أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إلــــه إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد:
إن الله تعالى أمر هذه الأمة الإسلامية بالاجتماع والاتفاق ونهاهم عن الفرقة والاختلاف وقد جاء في الكتاب والسنة نصوص كثيرة على هذا المعنى قال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ))[آل عمران:102-103]

وحث سبحانه وتعالى أمته أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه كتفرق المشركين في دينهم قال تعالى: (({ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون }[ الروم:30-32].

وذكر سبحانه أنه برّأ رسوله عن مَن اختلف في الدين وكانو شيعاً فقال:((إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون))[الأنعام:159].
وهذه الآية الكريمة وان قال بها بعض الأئمة أنها نزلت في أهل الكتاب إلا أنها عامة في كل اختلاف يجعل الأمة أن تكون شيعاً واحزاباً كاختلاف أهل البدع والشهوات قال الإمام ابن كثير : والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه { وكانوا شيعا } أي: فرقا كأهل الملل والنحل -وهي الأهواء والضلالات -فالله قد برأ رسوله مما هم فيه. وهذه الآية كقوله تعالى: { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} الآية[الشورى :13] ، وفي الحديث: "نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، ديننا واحد".
فهذا هو الصراط المستقيم، وهو ما جاءت به الرسل، من عبادة الله وحده لا شريك له، والتمسك بشريعة الرسول المتأخر، وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء، الرسل برآء منها، كما قال: { لست منهم في شيء }. اهـ

ومن السنة ما أخرجه مسلم ( 1715 ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن الله يرضى لكم ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال )
وأخرج البخاري (3476)عن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رجلا قرأ وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية وقال كلاكما محسن ، ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا.

ومع هذا النهي الأكيد والوعيد الشديد فالأمة اختلفت اخلافاً شديداً في كثير من الأمور الديانة بل وحتى أنها استحلت دمها ومالها وعرضها وأول خلاف في مور الدين بين هذه الأمة هو خلاف الجوارج الدين كفروا الصحابة واستباحوا دماءهم وأموالهم في وقت الذي لم تبل ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكسر آنيته وبدأت البدع والفرق والاختلافات تترى كلما ذهبت واحدة استخلفت أختها .

وإن من نعم الله تعالى أن جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فعلماء السنة وحراس الشريعة كانوا يداً واحدا في جميع المواقف تجاه أهل البدع والافتراق والرد عليهم والحفاظ على عقيدة الأمة وكيانها وكانوا يعذرون فيما بينهم في المسائل المختلفة السائغ خلافها سواء كانت من المسائل العلمية والعملية أو المسائل الأصولية والفرعية فأئمة السلف اختلفوا في كثير من المسائل الفقهية والعقدية أما السائل الفقهية فحدث ولا حرج فجميع الكتب الفقهية طافحة بذكر المذاهب أوقوالهم ما بين مؤيد مستدل ومخالف منكر ،

وكان هذا الاختلاف المذهبي في أول الأمر وفي عصور السلف الصالح محفوفًا بالأدب والأخوة واتباع الحق لمن بان له من غير محابات لأحد أو شخص مهما كان علمه وفضله ودون نظر إلى مخالته لمذهبه الفقهي بل الحكمة كانت ضالته يدور معها حيث دارت لأن اختلافهم كان مبنياً على الدليل والاستدلال من حيث ظهوره للشخص وخفائه للآخر فلا يقدِّمون قولَ أحد من الأئمة الكتابَ والسنة ، وليست الأقوال عندهم حاكمة على الشريعة بل كانوا يستأنسون أقوال العلماء لفهم الكتاب والسنة حسب فضلهم وفقههم دون تقليد أو تعصب وما أحسن مما نقل عن أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه ( ما جاء عن الله تعالى فعلى الرأس والعينين ، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعا وطاعة ، وما جاء عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ تخيرنا من أقوالهم ، ولم نخرج عنهم ، وما جاء من التابعين فهم رجال ونحن رجال)[الإحكام لابن حزم4/573].

وقال الإمام ابن عبد البرّ في جامع العلم:أن اختلاف العلماء من الصحابة ومن بعدهم من الأئمة رحمة واسعة، وجائز لمن نظر في اختلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ بقول من شاء منهم, وكذلك الناظر في أقاويل غيرهم من الأئمة ما لم يعلم أنه خطأ، فإذا بان له أنه خطأ لخلافه نص الكتاب أو نص السنة أو إجماع العلماء لم يسعه اتباعه... اهــ

وقد أكثر أهل العلم من أئمة المتبوعين وغيرهم في الأمر بالاتباع والتحذير من التقليد وذمه قال الإمام أحمد" لا تقلدني ، ولا تقلد مالكاً ، ولا الشافعي ، ولا الأوزاعي ، ولا الثوري ،
وخذ من حيث أخذوا "اعلام الموقعين (2/201).

