أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد،
فإن شباب الدعوة الإسلامية يختلفون فيما بينهم اختلافاً كثيراً في كيفية الدعوة إلى الله في الوقت الحاضر، وخاصة حول الوسائل الحديثة للدعوة، وكيفية الاستفادة منها، والدخول إليها، وتطويعها للإسلام ومن هذه الوسائل التي كثر حولها الاختلاف، الحزب السياسي، ومجالس التشريع، (البرلمانات، ومجالس الأمة..، الخ). والنقابات، والاتحادات، والتجمعات، والجامعات والمدارس والمعاهد، وكذلك يختلف الدعاة حول تولي المناصب القيادية في الدول الإسلامية المعاصرة، أو الدول الأجنبية الكافرة، وهل مثل هذا العمل مشروع أم لا، وهل هو طريق موصل إلى تحقيق أهداف الرسالة الإسلامية أم لا..
وقد رأيت من واجبي حسم هذا الخلاف بحول الله وقوته، وإزالة الشقاق في ذلك، وبيان الرأي فيه مع الحجة والدليل آملاً من الله سبحانه وتعالى وراغباً إليه أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه، وأن يجعل منه فاتحة خير على الأمة الإسلامية بأسرها، وأن يجعل منه منطلقاً لأبناء الأمة ودعاة الإسلام ليحققوا لأمتهم العز والنصر والتمكين، وأن يعملوا لإزالة سلطان الكافرين وتصدر المنافقين المبطلين، ليتولى أمور الأمة أهلها، وتعود الأمانة إلى أصحابها، والأمور إلى نصابها. تحقيقاً لقوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}.
وأرجو ألا يبخل إخواني علي بالنصح والتسديد، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، فلنعمل جميعاً على سد ثغور الإسلام، ورتق الفتق في ثوبه، وجمع صفوف أبنائه، والانطلاق نحو العمل الجاد، والجهاد بكل أنواعه وأساليبه حتى تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
عبد الرحمن عبد الخالق
الكويت في الثاني من ربيع الآخر سنة 1406هـ
الموافق 14 من ديسمبر سنة 1985م


ثانياً: لا تحريم لوسيلة إلا بنص أو استدلال شرعي صحيح:
يجب التفريق في الدين بين الحقيقة الثابتة، والوسائل المتغيرة، فعقائد الدين، وشرائعه، وعباداته، وأخلاقه، حقائق ثابتة لا يجوز فيها التغيير ولا التبديل، ولا الإضافة (البدعة) ولا الحذف.. الخ.
ولكن الوسائل تتغير فالقرآن مثلاً كلام الله حق ثابت محفوظ بحفظ الله وعنايته والمسلمون مأمورون بحفظه وصيانته من كل تحريف أو تغيير أو تبديل. ولكن وسائل نقل القرآن وتعهده، وحفظه ودراسته، وتدريسه متغير، فبعد أن كان صحائف متفرقة، وسوراً محفوظة في الصدور، جمع في عهد الراشدين في مصحف واحد، وبعد أن كان خطاً غير منقوط ولا مشكول، أُعجم وقُسم ووضعت له ضوابط كثيرة لتسهيل النطق به وتعلمه وحفظه. واستفاد المسلمون بعد ذلك من معطيات العصر، فطبع ثم سجل على أشرطة صوتية، ومرئية،.. الخ.
وهذا الباب يسمى بـ "المصالح المرسلة" وهو باب عظيم في "أصول الفقه" مفاده: أن كل أمر لم تأت الشريعة بإلغائه، أو بإيجابه، ورأينا فيه مصلحة ما جاز لنا فعله بشرطين:
(1) ألا يفوت ما هو أعظم منه مصلحة ونفعاً.
(2) ألا يؤدي إلى ضرر مماثل له أو أكبر منه.
وهذا الباب إذا استعملناه في مجال الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- والجهاد في سبيله وفق أصوله وشروطه فتح لنا أبواباً عظيمة في الدعوة، واستطعنا الاستفادة من معطيات العصر العظيمة، ووسائله المتقدمة كالصحف والإذاعة، والتلفاز، والجامعات، والمؤسسات، والجمعيات، والتجمعات، والأندية، والنقابات، والأحزاب.. الخ.
فهذه المؤسسات الجديدة والوسائل المستحدثة ليست شراً في ذاتها، ولم يأت نص شرعي بإلغائها، ولا جاءت نصوص كذلك بوجوب الأخذ بها، فهي إذن من باب "المصلحة المرسلة". ولا شك أن بعضها يندرج تحت نصوص عامة كقوله تعالى مثلاً: {وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة:2).