الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد :
معني الخشوع

الخشوع في اللغة :هو الخضوع والسكون . قال تعالى:{ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً}
[طه : 108] أي سكنت.
والخشوع في الاصطلاح:هو قيان القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل.قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "أصل الخشوع لين القلب ورقنه وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته،فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء،لأنها تابعة له " [الخشوع لابن رجب،ص17] فالخشوع محله القلب ولسانه المعبر هو الجوارح . فمتى اجتمع في قلبك أخي في الله – صدق محبتك لله وأنسك به واستشعار قربك منه، ويقينك في ألوهيته وربوبيته ،وحاجتك وفقرك إليه.متى اجتمع في قلبك ذلك ورثك الله الخشوع وأذاقك لذته ونعيمه تثبيتاً لك على الهدى ،قال تعالى :{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}[محمد: 17] وقال تعالى :{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت :69].
فاعلم أخي الكريم – أن الخشوع في الصلاة،هو توفيق من الله جل وعلا،يوفق إليه الصادقين في عبادته ،المخلصين المخبتين له ،العاملين بأمره والمنتهين بنهيه. فمن لم يخشع قلبه بالخضوع لأوامر الله خارج الصلاة،لا يتذوق لذة الخشوع ولا تذرف عيناه الدموع لقسوة قلبه وبعده عن الله .قال تعالى :{ ِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت:45] ،فالذي لن تنهه صلاته عن المنكر لا يعرف إلى الخشوع سبيلاُ،ومن كان حاله كذلك ،فإنه وإن صلى لا يقيم الصلاة كما أمر الله جل وعلا ، قال تعالى:{ َاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة : 45].
واعلم أخي المسلم بأن الخشوع واجب على كل مصل .قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ويدل على وجوب الخشوع قول الله جل وعلا،قال تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ }[المؤمنون:1-2] .
وفي فضل الخشوع ووعيد من تركه يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

(خمس صلوات افترضهن الله تعالى ، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن ، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل ، فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه.) رواه أبو داود رقم 425 وهو في صحيح الجامع 3242

وقال عليه الصلاة والسلام في فضل الخشوع أيضا : (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يُقبل عليهما بقلبه ووجهه [ وفي رواية : لا يحدّث فيهما نفسه ] غفر له ما تقدّم من ذنبه [ وفي رواية إلا وجبت له الجنة ]) البخاري ط. البغا رقم 158 والنسائي 1/95 وهو في صحيح الجامع 6166
الأسباب المعينة على الخشوع في الصلاة:
1) الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها

ويحصل ذلك بأمور منها الترديد مع المؤذن والإتيان بالدعاء المشروع بعده " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته " ، والدعاء بين الأذان والإقامة ، وإحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله). (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين). والاعتناء بالسواك وهو تنظيف وتطييب للفم الذي سيكون طريقا للقرآن بعد قليل لحديث : (طهروا أفواهكم للقرآن) رواه البزار وقال : لا نعلمه عن علي بأحسن من هذا الإسناد كشف الأستار 1/242 وقال الهيثمي : رجاله ثقات 2/99 وقال الألباني إسناده جيد : الصحيحة 1213. وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف ، قال الله تعالى : (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) والله عز وجل أحقّ من تُزيِّن له ، كما أن الثوب الحسن الطيب الرائحة يعطي صاحبه راحة نفسية بخلاف ثوب النوم والمهنة. وكذلك الاستعداد بستر العورة وطهارة البقعة والتبكير وانتظار الصلاة ، وكذلك تسوية الصفوف والتراص فيها لأن الشياطين تتخلل الفُرَج بين الصفوف.

