أولاً / ليلة القدر :
لقد اختص الله تبارك وتعالى هذه الأمة المحمدية على غيرها من الأمم بخصائص وفضلها على غيرها من الأمم بأن أرسل إليها أفضل الرسل والأنبياء وخاتمهم وأخرهم ، وجعلها خير الأمم قال تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عمران ].110
فقد أنزل الله عز وجل القرآن الكريم في ليلة القد ليلة مباركة هي خير الليالي ، ليلة اختصها الله عز وجل من بين الليالي ، ليلة العبادة فيها هي خير من عبادة ألف شهر وهي بحسابنا القاصر ثلاث وثمانين سنة وثلاثة أشهر تقريباً وإلا فالأمر عند الله عظيم، ، قال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر } [ القدر ] ، وقال تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) } [ الدخان ] ،
قيل سبب تسميتها ليلة القدر:
أولاً : أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة ، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام ، وهذا من حكمة الله عزوجل وبيان إتقان صنعه وخلقه . . .
ثانياً : سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما تقول فلان ذو قدر عظيم ، أي ذو شرف لقوله تعالى : { وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر } وليلة خير من ألف شهر قدرها عظيم ولاشك
ثالثاً : وقيل لأن للعبادة فيها قدر عظيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " [ متفق عليه ] . وهذا لايحصل إلا لهذه الليلة فقط ، وقفة وتنبيه فلو أن الإنسان قام ليلة النصف من شعبان ، أو ليلة النصف من رجب ، أو في أي ليلة لم يحصل له هذا الأجر . جاء ذلك في [ الشرح الممتع 6/494 ] .
يقول الشيخ ابن عثيمين : أن الإنسان ينال أجرها وإن لم يعلم بها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً " ولم يقل عالماً بها ، ولو كان العلم شرطاً في حصول هذا الثواب لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم .
علامات ليلة القدر : ـ قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة ، ـ الطمأنينة ، أي طمأنينة القلب ، وانشراح الصدر من المؤمن ، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي
ـ أن الرياح تكون فيها ساكنة أي : لاتأتي فيها عواصف أو قواصف ، بل يكون الجو مناسباً .- أن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي .7- أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع ، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام ، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال : " أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنها تطلع يومئذ لاشعاع لها " [ أخرجه مسلم ] .
تحري ليلة القدر :
ليلة القدر ليلة مباركة ، وهي في ليالي شهر رمضان ، ويمكن التماسها في العشر الأواخر منه ، وفي الأوتار خاصة ، ويمكن أن تكون في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان ، فكان أبي بن كعب سيد القراء في المدينة يقسم ويقول : " والله إني لأعلم أي ليلة هي ، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ، وهي ليلة سبع وعشرين "
ويمكن ان تكون ليلة الواحد والعشرين فعن أبي سلمة قال : سألت أبا سعيد وكان لي صديقاً ، فقال : اعتكفنا مع النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان ، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا وقال : " إني أريت ليلة القدر ، ثم أُنْسِيُتها أو نُسيتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر ، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين ، فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع " فرجعنا وما نرى في السماء قزعة ـ قطعة ـ فجاءت سحابة فمطرت حتى سأل سقف المسجد ، وكان من جريد النخل ، وأقيمت الصلاة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين ، حتى رأيت أثر الطين في جبهته " [ متفق عليه ] .ويمكن ان تكون في ليلة الثالث والعشرين لحديث مشابه ، وعن بن عمر رضي الله عنهما : أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرى رؤياكم قد تواطأت ـ توافقت ـ في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر " [ متفق عليه ] .
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " [ متفق عليه ] .
مما سبق ذكره من الأحاديث يتضح لنا أن ليلة القدر لا يعلم بوقتها أحد ، فهي ليلة متنقلة ، فقد تكون في سنة ليلة خمس وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة إحدى وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة تسع وعشرين ، وقد تكون في سنة ليلة سبع وعشرين ، فهي ليلة متنقلة ، ولقد أخفى الله تعالى علمها ، حتى يجتهد الناس في طلبها ، فيكثرون من الصلاة والقيام والدعاء في ليالي العشر من رمضان رجاء إدراكها ، يقول البغوي رحمه الله تعالى : وفي الجملة أبهم الله هذه الليلة على هذه الأمة ليجتهدوا بالعبادة في ليالي رمضان طمعاً في إدراكها .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر ، ويأمر أصحابه بتحريها ، وكان يوقظ أهله في ليالي العشر الأواخر من رمضان رجاء أن يدركوا ليلة القدر، وكان يشد المئزر وذلك كناية عن جده واجتهاده عليه الصلاة والسلام في العبادة في تلك الليالي ، واعتزاله النساء فيها ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر ، أحيا ليله ، وأيقظ أهله ، وشد المئزر " [ أخرجه البخاري ومسلم ] ، وفي رواية : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره