أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


لقد كثر الكلام بين العلماء عن سكوت البخاري عن راو من الرواة ، ولكن وقفت على نص يقطع المسألة من كلام البخاري نفسه ، قال البخاري في التاريخ : كل من لم أبين فيه جرحة فهو على الاحتمال ، وإذا قلت : فيه نظر . فلا يحتمل .
ذكر ذلك عنه الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد بن يربوع الإشبيلي ـ كما في تهذيب الكمال في ترجمة عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية ـ قال : بين مسلم جرحه في صدر كتابه ـ يعني مقدمة صحيح مسلم ـ وأما البخاري فلم ينبه من أمره على شيء فدل أنه عنده على الاحتمال ؛ لأنه قد قال :.....فذكره .

على الاحتمال معناه : ممن يقبل حدثيه في الشواهد والمتابعات ، وأما إذا انفرد فلا يحتمل منه التفرد ولا يحتج به ، ولعلي إذا فرغت اليوم أنقل لكم بعض النصوص الدالة على ذلك ، وأتحفك بمثال واحد الآن ، قال أبو بكر الأثرم :سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن أبى هلال ـ يعنى الراسبي ـ قال :قد احتمل حديثه إلا أنه يخالف في حديث قتادة، وهو مضطرب الحديث عن قتادة ، وقال الحسين بن الحسن : سألت يحيى بن معين عن أبى هلال الراسبي كيف روايته عن قتادة ؟ فقال: فيه ضعف صويلح ( أي يصلح في الشواهد وهو ضعيف عند التفرد )، وقال ابن أبي حاتم : سألت أبى عن أبى هلال الراسبي ؟ فقال: محله الصدق، لم يكن بذاك المتين، قلت: سلام بن مسكين أحب إليك أو أبو هلال؟ قال : أبو هلال أشبه بالمحدثين وما أقربهما في السن، وقال ابن أبي حاتم أيضاً : سئل أبو زرعة عن أبى هلال الراسبي فقال: لين ، وقال الحافظ ابن حجر : صدوق فيه لين ، استشهد به البخاري في الصحيح، وروى له في كتاب القراءة خلف الإمام وغيره، والباقون سوى مسلم . ألا ترى : فقد استشهد به البخاري فهذا يعني أنه يصلح في الشواهد والمتابعات . والله أعلم


وأسامة بن زيد بن أسلم القرشي قال عنه أحمد : أخشى أن لا يكون بقوي في الحديث . وقال عثمان الدارمي عن يحيى : ليس به بأس . وفي رواية عنه : ضعيف الحديث . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به . ( يعني يكتب حديثه في الشواهد والمتابعات ، ولا يحتج إذا انفرد ) وقال ابن عدي : لم أجد له حديثا منكرا جدا ...وأرجو أنه صالح . وقال الساجي : هو ممن يحتمل حديثه . ( أي في الشواهد والمتابعات ) والله أعلم .

وكذا البراء بن عبد الله بن يزيد الغنوي البصري القاضي ( وربما ينسبونه إلى جده ) تكلم فيه غير واحد من الحفاظ ، وقال عنه البزار ت 292 : لا بأس به . ونقل عنه الحافظ العسقلاني في تهذيبه أنه قال : ليس بالقوي وقد احتمل حديثه . وهذا يوضح مقصود البزار في قوله : لا بأس به ، مع قوله : وقد احتمل حديثه ، أي : في الشواهد والمتابعات ، أما إذا انفرد فليس بالقوي ، وكذا قال عنه أبو داود : ليس به بأس . أي في الشواهد والمتابعات وإلا فلا يحتج به إذا انفرد أو خالف . والله أعلم ، وجزاكم الله خيرا . اللهم اجعنا من أحبة أهل الحديث واحشرنا في زمرتهم بمنك وكرمك ،ولا تؤخذنا بتقصيرنا وذنوبنا . آمين .

وَكذا عثمان بن عمر بن موسى التيمي ، وكان قاضيا ـ على ما قيل ـ قَال أبو محمد بن يربوع الاشبيلي ـالذي نقلت عنه آنفا قاعدة البخاري في السكوت ـ بعد أن حكى كلاما للبخاري فيه : وأما الدارقطني فذكره في العلل"كثيرا ، وَقَال فيه : عثمان بن عُمَر بن موسى عن الزُّهْرِيّ لا يكاد يمر للزهري حديث مشهور يتوسع فيه الرواة الا كان هذا من جملتهم. قال : ورأيته قد رجح كلامه في بعض المواضع ،وهو على أصل البخاري محتمل .
استشهد به البخاري ، وروى له أبو داود ، وابن ماجة. ( ألا ترى: استشهد به البخاري وهذا على أنه يحتمل حديثه عند الشواهد والمتابعات ، أما الانفراد فلا ) ولهذا قال فيه ابن حجر : مقبول .
وابن يربوع الإشبيلي الذي نقل هذا النص من كلام البخاري في تاريخه ولد سنة 444هـ ، وتوفي سنة 522هـ ، وقد قال فيه تلميذه ابن بشكوال : كان حافظًا للحديث وعلله ، عارفا بأسماء رجاله ونَقَلَتِه ، يبصر المعدَّلين منهم والمجرّحين ، ضابطا لما كتبه ، ثقة فيما رواه ، وكتب بخطه علمًا كثيرا ، وصحب أبا علي الغساني كثيرا واختص به وانتفع بصحبته ، وكان أبو علي يكرمه ويفضله ، ويعرف حقه ، ويصفه بالمعرفة والذكاء ، وجمع أبو محمد هذا كتبا حسانا ، منها : كتاب الإقليد في بيان الأسانيد ، وكتاب تاج الحلية وسراج البغية في معرفة أسانيد الموطأ ، وكتاب لسان البيان عما في كتاب أبي نصر الكلاباذي من الإغفال والنقصان ، وكتاب المنهاج في رجال مسلم بن الحجاج ، وغير ذلك» كما في الصلة لابن بشكوال .وقال ابن الأبار فيه : الحافظ المحقق ... وله تواليف مفيدة ، وكان ظاهري المذهب . وانظرالمعجم لابن الأبار ، وقال الذهبي في السير : الأستاذ الحافظ المجود الحجة .
تنبيه : قد يكون الحافظ الإشبيلي قد نقل كلام البخاري في التاريخ من إحدى رواياته التي لم يعتمد عليها في النسخة المطبوعة ورواه الأندلسيون من طرق أخرى ، فالتاريخ له روايات منها : ابن فارس الدلال ، والفسوي ، والمقريء .
ستجد بعض الرواة ممن قال فيهم البخاري في الضعفاء الصغير : محتمل . ونحوها . والله أعلم