أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


وصايا نافعة تهم طالب العلم في سيره لطلب العلم
لصاحب المعالي سماحة الشيخ العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
حفظه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.
أمّا بعد:
فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم من أهل القَبول لديه، وممن غُفر لهم الذنب والتقصير.
اللهم من أحسن منا فتقبل منه إحسانه، ومن أساء منا فاعفُ عنه وتجاوز عن إساءته.
ثم إنه بين يدي هذا الدَّرس نذكر أشياء تهم طالب العلم في سيره لطلب العلم والتلقي عن الأشياخ والحرص على ما ينفعه، وهي تذكرة وربما يكون بعضها قد سبق لكم سماعه منّي أو من غيري.

الأمر الأول: الذي ينبغي لك أيها الطالب أن تعتني به أتم عناية أن تذكّر نفسك دائما بأنّ العلم عبادة تتقرب بها إلى الله جل وعلا، وأنّ العلماء ذكروا أن أفضل التطوّع أفضل الأعمال بعد الفرائض طلب العلم، وكثير منا طلبه للعلم يكون واجبا؛ لأنه لم يأخذ القدر الكافي فيما ينفعه في دينه؛ في التوحيد، في إصلاح العقيدة، وفي إصلاح العمل بمعرفة الأحكام الشرعية، وهذا يحثّك ويجعلك لا تمل ولا تَكِل، وهما الداءان اللذان يصيبان طالب العلم الملل والتعب والكلل من الحفظ ومن المدارسة ومن الكتابة ومن اقتناء الكتب ومن المطالعة إلى آخر ذلك.
فإذا علمت عظم المقصود وعظم الفضل للعلم وفي طلبه، وأنه أفضل الأعمال، حتى إنّ أهل العلم فضَّلوه على الجهاد -جهاد النفل جهاد التطوع يعني جهاد الأعداء-؛ لأنَّ طلب العلم متعدٍ، لأن طلب العلم متعدي النفع، والقاعدة الشرعية أن الأعمال المتعدِّية في النفع هي أفضل من الأعمال القاصرة، وكلما كان التعدي تعدي النفع أكثر، كلما كان أفضل مما هو أقل منه في تعدي النفع، ولهذا كان مذهب كثير من أهل العلم أنَّ طلب العلم أفضل من الجهاد التطوع؛ يعني لأن نفعه أكثر تعديا في الغالب.

المسألة الثانية: هي طريقة طلب العلم، وألحظ الإخوة الذين أمامي الآن أن أكثرهم ربما يكون قد سار بتوّه في طريق طلب العلم أو توسّط.
طريقة طلب العلم مهمة، طلب العلم منكم من يحرص على الحضور عند المشايخ وطلاّب العلم والمعلّمين، فيحضر ويسمع ويكتب، أو يحرص على التسجيلات؛ لكن هذا وحده لا يكفي لابد من الدَّرس والمراجعة، لابد أن تدرس كأنه غدا لديك اختبار، تختبر في هذه المواد؛ لابد تدرس وتدقّق في الألفاظ وفي الأدلة وتحفظ وترتِّب وتكتب حتى يكون عندك التلقي على أقوى ما يمكن أن تعمله، وإلا فالسَّماع والكتابة وحدها لا تنفع، تسمع فقط وإلا تسمع وتكتب ثم تنسى هذه الفوائد إلى بعد سنة، ترجع إليها تثقل عليك؛ لكن إذا كان لك مراجعة فيما سمعت مراجعة أسبوعية تدرس فيها الفوائد، تدرس فيها المتن أولا، وتراجع الكلمات ثم الشرح والفوائد، وتحفظ الأدلة، وتنظر كيف تعامل المعلم أو الشيخ كيف تعامل مع النصوص الشرعية، كيف تعامل مع المتن، كيف تعامل مع المسائل، كيف شرح، أوضح، هذا هو بالدربة احفظ المسائل ويكون عندك قدرة ودُرْبة على نقل هذا العلم.
فإذن كيف تتعلم؟ هذا مهم أن تسأل نفسك دائما كيف تتلقى العلم؟ وكيف تأخذ بذلك؟ ومن المهم هنا أن تحرص على ثلاثة أمور:
الأول: أن يكون ما تقيّده من الفوائد عن المعلم أو عن الشيخ أو عن طالب العلم أن يكون مرتَّبا بخط واضح، البعض يكتب بخط صغير متقارب الكلمات ويحشر الصفحة، هذه لا تنشِّطه للقراءة، إذا أراد أن يُراجع، فتكتب سطر وتترك سطر بخط واضح والصفحات -ولله الحمد- والورق كثير.
الأمر الثاني: أن يكون هناك تلخيص لما قرأت؛ يعني بعد أن تسمع أنت ستنتخب أحسن ما سمعت، ثم بعد ذلك اختر أيضا الفوائد مما كتبت؛ لأن بعض ما كتبت ربما يكون فيه تَكرار، ربما يكون فيه زيادة ونحو ذلك.
المرحلة الثانية أن تنتخب أحسن ما كتبت، الفوائد التي تراها أكثر فائدة لك وتردّدها وتحفظها.
الأمر الثالث: أنه بعد حين لابد أن ترجع إلى ما كتبت عن الشيخ وتراجعه مرة أخرى حفظا ودراسة؛ لأنّ العلم يذهب بالغفلة ويبقى مع التَّرداد، فيه كتب كثيرة ومختصرات إذا قرأناها مرة ثانية وقد قرأناها عشرة وعشرين مرة تخرج لنا منها فوائد، والمرء لا يَقُل: هذا الكتاب قرأناه، هذا المتن قرأناه. لا، إذا صار عند فرصة تراجع ما كتبت، تراجع ما قرأت، وكلما كان الأمر أثبت كلما كان أقوى لك في المستقبل؛ لأنه كلما ثبتت عندك العلوم كلما كان التصور أسهل لديك وحفظ المعلومات الجديدة أسهل؛ لأن ما بني على صحيح فهو صحيح، وما بني على مختل فهو مختل، وما بني على غلط فهو غلط، لهذا صارت البِنْيَة الأساسية واضحة وصحيحة فيكون ذلك له أثره فيما بعده.

