوف ولا تصح الصلاة من بعيد، وهذا كذلك نقول: يجب عليك أن تكون عند آخر خيمة في منى. 394


51 - ولم يذكر - أي الحجاوي - طواف الوداع، فظاهر كلامه أنه لا يجب لها طواف وداع؛ لأن عدم الذكر في سياق البيان يدل على أنه لا عبرة به، وعلى هذا فيكون طواف الوداع في العمرة ليس بواجب على المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ، وهذه المسألة فيها قولان:
الأول: أنه واجب.
الثاني: أنه سنة.
والراجح عندي أنه واجب على المعتمر أن يطوف للوداع كما هو واجب على الحاج. 398


52 - مَنْ فَاتَهُ الوُقُوف فَاتَه الحَجُّ، وَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ وَيَقْضِي وَيُهْدِي إِنْ لَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ . وظاهر كلام المؤلف أنه يقضي سواء كان الحج واجباً أم تطوعاً؛ لأنه إن كان واجباً فوجوب القضاء ظاهر، وسواء كان واجباً بأصل الشرع ـ بأن يكون هذا فريضة الإسلام ـ أو واجباً بالنذر، ولكن إذا كان تطوعاً فهل يجب القضاء؟
نقول: نعم، يجب القضاء؛ وذلك لأن الإنسان إذا شرع في النسك صار واجباً، وهذا من خصائص الحج والعمرة أنَّ نفلهما يجب المضي فيه، بخلاف غيرهما فهو لما شرع وأحرم بالحج أو بالعمرة صار ذلك واجباً كأنما نذره نذراً، وإلى هذا يشير قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ *} [الحج]، وعلى هذا فيجب القضاء سواء كان ذلك تطوعاً أو واجباً بأصل الشرع وهو الفريضة، أو بالنذر؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» ، وعليه هدي في عام القضاء. 413


53 - من أجمل الفوائد حقيقة أن الشيخ لما انتهى من صفة الحج والعمرة قال رحمه الله : وبهذا انتهى الكلام على صفة الحج والعمرة، واعلم أن كل ما ذكرناه فإنه مبني على ما نعلمه من الأدلة، ومع هذا لو أن إنساناً اطلع على دليل يخالف ما قررناه فالواجب اتباع الدليل، لكن هذا جهد المقل ـ نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا ـ. 374






هذا والله أعلم، ورد العلم إليه أسلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا...