أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم


" المسلم كالنخلة "


"عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « إنّ من الشجرِ شجرةً لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ ». فوقع الناس في شجر البوادي. قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا :حدثنا ما هي يا رسول الله فقال: « هي النخلة ».قال فذكرت ذلك لعمر قال: لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلى من كذا وكذا" (متفق عليه).


مما يستفاد من الحديث:

1.فيه أسلوب من أساليب التعليم وهو إلقاء المسائل واختبار الطلبة: قال ابن القيم رحمه الله: "ففي هذا الحديث إلقاء العالم المسائل على أصحابه وتمرينهم واختبار ما عندهم" زاد المعاد 4/364.


2.حرص الصحابة رضوان الله عليهم على الجلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم، والاستفادة منه، وأن على المسلم أن يحرص على الجلوس مع ورثة الأنبياء من أهل العلم والفضل، والنهل من علمهم، وقد بوّب الإمام مسلم في صحيحه بـ:" باب فضل مجالس الذكر" وذكر حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فُضْلاً يتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم) وقال الإمام النووي رحمه الله: "وفي هذا الحديث فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه، والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم، وفضل مجالسة الصالحين وبركتهم".



3.أن العلم لا يُعرف بالعمر، فربّما يفتح الله على الصغير، بينما لا يفتح على غيره ولو كَبُر سنّه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم قال السبكي رحمه الله في فتاويه: "والعلم صعب لا يُنال بالهُوينا، وليست كل الطباع تقبله؛ بل من الناس من يشتغل عمره، ولا ينال منه شيئاً، ومن الناس من يفتح عليه في مدة يسيرة، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء" 1/449.



4.أن الإنسان يجتهد قدر الإمكان في التفكير والبحث في المسائل العلمية، وألا يكون حضوره في الدروس، مجرد حضور بدن، بل لابد من حضور البدن والعقل معاً.


5.كمال احترام الصحابة بعضهم لبعض، فلم يتكلم ابن عمر لوجود كبار الصحابة في ذلك المجلس كما في رواية أخرى: (فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم).


6.حرص ابن عمر رضي الله عنه على سؤال والده فيما يحدث له من القضايا والأمور التي تعرض له، وفيه أن الشاب ينبغي له عندما يحدث له أمر، يهمه في دينه و دنياه، أن يستشير فيه أقرب الناس له من والد، أو شيخ، أو معلم، أو أخ كبير، بما يكون الأنسب له في تلك الاستشارة، ولنا في قصة أخوة يوسف عليه السلام، لما واجهتهم –في رأيهم- مشكلةُ تفضيل والدهم يعقوب عليه وسلم لابنه يوسف، ذهبوا واستشاروا بعضهم البعض في حلّ هذه المشكلة، فكانت الاقتراحات لحل تلك المشكلة قولهم : (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم ...) ثم عزموا على الحل بأن رموه في الجب ! وما كان ليكون ذلك لو استشاروا والداً منصحاً، أو أخاً مخلصاً!



7.محبة الوالد لولده الخيرَ، وأن الوالد الصالح يسعده ويفرحه ببروز ابنه في سبيل العلم ويفرح بذلك فرحاً عظيماً.



8.أنه ينبغي لمن في حضرت رجال كبار في السن، أن يحترمهم، ويوقرهم،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم) سنن أبي داود قال الألباني: حسن، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث محيصة وحويصة لما تكلم محيصة وهو أصغر سناً من حويصة قال النبي لمحيصة: (كبّر كبّر) أي ليبدأ بالكلام الأكبر فالأكبر، والحديث متفق عليه.


