أبي.. عندما ارجف أبواب الماضي..أحدق بالصمت..أرى كل شيء يحن إليك..أبي.. مضيت حيث منبع ميلادي وملجأ أيامي الأولى.. حدقت لحظة بوجودنا القديم يا ابي وعادت الذكرى إلى الوراء.. وافتُتح كتاب الحزن والألم وبدأت مقلتاي ترقب مرتعي الماضي...
أبي ولجت مرتعنا ثانية وتلهفت الأشجان بقلبي.. عند نافذة غرفتك الكسيرة اتكأت على سياج الماضي ورحلت عيناي إلى الأفق الذي كنت أعيش به... أبي غرد الطائر الصغير أشجانه لي لتعصف بي رياح الحنين ودوامات الدموع.. أبي جالت حدقتاي بغرفتك لتحمل الآهات بكل تفاصيلها.. أبي مذياعك لا يزال كما هو لم تمحه سنين البعد ولم يبلى من هجرك... أبي مصلاك يئن كل دقيقه يستعيد لحظات قدميك وجبينك حينما تتوجه إلى البارىء بقلب طاهر..أبي مرقدك لا يزال يحتفظ بعبق أنفاسك عليه واضطجاعك فيه.. أبي حائطك يشهق الآه على جسدك الذي رحل عنه إلى الأبد.. أبي الذكرى مرارة ونبض ابنتك لا يستطيع سوى هيجان البكاء... لجأت يا ابي لغرفتي في مرتعنا اخفف براكين الزفرات ليحضنني السكون وصدى الوداع.. أبي مضيت تائهة الخيال بمرتعي التمس كل زاوية كنا فيها... التمس الحوائط وما نحت بها من ذكرى.. التمس قلبك مع كل نسمة يحملها البيت.. أبي رائحة وجودك لا تزال ورائحة موت الأفراح منبعثة في كل الأرجاء...
أبي في صمت الليل عادت أنغام ضحكاتك وكلماتك وهمسك بالمرتع لتفضح الألم الكامن بصدري.. اطرق لحظة أراك في الضياء..طفلة صغيرة اعبث بالحب عندك وأهادي ورود الدلال منك.. طفلة كنت ارتشف الحب منك ومن أمي وازرع البسمة حولي... طفلة تشب على ينابيع سعدك وهمهمات قلبك لها.. طفلة تمد راحتيها للمستقبل تحضن السعادة بيديها.. وتشب الطفلة لتراقص آمالك بعنفوانها ويشب الحنان بقلبها... فتاة خطف سعدها وامتدت يد المنون لتغمض أجفان حبها.. أبي نمت طفلتك وهاهي تعود إلى ترابها وأزهار عيشها القديم.. أبي نمت طفلتك ونمت معها أوجاع الماضي وصفحات الرحيل... عدت يا ابي إلى مرتعي التمس فؤادك وفؤاد أمي...
وأمام رسمك جثوت أناجي وهم الوجود..أناجيك يا ابي وانثر ما بجوارحي لك.. يغتصب الاختناق العبرات أمام رسمك لأحدق بالشموع والليل يظلني أناديك أبي أتسمع قلبي المعذب؟.. أبي أتنصت لنغم آلمي؟.. أبي أتسمع نجواي؟.. أمي مالي أنغم الحروف وأنصت لأسمعها؟ ألا تسمعينني ياامي ؟! أمي للمرة المليون أجثو أمام مرآك أناديك بحرقة وأنادي الموت الجاري بدمائك... أبي أنا بمرتعي هل تعي انك تسكن روحي.. أمي أنا هنا هلأ جاوبتني... أبي..أمي عدت إليكما فأين أذرعكما لتضمني؟..
أبي يا حبي الساكن اظلاعي.. أمي يادمعاًخبأته بعمري هل سأظل أنحب على شموعكما... والدجى يخرق السكون حولي احلق بناظري في الفراغ امرر راحتي على حائط الذكريات على ملعبي..ومكتبي..وقلبي.. أبي انهض لحظة من أمامك أفتش بالسير بمرتعي.. بطعامي.. ومكان استراحتي بكل تفاصيل المرتع أكفكف أوراق الحرقة وانثر الدموع حولي.. وعالم الخلود لا يجيب وساكن دور الرحيل يعشق الصمت ارحل إلى عالم البرزخ معكما لأطبع على جبين القبور حروف راحلين عن كوني.. أبي آذنت ساعة رحيلي واستحال الليل إلى الضياء.. أضم رسمك ورسم أمي لصدري واخلد اسم دموعي عليهما..
وعلى أعتاب الماضي أحدق لحظة إلى الوراء اذرف آلمي عليكما وعلى مسكني والماضي أتذكر كل همس به وأغمض جفني ليظل خيال الليلة الماضية عالقاً بمهجتي لأغلق الأبواب خلفي وارحل إلى حاضري والماضي يعيش بي....
تالا عادل