رحلة أكرم الله بها خاتم الأنبياء










العالم الإسلامي يستقبل اليوم ذكرى الإسراء والمعراج

17/6/2012 الآن - تقرير: طلال المطيري 12:40:29 AM







تحتفل الامتان العربية والإسلامية اليوم بذكرى الإسراء والمعراج التي تعد معجزة وآية من آيات الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى، ورحلة لم يسبق لبشر أن قام بها ، أكرم الله بها نبيه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، والتي أراه عجائب آياته الكبرى، ومنحه فيها عطاء روحيا عظيما ، وذلك تثبيتا لفؤاده ، ليتمكن من إتمام مسيرته في دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولتكون تمحيصا من الله للمؤمنين، وتمييزا للصادقين منهم.
وقد حدثت هاتان الرحلتان في ليلة واحدة، وكان زمنها قبل الهجرة بعام وفي ليلة سبع وعشرين من شهر رجب 'وهو المشهور' عند العلماء.
وتعتبر رحلة الاسراء رحلة أرضية ، ذلك الانتقال العجيب ، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تم بقدرة الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال ، وقد أورد سبحانه وتعالى هذه الرحلة في القران الكريم وتحديدا في الآية الاولى من سورة الاسراء فقال تعالى 'سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ'.
وأمَّا المعراج فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، وجاء ذكر هذه الرحلة في سورة النجم من الآية ال13 الى الآية ال18 حيث قال جل وعلا 'وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى'.
ومن أهم دروس رحلة الإسراء والمعراج معرفة مكانة المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين ، فمنه ابتدأ الإسراء ، ومنه انتهى ، ما يدل على مكانته وقدسية المسجد الاقصى في نفوس المسلمين ، كما كانت رحلة الإسراء إيذانا بانتقال القيادة والريادة للامة الإسلامية قيادة تقوم على الرحمة والعدل لا على الغلبة والقهر.
ومن دروس الإسراء والمعراج معرفة منزلة الصلاة ، وهي عبرة باقية ، حيث ان كل العبادات فرِضت في الأرض والصلوات فرضت في السماء، وهذا دليل على أهمية هذه العبادة وهذه الفريضة أو هذا الركن من أركان الإسلام، وهي بقية هذه الرحلة ، البقية العملية الباقية، يعني هو معراج كل إنسان مسلم، المعراج الروحي أو الإيماني ليرقى به إلى الله تبارك وتعالى، كأن الرسول جاء معه بهدية من تلك الرحلة العظيمة، هذه الهدية لكل مسلم هي الصلاة ليعبد بها الله تبارك وتعالى.
ومن حديث الإسراء والمعراج أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسري بجسده في اليقظة عَلَى الصحيح، من المسجد الحرام إِلَى المسجد الأقصى، راكباً عَلَى البراق، صحبة جبريل عَلَيْهِ السَّلام، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماماً، وربط البراق بحلقة باب المسجد ، ثُمَّ عُرِجَ به من بيت المقدس تلك الليلة إِلَى السماء الدنيا، فاستفتح له جبريل ففتح له، فرأى هناك آدم أبا البشر فسلم عليه، فرحب به ورد عَلَيْهِ السَّلام وأقر بنبوته ، ثُمَّ عرج به إِلَى السماء الثانية فاستفتح له فرأى فيها يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، فلقيهما فسلم عليهما فردا عَلَيْهِ السَّلام، ورحبا به وأقرا بنبوته ، ثُمَّ عرج به إِلَى السماء الثالثة، فرأى فيها يوسف، فسلم عليه فرد عَلَيْهِ السَّلام ورحب به، وأقر بنبوته ، ثُمَّ عرج به إِلَى السماء الرابعة، فرأى فيها إدريس، فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته ، ثُمَّ عرج به إِلَى السماء الخامسة، فرأى فيها هارون بن عمران، فسلم عليه ورحب به، وأقر بنبوته ، ثُمَّ عرج به إِلَى السماء السادسة فلقي فيها موسى فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته، فلما جاوزه بكى موسى، فقيل له ما يبكيك قال أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي ، ثُمَّ عرج به إِلَى السماء السابعة فلقي فيها إبراهيم، فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته ، ثُمَّ رفع إِلَى سدرة المنتهى ، ثُمَّ رفع له البيت المعمور ، ثُمَّ عرج به إِلَى الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه، فدنا منه حتى كَانَ قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إِلَى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة، فرجع حتى مر عَلَى موسى فقَالَ: بم أُمِرتَ ، قَالَ بخمسين صلاة ، فقَال إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إِلَى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فالتفت إِلَى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار أن نعم إن شئت، فعلى به جبريل حتى أتى به إِلَى الجبار تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فوضع عنه عشراً، ثُمَّ نزل حتى مر بموسى فأخبره، فقَالَ: ارجع إِلَى ربك فاسأله التخفيف، فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى حتى جعلها خمساً.
وحادث الإسراء والمعراج لم يكن إلاَّ درجة من درجات التكريم، ووسيلة من وسائل التثبيت، ولونًا من ألوان الاختبار، تجلَّى به رب العالمين على عبده ونبيِّه، وأسبغ عليه مِن بحار الفيض والإمداد ما تمكَّن به في مدَّة وجيزة أو ساعات معدودة أن يكشف عن طريق المعاينة كثيرًا من آيات ربِّه وعجائبه، في أرضه وسمائه، أَسْرَى به من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالشام، ثم عرج به إلى سدرة المنتهى، إلى حيث شاء ربُّ العزَّة والملكوت.
كما ان حادث الإسراء والمعراج، يذكرنا بفضل الله على نبيِّه الذي جاهد في تثبيت هذا الدين، وإسعاد الإنسانيَّة به، ولننتهج في ذلك خُطَّته حتى نحوز رضا الله وإسعاده، ولنذكر به أيضًا أن الله فرض في تلك الليلة على نبيِّه وأُمَّته ، خمسَ صلوات في اليوم والليلة، أَمَرَهم بالمحافظة عليها، وجعلها عليهم كتابًا موقوتًا، بها يناجون ربهم، وبها يقومون بواجب العبوديَّة التي خُلِعَتْ حلَّتها على نبيِّهم في تلك الليلة، وبها يتغلَّبون على الشهوات والأهواء، وبها تُغْرَس في قلوبهم مكارم الأخلاق، ويُطَهِّرون نفوسهم من صفات الجبن والبخل والهلع والجزع، وبها يستعينون على مشاقِّ الحياة كما استعان محمد بها على مشاقِّ الحياة ومصائب القوم.