(2) الطمأنينة في الصلاة

(كان النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه) صحح إسناده في صفة الصلاة ص: 134 ط.11 وعند ابن خزيمة نحوه كما ذكر الحافظ في الفتح 2/308 وأمر بذلك المسيء صلاته وقال له : (لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك.) رواه أبو داود 1/ 536 رقم 858

عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته ، قال يا رسول الله : كيف يسرق صلاته ، قال : (لا يتم ركوعها ولا سجودها). رواه أحمد والحاكم 1/ 229 وهو في صحيح الجامع 997

وعن أبي عبد الله الأشعري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مثل الذي لا يتمّ ركوعه ، وينقر في سجوده ، مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين ، لا يغنيان عنه شيئا) رواه الطبراني في الكبير 4/115 وقال في صحيح الجامع : حسن

والذي لا يطمئن في صلاته لا يمكن أن يخشع لأن السرعة تذهب بالخشوع ونقر الغراب يذهب بالثواب.

(3) أن تقف على رأس كل آية من الفاتحة في وقت قراءتها، تنتظر جواب الملك الديان جل جلاله، فإن الله سبحانه وتعالى يجيبك كما ثبت في صحيح مسلم وغيره: أن العبد إذا قال: {الحمد لله رب العالمين} قال الله: "حمدني عبدي"، فإذا قال العبد: {الرحمن الرحيم}، قال الله: "أثنى علي عبدي"، فإذا قال العبد: {ملك يوم الدين}، قال الله: "مجدني عبدي"، وفي رواية: "فوض إلي عبدي، هؤلاء لي ولعبدي ما سأل"، فإذا قال العبد: {إياك نعبد وإياك نستعين}، قال الله: "هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل"، فإذا قال العبد: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}، قال الله: "هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل"، فاستشعار هذا الجواب من الله سبحانه وتعالى والوقوف على رأس الآية وأنت تنتظر جواب الملك الديان مما يعينك على الخشوع.
(4): "هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل"، فاستشعار هذا الجواب من الله سبحانه وتعالى والوقوف على رأس الآية وأنت تنتظر جواب الملك الديان مما يعينك على الخشوع.
(5)استحضار تقصيرك، وضعفك، وحاجتك إلى الله كي يعينك على الخشوع
(6)استحضار تفاهة الدنيا، وأنَّ البقاء فيها مهما طال إلى رحيل، وأنَّ متاعها متاع الغَرور، وأنَّنا صائرون إلى الله ليوفِّينا أعمالنا
(7)استحضار تفاهة الدنيا، وأنَّ البقاء فيها مهما طال إلى رحيل، وأنَّ متاعها متاع الغَرور، وأنَّنا صائرون إلى الله ليوفِّينا أعمالنا
(8)أداء السنن الرواتب القبلية يوقظ القلب
أداء الرواتب والنوافل يسهِّل الوصول إلى الخشوع
(9)دوام المحاسبة والمراقبة
دوام محاسبة النفس ولومها على ما لا ينبغي من الاعتقاد والقول والفعل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].
وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  يقول: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر».
(10)التلذذ بالصلاة:
اللذة التي يجدها العباد في صلاتهم هي التي عبر عنها ابن تيمية -رحمه الله- بقوله: «إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة»، ولا نظن أن مسلمًا وجد هذه اللذة وذاق طعمها يفرط فيها ويتساهل في طلبها. وهذه اللذة كما قال ابن القيم -رحمه الله- تقوى بقوة المحبة وتضعف بضعفها، لذا ينبغي للمسلم أن يسعى في الطرق الموصلة إلى محبة الله.
(11)التبكير إلى الصلاة:
وذلك بأن يهيئ القلب للوقوف أمام الله عز وجل، فينبغي للمسلم أن يأتي إلى الصلاة مبكرًا ويقرأ ما تيسر من القرآن بتدبر
(12)وأيضًا البُعد عن المعاصي بصرف النظر عمَّا يحرم النظر إليه، وكذا حفظ اللسان والسمع وسائر الجوارح وإشغالها بما يخصها من عبودية، وصرفها بالنظر في كتاب الله والكتب العلمية المفيدة وما يباح النظر إليه والتفكُّر في مخلوقاته سبحانه وتعالى والاستماع إلى الطيب من القول والتحدث في المفيد، فلا شك أن الذنوب تقيد المرء وتحجزه عن أداء العبادات على الوجه المطلوب، فكل إنسان يعرف ما هو واقع فيه من الذنوب وعليه أن يسعى في إصلاح حاله والإصلاح متعلق بمحاسبة النفس حيث إن المرء إذا حاسب نفسه بحث عما يصلحها.
حكم الخشوع