الثالثة: مما ينبغي لطالب العلم أن يعتني به كثيرا أن يمايز بين الزوائد في شرح الكتاب الواحد أو شرح الكتب المتماثلة المتقاربة، مثلا شرحنا لمعة الاعتقاد، شرحنا الواسطية، وشرحنا الحموية، الآن الطحاوية لا شك في كل شرح فيه زيادات على الشرح الآخر، ربما يكون شرح الواسطية أطول من غيره؛ لكن تجد في شرح الطحاوية مسائل جديدة ليست هناك، وأيضا في المسألة ربما فيه فوائد وتفصيلات ليس فيما مر، هذه أيضا مع بقائها في شرح الطحاوية تأخذها زيادة، وتضعها مع شرح الواسطية، هذا بالنسبة إلى شرح الشخص الواحد.
لكن إذا كنت تحضر عند أكثر من عالم وأكثر من طالب علم أو سمعت عددا من الأشرطة، والشّروح سمعت من هذا، وسمعت من هذا، وسمعت من هذا، كيف تستفيد من هذه الكتب جميعا؟ كل معلم له طريقة له طريقة في التعامل مع الفن أصلا له طريقة في التعامل مع الكتاب في شرح المسائل في تقريب العلم؛ لكن هناك قدر مشترك من المعلومات يكون عند الجميع، وهناك فوائد يتميز بها فلان عن فلان؛ لأنه وفوق كل ذي علم عليم، لابد، لابد أن يكون هذا له ما ليس عند ذاك من الفوائد، لن يتطابق الجميع على شرح واحد.
لهذا كيف تعمل في مثل هذه الحالة؟
تنظر إلى أكثر الشروح تفصيلا وإفادة، ثم تنشر الزوائد من الكتب التي سمعت شرحها، أو مما دونت من الفوائد تدونها على هذا حتى يكون أصلا.
يعني تأخذ مثلا شرح سماحة الشيخ –يقصد معاليه: الإمام العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى- على كتاب التوحيد مثلا وتجعله أصلا ثم تأتي في الفوائد الأخرى وتدونها على هذا الشرح، فيكون عند الشرح لهذا الكتاب قد جمعته من شروح أهل العلم ودونت فيه أكثر الفوائد التي حرصت عليها.
إذن هذه الطريقة مهمة في التلقي من معلم واحد أو من شيخ واحد، وكذلك في التلقي من عدد من المعلمين أو عدد من طلبة العلم والأشياخ.
تختار أحد الشروح التي هي أكثر فوائد، ثم بعد ذلك تأتي بالفوائد الزائدة وتدونها عليه.

المسألة الرابعة: فيما ينفعك في طلب العلم أن تنتبه دائما إلى أن كثرة التفصيلات ليست دليل صحة، وقلة التفصيلات ليست أيضا دليل صحة.
وهذه مهمة لطالب العلم؛ لأنه سيتعامل مع شروح المشايخ، ويتعامل مع شروح الكتب، ويتعامل مع فوائد ينتقيها من هنا وهناك.
فإذن متى تحرص على التفصيلات؟ ومتى لا تحرص عليها؟ التفصيلات التي هي طول شرح للمسائل تارة تكون تابعة لأصل المسألة، فهذه احرص عليها، وتارة تكون استطرادات يُستغنى عنها في فهم أصل المسألة وما يتصل بها، فهذه يمكنك أن تستغني عنها في الدرس وفي المراجعة إلى آخره.
وأنت تقرأ مثلا لابن تيمية رحمه الله أو لابن القيم يورد المسألة ثم بعد ذلك يستطرد، هذه الاستطرادات تارة تكون تخدم أصل المسألة وتارة تكون لا، هي تنظير للمسألة من مسألة إلى أخرى.
وهنا لابد من الانتباه كثيرا إلى كثرة المعلومات، ونحن الآن في وقت كثرة المعلومات، تسمع من الفتاوى الكثير، تسمع من الشروح الكثير، وتقرأ من الكتب الكثير، وهذا الشرح مطول وهذا مفصل، ترجع إلى فتح الباري تجد فيه، وترجع شرح الطحاوية تجد فيه، ترجع إلى فتاوى ابن تيمية.
فكيف تتعامل مع هذا الطول؟ تتعامل معه بأنه ما يخدم فهمك للفن اجعله الأساس، ثم هذه التفصيلات إذا كانت تخدم المسألة فانقلها على نحو ما ذكرنا سابقا، وكثّر الفوائد والتفصيلات التي تخدم أصل المسألة، وإلا فإن المسألة الواحدة يمكن أن نمكث في شرح حديث أسبوع كامل، شرح حديث واحد، إذا كان سنتكلم على التحليلات اللغوية، ثم أولا قبل كل شيء التخريج مثلا، وتراجم الرواة والتصحيح والتضعيف، ومن قال بصحته والاستطراد في ذلك، ثم نتكلم على اللغويات والتراكيب والفوائد اللغوية في الحديث، ثم بعد ذلك المسائل الأصولية والأحكام الفقهية واختلاف العلماء والفوائد، هذه تطول جدا المسائل.
ثم لا غرابة أن وجدنا أن الحافظ بن دقيق العبد رحمه الله شرح في مجلدين كبيرين إذا طبعا فستكون أربعة كبار، شرح في هذين المجلدين نحوا من أحد عشرة حديثا من كتابه الإلمام، وهذا المسمى بشرح الإلمام لابن دقيق العيد الموجود منه مجلدين، لم يؤلف منه إلا مجلدين شرح فيه بضعة عشر حديثا أو اثنا عشر أو ثلاثة عشر؛ يعني أنه لا زال في أوله، حتى أنه ذكر عند حديث لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة أكثر من ثلاثمائة مسألة، هذا لو أردنا أن نتعرض لمثل هذه التفاصيل في الشروح.
إذن سيكون الطالب يجلب له كل شيء من الكتب وكل المسائل تعرض عليه، هذا ليس هو العلم، العلم أن تخدم المتن الذي تحفظه أو تدرسه مما يكون موافقا للمنهجية أن تخدمه بالشروح والتفصيلات حتى تضبطه.
ثم بعد ذلك إذا جاءت التفصيلات تأتي التفصيلات وأنت بالخيار تأخذ منها ما تشاء وتدع منها ما تشاء؛ لكن الطول لا يخدم.
لهذا تهتم كثيرا ما ينفعك من التفصيلات، التفصيلات هذه لا تتساهل في أن تسمع الكثير وتقول هذا أفضل، لا، قد يكون ذلك ويشتت ذهنك في العلم.
فإذن الطريقة المثلى لهذا ما ذكرته لك من أن هذه التفصيلات تميزها، هل تخدم أصل الكتاب؟ هل تخدم أصل المسألة أم أنها استطرادية في مسائل لا صلة لها بأصل المسألة.
مع الزمن ستجد أنك ترقّيت في العلم، تفصيلات استغنيت عنها في سنتك الثالثة في طلبك للعلم أو الرابعة؛ لكنك تجد ...... في أول السن صار واضحا بحيث تقول كيف استفدت هذه الفوائد؟ كيف أجعلها فوائد أصلا، فتجد أنك تحتاج إلى تفصيلات أخر ومزيد من العلم وتدقيقات، وهكذا ينبني بناء العلم لك شيئا فشيئا.

المسألة الخامسة: وقد ذكرتها لكم مرارا الاهتمام بالكتب التي تقرأ فيها، والطبعات، والآن المطابع ترمي بآلاف من المطبوعات المختلفة، لابد أن تنتقي الكتاب الذي تأخذ منه، تجعله مرجعا لك في مكتبتك، ليس كل كتاب يصلح، ليس كل طبعة أعني تصلح، يعني مثلا فتح الباري متقاربة الطبعات؛ لكن مثال كم له من طبعة؟ له أكثر من عشر طبعات، بداية من طبعة الهند إلى الطبعات الأخيرة هذه الملونة التي فيها أحمر... صغيرة طيب، عندك شرح مسلم للنووي أيضا طبعات كثيرة، المغني كم هناك من طبعة له الكثير، كتب الفقه، كتب الحديث، كتب الرجال كم لها من طبعة؟ تأخذ لابد تنتقي الطبعة وتحفظها بحيث أنه تكون عندك في المراجعة.
هذه المعلومات سبق أن سمعها الأكثر مني؛ لكن وجود كثير من الأخوة ممن ربما لم يسمعوا القديم يجعلنا نكرر ليتّضح الأمر.

المسألة السادسة: أهمية البحث، وهذه ألقينا فيها كلمة مستقلة مطوّلة، وجاءتني رسالة من بعض الإخوة يقول فيها أنه سمع هذه المحاضرة أو الكلمة في منهجية البحث، وهي ألقيناها هنا في بداية الدروس في أحد الفصول، وهذا تعقيد للعلم الذي ذكرت، اتعقيد للعلم ويثبط الهمة وو إلى آخره من الكلام، قال في أخره: وأظنك أنت -يعنيني- أظنك لا تطبق ما ذكرت أصلا، وهذا الكلام وإن كان انفعاليا؛ لكنه دليل صحة لأنه كون المرء استمع للكلام وتأثر وأحس أن هذا اعن هذا دليل خير، لماذا؟ لأنه يدل على أنه وجد أن الطريقة التي كان يسير عليها في البحث ليست هي الطريقة السليمة، هذا الذي كان يهمنا أن نوصله للإخوة، أن يكون هناك سعي في أن يكون البحث موافقا للطريقة السليمة، والعلوم إنما تثبت بالبحث، لا يمكن أن تتقدم في العلم إلا بالبحث، والبحث إذا كان سليما كانت النتائج سليمة، وإذا كان البحث قاصرا أو غير ممنهج كذلك ستكون النتائج على غرار قوة البحث وضعفه.
لهذا نقول: كيف تبحث؟ هذه مهمة جدا، فينبغي أن تراجع الكلمة التي قلناها سابقا وتهتم بالبحث يعني أن يكون عندك تقسيم لوقتك، تدرس على المشايخ جزءا، تقرأ المتون الأساسية وتحفظ وتؤسس نفسك في جزء، تقرأ المطولات والشروحات هذه والأشياء التي ترغب فيها في بحث المسائل هذا جزء، وأيضا تبحث في مسائل بحثا مكتوبا، هذا مهم لأن الذي لا يبحث لا تتأصل عنده المسائل، الذي لا يبحث ويطالع المسألة، ينظر ماذا قال هنا وماذا قال هنا أوش قال في الكتاب الفلاني، لا تتأصل عنده المسائل.
في مسألة من المسائل كنت أنا أظن أنه مجمع عليها، وإذا بي في حج هذا العام عرفت أن فيها خلاف، وخلاف قديم للسلف وقوي، وهناك من نسبها من نسب المسألة إلى الإجماع أن العلماء أجمعوا عليها.
فإذن العلم لا يكون إلا بالبحث؛ لكن البحث هنا لا يكون بحثا مقروءا؛ يعني تقرأ فقط، بل لابد أن تكتب؛ لأنه إذا لم تكتب ستلحظ أنه أن بحثك بعد شهرين أو ثلاثة أربعة خمسة انتهى، لا تذكر منه شيئا، لهذا إذا بحثت في ساعتين أو ثلاث أو خمس تكتب ما بحثت يبقى، وإلا فستبقى المعلومة معك لمدة أسبوع أسبوعين ثم تذهب.
وهذا واقع ومجرّب، لهذا أؤكّد على أهمية أن تبحث وأن يكون بحثك مكتوبا تارة أو تارات، ومقروءا تارة.
في تفسير آية لا تحرص على أن تسأل إيش معنى الآية الفلانية؟ ابحث قبل، ثم بعد ذلك اسأل المشايخ والعلماء عن معناها.
المسألة الفقهية، ما حكم كذا وكذا؟ ابحث قبل، ثم بعد ذلك سل.
ومرة كتب أحد القضاة إلى سماحة جدّي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، كتب إليه يسأله عن حكم مسألة عرضت له في القضاء، فأجابه الشيخ بسطرين قال: المسألة معروفة في جميع كتب أهل العلم؛ لكنك كسلان لا تبحث والسلام.
وهذا واقع؛ لأن طالب العلم إذا تعود على أن يسأل ولا يبحث، فإنه سيصاب لأن السؤال لن يأتي دائما، السؤال لا ينشط الإنسان.
ومرة كان الشيخ العلامة عبد الرزاق عفيفي رحمه الله في الحج، ذكرت لكم القصة وكان واحد جنبه يسأله ويسأله ويسأله، قال العلم لا ينال بهذه الطريقة، اقرأ المسائل اقرأ العلم اقرأ الكتب بعد ذلك أشكل شيء تسأل عنه، أما كل مسألة تسأل عنها، ما حكم كذا ما حكم كذا، لو عمل كذا لو لم يعمل لا تحصّل العلم بذلك.
فإذن البحث مهم وبعد البحث تسأل، بعد البحث تعرض على أهل العلم ما بحثت، والله هذه طريقتي في بحث مسألة فقهية هل هي سليمة أم ليست بسليمة؟ هذا تخريج حديث أحاديث خرجتها بهذه الطريقة، مثلا تكون متأثرا في تخريج الأحاديث بمدرسة من المدارس الموجودة في تخريج الأحاديث، وتكون المدرسة عليها ملاحظات أو ليست المدرسة الصحيحة في التخريج، فإذا عرضتها على من يبحث معك أو يناقشك أو يعلّمك فإنك ستستفيد.
فإذن من المهم أن يكون لطالب العلم بحث مقروء يقرؤه هو، يبحث المسائل، وبحث مكتوب يعرضه على من هو أعلم منه.

