أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
وصايا بين يدي الحج ...
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي الأمين ، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :- فهنيئاً لك أيها الحاج عزمك وقصدك بيت الله الحرام ؛ لتأدية فريضةٍ من فرائض الإسلام وركنٍ من أركانه العظام ، ألا وهو الحج ، وقد أحببت - بهذه المناسبة – أن أضع بين يديك بعض الوصايا التي تنير لك الطريق ، وتهديك السبيل في هذه الرحلة المباركة ، ومعلوم أن الوصايا في باب الحج كثيرة ، لكني سأختار لك منها ما يناسب الحال ، و يحقق لك الاستفادة في المآل ، وما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه ، أسال الله لي ولك الثبات على دينه ، والسلامة مما خالفه ، وأن يجعلنا وإياك من خير الخطائين ، والله الهادي إلى سواء السبيل. الوصية الأولى : الحج ركن من أركان الإسلام ، وفريضة من فرائض الدين ، فبادر إلى أدائه على الفور، متى استطعت إلى ذلك سبيلا ، ولا تسوف ولا تؤخر، بل تعجل إلى الحج ، فإنك لا تدري ما يعرض لك ، فقد يأتي عليك زمان لا تستطيع ذلك .
الوصية الثانية : أما وقد عزمت على الحج ، فتلمس هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه ، واجتهد في تعلم كيفية الحج وما شرع لك فيه ، فعلم المناسك أدق ما في العبادات ؛ لكثرة مسائله وتجدد نوازله ،وعليك بسؤال أهل العلم ممن تطمئن إلى علمه وأمانته ، أو قراءة بعض الكتيبات الموثوقة والمؤلفة على ضوء الكتاب والسنة ،فإنه لا عمل بلا علم ،ومن لا يعلم ما يعمل ضاع عمله ، كما هو حال كثير من الحجاج ، يسافر إلى مكة ويرجع إلى بلده ولم يعقل من معنى الحج إلا أنه قيل له : يا حاج .
الوصية الثالثة : اجتهد في تحقيق الإخلاص الذي هو مِلاك الأمر وعماده ، وذلك بأن تقصد بحجك طاعة الله تعالى، وامتثال أمره لا غير, واحذر كل الحذر من أن تقصد بحجك غرضاً من أغراض الدنيا، فذلك مدعاة لِحبوط العمل، وعدم قبوله، وقد ورد في الأثر:"أنه إذا كان آخر الزمان خرج الناس إلى الحج أصنافاً أربعة : سلاطينهم للنزهة ،وأغنياؤهم للتجارة ،وفقراؤهم للمسألة ،وقرّاؤهم وفقهاؤهم للسمعة " نسال الله العافية .
الوصية الرابعة : تخير لسفرك إلى الحج رفقة صالحة من أهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين ، تعينك وتسددك ، وإياك ورفقة السوء ، فإنهم يسيئون إليك ويفسدون عليك حجك ، فإنه ما كان أضر على أبي طالب عند الوفاة من قرناء السوء ، لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة توجب له سعادة الأبد .
الوصية الخامسة : احرص على أن يكون حجك مبروراً ، فإن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ، والحج المبرور هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ، ولم يخالطه إثم ، ومن كسبٍ طيب ، ولم تعقبه معصية ، وهو الذي وفيت أحكامه ، وهو المقبول .
الوصية السادسة : استشعر الحكمة من مشروعية مناسك الحج ، من الإحرام ، والتلبية ، والطواف ، والسعي ، والوقوف بعرفة ، والمبيت بمزدلفة ومنى ، والرمي، والنحر، والحلق، وما تنطوي عليه هذه الشعائر من المعاني العظيمة ، والآثار الجليلة ، من التوحيد ، والاتباع ، والاجتماع ، والمساواة ، ومخالفة المشركين ، وغير ذلك ،حتى يتحقق لك تأدية هذه الشعيرة على أكمل وجه ، وتنتفع بما فيها من حكم وأسرار وغايات محمودة . الوصية السابعة : كثير من الحجاج إذا أحرموا بالحج ، لا يشعرون أبداً أنهم تلبسوا بعبادة تفرض عليهم الابتعاد عما حرم الله ، فتراهم يحجون ويفرغون من الحج ولم يتغير شيء من سلوكهم ، وعاداتهم السيئة قبل الحج ، لذا تجنب في حجك الرفث ، والفسوق ، والجدال في غير الحق ؛ ليكون حجك تاماً ، وترجع من ذنوبك كيوم ولدتك أمك . الوصية الثامنة : حقق المقصود من الحج ، بشهود المنافع ، وتحصيلها ، ومباشرتها بالفعل ، واحرص على أداء المناسك بهدوء وسكينة وبصيرة ، لا أن ينقلب الحج إلى زحام و لكام ، وشتم وجدال ، واستمرار على الجهل والتنافر، كما هي حال كثير من الحجاج اليوم .
