 البرهان الكامل لنظرية فيرما الاخيرة
 اعداد : د.جبر عبدالله البنا
 عمان _ الاردن
 جامعة البلقاء التطبيقية
 كلية القادسية

• لقد قضى الرياضيون حوالي ثلاثة قرون ونصف للإتيان ببرهان على إحدى النظريات التي جاء بها فيرما، وهي لا تعد ذات شأن بالنسبة للبشرية ولا بالنسبة لجمهور المهتمين بالرياضيات. تعرف هذه النظرية بنظرية "فيرما الأخيرة" أو بـ "مخمنة فيرما". والواقع أنها ظلت مخمنة منذ طرحها فيرما في منتصف القرن السابع عشر، ولم تأخذ طابع النظرية إلا عندما أثبتها اندريو وايلزبمساعدة أحد طلبته في منتصف عام 1995 وتطلب منهما ذلك 127صفحة ونشر البرهان كاملافي المجلة الامريكية
• Annals of MathematicsAnnals of Mathematics
• فما الذي حدث في كل هذة السنين الطويلة
ولد بيير دي فيرما في فرنسا عام 1601 Pierre de Ferma
. وقد اهتم أبوه، الذي كان يشتغل بتجارة الجلود، بتربيته وتكوينه اهتماما كبيرا. ولذا أرسله إلى مدينة تولوز (فرنسا) لدراسة الحقوق. وعندما أنهى فيرما دراسته أصبح مستشارا في برلمان تولوز المحلي إلى أن توفي سنة 1665.
لم يكن فيرما من محترفي الرياضيات بل كان يملأ بها أوقات فراغه معتبرا إياها هواية لا نظير لها، سيما حقل الأعداد. فربما كان يؤمن إيمانا راسخا بمقولة الرياضي الألماني كرونيكر(Kronecker (1823-1891الذي قال : "خلق الله العدد الطبيعي، أما الباقي فهو من عمل البشر"... أو ربما يشاطر رأي العـلامة الألماني غاوس( Gauss (1777-1855الملقب بأمير الرياضيين حين قال : " إن الرياضيات ملكة العلوم، أما نظرية الأعداد فهي ملكة العلوم الرياضية". وعلينا ألا نخطئ في حق فيرما، فمواهبه الرياضية تجاوزت مجال الأعداد الذي اشتهر به. ويشهد على ذلك بلاز باسكال( Pascal (1623-1662 الذي كتب إلى فيرما قائلا :" أعتبرك أكبر مهندس في أوروبا ".
كان فيرما يكتب باللاتينية، كما كان حال الكثير من العلماء آنذاك ويستخدم الفرنسية في مراسلاته مع بعض رياضيي عصره. والغريب أن فيرما ترك معظم نظرياته ونتائجه الرياضية دون برهان. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم الرياضيين كانوا يسيرون على ذلك المنهاج حيث يقترحون على بعضهم البعض مسائل رياضية محتفظين في الكثير من الأحيان بحلولها ولا يكشفون عنها إلا في الأوقات المناسبة، خدمة لسمعتهم ومكانتهم. وتمتد أحيانا هذه الروح التنافسية إلى منافسة بين رياضيي البلدان الأوروبية (مثل ما حدث بين رياضيي إنكلترا ورياضيي فرنسا).
وهناك سبب آخر يجعل فيرما لا يميل إلى كتابة براهينه : إنه "أكثر الناس **لا" حسب اعترافه. ثم إنه كان منشغلا بأموره المهنية غير آبه بالكتابة في الرياضيات من أجل النشر ... فهو رجل قانون وليس رياضيا. ومن المعلوم أن موضوع الأعداد كان محل مناقشات فلسفية عميقة لدى القدماء، إلا أنه أهمل بعد ذلك خلال فترات، ثم انتعش في عهد فيرما وباسكال. ولسوء الحظ لم يتواصل هذا الانتعاش طيلة القرن الثامن عشر بشكل جدي ولم يعرف تحسنا إلا بحلول القرن التاسع عشر بفضل الرياضي غاوس وآخرين.
لم تشهد حياة فيرما أية أحداث اجتماعية جديرة بالذكر إذا استثنينا بعض المناوشات والمشادات - حول بعض المسائل العلمية- بينه وبين ديكارت (Descartes (1596-1650التي غالبا ما يحولها فيرما بأسلوبه الخاص إلى خلافات أخوية. وبهذا الشأن، يذكر أن فيرما كان لبقا ومتواضعا في سلوكه. وقد شكك البعض في سلامة براهين فيرما التي ادعى بأنه وجدها. وعلى كل حال فجل البراهين التي أعلن عنها ضاعت ولم نعثر على البعض منها سوى في مراسلاته مع رياضيي عصره.
إن ما نعرفه عن حياة فيرما، بالمقارنة مع مكانته بين كبار الرياضيين، قليل جدا. ولذا يرى الكثيرون بأنه ينبغي إعادة النظر في دراسة سيرة حياته ونشاطاته ومشاريعه انطلاقا من مراسلاته مع العلماء وتعقيباته وملاحظاته الواردة على هوامش الكتب التي كان يطالعها

