ينهض باكراً
يعيد ترتيب سريره
يعيد وسادته إلى مكانها
يقبل الوسادة الأخرى قبلة الصباح
يغسل وجهه ببطء ويقف أمام المرآة
ثم يعد فطوره المتواضع
يلبس قميصه الأبيض
يرتدي معطفه الأسود
يمشط شعره الأبيض برفق
يعتمر قبعته الأنيقة
يرتدي نظارته السوداء
يأخذ عصاه و يخرج
يمشي بهدوء نحو الحديقة
تسمع وقع عصاه المتناغم
يجلس على كرسيه المعتاد
يخرج صورة من جيبه
يتحسسها!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتلمس أطرافها بغاية الحذر
كطبيب يتحسس موضع الألم
يرفعها إلى أعلى
يشمها في نفس عميــــــــــق
يعانق الصورة في مشهد غرامي
ويطبع عليها قبلة من شفاهه المرتجفة
تحط حمامة بيضاء في حجره
وكأنها اعتادت لقاءه كل صباح
فيربت عليها في حنان
ويخرج كيس حبوب كان قد ابتاعه بالأمس
يسكبه في يده ,وتتناول الحمامة وجبتها
وهو يمسح على ريشها برقة متناهية
ويده الأخرى ما تزال تعانق الصورة
وما تزال القبل والأحضان تترى
في منظر لا يمر على أحدٍ بسهولة
ثم تنحدر دموعه من خلف سواد نظارته
وتسيل عبر تجاعيد خده
كأنها تعرف طريقها على تضاريس وجهه
لكن كان بكاءً صامتاً
حتى الحمامة لم تشعر به
يمسح دموعه باستمرار وفي حرص
ألا تنال تلك الصورة فتتلف منها شيئاً
وفجأة تعلو محياه ابتسامه دافئة
ثم يتمتم بكلام ويبتسم مرة أخرى
وكأنه يتكلم مع أحدهم
يحرك يده ويتلمس في الهواء
ثم يبتسم بأجمل ابتسامة
ابتسامة طفولية..صادقة
تتمسح الحمامة برداءه
وكأنها تشكره وتستأذنه أن ترحل
يرفعها بيده ثم يطلقها لتحلق حوله قليلاً وتمضي عنه
يعيد الصورة بحرص إلى محفظته العتيقة
يمسك عصاه و ينهض عائداً لبيته
كل صباح يعيد الكرة
و ذات صباح,
جلس حيث يجلس دائماً
جاءته الحمامة في موعدها
أخرج الصورة كعادته
وبدأ المشهد الحميمي
لكن على غير العادة,
أخذ يضم الصورة إلى صدره بشدة
بعدها أسند ظهره إلى الكرسي ليستريح
ثم دب الهدوء في جسده الضعيف
بدأت الحمامة تتمسح به كالمعتاد
وتنتظر أن يرفعها ليطلقها في السماء
انتظرت و انتظرت و انتظرت
فطارت إلى غصن شجرة قريبة
من هناك راقبت بقلق
عادت أليه مرة أخرى
لكنه لم يستقبلها كالعادة!
أخذت تحلق فوقه رأسه بسرعة
لعله يستيقظ, لكنه لم يتحرك
حطت على يده الممسكة بالصورة
فسقطت الصورة على الأرض
طارت الحمامة مفجوعة تتخبط في السماء
علت محياه نفس الابتسامة
ومن عينه كانت تتأرجح الدمعة
في تناقض و تناغم يصعب فك رموزه
كانت الصورة لفتاة جميلة
بجوارها فتىً وسيم
يمسك بيدها و كلاهما يمعن النظر في الآخر
بنظرات تشتعل بالحياة
.
.
" ربما بكاها حتى فقد البصر"
" ربما لم يعد يطق بعدها النظر"
.
.
أليس الحب أعمى ؟