بسم الله الرحمن الرحيم



خطبة استسقاء

[ يا معشر الشباب ]

الحمد لله الغني الحميد ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ،وينشر رحمته وهو الولي الحميد ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه رحمة للمؤمنين ولجميع العالمين ،وحجة على الخلائق أجمعين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما ، أما بعد أيها الشباب

اتقوا الله تعالى وأطيعوه (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ))

وهو مع غناه عنكم أمركم بدعائه ليستجيب لكم وسؤاله ليعطيكم، واستغفاره ليغفر لكم ، وأنتم مع فقركم وحاجتكم إليه تعرضون عنه وتعصونه ، وأنتم تعلمون أن معصيته تسبب غضبه عليكم، وعقوبته لكم

واعلموا أيها الأخوة الشباب .. أن معصيتنا وطاعتنا لا تضره سبحانه شيء ، وإنما تضرنا في دنيانا وآخرنا ، فاتقوا الله سبحانه وأطيعوه .

معاشر الشباب : إننا اليوم بحاجة إلى نزول الغيث ونشكوا إلى الله فيما نحن فيه من احتباس المطر ، فوالله ما هذا إلى بذنوبنا (( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ))

ياشباب : إن من آثار الذنوب والمعاصي العظيمة على القلوب والأرواح والأبدان وهي كما ذكرها ابن القيم على وجه البيان للحصر ، أربعة وسبعون لا يخطي المذنب واحدة منها ،فإذا علم المسلم هذه المصائب الذي تحل بسبب الذنب الذي يرتكبه أعانه ذلك على حفظ نفسه ،واجتناب المعصية ، نسأل الله للجميع الهداية .

فاستغفروا الله وتوبوا إليه معاشر المسلمين واحذروا غضبه ولا تعصوه .

أيها الشباب : لقد خرج المسلمون من بيوتهم ليطلبوا من الله الرحمة ونزول الغيث وشاركناهم في مصلانا هذا هذا الخروج ، سائلين الله أن يغيث البلاد والعباد .

نعم أيها الإخوة في الله : أتعجبون من عدم نزول المطر ؟ وبعض المسلمين لا يشهد منهم صلاة الفجر إلا عدداً يسيرا ،ونزر قليلاً ، وبقيتهم يتقلبون في فرشهم غافلين ، عن دعاة الفلاح ، وأصوات المآذن لا يجيبون داعي الله ، أفيهم مرض ، أفيهم مصيبة ، ألا يخافون أن يهلكهم الله بإعراضهم عن ندائه ، ولقد هجر بعض المسلمين الصلاة مع الجماعة وبذلك عطلوا بيوت الله .

معاشر الشباب : أتعجبون من احتباس المطر وعدم نزوله وبعض الشباب يعكفون على المعاصي ويغفلون عن ذكر الله حتى أنه لم يعد يذكر الله منهم إلا عددا قليلا ...

معاشر الشباب : ألا تشاهدون قطيعة للأرحام ، ألا ترون وتسمعون عن عقوق للوالدين ، ألا ترون سباب وفسوق وشتائم ، ألا ترون قلة ذكر الله ، آلا ترون أعراض عن طاعة الله ، أتعجبون من تأخر الغيث وقد تساهل كثير من الناس في معالماتهم المالية فلا يبالون أمن حلال أمن حرام يكسبون .

معاشر الشباب : كيف تعجبون بتأخر المطر، وقد انتهك كثير من المسلمين المحرمات، وتساهلوا بالزنا والمسكرات ، وسافر كثير من شباب المسلمين إلى الخارج ووقعوا في المعاصي والفجور والبليات ، كثير من الشباب انتكسة فطرتهم إلى الفتيان ، فاحشة اللواط فلا إله إلا الله ما أعظمها من فاجعة،ولا إله إلا الله ما أشدها من مصيبة تمسك وجدان المجتمع وضميره وتهزه هزاً عنيفاً عل نائمي القوم أن يستيقظوا !

أمة الطهر والعفاف إن فاحشة اللواط فاحشة يضيق بها الفضاء ، وتعج لها السماء ، ويحل بها البلاء ،ذنب تموت به الفضيلة، وتحيا به الرذيلة،وضع مقلوب، وعمل مسبوب،وشرف مسلوب،وفاعل ملعون ومفعول به عليه مغضوب،خلق فاسد وكرامة معدومة،
وزهري، وآيدز وسيلان، وجرب ذو ألوان،وقذر وانتان، ووساخة دونها كل وساخة.فاحشة اللواط ينحط فاعلها عن درجة البهائم ،فما رؤي ذكر من البهائم ينزو على ذكر، فكيف يفعلها من كرمه الله بالعقل من بني آدم؟

جريمة اللواط مخالفة لمقتضى الفطرة والطبيعة فضلاً عن مخالفتها لمقتضى الدين والشريعة؛سنها مجرموا قوم لوط عليهم من الله ما يستحقون:{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ()إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ }

قال عمر بن دينار : (ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط) ، وقال الوليد بن عبد الملك: (لولا أن الله عزوجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكراً يعلو ذكراً ) ، ولما قلب قوم لوط فطرة الله التي فطر الناس عليها قلب الجبار عليهم ديارهم فجعل عاليها سافلها يصف لنا ذلك جبار السموات والأرض بقوله: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ()مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ()}( ).
هذه الفاحشة القذرة كان يخاف عليكم منها رسولكم يا خير أمة أخرجت للناس فعند الترمذي وغيره من حديث جابر : ((إِ نَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ )) .وقد لعن المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه من فعل هذه الفعلة المقيتة ثلاث لعنات متواليات حيث قال : [COLOR="rgb(160, 82, 45)"]((..وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ))[/color] . وخرج الطبراني من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه : [COLOR="rgb(160, 82, 45)"]((..وإذا كثر اللوطية رفع الله يده عن الخلق فلا يبالي في أي واد هلكوا)) [/color]