لقد اهتم فيرما بعدة فروع رياضية خلاله حياته، مثل الاحتمالات والهندسة ونظرية الأعداد. ولذا نجد عدة كائنات رياضية سميت باسمه مثل حلزون فيرما ونقطة ومسألة فيرما. فهو يعتبر، مع باسكال، مؤسس علم الاحتمالات. بل يذهب البعض إلى التأكيد بأن أفكار فيرما حول المبادئ الأساسية لعلم الاحتمالات كانت أكثر دقة من أفكار باسكال ذاته. ويكفي هنا الإشارة إلى أن باسكال كان يسمي فيرما "الرجل الأول في العالم" وكتب إليه ذات مرة يقول "ابحث في مكان آخر عمن يتابعون إبداعاتك العددية. أما أنا فأصارحك أن هذه الإبداعات تمر بعيدة عني. ولا يمكنني أن أفعل أكثر من الإعجاب بها".
كما توصل فيرما إلى العديد من النتائج في الهندسة التحليلية المتعلقة بمماسات الأشكال الهندسية ومساحتها (كمساحة القطع المكافئ والقطع الزائد) وعين مراكز ثقل أشكال ومجسمات أخرى كالمجسم المكافئ الدوراني. وفي الحساب اللامتناهي قدم فيرما عملا تحت عنوان :
Mémoires sur la théorie des maxima et sur les tangentes et les quadratures
(مذكرات حول نظرية القيم العظمى والمماسات والتربيعات).
ويعتبر هذا المؤلف منطلق الحساب اللامتـناهي حسب شهادات العديد من الرياضيين أمثال دالمبير D Alembert (1717-1783) وبيـكار(Picard (1856-1941 ولابـلاس(Laplace(1749-1827 ولاغرانج Lagrange(1736-1813) وغيرهم. وفي الحساب التفاضلي، اعترف أحد باعثيه اللامعين - وهو الألماني ليبنيزLeibniz(1646-1716) - ضمن رسائله إلى الإنكليزي واليس(Wallis (1616-1703، بفضل فيرما عليه في هذا المجال. لكن الإسهام الكبير لفيرما انصب في نظرية الأعداد.
وعلى الرغم من أن فيرما لم ينشر إلا نادرا خلال حياته فقد عثر على جل أعماله مبعثرة في أوراق وعلى هوامش الكتب التي كان يطالعها. وكان ابنه سامويل قد نشر بعد خمس سنوات من وفاة أبيه أعمالا تتضمن المؤلفات التي وردت على هوامش صفحاتها ملاحظات وتعقيبات فيرما. ومن بين تلك المؤلفات، كتابات الرياضي اليوناني ديوفنتس Diophantus (القرن الرابع الميلادي) التي حققها وترجمها من اليونانية إلى اللاتينية، الفرنسي باشي دي ميزيرياك BachetdeMéziriac عام 1621. وقد أشرفت الحكومة الفرنسية عام 1891 على نشر أعمال فيرما وتحقيقها في ثلاثة مجلدات. واستطاع الرياضيون البرهان على جميع النظريات التي تركها فيرما بدون إثبات ولم يعجزوا إلا في واحدة : هي "نظرية فيرما الأخيرة".
ولما كان فيرما قد ركز على دراسة خواص الأعداد فمن اللائق أن نشير إلى أنماط من النتائج التي توصل إليها :

1. ليكن n عددا أوليا و a عددا طبيعيا كيفيا. إن العدد n يقسم .
يمكن أيضا صياغة هذه النظرية كما يلي :
كان أولر(Euler (1707-1783 هو أول من قدم برهانا على هذه النتيجة بعد مرور قرابة قرن على طرحها. والبرهان المتداول الآن هو إثبات بـ"التراجع" (التدريج). ومعلوم أن هذه النتيجة قد عممت كالتالي:
إن العدد يقبل القسمة على عندما يكون العددان ، أوليين فيما بينهما حيث يرمز لعدد الأعداد الطبيعية الأصغر من والأولية مع .

2. إذا كان عددا فرديا وأوليا، يمكن كتابته بكيفية وحيدة على شكل فرق مربعين.
برهن فيرما على هذه النتيجة كالتالي : نفرض أن العدد ن يكتب على الشكل . وبالتالي : .
. بحل هاتين المعادلتين نحصل على
و
بما أن n أولي فلا بد أن يكون
و
(لاحظ أن فردية n تسمح بالقول إن ، عددان طبيعيان).

3. كان ديوفنتوس قد طرح المسألة التالية :
إن مجموع مربعي عددين طبيعيين لا يمكن أن يكون من الشكل 4ن-1. يمكن البرهان على هذه النتيجة باستخدام باقي القسمة على 2. وقد أضاف إليها فيرما نتيجة أخرى نصيغها كما يلي:
إذا كان ، حيث b و n عددان طبيعيان، و عددا أوليا فإنه من المستحيل كتابة c على شكل مربع أو مجموع مربعي عددين طبيعيين. مثلا : العدد 207 لا يمكن أن يساوي مربعا أو مجموع مربعين لأن مع الملاحظة أن 23=1-6.4 وأن 23 عدد أولي.

4. إذا كان و عددين أوليين فيما بينهما فلا يمكن أن ينقسم العدد على عدد أولي من الشكل . كان فيرما قد أضاف هذه النظرية إلى النتيجة السابقة.

5. كل عدد أولي من الشكل يكتب بكيفية وحيدة كمجموع مربعي عددين طبيعيين.
كان أولر هو أول من برهن سنة 1754/1755 على هذه النتيجة، بعد أن قضى فيها وقتا طويلا حسب قوله، حيث بين أن كل عدد n من الشكل يكتب كمجموع مربعين. ويذكر أن النتيجة السابقة قد توصل إليها فيرما عام 1660، لكنها لم تنشر إلا عام 1670 ضمن أعماله التي أصدرها ابنه بعد وفاته.

6. إذا كانت أعداد طبيعية بحيث فإنه لا يمكن أن يكتب الجداء على شكل مربع.
لقد برهن الفرنسي لاغرانج على هذه النتيجة، كما حل المسألة التالية :

7. يطلب تعيين العدد الطبيعي بحيث يكون مساويا لمربع، علما أن n عدد معطى لا يساوي مربعا.

8. هناك عددان طبيعيان ، وحيدان يحققان المعادلة . (إنهما و ).

9. هناك ثنائيتان ( )من الأعداد الطبيعية تحققان المعادلة . إنهما الثنائيتان (2.2)(5.11). يذكر أن المسألتين الأخيرتين تحدى بهما فيرما رياضيين انكليزيين أحدهما هو واليس.

10. لا يمكن أبدا إيجاد عدد طبيعي n أكبر من 2 وأعداد طبيعية غير منعدمة تحقق المعادلة: .
تلك هي "مخمنة فيرما" أو "نظرية فيرما الأخيرة" التي تمثل محور هذا العرض.

نظرية فيرما الأخيرة:

كان الرياضي ديوفنتس قد اهتم خلال القرن الرابع الميلادي بنظرية الأعداد، وطرح آنذاك المسألة التالية : أوجد جميع المثلثات القائمة التي لها ثلاثة أضلاع ذات أطوال مساوية لأعداد طبيعية.
تعني هذه المسألة البحث عن الأعداد الطبيعية التي تحقق المعادلة . وقد حلت هذه المسألة باتباع عدة خطوات حسابية.
إنه من الطبيعي بعد دراسة هذه المسألة - التي كان حلها معروفا منذ القدم - أن نتساءل عن حل المعادلة . ومن الطبيعي أيضا مواصلة التعميم والسؤال عن حل المعادلة . ذلك هو موضوع نظرية فيرما الأخيرة، كما أسلفنا : إنه لا توجد قوة طبيعية أكبر من 2 وأعداد طبيعية غير منعدمة تحقق المعادلة السابقة.
إليك النص الذي كتبه فيرما باللاتينية، حوالي سنة 1637، على هامش كتاب "أعمال ديوفنتس" :
cubum in duos cubos aut quadrato-quadratum in duos quadrato-quadratos et nullam in infnitium , ultra quadratum potestatem in generaliter duas ejusdem nominis fas est divider.
cujus rei demonstrationem, mirabilem sane, detexi ; hanc marginis exiguitas non caperet.
يقول هذا النص :
" لا يمكن أن نقسم مكعبا إلى مكعبين ولا مربع مربع إلى مجموع مربعي مربعين، وبصفة عامة، لا يمكن أن نقسم قوة كيفية ذات أس أكبر من 2 إلى قوتين من نفس الأس.
لقد اكتشفت برهانا رائعا لهذه القضية لكن الهامش لا يسعه » .
ولسوء الحظ لم يصلنا هذا البرهان، ولم يترك فيرما سوى المبدأ الذي استخدمه في معالجة الحالة 4=n وهو المبدأ الذي سماه " طريقة النزول اللانهائي" Descente infinie. ويسود الاعتقاد بأن فيرما لم يكن لديه برهان كامل لنظريته... وبالتالي فليس هناك برهان ضائع يستدعي أن نفتش عنه ويلاحظ المؤرخون الذين أمنعوا النظر في مراسلات فيرما أنه يطرح فيها العديد من المسائل الحسابية العامة والخاصة، كما يعلن أحيانا في تلك المراسلات عن براهين بعض النتائج والنظريات. وكان قد أشار عدة مرات إلى أنه لا يمكن أن يكون مكعبا مجموع مكعبين، كما أشار إلى النص المماثل المتعلق بالأس 4. لكنه لم يشر أبدا، حتى بالتلميح، إلى الحالة العامة. ومن بين هذه المراسلات، مراسلة وجهها فيرما إلى صديقه بيير دي كاركافي De Carcavi (؟ -1684) عام 1659 تضمنت حصيلة شاملة لأبحاثه حول الأعداد. إلا أنه لم يذكر فيها سوى الحالتين 3=n و 4=n.

ولذلك استخلص البعض من هؤلاء المؤرخين مثل جون ايتارJ.Itard وكاترين غولدشتاين C.Goldstein أن هذه المعطيات تدل -طالما لم يظهر جديد- أن « فيرما لم يكن يمتلك برهانا لنظريته الكبيرة من أجل ن أكبر من 5"... أما ملاحظته الواردة في هامش كتاب ديوفنتس فهي " تعبر عن حماس فياض سرعان ما زال ». فلا شك أن الحالتين 3=n و 4=n. تكفيان لإثارة الحماس والفضول والشغف لدى الرياضيين عبر العصور. ولم تكن فكرة تعميم هذه النتيجة إلى القوة ن الأكبر من 2 أمرا غريبا بعد أن حلت من أجل 2=n. وفي هذا الإطار المؤرخ رشدي راشد أن العلماء العرب والمسلمين قد أشاروا إلى الحالة 3=n كما فعل مثلا الطبيب ابن سينا ( القرن الحاي عشر ميلادي ) في أحد مؤلفاته الفلسفية. ويبدو أن قدماء الإغريق، قبل فيثاغورس كانوا يسلمون بأن معادلة فيرما لا تقبل حلا من أجل 3=n. لكن التسليم بهذه النتيجة لا يعني سهولة برهانها. فقد بذل الرياضيون الكبار والصغار جهودا مضنية دامت أزيد من قرنين لدراسة الحالات 3=n و 5=n و 7=n ؟
من الواضح أن حل المعادلة لا يستدعي سوى معالجة حالة والحالة 4=n التي يكون فيها n أوليا أكبر من 2. وهذا يرجع إلى كون عدم وجود حل للمعادلة المذكورة من أجل عدد أولي n ، يستلزم أن المعادلة لا تقبل حلا عندما نعوض n بأحد مضاعفتها : مثلا، إذا لم تقبل حلا فإن المعادلة لا تقبل حلا أيضا، ولولاه لكتبنا :
واستنتجنا أن للحالة 3=n حلا هو ( ). أنظرهنا كيف درست الحالة 4=n.
لنستعرض الآن بإيجاز المراحل التي مرت بها مخمنة فيرما حتى عهد الرياضي الألماني ارنست ادوارد كومار E.Kummer (1810-1893)

