بسمـ الله الرحمنـ الرحيم
7
7
7
7
7
7
7
7
7
7
7
الروائية (نجوى العوفي) تسطر بحروف من ذهب الرجل الذي لا أعرفه
الرجل الذي لا أعرفه
يعج المطار بالناس ، هذا يحمل حقيبته ، وهذا يتكئ على الجدار ، وتلك تنادي صغيرها الذي أبتعد جرياً وراء كرته المتدحرجة بين أقدام المسافرين .
تُنبه زوجها الذي يقف بجوارنا ، يبحث بعينيه عن ابنه ، فيحمل زوجها حقيبة زوجي بدل حقيبته ، فأمسك بيد زوجي لأنبهه لهذا الخطأ ، قبل أن يبتعد ذاك الرجل الباحث عن أبنه بحقيبة زوجي .
يثير انتباهي أهازيج وغناء وفرحة عمت أركان المطار ، وبين غمضة عين وانتباهتها تحول المطار إلى ما يشبه المحفل .
الكل يصفق ، أهازيج جميلة تملأ المكان ، أغاني ينبعاوية ، وكسرات جميلة تملأ أذناي ، شباب بعمر الزهور يتراقصون بأجساد رشيقة ، شعورٌ غريب يجتاحني فألتصق أكثر بذراع زوجي ، لم أعد أميز الوجوه فسرعان ما يحضر وجه ويختفي بالآخر القادم بعده ، المكان يضيق بينا وكأننا فوج يتجه إلى ملعب دولي ، أو حفلِ كبير .
يشعر زوجي بي ، فيمد يده الأخرى لينقلني بجوار الجدار ليبعدني عن أجساد الشباب الطائرة التي لا تشعر إلا بالنشوة والسعادة الفائضة من القلوب قبل الأعين
أمسك ذراع زوجي بقوة وأسأله في ذهول بكلمات تقتل صمتي المرتعش في حنجرتي :- ماذا هناك ، لما كل هذه السعادة ؟؟
يرد علي بحنانه المعتاد : لا شيء ، أكيد أن هناك لاعبي نادي الاتحاد .
وبين ذهولي واستنكاري للموقف أسأله :- أو يستحق الأمر كل هذا العناء !!
يشير بيده للمشجعين الذين ملئوا المكان ، وغصت بهم أركان صالة المطار :- أنظري إليهم ، ماذا تقرئي في وجوههم .
تصفيقة جميلة ، موال ينبعاوي ، يشق ضجيج المشجعين ، ينهمر صوت غنائهم كمطر عذب بارد يغسل القلوب بلمسة فرح دافئة تبعث في الأعين لألئ تكاد تضيء من شدة لمعان الفرح داخلها ، شعارات لونها أصفر مقلمة بالأسود يتناقلها الشباب وهم يهتفون للاتحاد :
أووووووووووووه يا أتي يا موج البحر
أووووووووووووه يا أتي يا مهندس كور
أووووووووووووه يا أتي سلطان وأمر
أووووووووووووه لأمرك جمهورك حضر
موج البحر
موج البحر
أوووه أوووه
صعب وخطر إذا هدر
أووووه أوووووه
موج البحر
موج البحر
أووووه أووووه
أووووووووووووه يا أتي يا عشق البشر
أووووووووووووه يا أتي يا موج البحر
تنتقل السعادة بين المسافرين وكأنها نحلة وجدت زهراً فرقصت فرحاً فاجتمعت الخلية بأكملها لتنعم بالرحيق العذب .
وسط الجموع ، تقع عيني على طفل المرأة الضائع خلف كرته المتدحرجة ، يلاعبه رجل في الأربعينات من عمره ، تغمره سعادة عظيمة بالمشجعين ، يكاد ينطق لسانه فرحاً بأهازيجهم ، يجامل هذا ، ويمد يده للسلام على هذا ، يتحدث فلا أسمعه ، يبتسم فأشعر بسعادة الكون تنام هانئة بين حنايا قلبه المغرد بأملٍ جديد .
أشير لزوجي على الطفل : والد هذا الطفل أخذ حقيبتك بدلاً من حقيبته !!
أين هو ؟؟ هكذا يجيبني .
أشير بيدي وسط الجموع حياءً وخجلاً من أن يرانا أحد فيعتقد أني أشير إليه ، أوووووووووووه أنظري من هنا ، ما شاء الله تبارك الله !!!
نسي زوجي الحقيبة ، ولم ينظر إلى الولد بل إلى الرجل الأربعيني الواقف يلاعبه بالكرة ، وابتسامته تتوزع على من حوله ، وهم يكثرون التجمع عليه ، يكاد يختفي كبدرٍ منير وسط غمائم تحمل خيراً تريد أن تهطل سعادة وفرحاً ونشوة .
زوجي يخاطبني : وهل عرفتِ هذا الرجل من يكون ؟؟
ومن يكون ؟؟ قلتها استغراباً .
- هو سبب هذا الضجيج وهذه السعادة التي جمعت المسافرين جميعاً في هذه الصالة .
* ومن يكون ؟؟ .
- هذا منصور البلوي ، هكذا يجيبني وصوته يتدفق حماساً وفخراً .
* هل هو لاعب في نادي الاتحاد !! .
- بل قولي أنه صانع أمجاد نادي الاتحاد ، يأتيني صوته مفاخراً وقوياً .
* ما شاء الله ، تبارك الله . أرددها داخلي . ما شاء الله تبارك الله .
_ أبقي هنا ، سأتجه نحوه لعلي أستطيع أن اسلم عليه ، هكذا يأتيني صوته ، وهو يبتعد عني ، ويغص بين كل تلك الجموع .
عجباً رجل واحد يجمع هذا الكتلة من البشر المتحركة حوله ، رجل واحد يستطيع أن يحول صالة مطار باردة جافة إلى منبع سعادة وفرح !!
رجل في أوائل الأربعينات ، يستطيع أن يجمع شبابنا رغم اختلاف أعمارهم ، وميولهم وهوايتهم على سعادة واحدة ، وموجة فرح تجمعهم جميعاً في صالة باردة أصبحت بعد حرارة تصفيقهم وأهازيجهم الجميلة نارٌ كالحريق .
صوت أهازيجهم يملأ المكان ، والكل يردد في صوتٍ واحدٍ :-
بطولة يا بطولة
والآتي من يطوله
الأتي رافع الرأس
حقق لنا البطولة
بطولة يا بطولة
والآتي من يطوله
الأتي رافع الرأس
حقق لنا البطولة
الكأس الأخضر قولوا لمن
قولووووووا
ما غير الأتي ما في ولن
الكأس الأخضر قولوا لمن
قولووووووا
ما غير الأتي ما في ولن
الكأس لأجلك يا اتحاد
أنت ملكته بأجمل فن
الكأس لأجلك يا اتحاد
أنت ملكته بأجمل فن
مقبلين مقبلين يا الله على بابك
فايزين فايزين فرحة ومبارك
مقبلين مقبلين يا الله على بابك
فايزين فايزين فرحة ومبارك
الأتي هو البطل
حقق وجاب الأمل
بالكأس عقده أكتمل
أبدع وجاب الكؤوس
يستحقها والله ، هكذا صوت زوجي يوقظني من أفكاري الهاربة بي إلى بحيرة التساؤلات التي تقذفني بسؤال بعد سؤال ، وتكثر حولي علامات التعجب ، وتزيد علامات الاستفهام ، وأشعر بأني بلهاء وسط موجةِ فرحٍ شقت عباب السماء ، وأنا لم يصلني من فرحهم ماءً أو نار .
* هل سلمت عليه بهذه السرعة ، سألته بذهول .
- أجابني وهو يحمل حقيبة ذلك الرجل الباحث عن ابنه ، وهل مع كل هذا الجمع أستطيع الوصول له !!! .
- أردف قائلاً :- لو لم تكوني معي ، لمكثت أزاحم هذا الحشد حتى أصل إليه .
هيا بنا فلنمضي .
* وهل يستحق الأمر كل هذا العناء !!! .
أحمل حقيبتي ، وأنظر مجدداً إلى هذا المنصور ، وفي نفسي أردد ، أو يستحق !! أو يستحق !! .
يبتعد بي زوجي إلى مكانٍ آمن ، فقد امتلأت الصالة بالمشجعين ، وبدأنا نسير عكس التيار ، هم يتدفقون إلى الداخل ، ونحن نخرج إلى ركن يعصمنا من هذا الإعصار البشري الذي أجتاح صالة الانتظار .
يقف بي زوجي عند كراسي حديدية تقبع خارج صالة الانتظار ، وقبل جلوسي أشير لزوجي على رجل وامرأة يتجهان نحونا قائلة :- ذاك الرجل هو من اخذ حقيبتك !! .
يسلم زوجي على الرجل ، وتجلس زوجته بقربي ، أنفاسها متسارعة ، وصوت حجرشة صدرها أكاد أسمعه ، ما بالها ، أظنها تبكي !!
أو تبكي حقاً !! ما الذي حدث ، وما هو الأمر المبكي !!
يبتعد زوجي مع زوجها ، ويدخلا الصالة المليئة بالأهازيج الاتحادية الجميلة ، والشباب الراقص حباً وفرحاً .
يا ليله دانه يا هووووه
والإتي جانا ايووووه
يا ليله دانه يا هووووه
بالكأس جانا يا هووووه
يا عميد النوادي
أنت يا حبي الكبير
إتحادي إتحادي
أتي وفي لعبه خطير
يا عميد النوادي
أنت يا حبي الكبير
إتحادي إتحادي
أتي وفي لعبه خطير
كل ما عيني تشوفك
أنسى همي والكدر
أعشقك من صغر سني
تسألني وصوتها يغرق في دمعات عينها :- ألا تعرفين إلى أين يذهبان ؟؟
يقطع صوتها تلك الأهزوجة الجميلة ، ألتفت إليها قائلة بكل ثقة :- أكيد أنهما ذهبا ليحضرا ابنك .
هنا قفزت الكلمات من فمها سريعة رشيقة وقوية :- وهل تعرفين أين ابني ؟؟
نعم هكذا أجبتها !! أنه بالداخل يلاعبه رئيس نادي الاتحاد السعودي / منصور البلوي .
ماذا ، بدهشة تقولها لي ، وتردف قائلة :- وهل منصور البلوي هنا معنا في هذه الصالة .
* نعم ، ولماذا كل هذه الدهشة ، أليس بشر مثلنا ، أليس هذا المطار هو مطار دولي ، أم أن له معاملة خاصة وأنا لا اعلم .
- أكيد أنك لا تعرفين من هو منصور البلوي ؟؟ .
* لا ، لا اعرفه ، ولا أريد أن اعرفه ؟؟ هكذا أجبتها لأنهي هذا الحوار الذي لا يحمل اليوم إلا التمجيد برجل ، العالم بأسره يعرفه ، وأنا أجهله تماماً .
أبحث عن شيء يسليني ويبعد عني هذا التوتر الذي أصابني فجأة وبدون سبب .
تقع عيني على مجلة بعيدة مني ، ربما أجد فيها ما يسليني ، ولكن أين صاحبها ، ربما مشجع من المشجعين ، أو ربما معجب فقط مثل المعجبين الذين أمطرتني أسئلتهم اليوم بأعرف أو لا أعرف .
وصلت إلى تلك المجلة التي أغرتني بأوراقها الملونة فربما أجد فيها ضالتي ، رفعت المجلة من على الكرسي ، ومكثت مكانها ، وبدأت أقلب أوراقها ، ويا للهول كان القدر أمامي بالمرصاد ، أنها مجلة رياضية بحته
ولكن غلافها يضيء بابتسامة عريضة تعتلي وجه منصور البلوي ، لقاء صحفي فاخر ، تضيء المجلة بأكثر من ست صفحات ، تحمل أسئلة من المحرر الاتحادي الواضح الميول ، أو ربما المعجب مثل باقي المعجبين ، وردود صريحة وواضحة المعالم من هذا المنصور .
بدأ الحوار بديباجة منمقة وجميلة ، وكلمات تقطر إعجاباً ورونقاً ، كلمات نُسجت لتُعرّف بالرئيس الاتحادي الحالي ، ولد في جدة ، عام 1385 ، تلقى تعليمه الأدبي بها ، وحصل على شهادته الجامعية في الاقتصاد من جامعة الملك عبدالعزيز عام 1408 هـ ، ينحدر من أسرة تجارية عريقة .
آه ، لذا هذه الشهرة ، تاجر أبن تاجر ، وأكملها بتخصصه الجامعي ، ولكن ما الذي رمى به في طريق الرياضة ؟؟ هل هي من سعت إليه !! أم هو من سعى إليها !! ولماذا الاتحاد بالذات ؟؟ .
صوت تلك المرأة يوقظني من أفكاري :- لا أستطيع أن أجلس وحيدة ، فهل تمانعين أن اجلس بقربك ؟؟.
* وما المانع ؟؟ دون أن أرفع رأسي عن الصفحات الملونة التي أقلبها بين يدي ، ألتقط جملة وأترك جملاً كثيرة ، فلست من هواة الرياضة ، ولم أتابع قط نادي رياضي أو أهتم بنادي أو مجلة رياضية كما افعل الآن .
أسمعها تتحدث ولكن لا افقه كلامها ، فحديث نفسي وكل تلك الأسئلة الهاربة من مربطها تسحبني بعيداً مع التيار الرياضي الذي أغرق فيه اليوم حتى أذني .
صوتها يختلط بأهازيج اتحادية جديدة تدخل سمعي ، وتعيدني إلى ذلك التيار الذي يسحبني اليوم ولا اعرف إلى أي اتجاه يتجه بي ، أهو إلى المحيط ، أم سيرمي بي على أحد الشطئان النائية.
قولووووووووووو ما شا الله
يا لون الذهب ما أحلى لون شعاركم
يا لون الذهب ما أحلى لون شعاركم
نعم نعم يا اتحاد أحبكم
نعم نعم فنكم يشهد لكم
نعم نعم يا اتحاد أحبكم
نعم نعم فنكم يشهد لكم
قولووووووووووو ما شا الله
يا الله يا الله يا آتي
يا الله يا الله يا آتي
هذا الأصفر هذا هو فريقي
لون الذهب لونه هو حبيبي
هذا الأصفر هذا هو فريقي
لون الذهب لونه هو حبيبي
أتي أتي عشقنا
أنت قطعه مننا
أتي أتي عشقنا
أنت قطعه مننا
يا الله يا الله يا آتي
يا الله يا الله يا آتي
الرجاء عدم الرد حتى الانتهاء من الرواية
<<<<<<<<<<<<<<<<< يـــتبع