أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


شرح
كتاب المحصول
في
أصول الفقه
للعلامة القاضي
أبي بكر بن العربي المعافري المالكي





شرح معالي الشيخ الدكتور :
سعد بن ناصر الشثري


فرغه :
أبو عبد الأعلى حاتم فتح الله المغربي











)المجلس الثاني(



















الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وبعد :
فنواصل قراءة كتاب المحصول لابن العربي رحمه الله تعالى، نعم.
***********
قال المؤلف : والتكليف هو إلزم المكلف ما في فعله كلفة وهي النصب والمشقة ومسائلة كثيرة ومتعلقاته طويلة وجماع أصولها خمس مسائل :
المسألة الأولىفي تكليف ما لا يطاق :
وقد اختلف الناس فيه واختلف فيه علماؤنا كاختلافهم فمنهم من منعه ومنهم من جوزه
واحتج علماؤنا على ذلك بقول الله تعالى ( ^ ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به ) ولولا حسن وقوعه ما سألوا دفعه
والصحيح أن تكليف ما لا يطاق جائز عقلا واقع شرعا فإن الله تعالى كلف العباد العبادات والوظائف كلها قبل أن يقدروا عليها لأن القدرة مع الفعل
فأما تكليف المحال فلا يجوز عقلا لكن إذا وردت به الصيغة شرعا حمل على التكوين والتعجيز كقوله تعالى ( ^ كونوا حجارة أو حديداً ) وكقوله تعالى ( ^ كونوا قردة خسئين )
.

المسألة الثانية
اتفق أهل السنة على جواز تكليف المكره وخالف في ذلك جماعة من المبتدعة واحتج عليهم القاضي بنهي المكره على القتل عن القتل مع وجود الإكراه وهذه هفوة من القاضي لأن المنع من الفعل مع إلزام الإقدام أعظم في الابتلاء والقوم لا ينكرون مثل هذا وإنما يتحقق الخلاف في الأمر بفعل الشيء مع الإكراه على فعله فهذا ما جوزناه ومنعوه وهو فرع من فروع التحسين والتقبيح يأتي في بابه إن شاء الله تعالى
.


المسألة الثالثة
في تكليف السكران
وهو على ضربين منتش وملتج فأما الملتج وهو لاحق المجنون والناشيء وسيأتي بيانه إن شاء الله
وأما المنتشي فلا خلاف فيه وفي مثله نزلت ( ^ يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )
.

المسألة الرابعة
اختلف العلماء رحمه الله عليهم في المجنون والناشي والملتج والنائم هل هم مخاطبون بالتكليف في حال الجنون والسهو والسكر والنوم أم لا
ولا يظن بمن جوز ذلك من علمائنا التزم معرفة الأوامر والتكليفات مع قيام هذه الموانع وإنما يتصور الخلاف بينهم إذا ارتفعت الموانع وقد ذهبت عبادات مؤقتة أو وقعت أسباب فائتة فمنهم من ألزم الأحكام كلها بعد الزوال لهذه الموانع ومنهم من ردها ومنهم من قسم الحال وفرق الأحكام بحسب النوازل على ما انتهى إليه اجتهاد كل فريق في طلب الأدلة وتتبع مدارك الأحكام على ما يأتي بيانه في مسائل الفقه إن شاء الله تعالى
.

المسألة الخامسة في تكليف الكفار بفروع الشريعة
وقد اختلف في ذلك علماؤنا وغيرهم على قولين فمنهم من قال لا تصح مخاطبتهم بأمر لاستحالة وقوع الفعل منهم حال كفرهم ، ومنهم من قال هم مخاطبون بذلك وتلوا في ذلك قرآنا وسطروا فيه آيات منها ما يتطرق غليه الاحتمال القوي ومنها الضعيف .
والطريق في المسألة الكلام على فصليها جميعاً من جواز تكليفهم ومن وجود تكليفهم
فأما الجواز فظاهر لأنه لا يمتنع أن يقال للكافر صل ويتضمن الأمر بالصلاة الأمر بشرطها في الإيمان إذ لا يتوصل إلى فعلها إلا به كما يؤمر المحدث القاري المدبر بالصلاة ولا يتوصل إليها إلا بعد هذه الشروط الثلاثة فإذا ثبت فصل الجواز بهذه النكتة
فالدليل على وجود ذلك في الشرع ظواهر الكتاب وأمثلها في التعليق قوله تعالى ( ^ ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ) فإن قيل أراد تعالى لم تك على اعتقاد المصلين قلنا إنما يعدل علن الظاهر لضرورة داعية ولا ضرورة ها هنا لما تقدم من الجواز والله أعلم
.

فائدة
حق كل من يحاول الخوض في فن من العلوم إذا علم مقصوده منه أن يحاول بدءا الإحاطة بسواقه التي لا بد له منها في معرفته وشروطه التي هي معونة عليه
ولهذا الباب الذي تصدينا له وأشرعنا مقاصد القول فيه عشرة سوابق هي المبينة له والمعينة عليه
:

السابقة الأولى في وجه بيان الحاجة إلى العبارة التي بها يقع البيان :
فنقول لما كان الإنسان مدنيا بالجبلة مفتقراً إلى الصحبة بالضرورة لأنه خلق خلقا لا ستقل بمعاشه ولا يستبد بمنافعه بل هو مفتقر في ذلك إلى غيره وكان ذلك الغير إما مجتمعنا معه وإما مبايناً عنه والمنفعة التي يفتقر إليها إما حاضرة وإما غائبة وكانت الإشارة موضوعة لاختلاف المنفعة وسد الخلة في الحاضر ووضعت العبارة لتقوم مقام ذلك في الغائب فهذه حكمة الله تعالى في وضع العبارات الدالة على المعاني
فإذا فهمت هذا فقد فرض علماؤنا رحمة الله عليهم مسألة وهي أن اللغات هل هي توقيف من المعلم الأعظم وهو الباري تعالى أو هي متواضعة متفق عليها بين الناس فمنهم من قال بالقولين المذكورين ومنهم من قال أما ما به يكون الاتفاق ومنع التواضع فلا بد فيه من التوقيف وأما ما وراء ذلك فجائز أن يكون توفيقاً وجائز أن يكون تواضعا

وتعلق الألوان بقوله تعالى ( ^ وعلم أدم الأسماء كلها ) قالوا هذا نص على أن الباري وتعالى قد فاتح آدم صلى الله على نبينا وعليه بالبيان فهذه بالعبارة وهذه اية لا متعلق فيها لوجهين
أحدهما أنها مبنية على القول بالعموم وسيأتي الخلاف فيه إن شاء الله تعالى
والثاني أن المعترض قال لا إشكال فيه إن شاء الله تعالى علم آدم الأسماء كلها وهل علمه ما كان قبل معلوما متواضعاً أم ابتدأه مفاتحة بما لم يكن قبل هذا هو موضع الخلاف ولا تتناوله الآية ببيان
والصحيح أن الأمر محتمل فجائز أم يكون بتوقيف وتعليم وجائز أن يكون بمواضعه واتفاق
والدليل القاطع عليه ما نشاهد من لقن الطفل عن أبويه ما لم يتواضعا معه عليه فمن الجائز إذا بعد ثبوت هذه المشاهدة التعليم والتواضع في أصل اللغة كلها وفي بعضها وهذان الجائزان ليس في الشرع قاطع يتعين واحد منهما به
.





الشرح

ذكر المؤلف هنا ما يتعلق بالتكليف ، وعرفه في اللغة ، لكن في الاصطلاح لهم إطلاقات متفاوتة :
1- فطائفة تقول: التكليف الخطاب بما فيه مشقة وكَلَف، وبالتالي ننظر في معنى هذا التكليف.
إذن قلنا أن التكليف للعلماء فيه كم إطلاق ؟ ثلاثة إطلاقات ، الإطلاق الأول : أن التكليف الإلزام بما فيه كَلَفَة ، ما هو ؟ الإلزام ، ومن ثَمَّ لا يشمل إلا الواجب والمحرم فقط ، لأن المندوب والمكروه ليس فيهما إلزام.

2- المنهج الثاني: أن التكليف هو الخطاب بأمر أو نهي، وبالتالي يشمل المندوب والمكروه والواجب والحرام.

3- المنهج الثالث أن التكليف هو مقتضى خطاب الشارع، يريدون أن يدخلوا المباح، لكن على التعريف الأخير يلزمهم أن يدخلوا الأحكام الوضعية السبب والعلة والصحة... يعني مقتضى خطاب الشارع وهي ليست من التكليف في شيء، فيكون المنهج الأخير فيه ضعف.

طيب ، ماذا يترتب على ذلك ؟ الصبي المميز هل هو مكلف أو غير مكلف ؟ من يجيب ؟ آه غير مكلف ؟؟
أليس الصبي يندب إلى فعل الصلاة والصيام ؟ كيف تقول إنه غير مكلف وهو مخاطب بمندوبات كثيرة ؟
إن قلنا التكليف هو الإلزام بالخطاب فالصغير ليس بمكلف لأنه لا يُلْزَمُ. وإن قلنا التكليف هو الخطاب بأمر أو نهي فإن الصبي المميز يعد مكلفا لأنه يندب إلى فعل عدد من الأمور.

[المسألة الأولـى] :
رتب المؤلف على هذا الباب عددا من المسائل :
- المسألة الأولى: تكليف ما لا يطاق. الأشاعرة يقولون بجواز تكليف ما لا يطاق، وقد تابعهم المؤلف في هذه المسألة .
من أين نشأ قولهم ؟ يقولون : أصلا التكاليف في الشريعة كلها مما لا يطاق ، كيف ؟ هم يقولون : الإنسان بمثابة ورقة الشجر التي يحركها الريح فيرفبها من غير أن يكون له قدرة ولا اختيار ، فيقولون : أصلا كل أفعالنا كصلاتنا وصيامنا هذا ما لنا فيه اختيار ، ومن ثَمَّ فكل أفعالنا لا طاقة لنا بها وقد كُلِّفْنا بها .
اتضح لنا منهج الأشاعرة في هذا الباب ، فهم انبنى قولهم هنا على أصل عقدي ، الأصل العقدي قول باطل لأن النصوص قد أثبتت للعبد قدرة و اختيارا ، فعندنا ثلاثة مناهج :
· منهج الأشاعرة يقول : ليس للعبد اختيار في أفعاله ، وهذه الأفعال تنسب إلى الله ولا تنسب إلى العبد إلا من جهة الكسب ، ما له قدرة عليها ولا اختيار ولا ... هذا منهج من ؟ الأشاعرة ، ويقولون : القدرة هي القدرة المقارنة للفعل التي هي توفيق من الله ، وأما ما قبل الفعل فلا نسميه قدرة .

· قابلهم المعتزلة، يقولون: أفعال العبد باختياره وفعله وخلقه، فالعبد يخلق فعل نفسه، والقدرة هي القدرة السابقة للفعل.
من أين جاء هذا الاختلاف ؟ جاء من أن كل طائفة نظرت إلى بعض النصوص دون جميعها، هؤلاء نظروا إلى طرف من النصوص، وهؤلاء نظروا إلى آخر .
طيب ، أيهما أرجح ؟ القول الأول قول الأشاعرة ، ولا قول المعتزلة؟
و تلاحظون قد يأتيك إنسان لا ترجح في مسألة حتى تستكمل الأقوال فيها ، ولذلك ضل أئمة كبار في مسائل مهمة بسبب أنهم لم يطلعوا إلا على قول في المسألة [ ])[1](ولم يطلعوا على بقية الأقوال .

· طيب القول الثالث في المسألة نقول : نثبت مشيئتين ، ونثبت للعبد فعل ولله خلق ، فالفعل الذي يكون من المكلف فيه مشيئة للعبد وفيه مشيئة لله ، وهذا الفعل فعل للمكلف ليس فعلا لله ، وإلا كان الزنا والسرقة فعل لله هذا أعوذ بالله ما يقول به من يتصوره ، لكنه خلق لله ، أفعال المكلفين مخلوقة لله جل وعلا ، والقدرة على نوعين : قدرة سابقة ، وقدرة مقارنة ؛ القدرة السابقة بالآلات بوجود الآلة ، عندك رجلين تقدر تذهب بها إلى الصلاة في المسجد . والقدرة المقارنة التي هي توفيق الله للعبد في أثناء وقت الصلاة فهي قدرة مقارنة.
ويدل على هذا نصوص عديدة : انظر لقوله تعالى : -(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)- [التكوير/29] أثبت للعبد مشيئة وأثبت لله مشيئة ، وبين أن مشيئة العبد مرتبطة بمشيئة الخالق .

طيب ، كيف مسألتنا هذه قال الأشاعرة : أصل أفعال العباد كلها ليست بقدرتهم ، ومن ثَمَّ فكل تكاليف الشريعة من تكليف ما لا يطاق ، فحينئذ قالوا : يجوز تكليف ما لا يطاق ،واستدلوا على ذلك بقوله : -(رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)- [البقرة/286] قالوا : لولا حسن وقوع التكليف بما لايطاق ما سألوا دفعه .
كلمة "حسن" هذه تسير على طريقة المعنزلة ، لكن لو قالوا : ولولا إمكان وقوعه أو جواز وقوعه ما سألوا دفعه .
والاستدلال بالآية فيه نظر ؛ لأن قول : -(رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)-المراد بقوله : -(مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)-ليس المستحيل ، وإنما المراد به ما يكون شاقا على العباد مع قدرتهم عليه كما قال تعالى : -(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)- [البقرة/184] يعني الذي يشق عليهم مع أنهم يقدرون عليه .

انظر كيف قال المؤلف : الله تعالى كلف العباد بالعبادات وبالوظائف كلها قبل أن يقدروا عليها ، على طريقة الأشاعرة .
فرق المؤلف بين التكليف بالمحال وتكليف المحال، فتكليف المحال هذا يمنعونه - تكليف المحال -. بينما التكليف بالمحال يجيزونه، وإذا نظر الإنسان في مقتضى اللغة لا يجد فرقا.

[المسألة الثانية] :
انتقل المؤلف بعد ذلك إلى مسألة تكليف المكره ، وتكليف المكره فيها نفس الخلاف العقدي ؛ الأشاعرة يقولون : المكره مكلف لأن كل تكاليف الشريعة تكليف بمكره . والمعتزلة يقولون : المكره غير مكلف لأن لابد من اختيار التكاليف .
طيب إيش رأيكم ؟ إيش الراجح ؟نقول : الإكراه على نوعين :
1- [النوع الأول]: إكراه مُلزِم يزول معه الاختيار بالكلية، فهذا ينتفي معه التكليف كمن أُلْقيَ من شاهق.
2- النوع الثاني: إكراه غير ملزم، يبقى للعبد فيه اختيار كما لو وقع تهديد بقتل أو ضرب أو نحو ذلك، فهذا لا ينتفي معه التكليف لبقاء الاختيار.

قال المؤلف: اتفق أهل السنة على جواز تكليف المكره،أي مكره ؟ كلام المؤلف ظاهره أنه يشمل القسمين ، وقوله هنا أهل السنة أراد به الأشاعرة .
وخالف في ذلك جماعة من المبتدعة يريد المعتزلة الذين يقولون بعدم تكليف المكره مطلقا.