الوصية التاسعة : إياك والوقوع فيما درج عليه طائفة من الحجاج ، من تعمُّد ترك بعض الواجبات ، أو فعل بعض المحظورات ، بحجة أنه سيفتدي ، وأنه مخير في ذلك ، ونسي ما يترتب من الإثم على فعل المحظور ، أو ترك الواجب بلا عذر، والذي لا يكاد يذكره – أي الإثم - كثير من المفتين لمن يسألهم عن هذه المسألة ، وقد نعى الله على المشركين تقربهم إليه بذبح الذبائح مع شركهم به فقال: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} [الحج /37] ،ومن قال سأذنب وأستغفر الله ، فاستغفاره يحتاج إلى استغفار .
الوصية العاشرة : طهر حجتك من البدع والخرافات ، ولا تحملك العاطفة الجياشة والمحبة غير المنضبطة ، على الوقوع في المخالفات العقدية ، والغلو في الأشخاص والأمكنة والبقاع ، والتزم الحجة والدليل وهدي السلف الصالح في مثل هذه المسائل ، فكثيرًا ما تجمح المحبة ببعض الناس فيتخطى الحُجَّة ويحاربها ، ومن وُفّق علم أن ذلك مُنافٍ للمحبة المشروعة . الوصية الحادية عشرة : ليس في مكة المعظمة مكان أو مسجد تشرع زيارته والصلاة فيه إلا المسجد الحرام مسجد الكعبة ، فلا تغتر بما يروج ويذاع ويشاع ، من فضائل لبعض الأمكنة والبقاع ، ولا تضيع وقتك وجهدك ومالك في الذهاب والإياب ، والصعود والنزول ، ففضائل أم القرى حقائق ثابتة تسمو عن مأثورات القصاصين ، وموروثات ذوي العواطف ، وقد علم من حال الصحابة وتابعيهم ضعف اعتنائهم بالتقييد بالأماكن التي لم يتعلق فيها حكم شرعي ، لصرف اعتنائهم لما هو أهم ، من حفظ الشريعة ، والذب عنها بالسنان واللسان . الوصية الثانية عشرة : ليس في المدينة النبوية مسجد يشرع إتيانه ، إلا مسجده صلى الله عليه وسلم ، و مسجد قباء ، أما سائر المساجد فلها حكم المساجد العامة ، ولم يخصها النبي صلى الله عليه وسلم بإتيان ، ولهذا كان الفقهاء من أهل المدينة لا يقصدون شيئًا من تلك المساجد من أجل الصلاة فيها، ولا يخصونها بتعبد لم يرد به الشرع ، وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف .
الوصية الثالثة عشرة : استثمر أيها الحاج كل لحظة ،وكل دقيقة في أيام هذه الرحلة المباركة، فساعات الحج محدودة، وأيامه معدودة، وهوموسم عظيم لاستباق الخيرات ، وفرصة ثمينة لمحوالخطايا والسيئات ، فاعمر أوقاته بالدعاء والتضرع إلى الله - عزوجل- ، واحرص على مواطن الدعاء التي دعى فيها نبيك صلى الله عليه وسلم وألحَّ على الله بالدعاء لك ولأهلك ولأمتك، خصوصاً يوم عرفة يوم يدنو رب العزة إلى أهل الموقف ويباهي بهم ملائكته، وما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة . الوصية الرابعة عشرة : عظّم شعائر الله ، ببقائك في المشاعر لا سيما في منى أيام التشريق ، وأكثر من ذكر الله في تلك الأيام المعدودات ذكرًا يجتمع فيه القلب مع اللسان ، ويكون ناشئًا عن حب وتعظيم ؛ ليحصل به الانتفاع الصحيح ، ولا شك أن لذكر الله تأثيرًا عظيمًا في سلوك الذاكر من جميع النواحي ، يزيد على تأثير الصلاة الخاشعة , كما قال تعالى:{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكرالله أكبر} [العنكبوت/45]
الوصية الخامسة عشرة : احذر عند تأدية نسكك من الأخطاء والمخالفات التي يقع فيها كثير من الحجاج، إما بسبب جهلهم، أو بسبب تهاونهم، أواتباعهم للهوى، أو غير ذلك ، واعلم أن مردّ هذه الأخطاء والمخالفات إلى أمور ثلاثة : 1-أحاديث موضوعة، أو ضعيفة لا يسوغ الاحتجاج بها .
2-اجتهادات واستحسانات من بعض أهل العلم لا دليل عليها . 3-عادات توارثها الناس وقلّد بعضهم بعضاً فيها . وقد بين العلماء هذه الأخطاء وحذروا منها في كتبهم ومناسكهم . الوصية السادسة عشرة : ليكن لك حظٌ وافر من الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بالكلمة الطيبة، والشريط النافع، والكتيب، والمطوية ، وتوضيح أحكام الحج لمن يجهلها ، ومن ثمار الدعوة أنها أمان من العذاب، كما قال - عز وجل - : {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء} [الأعراف/165].
الوصية السابعة عشرة : ينبغي لك أيها الحاج، أن تحرص على نفع الحجاج، والإحسان إليهم، وتقديم الخدمة والمعونة لهم، رائدك في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً "وقد شجع النبي صلى الله عليه وسلم العاملين في خدمة الناس ويسر عليهم ، فرخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى، وأن يجمعوا رمي يومين في أحدهما، وأذن لعمه العباس- رضي الله عنه- أن يبيت بمكة لأجل السقاية ، وقال للسقاة : "اعملوا فإنكم على عمل صالح " وفي هذا تأكيد على أهمية هذا الأمر والترغيب فيه . الوصية الثامنة عشرة : لا تفعل فعل المترفين الذين إذا تلبسوا بالحج ثم رأوا أدنى مشقة عليهم خرجوا من النسك ورجعوا إلى بلادهم ، فهم يظنون أن الحج نزهة أو سياحة ، فالحج نوع من الجهاد في سبيل الله، لا بد فيه من التعب والمشقة؛ ولهذا كان من شرع في الحج أو العمرة ولو كانا نفلاً لزمه إتمامهما، كما أن من شرَع في الجهاد والتقى الصفان لا يحل له أن يفر، مما يؤكد الصلة الوثيقة والتشابه الكبير بين هاتين الشعيرتين .
الوصية التاسعة عشرة : يستحب لك أيها الحاج المسابقة إلى الطاعات، والإكثار من الأعمال الصالحة مدة إقامتك بمكة، من ذكرالله، وقراءة القرآن، والدعاء، والاستغفار، والصلاة في المسجد الحرام، والطواف إذا تيسر ذلك ، وكذا يتعين عليك اجتناب المعاصي والمخالفات ؛ لأن الحسنات في الحرم مضاعفة، والسيئات فيه عظيمة شديدة، وما يدريك لعلك لا تعود إلى مكة مرة أخرى . الوصية العشرون : أكثر من الحج ما وسعك ذلك ؛ فإنه يهدم ما كان قبله ، وتابع بين الحج والعمرة إذا تهيأ لك ذلك ؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ، والذهب والفضة .
الوصية الحادية والعشرون:احذر من تمزيق حجك بالرخص وغثاثتها، والاتكاء على اختلاف أهل العلم وتتبع زلات الفقهاء، فالمسلم الحق من يبني تدينه على الأخذ بالعزائم وترك الترخص إلا عند الضرورة، لأن النفوس إذا عزمت وكملت قوت على سلوك الطريق ، وإذا اضعفت بهذه الرخص انقطعت عن سلوك الطريق.
ختاماً : أخي الحاج هذه جملة صالحة من الوصايا التي تهمك في حجك،تأملها، واجتهد في تحقيقها، والاستفادة منها ، فإذا ما قضيت نسكك، وتم لك حجك، فأكثر من ذكر الله تعالى وحمده وتكبيره والإنابة إليه، كما قال تعالى :{ فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا} [البقرة/200]
والحمد لله رب العالمين
سليمان بن عبد الله العمير .