أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
قد ورد في القرآن الأمر بذكر الله وذكر اسم الله عزوجل، مالفرق بينهما وما المراد بهما؟ يقول العلامة سيد رشيد الرضا في تفسيره

وَمَنْشَأُ الِاشْتِبَاهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِذِكْرِهِ وَ تَسْبِيحِهِ فِي آيَاتٍ ، وَبِذِكْرِ اسْمِهِ وَتَسْبِيحِ اسْمِهِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى ، فَقَالَ تَعَالَى : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) (73 : 89) (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (76 : 25) (وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا) (22 : 40) (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ) (6 : 118) (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (6 : 119) (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ) (22 : 36) أَيِ الْبُدْنِ عِنْدَ نَحْرِهَا ، وَقَالَ تَعَالَى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (33 : 41 - 42) . (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) (2 : 198) . (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا 2) (: 200) . (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (3 : 191) . (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) (4 : 103) . وَقَالَ تَعَالَى فِي التَّسْبِيحِ : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ
وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (7 : 206) أَيْ يُسَبِّحُونَ رَبَّكَ فَعَدَّى التَّسْبِيحَ بِنَفْسِهِ إِلَى ضَمِيرِ الرَّبِّ كَمَا عَدَّاهُ بِنَفْسِهِ إِلَى اسْمِ الرَّبِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (87 : 1) وَبِالْبَاءِ فِي قَوْلِهِ : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (56 : 74 ، 96) . وَقَالَ (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (57 : 1) وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ . وَقَالَ تَعَالَى : (فَتَبَارَكَ اللهُ) (23 : 14) . (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ) (25 : 1) كَمَا قَالَ : (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) (55 : 78) .
رَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ بِجَعْلِ الِاسْمِ عَيْنَ الْمُسَمَّى ، وَأَنَّ ذِكْرَ اللهِ وَذِكْرَ اسْمِهِ وَتَسْبِيحَهُ وَتَسْبِيحَ اسْمِهِ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ اسْمَهُ عَيْنُ ذَاتِهِ ، وَأَنَّ هَذَا خَيْرٌ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ لَفْظَ " اسْمٍ " مُقْحَمٌ زَائِدٌ . وَالصَّوَابُ أَنَّ الذِّكْرَ فِي اللُّغَةِ ضِدَّ النِّسْيَانِ ، وَهُوَ ذِكْرُ الْقَلْبِ ، وَلِذَلِكَ قَرَنَهُ بِالتَّفَكُّرِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ (3 : 191) وَهُمَا عِبَادَتَانِ قَلْبِيَّتَانِ ، وَقَالَ : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) (18 : 24) وَيُطْلَقُ الذِّكْرُ أَيْضًا عَلَى النُّطْقِ بِاللِّسَانِ ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى ذِكْرِ الْقَلْبِ وَعُنْوَانٌ وَسَبَبٌ لَهُ ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُ اللِّسَانُ اسْمَ اللهِ تَعَالَى كَمَا يَذْكُرُ مِنْ كُلِّ الْأَشْيَاءِ أَسْمَاءَهَا ، دُونَ ذَوَاتِ مُسَمَّيَاتِهَا ، فَإِذَا قَالَ : " نَارٌ " لَا يَقَعُ جِسْمُ النَّارِ عَلَى لِسَانِهِ فَيُحْرِقُهُ ، وَإِذَا قَالَ الظَّمْآنُ : " مَاءٌ " لَا يَحْصُلُ مُسَمَّى هَذَا اللَّفْظِ فِي فِيهِ فَيَنْقَعُ غُلَّتَهُ ، فَذِكْرُ اللهِ تَعَالَى فِي الْقَلْبِ هُوَ تَذَكُّرُ عَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَجَمَالِهِ وَنِعَمِهِ ، وَوَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالْأَمْرِ بِذِكْرِ نِعْمَةِ اللهِ وَآلَاءِ اللهِ . وَذِكْرُهُ بِاللِّسَانِ هُوَ ذِكْرُ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَإِسْنَادُ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ إِلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ تَسْبِيحُهُ تَعَالَى ، فَالْقَلْبُ يُسَبِّحُهُ بِاعْتِقَادِ كَمَالِهِ وَتَذَكُّرِ تَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ ، وَاللِّسَانُ يُسَبِّحُهُ بِإِضَافَةِ التَّسْبِيحِ إِلَى أَسْمَائِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِلَفْظِ الِاسْمِ . رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ " قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ " فَلَمَّا نَزَلَتْ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى " قَالَ : " اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ " وَالْمُرَادُ أَنْ يَقُولُوا : " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ " لَا " سُبْحَانَ اسْمِ رَبِّيَ الْعَظِيمِ " فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ : " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ " وَفِي سُجُودِهِ " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى " . وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْكَلَامِ عَنِ الذَّبَائِحِ ذِكْرُ اسْمِ اللهِ عَلَيْهَا " (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ " وَتَقَدَّمَ آنِفًا
ذِكْرُ عِدَّةِ آيَاتٍ فِي هَذَا - فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّحْقِيقِ : أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى ، وَأَنَّ ذِكْرَ الِاسْمِ مَشْرُوعٌ ، وَذِكْرَ الْمُسَمَّى مَشْرُوعٌ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ كَالصُّبْحِ ، وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحُ وَالتَّبَارُكُ ، فَكَمَا يُعَظَّمُ اللهُ يُعَظَّمُ اسْمُهُ الْكَرِيمُ ، فَيُذْكَرُ مَقْرُونًا بِالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّقْدِيسِ . وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ تَعَمُّدَ إِهَانَةِ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى فِي اللَّفْظِ وَالْكِتَابَةِ كُفْرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ مُؤْمِنٍ . ا هـ .
تفسير المنار - (1 / 35)