المسألة السابعة: كثيرا ما أورد مثلا أو يورد غيري ممن يدرّسون -خاصة العقيدة- خلاف المذاهب الضالة، مثلا قول الخوارج، قول المعتزلة، قول الأشاعرة، قول الماتريدية قول كذا، وربما يأتي بعض طلبة العلم منكم يحرص على مراجعة كتب القوم، وهذا لا يُنصح به، ولا ينبغي لطالب العلم في طلبه للعلم أن يسلك هذا السبيل؛ لأن الأصل أن مذاهب هؤلاء من مذاهب أهل الأهواء، وأهل الأهواء لا يقرأ كلامهم؛ لأنه لا يؤمن على طالب العلم أن يتأثر، أو أن يجد فيما قرأ شبهة لم يردّها شيخه، فتبقى الشبهة ويحتار في رده عليها إلى آخر ذلك.
لهذا يعني عدد من الأخوة طلبوا أسماء مراجع المذاهب المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة من كتب المعتزلة والخوارج والأشاعرة، وطبعا الجواب أنه لا يرشد أحد إلى هذه المذاهب من طلاب العلم إلى كتب القوم حتى يقرأها، لا؛ بل الذي نقل له هذه المذاهب وبينها له ثقة فيأخذها على هذا النحو.
وقد كان مشايخنا رحمهم الله -رحم الله الأموات وأطال في عمر الأحياء وبارك في الجميع-، كانوا يعتمدون في نقل المذاهب المخالفة على أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ونحوهما ممن يعتنون بنقل المذاهب هذه فقط، ولا يرجعون إلى أصل الكتب؛ لأنهم ثقات وحديث النبي إذا نقله عدل ثقة قبلناه واعتمدناه وصار حجة لنقل العدل الضابط عن مثله، فكيف بمذاهب الآخرين التي هي مذاهب ردية.
ربما يأتي وقت يكون طالب العلم بَحّاثة في تحقيق مسألة ما، هنا قد يرخص له إذا كان يريد الرد ويريد المناقشة ونحو ذلك، قد يرخص له في حد محدود؛ لكن طلاب العلم من أمثالكم يقرؤون في كتب القوم وفي تفاسير الأشاعرة وتفاسير المعتزلة أو نحو ذلك، لا، ولا يعرّض المرء دينه للخطر.

ملاحظة: قمت بحذف المقدمة؛ والتي هي عبارة عن تذكير الشيخ بمواعيد الدروس.