والراجح في حكم الخشوع أنه واجب. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : قال الله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين.. والذم لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محرّم وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دلّ ذلك على وجوب الخشوع.. ويدل على وجوب الخشوع فيها أيضا قوله تعالى : (قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون.. - إلى قوله - أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم.. وإذا كان الخشوع في الصلاة واجبا وهو المتضمن للسكون والخشوع (هكذا في الأصل ولعلها الخضوع) فمن نقر نقر الغراب لم يخشع في سجوده وكذلك من لم يرفع رأسه في الركوع ويستقر قبل أن ينخفض لم يسكن لأن السكون هو الطمأنينة بعينها فمن لم يطمئن لم يسكن ومن لم يسكن لم يخشع في ركوعه ولا في سجوده ومن لم يخشع كان آثما عاصيا.. ويدل على وجوب الخشوع في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد تاركيه كالذي يرفع بصره إلى السماء فإنه حركته ورفعه وهو ضد حال الخاشع.. مجموع الفتاوى 22/553-558

من أسباب قبول الصلاة
وقال بعض العلماء: يحتاج المصلي إلى أربع خصال حتى ترفع صلاته: «حضور قلب، وشهود عقل، وخضوع أركان، وخشوع الجوارح». فمن صلى بلا حضور قلب فهو مصلٍ لاهٍ، ومن صلى بلا شهود عقل، فهو مصلٍ ساهٍ، ومن صلى بلا خضوع الأركان فهو مصلٍ جافٍ، ومن صلى بلا خشوع الجوارح، فهو مصلٍ خاطئ، ومن صلى بهذه الأركان فهو مصلٍ وافٍ.
وقال  لمن طلب منه موعظة وجيزة: «صل صلاة مودع» أي: إذا صليت فأكمل صلاتك كأنها آخر صلاة تصليها
الشيطان والخشوع
وليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها وحضر قلبه فيها، والشيطان يريد من العبد أن لا يصلي ليكون من أصحاب النار، فإذا صلى حال بينه وبين نفسه يوسوس له ويشغله عن صلاته حتى يبطلها، أو ينقصها، وفي الحديث: «إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له إلا رُبعها، إلا خُمسها، إلا سُدسها، حتى بلغ عُشرها» [رواه أبو داود والنسائي وابن حبان]. وقد أرشد النبي  الذي هو بأمته رءوف رحيم أرشد إلى سلاح قوي يكافح به العدو. فإذا خرج المسلم من بيته إلى المسجد أو إلى غيره أرشده أن يقول: «باسم الله، آمنت بالله، اعتصمت بالله، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله» إذا قال ذلك يقال له: هديت وكفيت ووقيت ويتنحى عنه الشيطان. [رواه أبو داود والترمذي والنسائي].
فإذا دخل المسجد يقول: «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم»، إذا قال ذلك قال
الشيطان: عصم مني سائر اليوم. [حديث حسن رواه أبو داود بإسناد جيد].
وإذا دخل في صلاته مستحضرًا عظمة ربه وحضوره بين يديه يقول بعد دعاء الاستفتاح: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم».
ثم بعد ذلك يتفكر المصلي فيما يقوله ويفعله ويسمعه من الإمام إذا كان مأمومًا فجهر الإمام بالقراءة استمع لقراءته، فإذا أسر اشتغل المأموم بالقراءة.