من أولر...إلى كومار:

إنه من غير الممكن أن نورد قائمة كاملة للرياضيين الذين أسهموا في البرهان على نظرية فيرما الأخيرة منذ طرحها في منتصف القرن السابع عشر إلى اليوم. وكما أسلفنا فقد لا نجد رياضيا من رياضيي القرون الثلاثة الماضية لم يهتم أو لم يحاول تقديم إثبات لهذه النظرية. ولذا نكتفي بالإشارة إلى المراحل المعروفة التي مر بها هذا البرهان حتى نهاية القرن التاسع عشر.
- بعد حوالي قرن من طرح المسألة استطاع الرياضي السويسري أولرتقديم البرهان على أن معادلة فيرما لا تقبل حلا من أجل الأس ن=3. والواقع أن إثبات أولر لم يكن خاليا من الثغرات، ولم يكتمل إلا بعد ربع قرن على أيدي الرياضيين لاغرانج ولوجندر(Legendre (1752-1833 وغاوس.

- في سنة 1823 بين لوجندر أن مخمنة فيرما صحيحة من أجل الأس ن=5. وتوصل الألماني لوجان ديرخليت( Dirichelet (1805-1859 إلى نفس النتيجة.

- في سنة 1832 برهن ديرخليت على الحالة ن=14.

- في سنة 1837 أثبت لامي Lamé صحة المخمنة من أجل الأس 5=n.

- بدأ كومار سنة 1844 في نشر سلسلة من المقالات باللاتينية والألمانية والفرنسية عمم فيها مفهوم العدد الطبيعي وأدخل ما يسمى بالمثاليات. وقد أدت هذه الأعمال إلى البرهان على نظرية فيرما من أجل كل القوى ن الأصغر من 100 باستثناء الأعداد 37 ,59, 67. حدث ذلك عام 1850. سنقدم بسطة عن مضمون هذه الأعمال بعد قليل.

- قي سنة 1893 أنهى الرياضي ميرمانوف Mirmanoff الأستاذ بجامعة جونيف (سويسرا) دراسة حالة الأس37=n بتحسين طريقة كومار.

كما أن هناك رياضيين آخرين دفعوا البحث في هذا الاتجاه، نذكر منهم آبل(Abel (1802-1829 عام 1823، وليوفيل(Liouville (1809-1882 عام 1840، وكوشي(Cauchy (1839-1847 وكرونيكر عام 1856. ولا يمكننا الإشارة إلى كل هؤلاء دون ذكر الرياضية الفرنسية صوفي جرمان(S.Germain (1776-1831 التي توصلت في بداية القرن الماضي إلى نتيجة تتعلق بالمعادلة عندما تكون الأعداد لا تقبل القسمة على الأس n. وعلى وجه التحديد أثبتت جرمان أنه كان إذا الجداء لا يقبل القسمة على n (حيث n فردي وأولي أصغر من100) فإن الأعداد لا يمكن أن تكون حلا لمعادلة فيرما ... ولم تعرف هذه النتيجة تعميما لها إلا سنة 1985 على يدي فوفري E. Fouvry الأستاذ بجامعة بوردو الفرنسية.

وتواصلت دراسة هذه المسألة لكنها لم تعرف إبان النصف الأول من هذا القرن تقدما يذكر رغم محاولات البعض أمثال ويفريخ Wiefrich ومايي E.Maillet (المهندس في الجسور) وليون بوماي Pomeyودي**ون Dickson و موردال Mordell وآخرين سنورد أسماء بعضهم أدناه.

والملاحظ أن البراهين المقدمة تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، ويتضح أكثر فأكثر أن حل هذه المسألة يستدعي اكتشاف طرق جديدة لأن الطرق المتداولة استنفدت أفكارها دون أن تقدم تعميمات ناجعة. وفي الكثير من الأحيان يقدم الرياضيون براهين متسرعة أو غير سليمة أو تفتقد إلى الدقة. وفي هذا الصدد كان الفرنسي لامي قد أعلن في مارس 1847 أمام أكاديمية العلوم الفرنسية بحماس فياض عن أنه اكتشف طريقة تسمح بحل مسألة فيرما وقدم ملخصا حول هذه الطريقة. وعقب انتهاء العرض أتى ليوفيل باعتراض على بعض النقاط التي أوردها لامي. وقضى هذا الأخير عدة أسابيع لإقناع ليوفيل بوجهة نظره. ولم تنته هذه المواجهة إلا بتدخل الألماني كومار في شهر ماي 1847.

