( إستكمالا للسلسله التي اكتبها كل فتره بعيدا عن الأسهم .. أقدم لكم موضوع بسيط اليوم ليس لمجرد القراءه .. لكن للتأمل فيه .. )


ذهب طالب حق صادق أمين لمُعلِّمه في التيبت. كان الطالب متواضعاً طاهراً بريئاً صادقاً لدرجة أشعلت نار الغيرة في قلوب باقي الطلاب. لقد كانوا على ثقة بأن المعلِّم سيختاره هو، ولعالم الأسرار سيفتح له الباب.
كانت عقول الطلاب سياسية، فحاولوا التخلص منه. وفي يوم من الأيام قالوا له: "إن كنت تحب المعلِّم وتثق به حقاً، فهل تقفز لأجله من فوق التلة؟ إن كنت تثق به فعلاً فلن يصيبك أذى".
وقفز الطالب دون تردد. ركضوا نحو الوادي مسرعين فوجدوه جالساً في غاية السعادة. فتح عينيه وقال: "لقد كنتم على حق، الثقة تُنقِذ صاحبها"... قرروا اختبار ثقته من جديد.
كان هناك بيت يحترق، فطلبوا منه الدخول قائلين: "إن كنت تُحِب المعلِّم فبإمكانك الدخول".
دخل وأنقذ المرأة والطفل اللذيْن كانا داخل المنزل. وبدأت هالة هذا الطالب تزداد توهُّجاً يوماً بعد يوم.
وذات يوم، وهُم يعبرون نهراً، قالوا له: "لماذا تركب القارب؟ بإمكانك عبور النهر على قدميك... بداخلك حبّ عظيم... ثقة عظيمة... إمشِ على النهر".
ومشى على النهر....
رآه المعلِّم يمشي على النهر... "ما الذي تفعله؟ هذا مستحيل"...
"لا ليس مستحيلاً... بركَتك يا سيدي هي من يجعلني أقوم بما أقوم به".
ففكر المعلِّم: "إن كان إسمي وبركتي يدفعان هذا الأحمق الجاهل للقيام بالمعجزات، فلماذا لا أجربها بنفسي؟"
فحاول أن يمشي على صفحة الماء... غرِق... ولم يسمع أحد عنه خبراً بعدها.



حتى المعلِّم المنافق، بإمكانه تفجير ثقة عميقة داخلك... ثقة تغيّر حياتك. لم تكن الثقة له، إنها ثقة في ثقتك... ثقة في الوجود... ثقة في الله.
أنت من بيديه المفتاح.
وقد لا تتمكن الأنبياء والحكماء من جعل نهر الثقة في قلبك يجري إن لم تكن حاضراً... الأمر متوقف عليك... مدى وعيك... كمية الثقة الحاضرة في قلبك المستعدة لتعانق الوجود وتَحتضِنه.

الثقة هي الإحساس والحال الذي عناه الحكماء والأنبياء حينما قالوا وفي كل مرة يقولوا (إيمان، مؤمن، آمِنوا)، وليس ما فهِمَته الحشود. والثقة تولد من المحبة. إن لم يكن بإمكانك أن تثق فعليك العمل جاهداً. هذا ما نفعله أجمعين... ماضينا حِمْلُه ثقيل... علينا تطهير ومحْو ظلامنا.

علينا إطعام أرواحنا، والمحبة غذاء الروح.... الطعام حاجة جسدية... والنَّفَس جسر بين الجسد والروح... والثقة غذاء للروح.
الثقة مستواها الوجودي يعني الصلاة لأنها تصلنا بالأسرار، بالفتاح، بالأبعد من الأبعاد. الثقة شفافة... ذبذباتها قوية... الثقة تفتح أبوابها حين تكون حاضراً مع المحبوب... الثقة تُشرِّع أبوابها وتفتح ذراعيها حين تكون من الخوف خالياً ومن الغضب... من الكره... من القلق... الثقة مغامرة كبيرة... الثقة كنز ثمين.

الثقة هي الجسر بيننا وبين الله، أي بيننا وبين كل ما هو كان وكائن وسوف يكون... بيننا وبين المحبوب... حضور المحبوب هو الرَّحَم وثقتنا هي ولادتنا الأبدية الجديدة.

دعونا نقتل ماضينا ومستقبلنا ونحيا في الآن الجديدة كما كل آن... هذه الآن فيها ولادة جديدة... هذه الآن فيها قيامة أكيدة.
الثقة هي طريقنا الوحيد على الطريق... إن وَثَقنا بالحياة فمعنا الضمان. في ثقتنا نحن نحيا أعلى مستويات حياتنا... هذا هو الضمان.
لا تثق بدافع الخوف... إذا وُلدت الثقة من الخوف فهي ضعيفة وعن مسامع الوجود بعيدة... أنت معها بعيد ولست هنا... وفي البعاد من سيسمعك؟ لا أحد. لكن في القُرب انعكاس... الكون مرآتك، سيسمعك ويرى انعكاسك فيردّ ثقتك لك آلافاً مضاعفة...
نعم جميعنا لدينا ماضٍ مُثقَل بالأغلاط والتشفير والجروح... علينا تطهير كل هذا... الطهارة تجلب للرؤية الوضوح. حين تتّضح رؤيتي سأعرف نفسي وحين أعرف نفسي سأحبها وحين أحب نفسي، للمرة الأولى سأحب غيري: حقاً...

شكرا للجميع ...