أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


صليت العشاء أمس في مسجد بعيد، فسمعت الإمام أول ما وقف للصلاة قبل أن يكبر قال: «ربِّ قني عذابك يوم تبعث عبادك». وأخبرني صديقي- وهو من أهل المسجد- أنه يواظب على ذلك كل صلاة، والذي أعلمه أن ذلك يقال في آخر الصلاة، فسألته عن ذلك، فأخبرني أن النبي صصص كان يفعل ذلك، ونظرًا لعدم تذكري الحديث جيدًا وقتها شكرته وانصرفت، وبعد بحث المسألة كانت هذه الفوائد:
الفائدة الأولى:
الصواب أن الحديث ليس مما يقال في هذا الموضع (بداية الصلاة)، وإن كان لفظه يوهم ذلك:
فالحديث كما في «صحيح مسلم» وبوَّب عليه النووي: باب استحباب يمين الإمام:
(709) عن البراء ررر قال: كنا إذا صلَّينا خلف رسول الله صصص أحببنا أن نكون عن يمينه، يُقبل علينا بوجهه، قال: فسمعته يقول: «رَبِّ قني عذابك يوم تبعثُ - أو تجمعُ- عبادك».
فيحتمل أن يكون ذلك عند بدء الصلاة، ولكن تبويب العلماء ينفي ذلك:

* ففي تبويب النووي على «صحيح مسلم»: باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال.
وفي الباب أحاديث:
(707) حديث ابن مسعود ررر قال: «لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءًا، لا يرى إلّا أن حقًّا عليه أن لا ينصرف إلّا عن يمينه، أكثر ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله».
(708) حديث السُّدِّي قال: سألتُ أنسًا ررر: كيف أنصرف إذا صلَّيت، عن يميني أو عن يساري؟ قال: «أما أنا فأكثرُ ما رأيتُ رسولَ الله صصص ينصرف عن يمينه».
ثم قال: باب استحباب يمين الإمام.
وأورد فيه حديث البراء ررر (709) قال: كنّا إذا صلَّينا خلف رسول الله صصص، أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه، قال: فسمعته يقول: «رَبِّ قني عذابك يوم تبعث- أو تجمع - عبادك».

* بوب البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 229) على حديث البراء ررر: باب الإمام ينحرف بعد السلام.

* بوب البغوي في شرح السنة (3/ 210): باب الانصراف عن الصلاة.
وذكر أحاديث:
702 –حديث ابن مسعود ررر.
703 - عن قَبيصة بن هُلب، عن أبيه ررر قال: «كان رسول الله صصص يؤمُّنا فينصرف عن جانبيه جميعًا، على يمينه، وعن شماله».
704 – حديث البراء ررر.

* في مستخرج أبي عوانة (1/ 558): باب صفة انصراف الإمام بعد انقضاء صلاته وحظر انصراف المأموم قبله.
وأورد أحاديث:
2087 – حديث ابن مسعود ررر.
2088، 2089 – حديث أنس ررر.
2090 – حديث البراء ررر.

* فتح الباري لابن رجب (7/ 417): باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم.
845 - عن سمرة بن جندب ررر قال: «كان النبي صصص إذا صلى صلاةً أقبل علينا بوجهه».
وقال في شرحه: «والمقصود منه هاهنا: إقباله صصص بوجهه بعد الصلاة.
وخرَّج مسلم في «صحيحه» من حديث البراء بن عازب قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صصص أحببنا أن نكون عن يمينه؛ ليقبل علينا بوجهه. قال: فسمعته يقول: «رب قني عذابك يوم تبعث عبادك» وفيه: ذكر الدعاء بعد الصلاة أيضًا.
وخرَّج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث يزيد بن الأسود قال: صليت خلف رسول الله صصص، فكان إذا انصرف انحرف». انتهى.

* ذكر الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار» (2/ 246): باب الأذكار بعد الصلاة.
وقد استدرك على النووي فوته بعض الأحاديث، فقال (2/ 313): «وقد ترك من هذا الباب عدة أحاديث بعضها أصح مما ذكر.
منها: حديث البراء بن عازب ررر قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صصص أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه، فسمعته يقول: «رب قني عذابك يوم تبعث عبادك». رواه مسلم». انتهى.