من كومار...إلى وايلز:

يشير المؤرخون إلى أن نظرية الأعداد ظلت مهمشة خلال مدة طويلة تقارب القرنين بعد إعلان فيرما عن مخمنته، وهذا مقارنة بالفروع الرياضية الأخرى. ثم عرفت هذه النظرية تحولا جذريا واهتماما خاصا، سيما في الجامعات الألمانية على أيدي الرياضيين أمثال كومار.
وكان كومار أحد كبار أساتذة برلين. وقد ركز أبحاثه حول ما يسمى بالأعداد الدوارة (أو الدائرية) cyclotomic، وهي الأعداد المركبة x التي تكتب على الشكل حيث a و b عددان صحيحان و c أحد الجذور العقدية من رتبة n للعدد 1، أي أن . ومن بين الأعداد الدوارة نجد أعداد غاوس التي تكتب على النحو حيث i هو العدد التخيلي المعروف الذي يحقق (ذلك لأن ). وعمم مفهوم الأعداد الدوارة حيث أصبح يعبر عن كل عدد z من الشكل :

حيث n عدد طبيعي، مع العلم أن الأعداد أعداد صحيحة. أما الأعداد فهي جذور من الرتبة ن للعدد 1.
من أجل كل k طبيعي أصغر من n.
وعلى وجه التحديد فإن :
ما هي العلاقة بين العدد الدوارz الوارد أعلاه ومعادلة فيرما ؟ هذه العلاقة هي :

كان هدف كومار، بعد التقدم الذي أحرزه الألمانيان غاوس وجاكوبي(Jacobi (1804-1851 إبراز قوانين معينة (تسمى قوانين تبادل Réciprocité) بين الأعداد الأولية. فمن المعلوم أن أعداد غاوس توفر إطارا يسمح بإجراء بعض العمليات الحسابية كأننا نتعامل مع الأعداد الصحيحة. ولذا حرص كومار على تعميم تلك الخواص لتشمل الأعداد الدوارة.
يجب أن نشير إلى أن الأعداد الدوارة تتمتع بالكثبر من الخواص التي نجدها في الأعداد الطبيعية. فهي تضرب وتجمع فيما بينها وتتفكك إلى عوامل من الأعداد الدوارة الشبيهة بالأعداد الأولية. وهذا أمر في غاية الأهمية (سيما فيما يتعلق بنظرية فيرما)، لكن كومار اكتشف بعد الأعداد الطبيعية عندما نفككها إلى عوامل أولية. وقد أدى ذلك بكومار إلى "صنع" ما يسمى ب "الأعداد المثالية" التي تعتبر من أعظم إكتشافات هذا العالم : تقبل الأعداد الدوارة تفكيكا إلى جداء أعداد مثالية. والأهم من ذلك أن هذا التفكيك وحيد، وهو ما يسمح باستغلاله في حل معادلة فيرما. "كل مثالي في حلقة الأعداد الدوارة يكتب بشكل وحيد كجداء مثاليات أولية". تلك هي النتيجة -بمصطلحات اليوم- التي سعى كومار إلى بلوغها، وهي مثيلة النتيجة المعروفة القائلة أن " كل عدد طبيعي يكتب بشكل وحيد كجداء أعداد أولية".
والجدير بالذكر أن كومار ليس أول من استخدم الأعداد العقدية للبرهان على نظرية فيرما. فقد سبقه في ذلك الرياضيان لامي وكوشي اللذان استعملا جذور الوحدة. لكن كومار برز في معرفة كيفية استغلال الأعداد الدوارة والحصول على وحدانية التفكيك ضمن الأعداد المثالية. وهكذا تمكن من إثبات نظرية فيرما من أجل القوى ن التي تحقق بعض الشروط التقنية المرتبطة ببنية الأعداد الدوارة المثالية. سميت الأعداد التي تحقق هذه الشروط أعداد اعتيادية régulier. وقد تأكد كومار من أن كل الأعداد الأولية الأصغر من 100 أعداد اعتيادية باستثناء 37،59،67. ومن ثم جاء حل معادلة فيرما من أجل القوى المساوية لأعداد إعتيادية. نشير إلى أنه تم التأكد من أن 61% من الأعداد الأولية الأصغر من 125000 أعداد اعتيادية.

والغريب أن كومار كان يعتبر نظرية فيرما "قضية فضول". أما "قوانين التبادل" التي ركز عليها أبحاثه فقد كانت تمثل بالنسبة إليه العمود الفقري لنظرية الأعداد. ومن الملفت للانتباه أن استغلال قوانين التبادل ونقل خواصها الحسابية إلى مجالات أخرى (مثل النظرية الجبرية للأعداد والمنطق ...) والاستفادة منها في حل مسائل مختلفة لازالت إلى اليوم محل نشاط وبحث كثيفين. ولذا فلا مبالغة في القول إن هذه النظريات لازالت تعيش تحت وطء تأثيرات المدرسة الألمانية في مجال نظرية الأعداد.

وفيما يخص نظرية فيرما فقد تواصل البحث فيها بعد كومار وتحصل الباحثون على الكثير من النتائج المختلفة. وهكذا برهن Vandiver عام 1930 على النظرية من أجل القوى الأصغر من 617 باستخدام طريقة كومار. كما تمكن إنكيري Inkeri من الحصول على نتيجة هامة انطلاقا من افتراض عدم صحة نظرية فيرما. وبفضل هذه لنتيجة استطاع الباحثون البرهان، عام 1991، على أنه إذا تحققت معادلة
فإن العدد س يتكون من 17مليون رقم على الأقل ؟وفي عام 1954استعمل ،
فيرما
الحاسوب فأثبت لاهمر Lehmer وباحثون آخرون صحة نظرية فيرما من أجل القوى الأصغر من 2500. وارتفع هذا العدد سنة 1976 ليصل إلى 125000 بفضل عمل واغستاف Wagstaff. وفي عام1985 برهن Granville. (وآخرون) على أن نظرية فيرما قائمة من أجل "كل القوى تقريبا ». ثم عاد واغستاف وتانر Tanner عام 1987، ليثبتا أن النظرية محققة من أجل القوى الأصغر من 150000. وارتفع هذا العدد إلى المليون عام 1991، ثم إلى 4 ملايين، وهذا اعتمادا على طريقة كومار.

ومن جهة أخرى، نشير إلى أن الألماني فالتينغ Faltings الحائز على ميدالية فيلدس، قد توصل عام 1983 إلى نتيجة تتعلق بعدد حلول معادلة فيرما المرتبطة بقواسم مشتركة. وقد سبق أن أشرنا إلى النتيجة التي أثبتها الفرنسي فوفري عام 1985. كما أن الأمريكي ريبت Ribet أثبت نظرية بالغة الأهمية عام 1986 تقول إن نظرية فيرما ليست سوى نتيجة من مخمنة شيمورا-تانياتا- وايلShimura -Tanyata-Weil التي وضعها هؤلاء الثلاثة في مطلع الستينات من هذا القرن. والواقع أن وجود علاقة بين المخمنة السابقة الذكر ونظرية فيرما كان معروفا منذ سنة 1970 بفضل عمل هليغوارشY.Hellegouarch (من جامعة برنسون الفرنسية)، لكن الجديد الذي ظهر سنة 1986 هو أنه يكفي إثبات مخمنة شيمورا-تانياتا-وايل للحصول على نظرية فيرما بصفة تلقائية ... ورغم ذلك لم يتوقف المهتمون (محترفون وهواة) عن مراسلة الهيئات العلمية والأكاديمية حتى خلال التسعينات لتقديم براهين واختصارات تصب كلها في موضوع نظرية فيرما. وللدلالة على اهتمام جمهور الرياضيين نذكر أن أحد الكتب حول هذه النظرية الصادر عام 1980 (وهو كتاب ريبنبويم Ribenboim الوارد في مراجع هذا العرض) قد قدم قائمة من المراجع تفوق 500 مرجع.



من وايلز...إلى وايلز:

في مطلع الستينيات ظهرت في عالم الرياضيات مخمنة عرفت بمخمنة شيمورا -تانياتا- وايل، وهي التي أشرنا إليها آنفا وسنرمز لها قصد الإختصار "مخمنة شيتاو". تضع هذه المخمنة علاقة بين المنحنيات الناقصةcourbes elliptiques و "الدوال المقياسية" fonctions modulaires تشبه العلاقة القائمة بين الدائرة والدوال الدائرية (المثلثية : الجيب وجيب التمام ). إلا أن العلاقة بين المنحنيات الناقصية والدوال المقياسية تتميز بطابعها الحسابي حيث من الضروري أن تكون المعاملات التي تعين معادلة المنحنيات الناقصية أعدادا صحيحة. هناك ثلاثة مفاهيم أساسية في مخمنة "شيتاو" هي : المنحنيات الناقصية والدوال المقياسية والتمثيلات الغلوازية (نسبة إلى الرياضي الفرنسي غلوا(Galois (1811-1832 وأهم ميزة في المنحنيات الناقصية هي أننا نستطيع تعريف عملية جمع لنقاطها. أما الدوال المقياسية فيمكن تشبيهها بالدوال المثلثية من حيث دوريتها ونشرها وفق متسلسلات قوى، وهي تتميز بسهولة معالجتها عندما يتعلق الأمر بالحسابات الصريحة.

يمكننا توضيح نوع العلاقة التي تربط مخمنة فيرما بمخمنة "شيتاو" كما يلي : هب أن حل لمعادلة فيرما أي أن حيث n أكبر من 2. يسمح ذلك بإنشاء المنحني الناقصي المعرف بالمعادلة:

إذا صدقت مخمنة "شيتاو" فسيكون بالإمكان وصل هذا المنحني بدالة مقياسية تتمتع بخواص معينة. لكن ريبت كان أثبت عام 1986 أن هذه الدالة لا وجود لها. يبين هذا التناقض صحة مخمنة فيرما. وهكذا اتضح أنه يكفي اثبات مخمنة « شيتاو » للبرهان على مخمنة فيرما. ومن المفارقات الرياضية أن ننتقل من مخمنة (هي مخمنة فيرما) بسيطة لكن برهانها مستحيل ظاهريا إلى مخمنة أخرى (هي مخمنة « شيتاو ») أقوى منها، وهو ما يدل على أن برهانها سيكون أصعب من الأولى ؟... ورغم ذلك نحاول البرهان على مخمنة "شيتاو" للحصول على مخمنة فيرما ؟ لكن المتأمل في تسلسل الأحداث سيدرك أن الباحثين كانوا يثقون أكثر في مخمنة "شيتاو" لإرتباطها بالعديد من النتائج الرياضية الأخرى ولتوفرها على أدوات قادرة على دفع دراستها إلى الأمام، وهذا خلافا لمخمنة فيرما.