قال : واحتج عليهم القاضي بنهي المكره على القتل عن القتل مع وجود الإكراه .
قال الشارح:هذا لا إشكال فيه، هذا إكراه غير ملزم بقي معه اختيار.
قال : وهذه هفوة من القاضي لأن المنع من الفعل مع إلزام الإقدام أعظم في الابتلاء ، يقول :أن كلام القاضي يناقض عقائدنا يا أيها الأشاعرة ؛ لأن المنع من الفعل مع إلزام الإقدام قدرا على ذلك الفعل أعظم في الابتلاء ، فالتكليف عندنا فائدته الابتلاء عند الأشاعرة ، فعلى مقتضى مذاهب الأشاعرة يجوز التخليف حينئذ .
قال : والقوم لا ينكرون مثل هذا ، [])[2](لأن الناس اختلفوا في فائدة التكليف:
- فالأشاعرة يقولون : فائدة التكليف هي الابتلاء .
- والمعتزلة يقولون : فائدة التكليف مصالح العباد .
- وأهل السنة والجماعة يقولون : التكليف له فوائد منها الابتلاء ، ومنها تحقيق مصالح العباد ، ومنها أمور تعود إليه سبحانه من محبته ورضاه ونحو ذلك .
فقوله : القوم لا ينكرون مثل هذا ليس بصحيح بل المعتزلة ينكرونه .

ثمرة المسـألة فيما إذا تطابق الإكراه مع موجب الأمر ، أكره على الصلاة ، أكره على الدخول في دين الإسلام ، فعند الأشاعرة يقولون : يصح إسلامه وتصح صلاته ، لأن أصلا جميع التكاليف ليس للعبد فيها اختيار ولا مشيئة ، أنت صلاتك تماثل صلاة المكره ، ودخولك في الإسلام برضاك يماثل دخول المكره ، هكذا يقولون .
وعند المعتزلة قالوا: من أُكرِه على الصلاة لم تصح صلاته، لماذا ؟ لأنه زال منه اختياره .
والصواب في هذا أن يقال : هذا المكره على الصلاة إن فعلها تقربا لله أُجِر ، وإن فعلها للإكراه لا تقربا لله فليس له من الأجر شيء .

[المسألة الثالثة] :
ذكر المؤلف المسألة الثالثة وهي مسألة تكليف السكران ، إذا أطبق السكر على عقل الإنسان فإنه لا يمكن أن يخاطب ، أما إذا كان الإنسان في بداية قد شرب في بداية الأمر ، شرب المسكر ولم يغط على عقله ، قال : هذا يمكن أن يخاطب . المُلْتَج لاحق بالمجنون والناشئ ، أو يقال : الناشئ يعني المراد به صغير السن .
أما الملتشي فلا خلاف فيه أنه يخاطب ، لقوله تعالى : -(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)- [النساء/43] هذه الآية فسرها طائفة بأن المراد بها مخاطبة من وُجدت منه بدايات السكر ولم يذهب عقله، وفسرها آخرون بأنها خطاب للصاحي بأن لا يسكر قرب أوقات الصلوات ، خطاب الصاحي بأن لا يشرب المسكر قرب أوقات الصلاة كقوله تعالى :-(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)- [آل عمران/102] يعني استمروا على الإسلام حتى إذا جاءكم الموت جاءكم وأنتم مسلمون ، كأنه هنا أيضا قال : استمروا على صحوكم حتى إذا جاءكم وقت الصلاة جاءكم وأنتم صاحون .

