فتاوى ابن باز

الكبائر تؤثر في إسلام العبد

س: ما حكم ارتكاب بعض المعاصي لا سيما الكبائر؟ وهل يؤثر ذلك في تمسك العبد بالإِسلام؟
جـ: نعم يؤثر ذلك، فإن ارتكاب الكبائر كالزنا وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق وأكل الربا والغيبة والنميمة وغير ذلك من المعاصي يؤثر في توحيد الله والإِيمان به ويضعفه، ولكن لا يكفر المسلم بشيء من ذلك ما لم يستحله خلافا للخوارج ، فإنهم يكفرون المسلم بفعل المعصية كالزنا والسرقة وعقوق الوالدين وغير ذلك من كبائر الذنوب ولو لم يستحلها، وهذا غلط عظيم من الخوارج ، فأهل السنة والجماعة لا يكفرونه بذلك ولا يخلدونه في النار، ولكنهم يقولون: هو ناقص الإِيمان والتوحيد، لكن لا يكفر كفرا أكبر بل يكون في إيمانه نقص وضعف؛ ولهذا شرع الله في حق الزاني الحد بالجلد إذا كان بكرا يجلد مائة جلدة ويغرب عاما. وهكذا شارب المسكر يجلد ولا يقتل. وهكذا السارق تقطع يده ولا يقتل. فلو كان الزنا وشرب المسكر والسرقة توجب الكفر الأكبر لقتلوا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه رواه الإِمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه .
فدل ذلك على أن هذه المعاصي ليست ردة، ولكنها تضعف الإِيمان وتنقصه، فلهذا شرع الله تأديبهم بهذه الحدود؛ ليتوبوا ويرجعوا إلى ربهم، ويرتدعوا عما حرم عليهم ربهم سبحانه. وقالت المعتزلة أن العاصي في منزلة بين منزلتين ولكنه
(الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 339)
يخلد في النار إذا مات عليها، فخالفوا أهل السنة ووافقوا الخوارج في ذلك، وكلتا الطائفئين قد ضلت عن السبيل.
والصواب هو القول الأول، وهو قول أهل السنة والجماعة، وهو أنه يكون عاصيا ضعيف الإِيمان، وعلى خطر عظيم من غضب الله وعقابه، ولكنه ليس بكافر الكفر الأكبر الذي هو الردة عن الإِسلام، ولا يخلد في النار أيضا خلود الكفار إذا مات على شيء منها، بل يكون تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها، ثم يخرجه من النار ولا يخلد فيها أبد الآباد إلا الكفار، ثم بعد مضي ما حكم الله عليه من العذاب يخرجه الله من النار إلى الجنة، وهذا قول أهل الحق، وهذا هو الذي تواترت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافا للخوارج والمعتزلة ، والله يقول: ، فعلق سبحانه ما دون الشرك على مشيئته عز وجل.
أما من مات على الشرك الأكبر فإنه يخلد في النار والجنة عليه حرام، لقول الله سبحانه: ، وقال سبحانه: ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
أما العاصي إذا دخل النار فيبقى فيها إلى ما يشاء الله، ولا يخلد خلود الكفار، ولكن قد تطول مدته، ويكون هذا خلودا خاصا مؤقتا ليس مثل خلود الكفار، كما قال سبحانه في آية الفرقان لما ذكر المشرك والقاتل والزاني
(الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 340)
قال سبحانه: (68) ، فهو خلود مؤقت له نهاية. أما المشرك فخلوده دائم أبد الآباد، ولهذا قال عز وجل في حق المشركين في سورة البقرة : ، وقال سبحانه في سورة المائدة في حق الكفرة: .