لقد برز إسم أندريو وايلز، الباحث البريطاني العامل بجامعة برينستون Princeton الأمريكية، في يونيو 1993 عندما أعلن عن توصله إلى البرهان على مخمنة « شيتاو ». وكان هذا الإعلان حدثا رياضيا بارزا لأنه، كما أسلفنا، سيؤدي مباشرة -حسب عمل ريبت- إلى البرهان على مخمنة فيرما. وهكذا ألقى وايلز في ذلك التاريخ سلسلة من العروض في جامعة كبمريدج البريطانية تحت عنوان "المنحنيات الناقصية والدوال القياسية والتمثيلات الغلوازية" قدم خلالها الخطوط العريضة للبرهان الذي أعلن عنه. والجدير بالملاحظة أن هذا البرهان استخدم مجموعة ضخمة من النتائج والطرق الرياضية الحديثة توصل إليها عشرات الباحثين خلال العقود الثلاثة الأخيرة : لقد استند وايلز إلى أزيد من ستين مرجعا (بحوث وكتب) الكثير منها نشر بعد منتصف الثمانينيات.

ورغم كل هذا العناء فقد ظلت عدة نقاط في برهان وايلز غير واضحة المعالم بالنسبة للمتخصصين ولم يتمكنوا من تصديقها بالوجه الذي قدمت به. وقد اكتشف المختصون القلائل الذين خصهم وايلز بالنص الكامل لمخطوطه الأول، بعض الفجوات. وفي ديسمبر 1993 أعلن وايلز بالبريد الإلكتروني إلى الباحثين أن حساباته لم تصل بعد إلى منتهاها، وأنه يأمل في استكمالها عن قريب. وبعد ثمانية أشهر، ألقى وايلز محاضرة أثناء المؤتمر الدولي للرياضيين، الذي عقد بزوريخ (سويسرا) في أغسطس 1994، لمح فيها إلى أن انهاء البرهان سيأخذ من وقته بضع سنوات.

وبعد شهرين من هذا التلميح حدثت المفاجأة الكبرى : في أكتوبر 1994 نشر مقالان نشرا واسعا هذه المرة حيث لم يقتصر صاحبها بتوجيهها إلى بعض المختصين. وأول هذين المقالين هو لوايلز وجاء تحت العنوان التالي :
« Modular elliptic Curves and Fermat's Last Theorem» (المنحنيات الناقصية المقياسية ونظرية فيرما الأخيرة). ويتضمن هذا المقال الثاني فكتبه وايلز بمعية ريتشارد تايلر R. Taylor -أحد طلبة وايلز الذي أصبح أستاذا باحثا- وعنوناه :
« Ring Theoritical Properties of Certain Hecke Algebras » ( الخواص النظرية الحلقية لبعض جبور هيك). ويقدم هذا المقال بعض النتائج التقنية الضرورية لتتبع وفهم المقال الأول. وقد نال الآن هذان المقالان رضا جماعيا لجل الخبراء، ونشرا في عدد ماي 1995 من المجلة الأمريكية AnnalsofMathematics التي خصصت لهما العدد بأكمله.
ويقع مقال وايلز -الذي استلمته المجلة يوم 14اكتوبر 1994- في 108 صفحة ويحتوي على 84 مرجعا، صدر منها :
-21 مرجعا خلال التسعينيات،
- 33 مرجعا خلال الثمانينيات،
- 23 مرجعا خلال السبعينيات،
- 5 مراجع خلال الستينيات،
- مرجع واحد عام 1901،
- مرجع واحد لم يذكر تاريخه.
أما الثاني الذي اشترك فيه وايلز وتايلر فيقع في 19 صفحة ويضم 14 مرجعا البعض البعض منها موجود أيضا في قائمة مراجع المقال الأول. وكانت المجلة قد استلمته يوم 7 اكتوبر 1994، ثم أضيف له ملحق يشتمل على صفحات أستلم يوم 6 يناير 1995.
ويتميز برهان وايلز على مخمنة "شيتاو" بكونه لا يتعامل مع المنحنيات الناقصية والدوال المقياسية بشكل مباشر بل تعامل معها عبر كائنات أخرى مرفقة بها. ولسلوك هذا المسلك، كان على وايلز اجتياز عدة عقبات تقنية في غاية الصعوبة. ويمكن القول إن نص وايلز الأول استخدم نتائج جبرية تتعلق ببنية الكائنات التي أنشأها. وتتطلب منه ذلك انشاء عناصر هندسية جديدة. وفي هذه المرحلة من البرهان عثر الخبراء على بعض الفجوات. ورغم هذه الثغرات فإن برهان وايلز المقدم 1993 كان سليما لعدد ضخم من حالات مخمنة شيتاو. لكن هذه الحالات لم تكن تشمل، لسوء الحظ، على حالة مخمنة فيرما

وماذا بعد...وايلز:

إنه من الطبيعي أن يؤدي النجاح الباهر الذي حققه وايلز في البرهان على مخمنة فيرما إلى اقتراح طرق وكيفيات جديدة لدراسة العلاقات القائمة بين مختلف فروع الرياضيات المعاصرة (هندسة حسابية، نظرية الزمر وتمثيلاتها، الدوال الخاصة، ...). ومن المهم في هذا الإطار أن نذكر بأن فيرما لم يكن ينظر إلى مخمنته كنتيجة منعزلة بل كان يرمي من ورائها إلى إثبات قوة وفعالية طريقته "طريقة النزول اللانهائي » في حل المسائل الجبرية. ومن المعلوم أن مؤلف ديوفنتس كان متداولا في المكتبات خلال عصر النهضة الأوروبية وكان يعتبر حسب المؤرخة كاترين غولدشتين بمثابة "مصدر اختبار لفعالية الجبر الذي انطلق من أرض الإسلام ... وبدأ الرياضيون الغربيون آنذاك في استيعابه وتطويره". وفي ذلك الوقت كان التنافس على أشده بين الرياضيين لابتكار الطرق والرموز لدراسة المعادلات الجبرية.
ولا غرابة، بعد كل ما حصل بخصوص نظرية فيرما، أن يظل المختصون حذرين من البراهين المقدمة. فنحن نقرأ مثلا في عدد مجلة Matapli الفرنسية الصادرة في أكتوبر 1994 النص التالي لبرنارديBernardi : « ... ولسوء الحظ، يبدو أن وايلز قد استسلم سنة بعد الإعلان عن نتيجته، وعدل عن إنهاء عمله. لكن هناك من سيواصل المسيرة وقد يصل إلى إكمال البرهان خلال الأشهر المقبلة ». كما ورد العنوان التالي لقال في عدد ديسمبر 1994 من مجلة Focus :
Growing optimism that Fermat's last theorem has been solved at last
وهو يوحي بمدى تحفظ كاتبه حول الإعلان عن آخر ما توصل إليه الباحثون في موضوع نظرية فيرما. وبما أن البرهان على هذه النظرية، التي غذت خلال عدة قرون نظرية الأعداد، قد انتهى اليوم، فهل يجوز لنا القول إن هذه النظرية قد أفل نجمها ؟...
يقول المتفائلون بأننا لم نعثر بعد على برهان بسيط لنظرية فيرما يستخدم الرياضيات الأولية. كما يمكننا البحث عن عدة براهين من هذا القبيل. ويذكر هؤلاء بأن وايلز استخدم في النص النهائي أزيد من 80 مرجعا صدر ثلثاها بعد 1980، وهو ما يدل على أن البرهان الحالي استعمل أدوات حديثة لم تكن في متناول فيرما خلال القرن السابع عشر. ومن جهة أخرى، لاشك أن الرياضيين سيجدون مسائل تعمم نظرية فيرما مثل البحث عن حلول معادلة من الشكل حيث قوى طبيعية مختلفة ؟
لقد صدر في عدد الصيف 1995 في المجلة الأمريكية The Mathematical Intelligencer مقال لغاري مولن G.Mullen تحت عنوان A candidate for the « next Fermat Problem » (مترشح لمسألة فيرما الموالية) يقترح فيه المؤلف مخمنة جديدة لتحل محل مخمنة فيرما التي تم البرهان عليها. يقول مولن أن هناك من سبقوه في هذا المجال مثل دلفين K. Delvin (أنظر المراجع)، واقترحوا مسائل ضمنوها مخمنة غولدباخ Goldbach -التي وضعها عام 1742-لتعويض مخمنة فيرما (تنص مخمنة غولدباخ على أن كل عدد زوجي يكتب على شكل مجموع عددين أوليين). ثم يشير مولن إلى أنه يفضل العودة إلى الوراء ... إلى عهد أولر.

"... إن الهدف الوحيد للعلوم هو تشريف العقل البشري... ومن هذا المنظور فإن قضية الأعداد تعادل في قيمتها قضيةمعالجة نظام الكون"، ذلك ما كتبه الألماني جاكوبي إلى الفرنسي لوجندر منتقدا موقف الرياضي الفرنسي فوريي(Fourier (1788-1830 الذي كان يرى أن الهدف من الرياضيات هو المنفعة العامة وشرح الظواهر الطبيعية. لاشك أن جل الذين ساهموا من بعيد أو قريب في البرهان على نظرية فيرما يشاطرون جاكوبي رأيه ؟

المراجع

Ball W.R : A Short Account of the History of Mathematics, Dover, New York, 1960.
Bernardi D. : Comment le Théorème de Fermat ne fut pas tout à40, Octobre 1994. fait démontré, Matapli, n
Callandreau E. : Célèbre problèmes Mathématiques, Albin Michel, Paris, 1949.
Goldstein C.262 : Le Théorème de Fermat, La Recherche, n March 1994.
Goldstein C. : La Conjecture de Fermat est enfin un Théorème, 277, June 1995 La recherche , n
Got T. : Une énigme mathématique : Le dernier Théorème de Fermat, ln F. Le Lionnais : Les Grands courants de la pensée Mathématiques, Albert Blanchard, 1962.
Klee V., Wagon S.: Old and New Unsolved Problems, Math. Ass. of America, 1991.
Mullin G, The Next Fermat Problem . ; A Candidate for The Mathematical Intelligencer, 17(3), Summer 1995.
Rached R. : Rev Histoire des sciences; 31, 3,1979.
Ribenboim P. : 13 Lectures on Fermat's last Theorem, Springer Verlag, New York, 1980.
Smith D.E :History of mathematics, Dover, New York, 1958.
Taylor R., Wiles A. : Ring Theoritical Properties Of certain Hecke Algebras, Annals Of Mathematics, 141 (3), May 1995, pp: 572.-553
Wiles A. : Modular Elliptic Curves and Fermat's Last Theorem, Annals of Mathematics, 141 (3)