أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم
فوائد من {صيد الخاطر }: فوائد من {صيد الخاطر }:
1 ـ قد يعرضُ عند سماع المواعظ للسامع يقظة ، فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القسوة والغفلة !
فتدبرت السبب في ذلك فعرفته .
ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك :
فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها لسببين :
أحدهما : أن المواعظ كالسياط ، والسياط لا تُؤلم بعد انقضائها إيلامها وقت وقوعها .
والثاني : أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاحُ العلة ، قد تخلىبجسمه وفكره عن أسباب الدنيا ، وأنصت بحضور قلبه ، فإذا عاد إلى الشواغلاجتذبته بآفاتها فكيف يصح أن يكون كما كان ؟ ! .
إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاء الأثر :
فمنهم من يعزم بلا تردد ، ويمضي من غير التفات فلو توقف بهم ركب الطبع لضجوا كما قال حنظلة عن نفسه : نافق حنظلة .
ومنهم أقوام يميل بهم الطبع إلى الغفلة أحياناً ، ويدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحياناً ، فهم كالسنبلة تُميلها الرياح .
وأقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه كماء دحرجته على صفوان . ص37 ـ 38 .
2 ـ كان الفضيل بن عياض يقول : إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي .
واعلم وفقك الله أنه لا يُحس بضربةٍ مُبنج ، وإنما يعرفُ الزيادة من النقصان المحاسِبُ لنفسه .
ومتى رأيتَ تكديراً في حال ، فاذكر نعمةً ما شُكِرت أو زلةً قد فُعلت . ص49 .
3 ـ تأملت حرص النفس على ما مُنِعت منه ، فرأيتُ حرصها يزيد على قدر قوة المنع .
وفي الأمثال : المرء حريصٌ على ما مُنع ، وتواق إلى ما لم ينل .
ويقال : لو أُمر الناس بالجوع لصبروا ، ولو نهوا عن تفتيت البعر لرغبوا فيه وقالوا : ما نهينا عنه إلا لشيء .
وقد قيل : أحب شيء إلى الإنسان ما مُنعا .
فلما بحثت عن سبب ذلك وجدت سببين :
أحدهما : أن النفس لا تصبر على الحصر فإنه يكفي حصرها في صورة البدن فإذاحُصِرت في المعنى بمنعٍ زاد طيشها . ولهذا لو قعد الإنسان في بيته شهراً لميصعب عليه ، ولو قيل له : لا تخرج من بيتك يوماً طال عليه .
والثاني : أنها يشق عليها الدخول تحت حُكمٍ ، ولهذا تستلذ الحرام ، ولا تكاد تستطيب المباح .
ولذلك يسهل عليها التعبد على ما ترى وتؤثره لا على ما يُؤثر . ص 87 ـ 88 .
( علق المحقق بقوله : أي : تتعبد كما تشاء بالبدع والأهواء ، ولكن الالتزام بما يؤثر من السنن صعب ويحتاج إلى صبر ومعاناة ) .
4 ـ قال أبو بكر المروذي : سمعت أحمد بن حنبل يرغبُ في النكاح ، فقلت له : قال ابن أدهم . فما تركني أتمم حتى صاح علي وقال : أذكُرُ لك حال رسولاللهوأصحابه وتأتيني ببنيات الطريق ؟ ! ص 120 .
ـ أصل الأصول العلم ، و أنفع العلوم النظر في سِيَرِ الرسولوأصحابه ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) . ص127 .
6 ـ احذروا إخواني من الترخص فيما لا يؤمن فساده فإن الشيطان يُزين المباحفي أول مرتبة ، ثم يجُرُ إلى الجناح ، فتلمحوا المآل ، وافهموا الحالوربما أراكم الغاية الصالحة ، وكان في الطريق إليها نوعُ مخالفة !
فيكفي الاعتبار في تلك الحال بأبيكم : ( هل أدلك على شجرة الخلد وملك لايبلى ) . إنما تأمل آدم الغاية وهي الخلد ولكنه غلط في الطريق .
وهذا أعجب مصايد إبليس التي يصيد بها العلماء يتأوّلون لعواقب المصالح ، فيستعجلون ضرر المفاسد ! . ص 153 .
7 ـ قال بعض العلماء : إن الله تعالى قال في المكروهات : ( كُتِبَ عليكمالصيام ) على لفظٍ لم يُسَم فاعلُه ، وإن كان قد عَلِمَ أنه هو الكاتب . فلما جاء إلى ما يوجب الراحة قال : ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) . ص 164 .
8 ـ لقيت مشايخ ، أحوالهم مختلفة ، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم ، وكانأنفعهم لي في صحبته العامل منهم بعمله ، وإن كان غيره أعلم منه .
ولقيت جماعة من علماء الحديث يحفظون ويعرفون ، ولكنهم كانوا يتسامحون بغيبةيخرجونها مخرج جرح وتعديل ، ويأخذون على قراءة الحديث أجرة ، ويسرعونبالجواب لئلا ينكسر الجاه ، وإن وقع خطأ .
ولقيت ُ عبدالوهابالأنماطي فكان على قانون السلف ، لم يُسمع في مجلسه غِيبة ، ولا كان يطلبأجراً على سماع الحديث ، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق بكى واتصلبكاؤه ، فكانـ وأنا صغير السن حينئذ ـ يعملُ بكاؤه في قلبي ويبني قواعد ،وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل .
ولقيتالشيخ أبا منصور الجواليقي ، فكان كثير الصمت ، شديد التحري فيما يقول ،متقناً ، محققاً ، وربما سُئِل المسألة الظاهرة التي يُبادِرُ بجوابها بعضُغلمانه ، فيتوقف فيها حتى يتيقن ، وكان كثير الصوم والصمت .
فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما .
ففهمت من هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول .
ورأيت مشايخ كانت لهم خلوات في انبساط ومُزاح ، فراحوا عن القلوب ، وبددتفريطهم ما جمعوا من العلم ، فقل الانتفاع بهم في حياتهم ، ونُسوا بعدمماتهم ، فلا يكاد أحد أن يلتفت إلى مصنفاتهم .
فالله الله في العلم بالعمل فإنه الأصل الأكبر .
والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به ، ففاته لذات الدنياوخيرات الآخرة ، فقدم مفلساً على قوة الحجة عليه . ص258 ـ 260 .
ـ كان ابن عقيليقول : من قال : إني لا أحب الدنيا فهو كذاب فإن يعقوب
لما طُلب منه ابنه بنيامين قال : ( هل آمنكم عليه ) فقالوا : ( ونزداد كيل بعير ) فقال : خذوه . ص273 .
10 ـ للحفظ أوقات من العمر ، فأفضلها الصبا وما يقاربه من أوقات الزمان ،وأفضلها إعادة الأسحار وأنصاف النهار ، والغدوات خير من العشيات ، وأوقاتالجوع خير من أوقات الشبع .
ولا يحمد الحفظ بحضرة خضرة وعلى شاطئ نهر لأن ذلك يُلهي ، والأماكنالعالية للحفظ خير من السوافل .
والخلوة أصل .
وجمع الهم أصل الأصول .
وترفيه النفس من الإعادة يوماً في الأسبوع ليثبت المحفوظ ، وتأخذ النفس قوة كالبنيان يُترك أياماً حتى يستقر ، ثم يُبنى عليه .
وتقليل المحفوظ مع الدوام أصل عظيم .
وأن لا يشرع في فن حتى يُحكِم ما قبله .
ومن لم يجد نشاطاً للحفظ فليتركه فإن مكابرة النفس لا تصلح .
ثم لينظر ما يحفظ من العلم فإن العمر عزيز والعلم غزير ، وإن أقواماًيصرفون الزمان إلى حفظ ما غيره أولى منه ، وإن كان كل العلوم حسناً ، ولكنالأولى تقديم الأهم والأفضل .
وأفضل ما تُشوغِل به حفظ القرآن ، ثم الفقه ، وما بعد هذا بمنزلةِ تابع .
ومن رزق يقظة دلته يقظته فلم يحتج إلى دليل ، ومن قصد وجهالله تعالىبالعلم دله المقصود على الأحسن ، ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) . ص 311 ـ 313 .
11 ـإخواني ! اسمعوا نصيحة من قد جرب وخبر .
إنه بقدر إجلالكم للهيجلكم ، وبمقدار تعظيم قدره واحترامه يعظم أقداركم وحرمتكم .
ولقد رأيت والله من أنفق عمره في العلم إلى أن كبرت سِنه ، ثم تعدى الحدود، فهان عند الخلق ، وكانوا لايلتفتون إليه مع غزارة علمه ، وقوة مجاهدته .
ولقد رأيت من كان يراقب اللهفي صبوته ـ مع قصوره بالإضافة إلى ذلك العالم ـ ، فعظم الله قدره فيالقلوب حتى علقته النفوس ووصفته بما يزيد على مافيه من الخير . ص336 .
12 ـ والله لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت ، ويتخشع في نفسه ولباسه والقلوب تنبو عنه ، وقدره في الناس ليس بذاك !
ورأيت من يلبس فاخر الثياب وليس له كبير نفل ولا تخشع ، والقلوب تتهافت على محبته .
فتدبرت السبب فوجدته الســــــريــــــــرة .
فمن أصلح سريرته ، فاح عبير فضله ، وعبقت القلوب بنشر طيبه .
فالله الله في السرائر ، فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر . ص 355 .
13 ـ قرأت سورة يوسف، فتعجبت من مدحهعلى صبره ، وشرح قصته للناس ، ورفع قدره بترك ما ترك .
فتأملت خبيئة الأمر فإذا هي مخالفة للهوى المكروه .
فقلت : واعجباً ! لو وافق هواه من كان يكون ؟ ! ولما خالفه لقد صار أمراًعظيماً تُضرب الأمثال بصبره ويفتَخِرُ على الخلق باجتهاده ، وكل ذلك قد كانبصبر ساعة ، فيا له عزاً وفخراً أن تملك نفسك ساعة الصبر عنالمحبوب وهوقريب .
فتلمحوا رحمكم الله عاقبة الصبر ونهاية الهوى ، فالعاقل منميز بين الأمرين الحلوين والمرين ، فإن عَدَلَ ميزانه ، ولم تمل به كفةالهوى رأى كل الأرباح في الصبر ، وكل الخسران في موافقة النفس .
وكفى بهذا موعظة في مخالفة الهوى لأهل النهى ، والله الموفق . ص 366 ـ 367 .
ـ رأيت من الرأي القويم أن نفع التصانيف أكثر من نفعالتعليم بالمشافهة لأني أشافه في عمري عدداً من المتعلمين ، وأشافه بتصنيفيخلقاً لا تحصى ما خلقوا بعد .
ودليل هذا أن انتفاع الناس بتصانيف المتقدمين أكثر من انتفاعهم بما يستفيدونه من مشايخهم .
فينبغي للعالم أن يتوفر على التصانيف إن وفق للتصنيف المفيد فإنه ليس كلمن صنف صنف ، وليس المقصود جمع شيء كيف كان ، وإنما هي أسرار يطلع اللهعزوجل عليها من شاء من عباده ويوفقه لكشفها فيجمع ما فُرق ، أو يرتب ماشُتت ، أو يشرح ما أُهمل ، هذا هو التصنيف المفيد .
وينبغي اغتنام التصنيف في وسط العمر لأن أوائل العمر زمن الطلب ، وآخره كلال الحواس . ص 386 ـ 387 .
هذه أيها الإخوة جملة من فوائد هذا الكتاب العاطر ، صيد الخاطر ، وحق جملةمن الموضوعات في الكتاب الحفظ وليس القراءة فقط ، ولقد من الله علي بقراءةالكتاب ثلاث مرات ، وكنت في كل مرة أقيد فوائد جديدة لم أقيدها في القراءةالتي قبلها ، وأحببت فقط إتحافكم بشيء من فوائده لأن هذا الكتاب لا يستغنىعن قراءته مطلقاً ، ومن باب النصح آمل ممن لم يقرأ هذا الكتاب أن يقتنينسخة دار ابن خزيمة بتحقيق عامر علي ياسين فقد تعقب ابن الجوزيفي عدة مواطن من كتابه وهي تعقبات نافعة مهمة لقارئ الكتاب للمرة الأولى .شافي مسفر المطلق