شعب الله المختار ( كوهين والعنصرية )
كتب محمد عباس عرابي ▪ بتاريخ 19/05/2012 18:02 ▪ مجلة الأدب الإسلامي الإلكترونية العدد15
إعداد الباحث محمد عباس محمد عرابي
كتب باكثير مسرحية شعب الله المختار عام 1956م أي بعد ما كتب مسرحية شيلوك الجديد بأحد عشر عاما ، وأفكار المسرحيتين تأتي من منطلق باكثير وإيمانه بحق شعب فلسطين في أرضه ، وإيمانه بعروبة فلسطين – وهي رؤية فنان أكثر منها رؤية رجل سياسة ، ورجل تاريخ 0
ومسرحية( شعب الله المختار) كما يرى الطنطاوي " 1 " يهدف باكثير من ورائها تسفيه فرية أن اليهود هم شعب الله المختار ، وذلك في ملهاة من أربعة فصول ، فتعرض للهجرة اليهودية في فلسطين ، مبينا أن الكيان الصهيوني يحمل بذور فنائه في داخله ، كاشفا عن مادية يهود وعن بخلهم وفي هذه المسرحية يتوقع قيام ثورة شعبية عارمة ، وهي رؤية جديدة لانقراض الكيان الغاصب الدخيل 0
وفيما يلي يتناول الباحث : أشكال الصراع في المسرحية ، وشخصياتها :-
أولا : أشكال الصراع في ( شعب الله المختار ) :-
في المسرحية شكل واحد من أشكال الصراع هو الصراع بين الصهيونية كمذهب سياسي ، وبين اليهودية كدين وجنس الصهيونية تريد أن تفرض نفسها على اليهود ، وتجرهم من كل ممالك الأرض إلى فلسطين ، وتقيم لهم دولة ثم تريد لهم أن يخرجوا إلى ما وراء هذه الأرض ، وتزين لهم أن مملكتهم أر ض الميعاد يجب أن تكون من الفرات إلى النيل – وأنهم لا بد من السيطرة على العالم كله اقتصاديا أولا ثم سياسيا تبعا لذلك " 2 "
أما اليهود فيرون أن فلسطين عربية وعليهم أن يعيشوا فيها كعرب ، وأما هؤلاء الذين يأتون من دول الغرب ليقيموا في إسرائيل ، فهم صهاينة ، وليسوا يهود حقيقية ، والصراع في شكله هذا هو صراع بين السفارديم يهود الشرق وبين الاشكنازيم يهود الغرب 0 يكون هذا الصراع مستترا أول الأمر ، ولكنه يبرز بعد ذلك ، ويمثله ( عزرا ) و(سيمون ) من يهود الشرق ، والكواهين الأربعة من يهود الغرب ، أما ( ليفي )و(أندرسون ) و( حائم ) و ( سارة ) فبالرغم من أنهم يهود الغرب ، لكنهم جاءوا إلى إسرائيل طمعا في الرزق ، بيد أن ظنهم خاب ، وللصراع وجه أخر ، وهو صراع بين من يريدون بقاء إسرائيل ، وبين من يريدون انهيارها 0
منذ بداية المسرحية ، وباكثير يبرز جانب هذا الصراع ، ولكنه مستتر أول الأمر يتمثل في سخط حائم وتبرمه يستمر سخط حائم وتبرمه ولا يرى في الوضع القائم إلا كل سوء ، فهو يدرك الموقف من كل أبعاده ، وهو يعلم أن إسرائيل لا يمكنها اقتصادها من أن تعيش دون الاستعانة بغيرها 0
حائم : كوهين غني لأن أمريكا غنية ، وكوهان فقير لأن فرنسا فقيرة ، ونحن شحاذون مفلسون لأن دولتنا شحاذة مفلسة تتسول في كل مكان (3 )
ويحاول الكواهين الأربعة إقناع حائم بأن الأزمة سوف تنفرج ، وأن الحلف المركزي بين العراق وتركيا سوف يضم إليه بريطانيا وإيران وباكستان ، الأمر الذي يصدع جبهة الدول العربية ، ويترتب على ذلك انقسامها إلى معسكرين : معسكر مصر ، ومعسكر العراق ، وفي هذا ضعف للدول العربية ولمصر على وجه التحديد ، فلا تستطيع أي منها أن تهدد كيان إسرائيل ، فتوافق جميعها الصلح مع إسرائيل – بيد أن حائم لا يقتنع بنظرة الكواهين إلى الأمر ، فهي في نظره محاولة لتزين الأمر ، وهي في رأيه نظرة فيها تفاؤل أكثر مما يحتمله الواقع ومما تؤدي إليه الأحداث 0
يأخذ الصراع شكلا عنيفا حين يدور حوار بين الكواهين الأربعة وبين عزرا اليهودي اليمني حول تقديس السبت عند اليهود 0
ويستمر خط الصراع في الارتفاع فالشباب اليهودي يعيش في محنة سببها انشطار ولائه بين دولته التي أتى منها ، وبين إسرائيل ، وسيمون يعاني من هذه المحنة ، حاول أن يختار إسرائيل فلم ينجح ، وحاول أن يختار مصر بلده الأصلي ، فأحس بأنه غريب عن المصريين ، وأنه يخونهم في كل لحظة ؛ لأنه يدين بالولاء لإسرائيل ففكر في الانتحار ، وما منعه إلا حبه لراشيل 0
وكما دخل العرب ، ومصر خاصة ، طرفا في الصراع بين الفلسطينيين واليهود في الواقع ، دخلت مصر طرفا في الصراع في المسرحية ، فيهود الشرق يؤيدون مصر ما شاءت لهم البقاء في أرض فلسطين مع غيرهم ، متأثرين في هذا بالضغط الصهيوني عليهم ، واعتبارهم غرباء عن إسرائيل ، ويهود الغرب الذين طبعوا القضية بالطابع العنصر السياسي يعادون مصر ويؤلبون عليها القوى الكبرى 0
يبلغ الصراع ذروته قبل أن تندلع الثورة ، ولقد كان من أسباب هذه الثورة ، مؤتمر( باندونج) الذي قرر حذف اسم إسرائيل من كتلة الدول الآسيوية وحركة ( ليلنتال) التي تعادي الصهيونية ، والتي أثارت الرأي العام الأمريكي ، وفتحت عيون الشعب الأمريكي دافع الضرائب على أن بلاده واقعة تحت سيطرة الصهاينة كما كان من أسباب الثورة أيضا صفقة الأسلحة التشيكية لمصر – كل هذه الأسباب أدت إلى زيادة الحصار الاقتصادي على إسرائيل ، وإلى رغبة المجتمع الدولي تصفية إسرائيل ، وحث مجلس الأمن على اتخاذ هذا القرار ، وامتناع دول أوروبا ، وأمريكا عن مد يد العون الاقتصادي ، وإسرائيل لا تستطيع أن تعيش إلا على المعونة ؛ لأن مواردها لا تكفي نفقاتها التي تزيدها أعباء النفقات العسكرية لتحتفظ إسرائيل بتفوق عسكري على دول المنطقة العربية ، يدخل ( ليفي ) طرفا في الصراع فهو يمثل وجهة النظر التي ترى تصفية إسرائيل ، والكواهين الأربعة هم الطرف الآخر في الصراع 0
نفس النهاية التي ارتآها باكثير لإسرائيل في ( شيلوك الجديد ) إذ تعلن الهيئة الدولية قرارا بتصفية الدولة اليهودية ، بناء على صرخات اليهود واستغاثتهم بدول العالم ، لتنقذهم من الكارثة الاقتصادية التي حلت بهم ، والفارق بين المسرحيتين ، أن شيلوك الجديد كتبت ولم تزل إسرائيل في رحم التاريخ بعد ، أما شعب الله المختار فكتبت وإسرائيل أمر واقع ، والدلالة هنا أن رؤية باكثير في المسرحية الأولى تدخل في باب النبوءة ، أما رؤيته في المسرحية الثانية فلا تزيد عن مجرد أمنية ، ولكن لها ما يؤيدها تاريخيا : الاقتصاد والقومية العربية ويقظة العرب الدائمة لما يحاك لهم 0
ثمة أواصر قريبة أخرى بين المسرحيتين: مندوب مصر في الأمم المتحدة هو الذي تقدم باقتراح السماح للمهاجرين اليهود بالرجوع إلى بلادهم الأصلية وأيدته الكتلة الأسيوية الإفريقية ثم الكتلة الشرقية – مندوب مصر هو ( سيمون ) في مسرحيتنا هذه، أما مسرحية ( شيلوك الجديد ) فمندوب مصر ( فيصل ) يعلن باسم الجامعة العربية التنازل عن فلسطين لليهود ليجربوا إقامة دولتهم اليهودية فيها (4) 0
  • · شخصيات المسرحية :- أما شخصيات المسرحية ، الشخصية اليهودية بسماتها منذ فجر التاريخ لم تتغير عند باكثير ، ومعظم شخصيات المسرحية هي هذه الشخصية اليهودية وهناك أشخاص أخرى ليس لها ملامح هذه الشخصية ، مثل : ليفي ، واندرسون ، وامبرتو ، وجوليا
وفيما يلي عرض موجز حول شخصية حائم وسارة وراشيل وسيمون 0
حائم :- صاحب محل في تل أبيب ، يشترك مع زوجته في خدمة نزلاء الفندق ، وهما يمثلان معا جانبا من جوانب الشخصية اليهودية التي تسعى خلف المال عن أي طريق ، والجنس طريق من الطرق عند اليهود نراهما يتحسران على أيام الانتداب 0
بيد أن حائم ينفرد عن سارة بأنه قد يغض الطرف عن المال في سبيل بعض القيم ، فهو يفضل لراشيل أن تتزوج سيمون ، لأنها تحبه في حين تفضل سارة أن تقضي الوقت مع ليفي واندرسون ؛لأنهما أغنياء وسيمون فقير ، الاختلاف هنا ليس اختلافا في القيم والمفاهيم ، ولكن الاختلاف في الدرجة ، كلاهما يزين للابنة راشيل أن تمارس الجنس مع من تشاء من أجل المال ، بل ويحضران لها الرفيق ، ولكن إلى أي مدى يفعلان هذا ، ، سارة على استعداد للوصول إلى آخر المدى ، ولكن حائم يصل إلى درجة معينة يقف عنده ، وهذا هوما أعنية بأنهما يختلفان في الدرجة 0
حائم هنا في سبيل حب ابنته ليسمون يتغاضى بعض الشيء ، وإن كان في خلده أن المكاسب تقل ، والضرائب تزيد ، والمعيشة لا تطاق ، والدولة مفلسة تتسول وتتسلح على حد قوله 0 وهذا يدفعه إلى مناصرة سيمون ، ومناصرة دعوة ليلنتال ، وهذه المناصرة ليست عن قيم يؤمن بها بقدر ما هي رد فعل للأزمة الاقتصادية التي يعيشها فهو لا يؤمن بدولة إسرائيل قدر إيمانه بما تحققه له هذه الدولة من كسب مادي ، وقد رأيناه في بداية المسرحية يتحسر على أيام الانتداب البريطاني 0
ألح باكثير على هذين الجانبين في الشخصية اليهودية : المال والجنس في سبيل المال ، وكل شيء يهون بعد ذلك 0
ويلاحظ على باكثير في رسمه لشخصياته أنه يرسمها من بعد واحد ، وأما الأبعاد الأخرى ، فلا يحاول أن يرسمها ، وليس هذا عيبا في مسرحه السياسي ؛ لأنه يتوسل بالملهاة لعرض قضاياه ، والملهاة تتطلب من الكاتب أن يركز على جوانب خاصة في الشخصية تجعل منها مع غيرها من الشخوص كلا متكاملا في بناء الكوميديا ، وهو إذن لا يرسم شخصية إنسانية بكل أبعادها الإنسانية والمعول هنا هو أن تكون أبعاد الشخصية مع غيرها من الشخصيات في وحدة كاملة 0 لا تخرج على الخط المرسوم لها 0 وهذا هو ما فعله باكثير 0
ليس غريبا إذا أن ترى كل شخصيات المسرحية من اليهود يشترك هذا البعد في تكوينها ، وسيمون أيضا ، وهو صاحب قضية يناضل في سبيلها 0 ولكن باكثير يريد أن يؤكد أن الشخصية اليهودية لها سمات معينة تتوارثها جيلا بعد جيل ، وليست وليدة البيئة أو المجتمع ، ولكنها وليدة العرق والعنصر0 وهذه حقيقة علمية ، تظهر دائما عند كل الجماعات التي ترفض الذوبان في المجتمعات التي تعيش فيها ، وتنغلق على نفسها ، واليهود أكثر الجماعات انغلاقا على نفسها 0
ومن أبعاد شخصية حائم أنه لا يعرف اليأس والقنوط ، وحين أدرك أن الدولة تعيش أزمة اقتصادية ، وأدرك أن هذه الأزمة مستمرة ؛ لأنها تعيش على التسول على حد قوله ، ولم يجد مفرا من أن يشجع سيمون على الانضمام إلى المناضلين من أجل تصفية إسرائيل 0
وراشيل مسرحيتنا هذه هي راشيل ( شيلوك الجديد ) 0 وراشيل شيلوك جرت عبد الله العربي الفلسطيني إلى الموائد الخضراء ، وأوهمته أنها تحبه حتى تحصل منه على الهدايا ، وحتى تضطره إلى بيع أرضه لليهود ، وقد نجحت في مهمتها – كما شاركت في حركة النسل اليهودية إذ حملت من عبد الله – كان هذا من قبل أن تقوم دولة إسرائيل – أما وأنها قائمة في مسرحيتنا هذه ، فإن راشيل تزاول نشاطها في معسكرات الإنجليز في القنال ، فإذا ما وقعت اتفاقية الجلاء المصرية الإنجليزية عادت إلى إسرائيل ، لتزاول نشاطها حتى تتزوجه 0
وهدف راشيل ليس الحصول على تكملة الدوطة ، ولكنها طبيعة في المرأة اليهودية أن تقوم بهذا الدور وراشيل خائفة على إسرائيل؛ لأنها تستلب منها أموالها ، وحين يقرر سيمون الرحيل إلى مصر ، وتقرر السفر معه ليعيشا في مصر متهما بالتجسس .
أما سيمون ، فهو مصري يهودي ، لذلك تراه يحس بالغيرة على راشيل إلا أن هذه الغيرة لم تصل به إلى الحد تجعله يمنعها من اتخاذ الأخدان ،أو حتى يعترض على هذا التصرف ، ولكنه يسكت من أجل إكمال الدوطة كما تقول له ، وكما يقول له حائم ، ولقد دفعته سارة إلى مغازلة السنيورة جوليا وإن حاول الاعتراض 0
كل شخصيات المسرحية تصور بعدا واحدا هاما في الشخصية اليهودية حب المال حبا جما
الهوامش:-
1- انظر : عبد الله الطنطاوي ، فلسطين واليهود في مسرح علي أحمد باكثير ، بيروت ، الدار الشامية 0
2- أحمد السعدني ، أدب باكثير المسرحي ، ص 260
3- علي أحمد باكثير ، مسرحية شعب الله المختار ، ص8
4- أحمد السعدني ، أدب باكثير المسرحي ، ص 268