9.فضيلة الحياء، وأن الحياء زينة للرجال، ولكن في مقام العلم ينبغي أن يزول الحياء المذموم قال ابن القيم رحمه الله: "وفيه أنه لا يكره للولد أن يجيب بما يعرف بحضرة أبيه وإن لم يعرفه الأب وليس في ذلك إساءة أدب عليه" زاد المعاد 4/364.وقد بوّب البخاري رحمه الله بقوله: " باب الحياء في العلم وقال مجاهد: لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر وقالت عائشة: نِعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" وكذلك لما سئل ابن عباس رضي الله عنه كيف حصلت العلم؟ فقال: (بلسان سؤول، وقلب عقول) فشفاءُ الجهلِ السؤالُ.



10.فيه أن العالِم ربما يفوته شيء من العلم، وليس هذا بنقص في حقه، فلا يُتعالم عليه، ولتعلم أنك لو عرفت مسألة لم يعرفها شيخك، فاعلم أن ملايين المسائل يعرفها شيخك، وأنت لا تعرفها !



11.حقارة الدنيا في عين عمر رضي الله عنه؛ لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بكذا وكذا وفي رواية (حمر النعم) وهي أنفس أموال العرب.



من أوجه الشبه بين النخلة والمسلم:


1.أن الشجرة ثابتة في وجه الرياح والأعاصير، وفي شدائد الدنيا، فكذلك المؤمن ثابت على دينه، في وجه أعاصير الفتن، وهبوب رياح الشبهات، وعواصف الشهوات قال ابن القيم: " أن النخلة أصبر الشجر على الرياح والجهد وغيرها من الدوح العظام تميلها الريح تارة، وتقلعها تارة، وتقصف أفنانها، ولا صبر لكثير منها على العطش كصبر النخلة فكذلك المؤمن صبور على البلاء لا تزعزعه الرياح" مفتاح دار السعادة1/232.



2.أن البركة في الشجرة على كل أحوالها يابسة، ورطبة، وكذلك المؤمن في حالة مرضه وصحته، شاكراً في السراء، صابراً في الضراء.قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: " فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس ، وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها وورقها وأغصانها ، فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالا وأواني وغير ذلك"



3.أن الشجرة نافعة لأهلها، لا تؤذيك بتساقط -تحات- ورقها، وكذلك المسلم لا يؤذي أخاه بقبيح أخلاقه وأفعاله.


4.جمال بنية الشجرة، وطيب طعمها، وكذلك المؤمن جميل بأخلاقه وطيب كلامه. قال ابن القيم: " طيب ثمرتها وحلاوتها وعموم المنفعة بها كذلك المؤمن طيب الكلام طيب العمل فيه المنفعة لنفسه ولغيره" مفتاح دار السعادة 1/230.


5.أن موت الشجرة لا يعني نهاية الانتفاع بها وبخيرها، وكذلك المؤمن موته لا يعني نهاية خيره، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" (رواه مسلم).



6.بركة النخلة مستمرة طوال العام، ففي الصيف يُنتفع من ثمرها، وظلها، وفي الشتاء تصد الهواء والرياح عن صاحبهاـ وكذلك المسلم بركة طوال العام، وليس محصوراً في عمل دون آخر، ولا وقت دون آخر، قال السيوطي رحمه الله في شرحه لمسلم: " وإنها مثل المسلم أي في كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام وكثرة الانتفاع بأجزائها حتى النوى كما أن المسلم خير كله" وقال النووي رحمه الله أيضاً: "ثم آخر شيء منها نواها، ينتفع به علفا للإبل ...-ثم قال- فهي منافع كلها، وخير وجمال، كما أن المؤمن خير كله، من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه، ويواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره والصدقة والصلة، وسائر الطاعات ، وغير ذلك " .


7.أنه حين تُرمى الشجرة بالحجارة تُسقط أطيب ثمرتها، وكذلك المسلم إذا رُمي بقبيح العبارات، فلا يسقط إلا أطايب الألفاظ، كما قال الشاعر:

كن كالنخيلِ عن الأحقادِ مرتفعاً *** يُرمى بصخر فيُلقي أطيبَ الثمرِ



والله أعلم وصلى الله وسلم، على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين