محاضرة بعنوان:
تربية الأولاد أمانة ومسؤولية
إعداد وتقديم : عمر بن مالك
بمسجد: سعد بن معاذ بأركشاش أقبلي ولاية أدرار
في إطار
برنامج المحاضرات الدينية
تحت إشراف فضيلة الشيخ : أحمد بن مالك حفظه الله تعالى آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المخلوقين سيِّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. أمّا بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تع
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المخلوقين سيِّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. أمّا بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وخير الأمور ما كان سُنّة، وشرّ الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار.
أيُّها الإخوة الحضور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتقبل الله منكم الصّيام وصالح الأعمال، وأصلح لكم الذرية آمين، وإن الكلمة التي سألقيها على مسامعكم، عنوانها: (تربية الأولاد أمانة ومسؤولية).
إن الأبناء هبة ربانية ، ونعمة عظيمة من الله تعالى، وهم زينة الحياة وزهرتها، وذلك إذا أحسن الوالدان تربيتهم وتنشئتهم تنشئة صالحة فيكونون قرةَ أعين لآبائهم، و إلا فهم مصدر فتنة و شقاء، و لقد اهتم الإسلام بالأولاد اهتماماً عظيماً؛ لأنهم البنية الأولى للمجتمع المسلم، بهم يقوى شأنه، ويعلو أمره، وبهم تقوم الأمم، وتعلو الهمم، وهم الساعد الأيمن لأمتهم. وهم فلذات الأكباد، يخففون عن آبائهم متاعب الحياة وهمومها، وجودهم في البيت كالأزهار في الحدائق، يضفون عليه البهجة والسرور تسرُّ الفؤادَ مشاهدتُهم، وتقرُّ العينَ رؤيتُهم، وتبتهج النفسُ بمحادثتهم، وهم الأكباد التي تمشي على الأرض.
وإنمـا أولادنا بيـنــنا أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني من الغمض
ولقد حثَّ الإسلامُ على تربيتهم، ومحاولة وقايتهم من النارِ فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)، وقال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) وقال عز وجل: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ)، ويقولُ صلى الله عليه وسلم: (الرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأةُ راعيةً في بيتِ زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها). وفي الترمذي: (لأن يؤدب الرجلُ ولدَه خيرٌ من أن يتصدق بصاع) .وفيه أيضاً: (ما نحل والدٌ ولدًا من نحل أفضل من أدب حسن) وفي المسند: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ) الحديث، وعند عبد الرزاق: (علموا أولادكم وأهليكم الخير وأدبوهم). وقال صلّى الله عَلَيه وسَلَّم: (أَدِّبُوا أْولاَدَكُم على خصال ثَلاَثٍ؛ عَلَى حُبِّ نَبِيِّكُم، وحُبِّ أَهل بَيته، وَعَلَى قِرَاءَةِ القرآن، فَإِنَّ حَمَلَةَ الْقُرآن في ظلِّ الله يوم لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ مع أَنبيائه وَأَصفِيَائه). وفي الأثر: (علّموا أبناءكم السباحة والرِّماية).
وقال ابن عمر-رضي الله عنهما-:"أدِّب ابنك فإنك مسئول عنه، ماذا أدبته وماذا علَّمته؟ وهو مسئول عن برَّك وطواعيته لك".
وكما قيل : "الرجال لا يولدون بل يُصنعون".
وينشأُ ناشئُ الفتيـانِ فينـَّا على ما كان عوَّدهُ أبـوه
ومادان الفتى بحِجىً و لكن يعوِدهُ التدين أقربـوه
والولدُ في صغرهِ أكثرُ استقبالاً واستفادةً من التربية .
قد ينفعُ الأدبُ الأولادَ في صغرٍ وليس ينفعُهم من بعـده أدبُ
الغصـونُ إذا عـدلتها اعتدلت ولا يلينُ ولو لينتـهُ الخشب
فالولدُ الصغير أمانةً عند والديهِ إن عوداهُ الخيرَ اعتاده، وإن عوداهُ الشرَ اعتاده ، قالت أم سليم لزوجها: (فإن الله قد أعارك ابنا ومتعك به ما شاء)
والولد الصالح البار الذي يدعو لوالديه، من الأعمال التي تجرى للوالدين بعد وفاتهما، (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) وإذا تأملنا كلَّ ذلك نجده ثمرة طيبة لتربية حسنة طيبة، كذلك البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه.
وفلذات الأكباد أحق بالحفاظ عليهم من ما يسوؤهم، وبالاهتمام بهم في جميع شؤونهم. سلوكِهم، وأخلاقِهم، وفي أقوالِهم وأفعالِهم، فإن كان الخير أكرمناهم وشجعناهم، وإن كان غير ذلك نهيناهم وحذرناهم. فالمحافظة على الصلوات والأذكار وفعل الخيرات، وحفظ القرآن والسنة، وتعلم الآداب والعلوم النافعة أمرٌ يشجَّع عليه الأبناء من قبل الوالدين والعكس، فإذا أقبل الأبناء على عمل غير صحيح يحذروا منه ويعاقبوا عليه.
ومما يعين على ذلك: الدعاءُ للأولاد بالصَّلاح، كما حكى الله عن إبراهيم الخليل أنه قال:{رَبِّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينِ}. وقال: {رَبّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلوٰةِ وَمِن ذُرّيَتِى}. وقال هو وإسماعيل: {رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}. وعن زكريا: {رَبّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَاء} وقبل ذلك عن الأبوين عليهما السلام أنهما قالا: {لَئِنْ ءاتَيْتَنَا صَـٰلِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ}. ومطلب عباد الرحمن: {وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}
وأن لا ندعو عليهم أبداً ولو في حال السخط؛ ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم) .
وللأبناء على آبائهم حقوق كثيرة حثّ عليها الشرع وألزم الآباء بها، مثل: الأذانُ في أذنِ المولود، وتحنيكه وحلقُ رأسه، واختيارُ الاسم الحسن له، والعقيقةُ عنهُ وختانه .
وقيل: (وسر التأذين والله أعلم أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الله وعظمته، والشهادة التي أول ما يُدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يُلقن كلمة التوحيد(لا إله إلا الله) عند خروجه من الدنيا، فكذلك يُلقنها المولود عند دخوله إلى هذه الدنيا).
وأن يكون الاسم حسنًا، فلا يُسمى باسم قد يُعيَّرُ به عند كبره، وأحسن الأسماء ما عُبِّد وحُمّد، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أحبَّ أسمائكم إلى الله عز وجل عبدُ الله وعبدُ الرحمن) رواه مسلم.
ثم التسمية بأسماء الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ، وكذلك التسمية بأسماء الصحابة والعلماء والصالحين، أو يكون اسمًا حسنًا، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر بتحسين الأسماء، فقال: (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءَكم) رواه أحمد.
كما ينهى عن التسمية بالأسماء المعبّدة لغير الله تعالى، وكذا بأسماء الله، أو بأسماء اليهود والنصارى وسائر الكفار والطغاةِ، وكذلك بالأسماء التي تدلّ على التزكية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن زينب رضي الله عنها كان اسمها برّة، فقيل: تزكّي نفسها، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب.
كما نَهى صلى الله عليه وسلم عن التسمية بأسماء أخرى، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُسمّيّن غلامك يسارًا ولا رباحًا ولا نجيحًا ولا أفلَح، فإنك تقول: أثَمَّ هو؟ فلا يكون) رواه مسلم.
ولقد قرر الاسلام كل القواعد والضوابط اللازمة لبناء بيت التربية الصالحة، بدءا من اختيار الزوجين، إلى المودة والرحمة بينهما، إلى ضمان حقوق الأبناء في الوجود والرضاع والإنفاق والميراث وغيرها. وذلك ليكون البيت مناسبا للتربية الصالحة .
ومسؤولية تربية الأبناء، حِمْلُها ثقيل، وحسابها عسير يوم القيامة، لأنها تحَمُّل أمانة الفطرة الربانية النقية: {فطرة الله التي فطر الناس عليها}
والقرآن الكريم مليء بالقصص التربوية والمواعظ والتوجيهات في أحوال الآباء وأبناهم، والأبناء وآبائهم، منها وصايا لقمان لابنه مرشدا وموجّها له: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} إلى قوله: {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}.
هذه الوصايا منهج تربوي حكيم للتربية الإسلامية المتكاملة، أوصاه أولا بالتوحيد وهو أساس الدين، ثم بالصلاة وهي عموده، ثم بمكارم الأخلاق، فجمع له أركان الإيمان والعبادة والمعاملة.