* وفي «الإلمام بأحاديث الأحكام» لابن دقيق العيد (1/ 179- 181): أورد أحاديث كلها في الذكر بعد الصلاة:
(297) عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: «صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتى يرى بياض خده الأيمن....
(298) وعن ورّاد مولى المغيرة بن شعبة، قال: كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا فرغ من الصّلاة وسلم قال: " لا إله إلّا الله وحده لا شريك له...
(299) وعن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلّا الله وحده لا شريك له....
(300) وعن ثوبان رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال: اللهمَّ أنت السلام...
(301) وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَن سبَّح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين...
(302) وعن البراء رضي اللّه عنه، قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه....

فهكذا تجد تبويب الأئمة على الحديث أنه بعد الانصراف من الصلاة بعد التسليم، وأحاديث الباب الأخرى تشهد لذلك.

الفائدة الثانية:
ذكر الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2754):
كان صصص إذا أراد أن ينام وضع يده تحت خده الأيمن، ويقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك.
ذكره عن البراء ررر وغيره، وعن البراء من طرق:
من طريق أبي إسحاق السّبيعي، وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه:
الأول: سفيان الثوري وزكريا بن أبي زائدة ويونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن البراء ررر.
الثاني: إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد الأنصاري عن البراء بن عازب ررر.
الثالث: شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ورجل آخر عن البراء ررر.
الرابع: إسرائيل ويونس بن أبي إسحاق عن أبيه أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود ررر.
الخامس: إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن البراء ررر.
قال الألباني: والذي يتبين لي أن أصحها الوجه الثالث.
وقال بعد أن ذكر طرقه (6/ 589- 590):
هذا الدعاء: «اللهم قني..» قد جاء في «صحيح مسلم» وغيره من طريق ثابت بن عبيد عن يزِيد بن البراء، عن البراء ررر بلفظ: «كنا إذا صلينا خلف رسول الله صصص أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه. قال: فسمعته يقول: رب قني عذابك يوم تبعث (أو تجمع) عبادك».
وعبيد هذا ليس بالمشهور، حتى أن البخاري لما ذكره في «التاريخ الكبير» لم يزد فيه على قوله: «عن أبيه»! ونحوه في «الجرح والتعديل» إلا أنه قال: روى عنه محارب بن دثار. ولم يزد في «التهذيب» عليه سوى ثابت بن عبيد هذا، ولم ينقل توثيقه عن أحد سوى العجلي. وفاته أن ابن حبان وثقه أيضا، فذكره في الثقات، لكنه غمز من حفظه، فقال ولم يزد: عن أبيه، لم يضبطه.
قلت: وكأنه يشير إلى هذا الحديث، فإن قوله: «فسمعته يقول..» ظاهره أنه سمعه يقول ذلك بعد الصلاة إذا أقبل عليهم بوجهه، وهو مخالف لكل الطرق المتقدمة عن البراء- وبعضها صحيح- أنه صصص كان يقوله عند النوم،
فتكون رواية عبيد هذه شاذة في أحسن الأحوال.
ولعله لذلك لم يذكر أبو داود وابن ماجه هذا الدعاء مع الحديث. والله أعلم.

الفائدة الثالثة:
ذكر ابن رجب في «فتح الباري» (7/ 403):
«فأما الحديث الذي خرجه مسلم وغيره، عن البراء بن عازب قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صصص أحببنا أن نكون عن يمينه؛ ليقبل علينا بوجهه. قال: فسمعته يقول: «رب قني عذابك يوم تبعث عبادك».
فهذا ليس فيه أنه كان يجهر بذلك حتى يسمعه الناس، إنما فيه كان يقوله بينه وبين نفسه، وكان يسمعه منه -أحيانًا - جليسه، كما كان يسمع منه من خلفه الآية أحيانً في صلاة النهار».

الفائدة الرابعة:
الظاهر أنه- إن صح حديث البراء ررر- فإنه لا يداوم على ذلك، بل يقوله أحيانًا، كما أشار ابن رجب. والله أعلم.
وأنتظر فوائدكم.