وقال كما في جامع العلم لابن عبد البرّ: رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار.اهــ

ولم يكن في عهد السلف رضي الله عنهم شيء من هذا التنابز والتباغض والتعصب للمذاهب المتبوعة فأئمة الفقه والحديث رحمهم الله لم يكوا يقلدون أحدًا ولم يوجد من الأئمة من يقول أنا على مذهب الفلاني وربما لاحظ الإمام أحمد من العوام وقليلي العلم من يتعصب لمالك أو الشافعي أو الثوري .

قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى ج20/ص40):أما البخاري ؛ وأبو داود فإمامان في الفقه من أهل الاجتهاد . وأما مسلم ؛ والترمذي ؛ والنسائي ؛ وابن ماجه ؛ وابن خزيمة ؛ وأبو يعلى ؛ والبزار ؛ ونحوهم ؛ فهم على مذهب أهل الحديث ليسوا مقلدين لواحد بعينه من العلماء.. اهــ

والتعصب للآراء البشرية هو الذي جعل الأمة المسلمة إلى تيارات وأحزاب متناحرة كل حزب بما لديهم فرحون فرفعوا أقواماً لأجلها وأن كانوا من أجهل الناس علمًا وعقلًا ووضعوا به أقوامًا آخرين وإن كانوا من أحسن الناس علمًا وعقلًا وورعًا وجعل بعضهم أقوال أئمتهم مثل النصِّ الذي لا يسع خلافه !!

قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى:19/227): وكثير من الفقهاء المتأخرين أو أكثرهم يقولون : إنهم عاجزون عن تلقي جميع الأحكام الشرعية من جهة الرسول فيجعلون نصوص أئمتهم بمنزلة نص الرسول ويقلدونهم .اهـ

وكثير من هؤلاء كما قال الشوكاني رحمه الله في "تفسيره"«.. استبدلوا آراء الرجال بالكتاب والسنة ، ولم يبق في أيديهم سوى قال إمام مذهبنا كذا ، وقال فلان من أتباعه بكذا ، وإذا سمعوا من يستدل على تلك المسألة بآية قرآنية ، أو بحديث نبوي سخروا منه ، ولم يرفعوا إلى ما قاله رأسا ، ولا بالوا به بالة ، وظنوا أنه قد جاء بأمر فظيع ، وخطب شنيع ، وخالف مذهب إمامهم الذي نزلوه منزلة معلم الشرائع ، بل بالغوا في ذلك حتى جعلوا رأيه العايل ، واجتهاده الذي هو عن منهج الحق مائل ، مقدما على الله ، وعلى كتابه ، وعلى رسوله ، فإنا لله ، وإنا إليه راجعون ، ما صنعت هذه المذاهب بأهلها ، والأئمة الذين انتسب هؤلاء المقلدة إليهم برآء من فعلهم ، فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم بالنهي عن تقليدهم ، كما أوضحنا ذلك في رسالتنا المسماة ب « القول المفيد في حكم التقليد » وفي مؤلفنا المسمى ب « أدب الطلب ، ومنتهى الأرب » اللهم انفعنا بما علمتنا ، واجعلنا من المقتدين بالكتاب والسنة وباعد بيننا وبين آراء الرجال المبنية على شفا جرف هار ، يا مجيب السائلين . »اهــ

بل وآل الأمر عند بعضهم البوح بتكفير الخارج عن مذاهبهم المتبوعة حتى وإن كان المخالف موافقًا لنصٍ صريح من الكتاب والسنة قال الصاوي شارح الجلالين : ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة ، ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية ، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل ، وربما أداه ذلك للكفر ; لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر. اهـ نقل عنه الإمام الشنقيطي رحمه الله ورده رداً علميًا رصينًا في أضواء البيان (7/265تفسير قوله تعالى ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)).

ولا أدل على قول هذا الجاني المتهور ما وصف الله به المشركين أنهم{ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ءاباءنا } الآية [ المائدة : 104 ]

هكذا يفعل التقليد بأصحابة أن يكون أخذ الشريعة والتمسك بها كفراً وإشراكًا بالله ثم فيجعل الطاعة والانقياد في التحريم والتحليل لغير الله تعالى وهذا عين الاشراك بالله والمرودة من الدين لو كانوا يعلمون لكن كما قال ابن القيم في"زاد المعاد":« المقلد المتعصب لا يترك من قلده ولو جاءته كل آية وأن طالب الدليل لا يأتم بسواه ولا يحكم إلا إياه ولكل من الناس مورد لا يتعداه وسبيل لا يتخطاه ».
ولقد ذم الله في القرآن على متبعي التقليد وآراء الرجال والقوانين البشرية المخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى والفرقان
.

قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى ج19ص261):قد ذم الله تعالى في القرآن من عدل عن اتباع الرسل إلى ما نشأ عليه من دين آبائه وهذا هو التقليد الذي حرمه الله ورسوله وهو : أن يتبع غير الرسول فيما خالف فيه الرسول وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد ؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق والرسول طاعته فرض على كل أحد من الخاصة والعامة في كل وقت وكل مكان ؛ في سره وعلانيته وفي جميع أحواله . وهذا من الإيمان قال الله تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }
وقال : { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا}
وقال : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وقال : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } .. اهـ

وقال (مجموع الفتاوى:10/27):فليس لأحد إذا أمره الرسول بأمر أن ينظر هل أمر الله به أم لا بخلاف أولي الأمر فإنهم قد يأمرون بمعصية الله فليس كل من أطاعهم مطيعا لله بل لا بد فيما يأمرون به أن يعلم أنه ليس معصية لله وينظر هل أمر الله به أم لا سواء كان أولي الأمر من العلماء أو الأمراء ويدخل في هذا تقليد العلماء وطاعة أمراء السرايا وغير ذلك وبهذا يكون الدين كله لله ... ثم إن كثيرا من الناس يحب خليفة أو عالما أو شيخا أو أميرا فيجعله ندا لله وإن كان قد يقول : إنه يحبه لله . فمن جعل غير الرسول تجب طاعته في كل ما يأمر به وينهى عنه وإن خالف أمر الله ورسوله فقد جعله ندا.. اهـ

ومن المؤسف جداً أن كثيرًا من المقلدة يجعل من يعمل بالكتاب والسنة ويختار من أقول العلماء حسب ما يراه أنه هو الصواب الموفق لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم دون نظر إلى قائل هذا القول مذبذبًا ليس له قدم ولا ساق وهؤلاء أقلّ تقديرهم أنهم جهال أغبياء .

قال شيخ الإسلام (مجوع الفتاوى ج22/248-249): وإذا كان الرجل متبعا لأبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد : ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى فاتبعه كان قد أحسن في ذلك ولم يقدح ذلك في دينه . ولا عدالته بلا نزاع ؛ بل هذا أولى بالحق وأحب إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ممن يتعصب لواحد معين غير النبي صلى الله عليه وسلم كمن يتعصب لمالك أو الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة ويرى أن قول هذا المعين هو الصواب الذي ينبغي اتباعه دون قول الإمام الذي خالفه .

فمن فعل هذا كان جاهلا ضالا ؛ بل قد يكون كافرا ؛ فإنه متى اعتقد أنه يجب على الناس اتباع واحد بعينه من هؤلاء الأئمة دون الإمام الآخر فإنه يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل . بل غاية ما يقال : إنه يسوغ أو ينبغي أو يجب على العامي أن يقلد واحدا لا بعينه من غير تعيين زيد ولا عمرو . وأما أن يقول قائل : إنه يجب على العامة تقليد فلان أو فلان فهذا لا يقوله مسلم . ومن كان مواليا للأئمة محبا لهم يقلد كل واحد منهم فيما يظهر له أنه موافق للسنة فهو محسن في ذلك . بل هذا أحسن حالا من غيره ولا يقال لمثل هذا مذبذب على وجه الذم . وإنما المذبذب المذموم الذي لا يكون مع المؤمنين ولا مع الكفار بل يأتي المؤمنين بوجه ويأتي الكافرين بوجه قال تعالى في حق المنافقين : { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس } إلى قوله : { ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين : تعير إلى هؤلاء مرة وإلى هؤلاء مرة } . فهؤلاء المنافقون المذبذبون هم الذين ذمهم الله ورسوله.. اهـ

ومن ضلال المقلدين جرأتهم على الرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وضعوا عليه ما لم يقله من الأحاديث الباطلة أو ليّهم النصوص الثابتة وحملها على غير مرادها مما يسوّغون للناس اتباع متبوعهم أو أحقيّته في المسألة المتناوع فيها أو فضله على غيره من الأئمة كاستدلال الشافعية لحديث ((الناس تبع لقريش(رواه البخاري)) وغيره على فضل الشافعي من غيره .
قال القاضي عياض: استدل الشافعية بهذا الحديث على إمامة الشافعي وتقديمه على غيره ولا حجة فيه لأن المراد به هنا الخلفاء وقال القرطبي صحبت المستدل بهذا غفلة مقارنة لصميم التقليد.. اهـ الفتح (ج6ص530).


ولفظ القرطبي في المهفم () بعد أن رد على من تأول الحديث لفضل الشافعي:فدل هذا كله على أن المستدل بذلك الحديث على تقديم مذهب الشافعي صحبته غفلة قارنها من تصميم التقليد طيشة اهــ

وفي الحين الذي يستدل هؤلاء النصوص بتفضيل الشافعي عن غيره فقد غلا في التّنقص عليه آخرون حتى قالوا ليس له حديث استنبط فيه حكمًا ولا مسألة اجتهد فيها قال الحافظ في ترجمة مسعود بن سنة بن الحسن السندي عماد الدين الحنفي: مجهول لا يعرف عن من أخذ العلم ولا من أخذ عنه له مختصر سماه التعليم كذب فيه على مالك وعلى الشافعي كذبا قبيحا فيه أردت وقال لا يعرف للشافعي مسألة اجتهد فيها ولا حادثة استنبط فيها حكمها غير مسائل معدودة تفرد بها كذا قال!! اهـ لسان الميزان(6/26).

ومن افتراءتهم ما روي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن في امتي رجلا" اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة هو سراج أمتي هو سراج أمتي هو سراج أمتي )).
قال الكوثري: استوفى طرقه البدر العيني في ( تاريخه الكبير ) !! وقال:(( .... فهذا الحديث كما ترى قد روى بطرق مختلفة ومتون متبتينة ورواه متعددة عن النبي عليه الصلاة والسلام فهذا يدل على أنه له أصلا" ، وإن كان بعض المحدثين بل أكثرهم ينكرونه وبعضهم يدعون أنه موضوع وربما كان هذا من اثر التعصب ، ورواة الحديث أكثرهم علماء وهم من خير الأمم فلا يليق بحالهم الاختلاق على النبي عليه الصلاة والسلام متعمدا" )) نقله المعلمي في التنكيل (2/163-164) ورده ردًا علميًا.

وممن تعصب لمذهبه ودعا الناس إليه الشيخ أبو اسماعيل الأنصاري رحمه الله فقد وصى للناس أن يتحنبلوا قال:
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت * فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
كذا قال:رحمه الله رحمة واسعة وكنا نحب له أن لا يدعو الناس غير الكتاب والسنة ورأيت من تأول قوله بانه لا يعني التعصب لمذهبه الفقهي الحنبلي وإنما العقدي فإن كثيراً من أهل البدع يلقبون أهل السنة بـــ الحنابلة وليس بشيء لأن العقيدة السلفية السليمة ليست محصورة على الحنابلة ولا على الحنبلي نفسه رحمه الله بل هي عقيدة إلـــهية نبويّة فلا يجوز لأحد أن يجعلها حكراً على قوم أو عرق أو إقليم .


فإن كان الإمام أحمد –رحمه الله- له فضله وجهده أيام المحنة أليس الصدِّيق أحقّ منه في أيام الردة .
ومهما يكن من أمرٍ فإن الضرر ليس قاصراً على المقلدة وحدهم بل قد يكون له خلفيات أخرى قد تؤثر الأئمة المتبوعين نفسهم فليسوا أحسن من نبي الله عيسى عليه السلام وقد حكى الله في القرآن أنه يقول له:(( .. يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ))[ المائدة :116].

ولذا قد يفضل بعض العلماءِ الأئمةَ الذين انقرض مذاهبهم عن من انتشرت مذاهبهم قال الإمام المعلمي رحمه الله رداً على الكوثري المقلد الكالك حيث قال:((لو كان هذا الخبر ثبت عن الثوري والأوزاعي لسقطا بتلك الكلمة وحدها في هوة الهوى والمجازفة كما سقط مذهباهما بعدهما سقوطا لا نهوض لهما أمام الفقه الناضج..))
قال المعلمي : فأما سقوط مذهبيهما ، فخيرة اختارها الله تبارك وتعالى لهما ، فان المجتهد قد يخطئ خطأ لا يخلو عن تقصير ، وقد يقصر في اتباعه عن تقليده هذا التقليد الذي نرى عليه كثيراً من الناس منذ زمان طويل ، الذي يتعسر أو يتعذر الفرق بينه وبين اتخاذ الإجبار والرهبان أرباباً من دون الله ، فقد يلحق المجتهد كفل من تلك التبعات ، فسلم الله تعالى الثوري والأوازعي من ذلك ، فأما ما يرجى من الأجر على التباع في الحق فلهما من ذلك النصيب الأوفر بما نشراه من السند علماً وعملاً.. اهـ

يتبع إن شياء الله
وبالله التوفيق
كتبه/ أخوكم محمد أحمد على المدني

محب الحجة والدليل ومبغض البدع والتقليد