الدكتور جاسم المطوعكيف نتعامل مع عصبيتنا وغضبنا؟




دخل علي يشتكي من زوجته وبدأ حديثه معي بقوله أنا عصبي وسريع الغضب وزوجتي لا تفهمني ولا تحسن التعامل معي، ثم بدأ يشرح لي قصة حياته من يوم زواجه الى لحظة عرض المشكلة الأسرية علي، فسألته في ختام حديثه: كيف تريدني ان اساعدك؟ قال ان تكلم زوجتي لتحسن معاملتي وقت الغضب.
قلت له: حسنا ولكن هل تسمح لي ان اكلمك اولا؟ فرد علي: نعم تفضل، قلت له: عندما تصف نفسك بانك عصبي وسريع الغضب فكانك تحكم على هذه الصفة بانها لازمة لك ولا تستطيع التخلص منها، وكلامك هذا خطأ لان السلوك صفة مكتسبة للانسان، وبيدك ان تتخلص من اي سلوك لو اردت.
دعني اشرح لك امرا مهما عن الغضب، ان في الانسان خمسة مشاعر اساسية يتفرع منها مشاعر ثانوية والخمسة هي: «الغضب والحزن والخوف والفرح والحب» وكلها مشاعر يحتاجها الانسان وكل شعور له جانب سلبي وايجابي ومنها الغضب فعندما تقول لي انا عصبي فانك تصف مشاعر الغضب بانها سلبية دائما وبامكانك ان تجعل غضبك ايجابيا فتستفيد منه.
فنظر الي مستغربا وقال: كيف ذلك؟ قلت له: فعندما تتعرض لتهديد او سرقة او عدوان لا قدر الله او تنتهك حرمة الله ففي هذه الحالات يكون غضبك ايجابيا، اما عندما تغضب على زوجتك وابنائك كل يوم حتى صاروا يهربون منك ومن الجلوس معك او الحديث اليك كما ذكرت فهذا هو الغضب السلبي، عليك ان تنتبه لنفسك وتتعلم حسن ادارة مشاعرك حاول وتدرب ان تسيطر على عصبيتك من خلال ضبطها، فاذا شعرت بالغضب السلبي غير جلستك او قم وتوضأ وصل ركعتين او غير مكانك حتى تهدأ نفسك، ولا تقل هذا طبعي وانا عصبي او الطبع يغلب التطبع فهذه العبارة صحيحة لمن لا يسعى لتغيير طبعه، وكذلك هي صحيحة في عالم الحيوان وليس في عالم الانسان فانت لديك ارادة وعقل تستطيع ان تميز وتحكم على الاشياء وتعرف ما يضرك وما ينفعك كما لديك القدرة على تغيير سلوكك وطبعك ولو تجاوز عمرك السبعين عاما.
ثم دعني اضف لك شيئا مهما هل تعلم ان الغضب هو الاصل لمشاعر ثانوية اخرى تخرج منه! فالغضب ينبثق منه الكراهية والشعور بالمرارة والاستياء والغيرة الشديدة والاشمئزاز والعنف بل وحتى الحسد لا يخرج الا من النفوس الغاضبة ولهذا كرر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ناصحا احد الصحابة بقوله: « لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب» فهذا منهج عظيم في ادارة المشاعر فالغضب هو اساس الامراض الصحية وهو كذلك اساس الخسارة في العلاقات الاجتماعية وكراهية الناس لك وبعدهم عنك.
قال: والله كانك تعيش معي وانت تتكلم هذا الكلام، ثم نظر الي وقال: انا قررت ان اضبط سلوكي واحسن ادارة مشاعر الغضب عندي، ولكن هل يعني ذلك انك لن تكلم زوجتي؟ قلت له: لو تحب ان اكلمها فلا مانع لدي، ولكني ارى المشكلة فيك وليست في زوجتك، فما رأيك ان تذهب الان لتعمل بما ذكرته لك ونسمع اخبارك بعد شهر ثم تقرر اذا كنت تريدني ان اكلم زوجتك ام لا؟ فاتفقنا وذهب ثم عاد بعد شهر وقال: شكرا لك، ولا داعي لحديثك مع زوجتي، فابتسمت وقلت له وكيف حالك الآن؟ قال: خلال الشهر عشت الآية الكريمة (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم)، قلت له مازحا: والآن انصحك بأن تؤسس جمعية «لا للغضب» الخيرية، فضحك وضحكنا ان الغضب جمرة من الشيطان واننا نحتاج الى ان نعلم كيف ندير مشاعرنا ونتحكم بها من خلال التربية البيئية والتعليم المدرسي والتدريب الوظيفي والتوعية الاعلامية والمنابر الوعظية حتى نعيش متوازنين نفسيا وسعداء اجتماعيا وسلوكيا.
* خبير استشاري في مجال الأسرة والتربية،
ورئيس قناة اقرأ الفضائية وعضو مؤسس
لعدد من الجمعيات الاجتماعية والمراكز الدعوية
Drjasem@