[المسألة الرابعة]:
تكلم المؤلف في الجنون والناسي والنائم والسكران الملتج ، وبعض الأشاعرة قال : هم مخاطبون مثلهم مثل غيرهم لأن بقية المكلفين ليس لهم اختيار فهم بمثابة المجنون، بمثابة الناسي فمن ثَمَّ قال بمخاطبة المجنون . فمن قال بجواز مخاطبتهم من الأشاعرة سار على مقتضى مذهبهم ، لكن هذا القول لا يتصور أن من يدركه ويعرف حقيقته يقول به ، ولذلك تنكر منه المؤلف هنا ، وكأنه قال : خطاب هؤلاء إنما هو عبارات مؤقتة ، بحيث إذا زالت هذه الأسباب توقفه ، النائم لا يخاطب وقت النوم وإنما إذا زال النوم منه خوطب ، فالخطاب الموجه إليهم خطاب مؤقت بزوال هذه الأعذار .

[المسألة الخامسة]:
المسألة الخامسة في تكليف الكفار بفروع الشريعة .
أصل الشريعة ما هو ؟الشهادتان ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ما عدا هذا الأصل فهو فرع في الشريعة ، فالمراد هنا أصول الشريعة وفروعها المراد أصل الشريعة هو الشهادتان وفروعها ما عدا ذلك ، فلا يلتبس عندكم بقولهم الأصول والفروع ، فإن الأصول هنا يراد بها القطعيات ، والفروع الظنيات ، لكن هنا جيء بالفروع لمقابلة الأصل أصل الإسلام ، وليس بمقابلة الأصول .

الكفار يخاطبون بأصل الإسلام، هل يخاطبون بفروع الإسلام أو لا حال كفرهم ؟ قال المؤلف: منهم من قال: لا تصح مخاطبتهم، ليش ؟ قال: لأن الصلاة لو وقعت منهم حال كفرهم لم تصح لا قيمة لها ،وبالتالي هم يخاطبون بالإسلام أولا فإذا أسلموا خوطبوا بالفروع .
واعترض عليهم بأن المُحدث غير المتوضئ يخاطب بالشرط والمشروط ، فيقال له : توضأ و صلي ، هكذا الكافر لا مانع من إيقافه ويقال له : أسلم وصلي .
قال : ومنهم من قال هم مخاطبون بذلك وتلوا في ذلك قرآنا ، مثل قوله عزوجل -(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)- [آل عمران/97] ، قوله الحج على الناس جميعا بما يشمل مؤمنهم وكافرهم .
قال المؤلف: وأما جواز تكليفهم فلا يمتنع من جهة جواز العقل أن يخاطب الكافر بالشرط والمشروط، ويتضمن الأمر بالصلاة الأمر بشرطها وهو أصل دين الإسلام وهو الشهادتان.
قول المؤلف هنا: بشرطها بالإيمان هذا مبني على مذهب المرجئة بأن الإيمان يراد به التصديق، والصواب أن الإيمان يشمل الأقوال والأفعال والاعتقادات، فالصلاة جزء من الإيمان، فلو قال بشرطها في الشهادتين أو بأصل الإسلام.
هذه المسألة نشأت أيضا من أصل عقدي وهو مسألة الإرجاء ، هل دين الإسلام رتبة واحدة او هو رتب ؟ وهل هو متفاضل أو ليس كذلك ؟
المرجئة يقولون : هو رتبة واحدة ، ولذلك يقولون : إيمان الفاسق كإيمان أبي بكر وإيمان جبريل وميكائيل ، هو رتبة واحدة ، وللذلك يقولون : الكفار لا يخاطبون بفروع الإسلام ، ورتبوا على ذلك أن الكافر لا يعاقب في الآخرة إلا على ترك أصل دين الإسلام ، وأن الكفر رتبة واحدة ، وقد جاءت النصوص بخلاف هذا قال تعالى : -(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا)- [النساء/137] فدل هذا لى أن الكفر على مراتب ، ولو كان الكافر لا يخاطب إلا بأصل دين الإسلام لكان الكفار كلهم على رتبة واحدة .
ويدل على هذا قوله تعالى : -(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ)- [التوبة/37] ، ويدل على هذا قوله تعالى :-(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)- [النساء/145] لو كان الكفار على رتبة واحدة والكفر رتبة واحدة لكان عقوبتهم في الآخرة متماثلة .
وبذلك نعرف أن هذه المسألة ناشئة من مسألة تفسير الإيمان، وهل هو مجرد التصديق ؟ أو نقول بأنه يشمل الأقوال والأفعال ؟ وبأن ثمرة المسألة ليست في أمور الدنيا ؛ فإن الكافر لا يطالب بقضاء ما فاته ، فإن الكافر إذا أسلم لا يطالب بقضاء ما فاته حال كفره ، ولو أدى شيئا من العبادات حال الكفر لما صَحَّ منه بالاتفاق ، إذن التمرة في الآخرة ، هل هما على رتبة واحدة أم هم متفاوتو الرتب؟

