أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


عشرون قاعده ماسَّه لمعرفة الحق في فِتن الرئاسه

1- النِّزاع على الرئاسة سنة كونية وشرعية لا تتبدَّل ، ولا يمكن رفعها ولا دفعها الا بالدعاء والمداراة والصلح ، وضِدُّ ذلك ضربٌ من الفساد يهلك الحرث والنسل . وقد قصَّ الله تعالى في القرآن خبر الملأ من قوم بلقيس حين قالوا :" نحن أُولوا قوةٍ وأولوا بأسٍ شديدٍ والأمر إليكي فانظري ماذا تأمرين" ( النمل: 33 ) ، مما يدل على لذة التمسك بالعرش مهما كانت العواقب . وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" هلكة أُمتي على يد غِلمة من قريش ". بسبب طلبهم للملك والرئاسة .


2- من ولغ في الرِّئاسة بحرامٍ فظلم واعتدى ، يُنكر حاله ولا يُكفَّر ولا يُقذف بسوء المآل ، فيُبغض من جهة ، ويُعدل في الحكم عليه من جهةٍ أخرى ، وعاقبته عند ربِّه .

3- دولة الاسلام في مكة والمدينة في عمومها قامت على الدعوة والإقناع ، لا على القتال والمغالبة ، ومَلك مصر وملكة سبأ وأتباعهم ، أسلموا بالحكمة والتعريف بالخير والبِر والهداية ، لا بالشِّقاق والمغالبة .

4- ﺍلقتال ﻓﺮﻉ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ؛ ﻓﺎﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﻣﻘﺼﺪ ﻭﺍلقتال ﻭﺳﻴﻠﺔ إﻟﻴﻪ ، ﻟﺬﻟﻚ ﻓإﻥ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﺗﺘﻨﻮَّﻉ ، ﻓﺘﺎﺭﺓ ﺗﺤﺼﻞ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﺑﺎﻟﺒﻴﺎﻥ، ﻭﺗﺎﺭﺓ ﺗﺤﺼﻞ ﺑﺎﻟسِّنان . ﻗﺎﻝ الامام ابن تيمية ( ت: 728هـ ) رحمه الله تعالى : " ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﻓﻰ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﺗﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﻤﻬﺎﺩﻧﺔ ﺗﺎﺭﺓ ﻭأﺧﺬ ﺍﻟﺠﺰﻳﺔ ﺗﺎﺭﺓ ؛ ﻛُّﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﺤﺴﺐ ﺍلأﺣﻮﺍﻝ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ" . لكن المصالح لا يُقدِّرها العوام ، بل العلماء .

5- للأُمم آجال وللدُّول مِثلها . وصلاح الدِّين الأيوبي( ت: 589هـ ) رحمه الله تعالى، الذي أكرمه الله بالفتوحات الاسلامية والظفر على الحملات الصليبية ، فنشر الاسلام والسنة ورَفع راية الجهاد ، سقطت دولته بعد وفاته بيسير ، بسبب تنازع أبنائه واخوانه على شؤون المملكة والاستبدادبأمور الدولة ! . وحكمت بعدهم امرأةٌ قادت الرِّجال وكانت مِلء السمع والبصر ، ولكنهاسقطت هي الأُخرى ، وكانت مُدة حُكمها ثمانين يوماً ، وقد ماتت أبشع موتة ! .

6- إذا حَدث قتال على الرئاسة في بلد وجب الصلح والأخذ على يد الباغي وتأديبه حسب القدرة والطاقة ، ولا يُغيَّر المنكر بمنكر أشدُّ منه . والعلماء في ذلك البلد هم أعلم بصلاح حالهم ممن هم في خارجه .ومن حكم بالغلبة والقهر صحَّت ولايته عند أكثر الفقهاء ، لحديث : "اسمعوا واطيعوا وإن أُمِّر عليكم عبد حبشي أجدع " أخرجه مسلم . وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : " نحن مع من غَلب " .


7- إذا كان إجماع الهيئات والاتحادات والمنظمات والمجامع الإسلامية غير مُلزم في عصرنا الحاضر في القضايا الفقهية ، فحريُّ بالمسلم لإبراء ذمته الرجوع إلى أُصول الشريعة ومناط الأحكام فيها للجمع بين الأدلة ، وللحذر من تتبع الرخص والتعلُّق بأقوال الرجال المُفضية لضلال الناس .


8- التدرج في تحصيل المقاصد مع الصديق والعدو له مستند من الشرع والعقل ، فقد سمَّى الله تعالى صلح الحديبية فتحًا، وسمَّى الرسول صلى الله عليه وسلم انسحاب خالد رضي الله عنه بالجيش من الطائف فتحًا .


9- عند الحيرة في نوازل الرئاسة يُراجع التاريخ لاستلهام العبر منه .
والله تبارك وتعالى استعمل التاريخ في الردِّ على أهل الكتاب ، كما في قوله سبحانه : "يا أهل الكتاب لم تُحاجُّون في إبراهيم وما أُنزلت التوراة والأنجيل إلاّ منبعده أفلا تعقلون " (آل عمران: 65) ، فلماذا لا نستعمله إذا في مداواة همومناونوازلنا ؟ ! .

10- أقرب الناس للصواب أعلمهم بالشرع والتمسك به ومصالحه، وأقربهم لحفظ جماعة المسلمين ومعايشهم .وأبعدهم عنه من اتبع هواه وحزبه وجماعته بلا حجة راجحة . وقد تقرَّر عند الأصوليين مشروعية البقاء على الأصل عند تساوي الحجج .


11- كثرة العبادة وطولها ليست دليلاً على ترجيح كِفَّة طائفة دون غيرها ، فالعبرة باتباع السنة والدليل وحفظ جناب التوحيد . وبعض الفِرق والجماعات السالفة في التاريخ اشتهرت بِطول العبادة ، لكنها هلكت وضلَّت سبيل المؤمنين ، فلم تنفعهم عبادتهم مع بدعتهم .


12- الدعاء لمعرفة الحق سبب لاصابته عند التنازع على الرِّئاسات ، والواجب على طالب الحق طرح القناعات النفسية والفكرية والبيئية للتجرد للحق ، وهذا عسير في عصرنا إلا على من عصمه الله .


13- الاحتجاج بالأحلاف في الجاهلية والإسلام لِنصرة مذهب أو جماعة مُعيَّنة ليس على اطلاقه ، بل هو مُقيَّد بحفظ مقاصد الدِّين عند المتحالف له ، وتقديم مصالح الشرع ، والضروريات على الحاجيات والتحسينيات ، والحلف يحصل بعقد الإمام لا بعقد العوام .


14- التنازع يُردُّ إلى الله ورسوله أولًا ، لا إلى أقوال الرجال ولا إلى القَصص والوقائع المتشابهة .قال الله تعالى : "فإن تنازعتم في شيٍء فرُّدوه إلى الله والرسول "( النساء : 59 ) . وطلب الحق في غير مَحلِّه وسيلة إلى الزيغ والضياع .


15- إذا تعارضت المصالح الراجحة في الحكم على طائفتين أو جماعتين ، يُنظر إلى مصلحة الدِّين ثم النفس ثم العِرض ثم العقل ثم المال ، ولا يجوز تجاوز ذلك بحجة الاختلاف والرحمة .

16- تجب نصرة المظلوم والظالم كل بحسبه ورتبته من الدِّين ، فلكل منهما حق يجب النظر فيه واعتباره . ويجوز الدعاء على الظالم إذا تحققت مظلمته للمظلوم . لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقصته مع الرجل القائل لعمر رضي الله عنه :" إن سعداً لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية، فقال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث : "اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً ، قام رياء وسمعة ، فأطل عمره وأطل فقره وعَرِّضه للفتن". متفق عليه.

17- الدليل الراجح نص من الكتاب أو السنة أو الاجماع .وإذا اتَّسع الخلاف بين طائفتين أو جماعتين في نازلة وتمسك كُّل بدليله ، فتُقَّدم الآية على الحديث ، والحديث على القياس ، والقياس على قول الصحابي . وعند تعارض الأقيسة ينظر إلى المصلحة الراجحة ثم مقاصد الشريعة .

18- يقُدَّم رضا الله ورسوله على رضا النفوس والجماعات والأحزاب مهما كانت العواقب . قال الله تعالى : " والله ورسوله أحق أن يُرضوه إن كانوا مؤمنين " ( التوبة : 62 ) وقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه حينما استشفعوا لدرء حدٍ من حدود الله ، فيكون ما يحفظ الدِّين أولى وأحق وأحوج .

19- اليوم تتزاحم المصالح والرغبات والأماني في الحياة ما بين مُنظِّر ومُقَرِّر ومُعَبِّر !، ومن كمال التعبُّد أن يُقدَّم النص على المصلحة بأنواعها الثلاثة : المعتبرة والملغاة والمرسلة ،لأن الله تعالى أعلم بخلقه وأرحم . وبهذا يمكن الجمع بين الأصالة والحداثة .


20- موانع قبول الحق : التعصب واتِّباع العوائد والأعراف والبيئة بدون تلمُّس الدليل . وهذا مرض انتشر في المجتمعات المعاصرة كالجُدري ، فيجب استئصاله باللِّين والرِّفق مع المخالف .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة