كان كل ما كنت أعرفه عن مِصر ايام مراهقتي هو أنها أم الدنيا وأنه بلد الزحمة اقتباسا من مقطع شهير سمعناه قديما (زحمة ياد نيا زحمة؟!)
وربما أكّد ذلك كثرة مشاهدتي للأفلام المصرية التي أُولِعت بها من صغري وخصوصا أفلام الزعيم (عادل إمام؟!!)
وما دار في خلدي ولا تخيلت في ذهني أنني سأزورها بل سأقضي بها 5 سنوات كاملات عجاف ربما تخللها بعض مواسم الرخاء؟!
وأخيراً رأيتُ الزحمة بعيني ولكن لم أرَ عادل إمام؟!!
فجأة انتقلت نقلة كبيرة من حدود القرية الضيقة المعدودة والحدودة؟ إلى القاهرة وقبل أن نستكمل جميعا رحلة المذكرات بدى لي أن اتوقف قليلا مع أجواء القرية .......
نشأت في قرية صغيرة من قرى مدينة الدمام لم يدخلها التلفون إلا قبل رحيلي بقليل وأيضا كان هاتف إسقاط ؟! وكانت حادثة عجيبة آذنت ببداية تطور الحياة الإجتماعية (رغم تداخل الإصوات لأنه تلفون هوائي؟!!)
وهي قرية زراعية تحوطها المزارع من كل ناحية تضفي برادا ونسيما عليلا خصوصا في أثناء الليل ؟! رغم إزعاج الذباب والبعوض القادم من جهة المزارع؟!! ولكن تأقلمنا عليه وتأقلم علينا حتى قرصات البعوض باتت لذيذة أحيانا نفتقدها إذا تأخرت؟! ومن غريب صنع بعوض قريتنا أنه لا يقرص في الغالب إلا الغريب وأما أهل القرية فكأنه قد اكتفى بما حصّله من دماء؟!!!
عدد سكانها قرابة الألف نسمة وربما زادوا بعد رحيلي لأن نسبة المواليد فيها كثير وهي ظاهرة تستحق الدراسة؟!!
وكان جدي رحمه الله أوّل عمدة لها وأول خطيب لجامعها الوحيد ... ومازال .... أعني المجامع وأما جدي فقد انتقل إلى رحمة الله ....
وكان يُعلِّم الناس القرآن ومبادى القارءة قبل دخول المدارس النظامية لقريتنا .... وكل ذلك احتسابا لوجه الله لا يبتغي جزاء ولا شكورا ...
وكانت لديه مكتبة عامرة بمقاييس ذلك الزمان وربما ورثت حب القراءة عنه رحمه الله .... واذكر بعض الكتب القديمة من بقايا مكتبته وهي بحق قديمة الطباعة عظيمة النفع......
ومن المفارقات العجيبة في قريتنا/دخول أول لاقط فضائي إليها(الدش) حيث كان يعتبر جريمة نكراء يُرمى المجاهر بإعلائه فوق بيته بأبشع الصفات المُعلّبة ......
وأذكر أننا كنا نتجول مع بعض أقاربنا الكبار (أثناء مراهقتي) في أثناء الليل مستمتعين بهواء القرية النقي ونسيمها البارد وحين نجتاز بقرب منزل المجاهر (بالدش) اسمع أقاربي الكبار (يتحوقلون ويسترجعون ويستعيذون بالله من الفتن) وأحيانا قليلة يسألون الهداية لهم ؟!! وكنت اسأل ببراءة لم؟؟؟ فيشيرون نحو (الدش) ويقولن : إنّهُ مَجمع الرذائل ومن يضعه فهو (ديُّوث)؟!!!
وبعد سنين من غربتي عدت لقريتي فإذا جُلُّ أو معظم بيوت القرية قد وضعت الدشوش فاغرة نحو السماء؟! ولكن لم يتسنى لي التجول مع نفس الأقارب لأسمع رأيهم؟!!
وحين أستأجرت شقة في القاهرة كان بها دش وضعه صاحب الشقة فكنت أخشى بيني وبين نفسي حتى من لمسه؟ مخافة أن تلحقني سُبّةُ أهل القرية ؟؟؟ وكع الوقت وجدت أن الش جهاز أليف ربما يستفاد منه ؟!! ولكن لم تذهب ضخامة ماوصموه من نفسي ليومنا هذا؟!!