قد يبدو من السخيف أن يدبر المرء لنفسه مؤامرة ــ ولو بدون وعي ــ ليوقع نفسه بين أنياب الفشل ..
إلا أن الدراسات قد أثبتت أنه بين كل مئة شخص هناك من يعطل نفسه عامدا .. ويصيب نفسه متعمدا بالعجز ..

هناك قاعدة مهمة في علم النفس تقضي بأنه :

من الضروري أن نقبل أي فكرة مهما كانت في أولها سخيفة أو مضحكة ...

كما أننا عرفنا من خلال مطالعاتنا المتزايدة في مختلف فروع علم النفس أننا منهمكون معظم أوقاتنا في الأوهام والأحلام ..
سواء كنا واعين أو غير واعين .. مستيقظين أو نائمين .. ودائما ما تدور أحلامنا حول حالة نكون فيه أسعد مما نحن عليه في واقعنا ..!!

لقد كتب أحد الكتاب يقول :
( إننا لا نعتقد أن هناك قوة في اليوم الذي نعيشه يمكنها أن تغير أو تنافس الأمس الجميل ..
إننا دائما نعيش بين أطلال خيمتنا القديمة .. حيث نعِمنا زمنا بالطعام والمأوى دون عناء .. تلك هي الحال معنا جميعا ...
ولكن هذه الحالة تقل وضوحا عند السعداء والناجحين ... )

إن الرجل المنكسر الحالم قد ينقلب في خياله إلى نابليون الفاتح العظيم ...
والمرأة الضعيفة الحالمة قد تنقلب في خيالها إلى شعلة متأججة من النار لا يقف في طريقها أي شيء ..
فإذا لم تتدخل الحقيقة لتزعج هذا الحلم يظل الحالم يسعد بانغماسه وتقلبه في أحلامه اللذيذة ...

إن هذه الأحلام التي نحلمها .. والتي غالبا ما نطلق عليها أحلام اليقظة ..
ما هي في حد ذاتها إلا تعويضا عن حياة روتينية جامدة ، أو عن حياة مملة خالية من الأحداث ..
وبما أن عالم الحالم يظل كما هو عليه دون تغيير فلا بد للحالم أن يعيش ولو جانبا بسيطا من الوقت في الواقع الحقيقي ..
فالأرض التي نعيش عليها ليست أرضا للأحلام .. والسماء التي نعيش تحت سقفها لا تمطر طعاما ولا مالا .. كما أن الأشجار لا تتساقط ثمارها في أفواهنا ...
لذلك فإنه مهما كان الحلم الذي نغرق فيه جميلا أخاذا فلا مفر أمامنا من أن نعود لأرض الواقع ثانية حتى نكافح من أجل المعيشة .

إن الإنسان الذي أدمن أحلام اليقظة لا يكافح إلا بقدر الحاجة فقط ولا شيء أكثر من ذلك ..
لهذا نجده إذا انقضى عمله عاد إلى أحلامه مرة أخرى دون وعي منه ..
حيث أنه لا يفلح إلا في شيء واحد .. أن يكسب كل يوم ساعات من الفراغ ليقضيها يقتل نفسه دون أن يستفيد شيئا ...
ولكن .. الحلم جميل .. مبهر .. رائع .. هو فيه الملك والمسيطر والمتحكم .. وهو فيه ليس بفاشل ولا ضعيف ... لذلك فإنه يظل في حلمه بل ويحرص عليه .

إن ثمار الفشل التي نتحدث عنها ليست مجرد وحي من الخيال .. وإنما هي حقيقة واقعة لها وجود ..
وإذا أدركنا ذلك تمام الإدراك فإن هذا الأمر يسهل علينا مواجهتها كأي شيء ملموس في حياتنا .

إننا نجد كثيرا من الناس إذا اجتهدوا في عمل شيء ما بالقدر الذي يسمح لهم بالاعتذار بأنهم حاولوا جهدهم وأخفقوا ..
نجدهم قد خلقوا لأنفسهم عذرا قويا لأن يتحججوا وبقوة أنهم قد حاولوا ولكن كانت تنقصهم بعض المهارات اللازمة لإنجاز أعمالهم ...
وقد يبدو ما نسمعه من هؤلاء قويا ومؤثرا وصادقا .. وعليه فقد أعفوا أنفسهم وأعفيناهم نحن أيضا من مواصلة الاجتهاد بقية حياتهم ...

اعلم/ـي يا أخي/تي أنك إذا كنت مثل هذا الذي يعيش حياته في الأحلام .. فإنك ستنظر إلى كفاح الآخرين ونجاحهم بعينين ..
الأولى : مهتمة .. والثانية : حاقدة ...