عباد الله : أتعجبون من تأخر نزول الغيث وكثير من المسلمين لا يخشون الله ولا يراقبونه في مكسبهم ، وأكلوا بعض المال بالباطل ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وقال تعالى : (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ))


أتعجبون يا عباد الله .. بعدم نزول المطر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يضنه بعضهم موقوف على عدد من رجال الحسبة ، والرسول r يقول " من رأي منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " بعض المسلمين يرى المنكرات ويرى المعصية التي يعصى بها الله جهاراً نهاراً وكأنه لم يرى شيء من المعاصي والمنكرات ، أين تغير القلوب ؟ أين فوران الدماء ؟ أين الحمية للدين ؟ أين الشيمة والغيرة والآباء ؟ أين ضاعت هذه المعاني ؟ أين ضاعت تلك الأمور ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله
فالحذر الحذر يا شباب من الذنوب وإنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يرفع إلا بتوبة ،ولو لم يغير العباد على أنفسهم فما غير الله عليهم، (( إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ))

واعلموا أن شؤم الذنوب عظيم وبلاء الذنوب إذا ظهرت على الأمة عميم ، إن الأبوين آدم وحواء أخرجا من الجنة بسبب ذنب واحد ، فما تنتظرون وقد ارتكبنا ألواناً وأصنافاً وأشكالاً من الذنوب ، حتى أن الكثير من الشباب وغيرهم هداهم الله لا يلتفتون إلى إقامة هذه الشعيرة (صلاة الاستسقاء ) عندما تقام لطلب الغيث من الله جل جلاله ،ويتهاونون بها ويتخلفون عنها ، فما السبب يا ترى ؟؟

قد يظن البعض أن المياه موجودة في منازلهم ، في علوها وأسفلها، والماء متيسر على كل حالة ، فلا يشعر بمزيد حاجة إلى نزول القطر من السماء ، وأن المياه تصله باستمرار في بيته بكل يسر وسهولة بحمد الله ومنته ، ولكن هل يعني هذا أن ننشغل أو نلتفت عن صلاة الاستسقاء ؟؟ هل استغنى البعض عن رحمة ربه ؟؟ إن أولئك الذين يظنون أن المياه متوفرة في كل لحظة،ومن ثم لا يشعرون بمسيس الحاجة،ومدى الحاجة إلى الغيث من السماء ، قد يتجاهلون قول الله جلا وعلا ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ) والله لو غارت المياه لعجزت قوى الجن والإنس ، قوى البشرية بآلاتها ومخترعاتها ومحطاتها، أن تجذب ولو قطرة واحدة من باطن الأرض ، لأن الله جل وعلا هو الذي خلق هذا الماء ،وهو الذي أنزله، وهو القادر على أن يجعله جماداً لا يخرج عبر هذه الأنابيب ، وهو القادر على أن يجعله صلباً لا يسيل فيها، وهو القادر على أن يحبسه عن العباد، ليعرفوا مدى ضعفهم وليدركوا حقيقة ذلهم وفقرهم إلى خالقهم ،( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ )

يا شباب : وها أنتم قد حضرتم إلى هذا المصلى بين يدي ربكم تشكون جدب دياركم وتبسطون إليه حاجتكم ، وذلكم الجدب ، وتلكم الحاجة من ربكم لتقبلوا عليه وتقتربوا بصالح العمل لديه ، فتقربوا إلى ربكم بالدعاء وتذللوا بين يديه ، واستكينوا إلى ربكم وارفعوا أكف الضراعة إليه ، وابتهلوا وادعوا واستغفروا فقد أمرنا سبحانه بالدعاء ووعد بالاستجابة ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )
{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ }

ونبيكم محمد صل الله عليه وسلم يقول " من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب "


اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا بلاء ولا غرق ، اللهم إنا خرجنا إليك من تحت البيوت والدور وبعد انقطاع البهائم وجدب المراعي راغبين في رحمتك وراجين فضل نعمتك ، اللهم قد إن صاحت جبالنا، واغبرت أرضنا ،اللهم فارحم آنين الآنة، وحنين الحانة ، اللهم فاسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لا تهلكنا بالسنين ، اللهم إنا خرجنا إليك حين اعتكرت علينا مواقع القطر واخلفتنا مخائل الجود فكنت الرجاء للمبتئس ،والمجيب للملتبس ، اللهم انشر علينا رحمتك ، اللهم أنشر علينا رحمتك بالسحاب ، سحاً وابلاً غدقاً مُغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً مجللاً نافعاً غير ضار ، اللهم لتحيي به ما قد مات ،وترد به ما قد فات ،وتنعش به الضعيف من عبادك ،وتحي به الميت من بلادك ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ )

نستغفر الله .. نستغفر الله .. نستغفر الله ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء علينا مدراراً وأمددنا بأموال وبنين وجعل لنا جناتٍ وجعل لنا أنهاراً برحمتك يا ارحم الراحمين
ألا فاعلموا يا عباد الله .. أنه يُسن في مثل هذا الموطن أن تقلبوا أرديئكم اقتداء بفعل نبيكم صل الله عليه وسلم ، فقد حول إلى الناس ظهره ،وأستقبل القبلة يدعو ، ثم حول رداءه ،تفاؤلاً بتحويل الحال عما هي عليه من الشدة إلى الرخاء ونزول الغيث ، وادعوا ربكم وأنتم موقنون بالإجابة ، وأكثروا من الصلاة والسلام على صاحب الحوض والشفاعة ، فالدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يصلى على النبي صل الله عليه وسلم كما جاء في الأثر .

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين .