أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مع العلامة الوالد أحمد محمد شاكر 7
رأيه الصواب في حديث الآحاد
قال أحمد شاكر في تعليقه على الباعث الحثيث :
اختلفوا في الحديث الصحيح : هل يوجب العلم اليقيني ، أو الظني ؟
وهي مسألة دقيقة تحتاج إلى تحقيق .
أما الحديث المتواتر لفظاً أو معنى فإنه قطعي الثبوت ، لا خلاف في هذا بين أهل العلم ، وأما غيره من الصحيح ، فذهب بعضهم إلا أنه لا يفيد القطع ، بل هو ظني الثبوت ، وهو الذي رجحه النووي في التقريب ، وذهب غيرهم إلى أنه يفيد العلم اليقيني ، وهو مذهب داود الظاهري ، والحسين بن علي الكرابيسي ، والحارث بن أسد المحاسبي ، وحكاه ابن خُوير منداد عن مالك .
وهو الذي اختاره وذهب إليه ابن حزم ، وقال في الأحكام : ( وإن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل معاً ) .
ثم أطال في الاحتجاج له والرد على مخالفيه ، في بحث نفيس ( ج 1 : ص 119 - 127 ) .
واختار ابن الصلاح : أن ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما أو رواه أحدهما مقطوع بصحته ، والعلم اليقيني واقع به ، واستثنى من ذلك أحاديث قليلة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ ، كالدارقطني وغيره ، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن .
هكذا قال في كتابه علوم الحديث .
ونقل مثله العراقي في شرحه على ابن الصلاح عن الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي وأبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف ، ونقله البلقيني عن أبي إسحاق وأبي حامد الإسفرايينيين والقاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحاق الشيرازي من الشافعية ، وعن السرخسي من الحنفية ، وعن القاضي عبد الوهاب من المالكية ، وعن أبي يعلى وأبي الخطاب وابن الزاغوني من الحنابلة ، وعن أكثر أهل الكلام من الأشعرية ، وعن أهل الحديث قاطبة ، وهو الذي اختاره الحافظ ابن حجر والمؤلف .
والحق الذي ترجحه الأدلة الصحيحة ما ذهب إليه ابن حزم ومن قال بقوله ، من أن الحديث الصحيح يفيد العلم القطعي ، سواء أكان في أحد الصحيحين أم في غيرهما .
وهذا العلم اليقيني علم نظري برهاني ، لا يحصل إلا للعالم المتبحر في الحديث العارف بأحوال الرواة والعلل .
وأكاد أوقن أنه هو مذهب من نقل عنهم البلقيني ممن سبق ذكرهم ، وأنهم لم يريدوا بقولهم ما أراد ابن الصلاح من تخصيص أحاديث الصحيحين بذلك .
وهذا العلم اليقيني النظري يبدو ظاهراً لكل من تبحر في علم من العلوم ، وتيقنت نفسه بنظرياته ، واطمأن قلبه إليه .
ودع عنك تفريق المتكلمين في اصطلاحاتهم بين العلم والظن ، فإنما يريدون بهما معنى آخر غير ما نريد .
ومنه زعم الزاعمين أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ! إنكاراً لما يشعر به كل واحد من الناس من اليقين بالشيء ، ثم ازدياد هذا اليقين ، (( قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي )) .

أحمد شاكر 5
من روائع الوالد العلامة أحمد شاكر
نشرت جريدة البلاغ ، يوم الأحد 14 جمادى الأولى سنة 1371هـ /10فبراير1952م تلغرافاً في مدينة الفاتيكان : أن بابا رومة لن يُمثَّل في جنازة ملك الإنجليز جورج السادس ، على الرغم من أنه يشارك الأسرة المالكة في بريطانيا والشعب البريطاني الحداد ... إلخ . وقال التلغراف : ( وتفسير عدم اشتراك البابا بمندوب في الجنازة : أن الصلاة في الكنيسة ستُجرى حسب طقوس الكنيسة الإنجليكانية ، وهي طقوس لا يستطيع المندوب البابوي المشاركة فيها ) .
فهذا رجل مسيحي ، بل رأس المسيحية الغربية المعترف به في دول العالم قاطبة ، وملك الإنجليز الميت مسيحي أيضاً ، والكنيسة التي ستقام فيها جنازته مسيحية ، وطقوس الجنازة مسيحية ، ولكن الفارق بين الفريقين اختلاف المذهب ، لا اختلاف أصل الدين ، فهذا الرجل الذي يحرص على طقوس مذهبه ، يأبى أن يمثل رسمياً في كنيسة لها طقوس غير طقوسه ، ولا يستطيع مندوبه المشاركة فيها .
يفعل البابا هذا ، ويراه حقاً له ، ولا تستطيع رأس أن ترتفع لما صنع ، ولا يستطيع لسان أن يقول كلمة ، ولا يستطيع قلم أن يكتب حرفاً ، لا يستطيع أحد من أتباعه ، أو من غير أتباعه ، أن يرميه بالتعصب الديني بل بالتعصب المذهبي الفرعي .
أما نحن ، فإذا قلنا : إن شريعتنا تحرّم على كل مسلم أن يحضر صلاة غير صلاة المسلمين ، في بيعة أو كنيسة أو غيرهما ، ولو لم يشارك فيها ولم يعتقد منها شيئاً ، وأن من فعل هذا فقد ظهر بين المسلمين بمظهر الكفر والردّة . لا يقبل منه عذر بمجاملة سياسية ولا بنفاق اجتماعي ، ولا بأي عذر من الأعذار ، إذا قلنا شيئاً من هذا ثارت الدنيا ، وأخذتنا الأقلام ، والألسنة من كل جانب ، ونادوْا بالويل والثبور من تعصب المسلمين تعصباً دينياً ، ورمينا ببغض المسيحيين ، وببغض الأجانب ، وقال كلّ ما شاء . بل يقول ذلك وأكثر منه الكتّاب الكبار ، والمتعالمون العظماء ، الذين يرون أنهم أعرف الناس بحقائق الإسلام وشرائعه ، بما ارتضعوا من لبـان أوروبة ، وبما شربوا من نتاج المبشرين ، وبما ربُّوا في أحضان الخواجات !!