وستجد عقلك اللاواعي يقول لك : " لماذا لا تكف وتظل تحس بقية عمرك أنك إن حاولت مرة أخرى فسوف تصل إلى ما تريد ؟ "
وبذلك تظل تعذر نفسك .. وتظل في حلمك اليقظ .. وتتحول حينها إلى ناقد لاذع بصعب إرضاؤه ...
وتظل تنظر إلى القصور في الوصول إلى الأهداف السامية الرفيعة المستوى أفضل بكثير من الوصول السهل إليها ..
وبذلك توجد العذر لنفسك من جديد على فشلك .. وبهذا يصبح النجاح الذي كنت خليقا بالوصول إليه وجديرا بتحقيقه والروائع التي كانت مخلوقة لك ..
يصبح كل هذا مجرد أحلام وخواطر تدور في ذهنك ... وتصبح هذه الأحلام المحبوسة في ذهنك أنت فقط أهم بكثير من النجاح نفسه ...
وعليه يصبح طريق النجاح المحفوف بالمخاطر والمتاعب والمشقة .. أمرا غير مرغوب فيه .. بل شديد الكراهية بالنسبة لك ...
ولهذا تهرب منه بالأحلام .. وبالتالي بالفشل . وعندها يدور في ذهنك اللاواعي تساؤل مهم : (( لماذا اخترتُ أن أفشل ؟ ))
ولا تتعب نفسك في البحث عن إجابة .. فسوف تجد الإجابات تنصب عليك صبّا ... هذه الإجابات هي ما نسميها ثمار الفشل ...

من ثمار الفشل ما نعزي به أنفسنا أننا قد ابتعدنا عن التعب والعناء وتعكر المزاج الذي يعانيه المجد والمثابر ...
من ثمار الفشل ما قد نقوله لأنفسنا بأننا لا نريد أن نؤذي من نحب بنجاحاتنا ــ وهذه تنتشر خاصة بين النساء وبني المشاهير ــ ..


ومن ثمار الفشل هو اعتقادنا بأننا ننجو من الهمسات والشائعات والتقولات والتجريحات التي تلاحق الناجحين ...
من ثمار الفشل أيضا هو اعتقادنا بأننا مع الفشل نصبح أفضل عِشرة وعلاقة مع الآخرين فالوقت أمامنا للخروج والحديث واللعب ،،
أما الناجحون فكل أوقاتهم محسوبة وبهذا لا يصبح لديهم الوقت الكافي للعب واللهو وإذا استطاعوا اقتناص وقت للعب فإنهم يلعبون وهم دائموا التفكير في العمل والنجاح .. !!

طبعا قد يقول البعض ما أروع هذه النتائج التي تأتي مع الفشل .. لا تعب لا مجهود لا مشاكل في العلاقات ...
ولكن صدقوني يا إخوتي إن هذا كله ما هو إلا أوهاما نتيجتها الوحيدة هي الموت دون جدوى ..

إن ثمرة الفشل التي تتردد كثيرا على عقولنا هي أننا قد نجونا بأنفسنا من التعب والهم والإرهاق والتفكير الذي يصاحب المجهود الذي يسبق النجاح ..
ولكن المصيبة الكبرى هنا هو أننا نعرف أن كل ما ذكرته من ثمار للفشل ما هو أوهام لا طائل من ورائها ..
والدليل أننا نأتي في لحظة ما لنقف أمام أنفسنا فنقول لها : " لو أننا فعلنا كذا منذ سنة لكنا اليوم أفضل حالا .. لقد كانت الفرصة متاحة فلم لم نغتنمها .. "

أحبائي الكرام ...

قد يبدو ما قلته من ثمار للفشل مثيرا ومريحا ومبهجا وبعيدا عن التعب .. ولكن ثمار النجاح أوفر وأشهى ..
إن أقل عمل نقوم به إذا أحسناه يجلب لنا لحظة واحدة من السعادة لهي خير لنا من عمر كامل يمر علينا مع الفشل ..
كما أن إحساسنا بأننا نقيس أعمارنا وأعمالنا بمقياس صحيح بدلا من مقاييس متغيرة تصنعها أحلام اليقظة وأوهام اللاوعي
هو تماما كمن وضع قدميه على اليابس بعد سنوات طوال من العيش على الماء ..

ولنتذكر دائما ...

( فقد يبدو عنب الحقيقة في رأي الخيال حصرما ... إلا أن الطعم الحقيقي لا يتضح إلا لمن يتذوقه )