[سوابق لعلم الأصول ]:
بدأ المؤلف بسوابق لهذا العلم هي مسائل اللغة:
1- السابقة الأولى : في وجه بيان الحاجة إلى العبارة التي يقع بها البيان : العبارة المراد بها الكلمات ، صار فيها المؤلف على طريقة الأشاعرة بأن الكلام هو المعاني النفسية وأن الأصوات والحروف عبارة عن الكلام )[3](، لو كان على مذهب الجمهور لقال : في وجه بيان الحاجة إلى وضع كلام يقع به البيان .
الحاجة أن الناس يحتاجون إلى التخاطب فيما بينهم، فمن ثم يحتاجون إلى كلام من أجل أن يفهم بعضهم بعضا.
والمنفعة التي يُفتَقر إليها إما حاضرة وإما غائبة، والحاضرة يمكن أن يشار إليها لكن الغائبة لا يمكن أن يشار إليها، ولذلك وضع الكلام من أجل نقل حوائج الناس وفهم الناس بعضهم لبعض.

[مسألة هل اللغات توقيفية أو اصطلاحية] :
مسألة هل اللغات توقيفية أو اصطلاحية ؟ يعني هل اجتمع أُناس واتفقوا فيما بينهم على اللغة وأصبحت وضعية - تواضعوا عليها - ؟ أو أنها بتوقيف من الله ؟
هذان قولان عند الأصوليين مشهوران :ومن قال بأنها توقيفية من الله استدل بقوله تعالى : -(وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)- [البقرة/31] فدل على أنها توقيفية. اعترض المؤلف على هذا باعتراضات :
- الاعتراض الأول : أن قوله :-(الْأَسْمَاءَ)- هذا مبني على القول بالعموم وهذا موقف خلافي ، كله اعتراض خاطئ لأن الخلاف في دلالة هذه الألفاظ على العموم هذه إيش ؟ خلاف ناشئ ، وإلا فليس في أصل اللغة خلاف .
- الاعتراض الثاني يقول : بأنه كان هناك تواضع قبل آدم ثم علمه الله عزوجل ما تواضع عليه السابقون لآدم ، وعلى كل فالأمر سهل وليس في مسألة كبير ثمرة .

هذا ما يتعلق بالمسائل التي قرأناها .



[أسئلـــــة الدرس الأول]
هنا أسئلة :
* السؤال الأول: هل يصح أن نقول:إن المحدث غير مخاطب بالصلاة ابتداء ؟
- [الجواب]: نقول: لا بالإجماع؛ فالمحدث مخاطب بالصلاة بالإجماع، واستدللنا بهذا على مسألة الإيمان، فهنا خوطب بالصلاة وهي المشروط، وخوطب بالشرط الذي هو الوضوء بالاتفاق، وكذلك في مسألتنا يخاطب بأصل دين الإسلام وفي نفس الوقت يخاطب بفروع الإسلام.

* [السؤال الثاني]: يقول: في بعض الحدود يزيد بعض المؤلفين لفظة عبارة عن كذا، وهو واضح في تعريفهم للحكم اصطلاحا لنه خطاب الله، وخطابه عندهم نفسي كما هو معلوم من معتقدهم.
-[الجواب]: هم لا ، يعني الأشاعرة لا يقصرون الخلاف في خطاب الله وحده ، حتى في كلام الناس يقولون الأصل الكلام هو المعاني النفسية التي تقع في نفوس الناس ، وأما هذه الأصوات والحروف فليست هي الكلام ، وإنما هي عبارة عنه .
ولذلك يستعملون في جميع التعريفات كلمة "عبارة" سواء كان فيما يتعلق بالله أو يتعلق بغيره .

* [السؤال الثالث]: قال: هل لنا أن نرجح إطلاق الأصوليين لتسمية الأحكام الشرعية بالأمور ؟
- [الجواب]: نقول: لا هذه اصطلاحات، فإذا أردت أن تفهم كلام الفقهاء فسر على طريقتهم في الإطلاق، وإذا أردت أن تفهم كلام الأصوليين فسر على طريقتهم في الإطلاق.

* [السؤال الرابع]:يستشكل يقول : الحقيقة اللسانية والكتابية ما هي إلا تصوير للحقيقة الذهنية او الحسية ؟
- [الجواب]:نقول : ليس بصحيح ؛ السان أمره مستقل ، والكتابة أمرها مستقل ، ولو قيل بما تذكر لألزمك قائل فقال : الحقيقة الذهنية ليس لها وجود ، لأن في الذهن صورة عما في الخارج ، لكن هذا الاعتراض وهذا الكلام الذي أورده السائل ليس بصحيح ، بدلالة أنه يوجد هناك حقائق ذهنية ليس لها وجود في الخارج ، وهناك حقائق كتابية ولسانية ليس لها وجود في الأذهان ، فالتالي لابد من تقسيم الحقائق لهذه الأقسام .
بعض أهل العلم يقول : الحقيقة الكتابية ليس لها وجود ، وإنما هي تصوير للكلام ، والمر في هذا سهل ، سيأتي معنا ان الكلام ينقسم إلى حقيقة ومجاز ، فهذا في الحقيقة اللسانية ، هذا محل اتفاق عند أهل اللغة وعند أهل الأصول .

* [السؤال الخامس]: يقول: هل علم الأصول يستمد من المنطق ؟
-[الجواب]: نقول: لا علم الأصول يستمد من شيئين:
1- الأول: النصوص الشرعية والأدلة.
2- والثاني: لغة العرب.
إذن يستمد من إيش ؟ من أمرين ، ولا أعلم أن أحدا قال الأصول يستمد من المنطق .
في بعض أهل العلم قال: علم الأصول يستمد من علم الكلام ، والمراد بعلم الكلام المعتقد علوم العقائد ، يقولون لأنه قبل أن تقول : القرآن حجة لابد أن تثبت أن الله موجود وأنه يتكلم ، لكن هذا ليس استمدادا وإنما هو ترابط ، وفرق بين الأمرين ، ولذلك فالصواب أن علم الأصول يستمد من شيئين : الأدلة الشرعية ، ولغة العرب .
علم المنطق علم يراد به كيفية إدراك حقائق الأشياء وكيفية النسبة بين الأشياء المتغايرة ، هذا هو علم المنطق. وعلم المنطق أهل قاعدة في دراسته معرفة المصطلحات التي يستعملونها ، فإن علماء الشريعة في كثير من العلوم في التفسير والحديث والمعتقد يستعملون اصطلاحات المناطقة فلابد من معرفتها ، من أجل أن تنزل كلام أهل العلم على محله . هناك فائدة أخرى وهي القدرة على تركيب الأدلة .


نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة، وان يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



)[1]( - كلمة غير مفهومة .

)[2]( - كلمة غير مفهومة .

)[3]( - وهو قول باطل ، انظر رسالة الإمام السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت .