قال تعالى" ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرم..".

عند شجرة كبيرة فوق زمزم عند المسجد ..
وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، إذ لم يكن زمزم قد تفجر بعد ..
هناك ترك اسماعيل هاجر والرضيع إسماعيل .. مع جراب تمرٍ ، وسقاءٍ من ماء..
وتطلعت هاجر فيما حولها فلم تجد أثراً للحياة .. لاأنيس ولا مخلوق
وتعلقت بإبراهيم ترجوه أن لايتركهما في هذه القفر .. وكررت الرجاء ، فلم تجد إلا الصمت جواباً ....
وحينئذٍ سألته بلهفة : الله أمرك بهذا ؟
قال : نعم !
قالت : إذن الله لايضيعنا ...!
فيالهذا الإيمان الذي نفخ في هذه المرأة الوحيدة الضعيفة مع طفلها الرضيع
القوة والثقة .. وزرع في قلبها الأمل ..!
وما أن غاب إبراهيم عن الأنظار .. حتى أصبحت هاجر في وحدة مطبقة .. في صحراء موحشة .. فضمت رضيعها إلى صدرها .. وتنهدت من الأعماق مستسلمة
لأمر الله ..!
وعاشت برهة من الزمن على ماعندها من الزاد والماء ... وما لبثا أن نفدا.
وألح الجوع بها .. وأرهقها وطفلها الظمأ ..فجعل الصغير يتلوى باكياً صارخاً
ولم تستطع هاجر أن تتحمل منظره الذي يفتت القلوب ، فانطلقت تسعي بين الصفا
والمروة صاعدة هابطة علّها تلمح طيفاً لبشرٍ ترجوه ..!
وبعد أن أتعبها السعي خيل إليها أنها تسمع صوتاً عند مكان الرضيع الذي سكت عن البكاء فجأة .. !
وتعود مسرعة .. فإذا الصوت كان اهتزاز الأرض عند موضع زمزم بفعل الملك وبأمر الله ... وإذا بالنبع يتفجر ..و تتلألأ مياهه في بارقة الشمس .. يبشر بأن الحياة
ستدب في هذه القفر المجدب ، فتصبح مهوى الأفئدة .. من كل حدب وصوب ..
هنالك يسجد قلب هاجر .. وينثال الشكر والحمد من لسانها ، وبين عبراتها ، ثم إذا هي تسمع الملك يقول : " إن الله لايضيع أهله ".
ويمر مشهد الماء المتفجر .. ومواقف الشكر .. ومقالة الملك ...
وتحوم الطيور حول منبع الماء بتدبير الله
وتلمحها في الأفق قافلة من " جرهم " فترسل رسولها ليستطلع
فيعود إليها ببشرى وجود الماء .. عند الرضيع وأمه ..
فتستأذنها القافلة في النزول عندها ... وما كان أحوجها وأسعدها بهم ..!
وما كان أغناهم. بذلك المقام ...
وتدب الحياة ... شيئاً فشيئاً ، ويتحقق دعاء إبراهيم :
".. ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ".