أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
الرياء مرض يعرض للقلب فإن لم يتداركه العبد أدى به إلى العطب والتلف ، فاحذر فإن الله تعالى مطلع على قلبك وعملك (( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللَّه ))
فكل إنسان يلبسه الله تعالى رداء نيته فإن شئت فأصلحها وإن شئت فأفسدها فعما قليل تكون نيتك عنوانك وعلانيتك.
وقد ذكر الله تعالى مثلا (( لقبح الرياء المبطل للعمل ، والمن والأذى المبطل للصدقات، بصفوان وهو الحجر الأملس عليه تراب غبار قد لصق به فأصابه مطر شديد فأزال ما عليه من التراب فتركه صلدا أملس لا شيء عليه وهذا المثل في غاية المطابقة لمن فهمه فالصفوان وهو الحجر كقلب المرائي والمانّ والمؤذي والتراب الذي لصق به ما تعلق به من أثر عمله وصدقته والوابل المطر الذي به حياة الأرض فإذا صادفها لينة قابلة، نبت فيها الكلأ وإذا صادف الصخور والحجارة الصم لم ينبت فيها شيئا فجاء هذا الوابل إلى التراب الذي على الحجر فصادفه رقيقا فأزاله فأفضى إلى حجر غير قابل للنبات وهذا يدل على أن قبح المن والأذى والرياء مستقر في العقول فلذلك نبهها على شبهه ومثاله
قال تعالى (البقرة 264): {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى، كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين})) مدارج السالكين لإبن القيم.
فالمؤمن لا يرائي المخلوق طلبا للمنزلة في قلبه وإنما تكون رؤيته نصيحة وإرشادا وتعليما ليقتدى به إن كان في صلاته أوجهاده أوزكاته أو أخلاقه أو....فهو يدعو إلى الله بعمله دعوةً صامتة ((والله يعلم ماتكتمون))
وقد ذكر الله المنافقين فاضحاً لهم ومحذراً من سوء فعلهم بأنهم: (( يراؤون الناس ولا يذكرون اللَّه إلا قليل اً))
وجاء عنه عليه الصلاة والسلام التحذير لأمته من مغبة الرياء فعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول:
(قال اللَّه تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وعن جندب بن عبد اللَّه بن سفيان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:
(من سمّع سمّع اللَّه به، ومن يرائي يرائي اللَّه به) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(سمّع) بتشديد الميم معناه: أظهر عمله للناس رياء. (سمّع اللَّه به) : أي فضحه يوم القيامة. ومعنى (من راءى راءى اللَّه به) : أي من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم(راءى اللَّه به) أي: أظهر اللَّه سريرته على رؤوس الخلائق.
قال العز بن عبد السلام ((الرياء إظهار عمل العبادة لينال مُظهرها عرضا دنيويا إما بجلب نفع دنيوي أو لدفع ضرر دنيوي أو تعظيم أو إجلال فمن اقترن بعبادته شيء من ذلك أبطلها لأنه جعل عبادة الله وطاعته وسيلة إلى نيل أعراض خسيسة دنية فاستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير فهذا هو الرياء الخالص وإما رياء الشرك فهو أن يفعل العبادة لأجل الله ولأجل ما ذكر من أغراض المرائين وهو محبط للعمل أيضا قال الله تعالىمن عمل عملا اشر ك فيه غيري تركته لشريكه .وفي رواية تركته لشريكي)) قواعد الأحكام في مصالح الأنام ج1/ص124

وعن أبي هريرة رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه اللَّه عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) : يعني ريحها. رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ .
وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول:
((إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرّفه نعمته فعرفها، قال: فما عملت فيها قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار،
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها قال: تعلمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار،
ورجل وسّع اللَّه عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. جريء بفتح الجيم وكسر وبالمد: أي شجاع حاذق.

وفي الترمذي وغيره عن شفي الأصبحي أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع الناس عليه فقال من هذا قالوا أبو هريرة قال فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس فلما سكت وخلا قلت أنشدك الله بحق وحق لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمته فقال أبو هريرة افعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته ثم نشغ أبوهريرة نشغة فمكث قليلا ثم أفاق فقال لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى فمكث بذلك ثم أفاق ومسح وجهه فقال افعل لأحدثنك بحديث حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم مال خارا على وجهه وأسندته طويلا ثم أفاق فقال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل إذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما علمت قال كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله له كذبت وتقول الملائكة له كذبت فيقول الله عز وجل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ويؤتى بصاحب المال فيقول ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد قال بلى قال فماذا عملت فيما آتيتك قال كنت أصل الرحم وأتصدق فيقول الله كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذلك ويؤتى بالرجل الذي قتل في سبيل الله فيقال له فيم قتلت فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله كذبت وتقول الملائكة له كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة . نشغ بمعنى شهق وغشي عليه.
وحدث العلاء بن حكيم أنه كان سيافاً لمعاوية رضي الله فدخل عليه رجل أخبره بهذا عن أبي هريرة فقال معاوية :قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس ثم بكى معاوية بكاء شديد حتى ظننا أنه هالك وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشر ثم أفاق معاوية رضي الله عنه ومسح عن وجهه وقال :صدق الله ورسوله ((من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ماكانوا يعملون)).
الفرق بين الرياء والتشريك
قد سبق في ( الإخلاص وإحضار النية ) ما يدل على جواز خروج المجاهد للجهاد وله نية في الحصول على الغنيمة وكسب المال ؟
فإن الله تعالى قال على لسان نوح عليه السلام(( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا)) فيمكن أن تكون نية المستغفر أن يرزقه الله المال والولد مع طمعه بمغفرة الله له وليس هذا من الشرك الذي يحبط العمل،
ويقول تعالى ((ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب))
فدل الله تعالى ورغب على أمر دنيوي بأمر أخروي فالتقوى طريق الرزق والفرج والمخرج
ويقول عليه الصلاة والسلام ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي))
وقال الله تعالى عن قصد الصحابة رضي الله عنهم في بداية خروجهم لمعركة بدر((وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم))
وقد خرج عليه الصلاة والسلام وأصحابه لعير أبي سفيان من أجل أخذ ما معه من مال قال ابن إسحاق : لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها.
ففرق بين من يعمل لله ويطمع بثناء الناس ومدحهم فهو يريد بعمله أن يثنوا عليه ويمدحوه وبين من يعمل لله وهو يرجو بعمله نفعاً دنيويا مرتبطا بذاك العمل العبادي كالصحة في الصيام والنظافة في الغسل والتجارة في الحج والغنيمة في الجهاد وغيرها.
يقول الغزالي ((وعندي أن الغزاة لا يدركون في أنفسهم تفرقة بين غزو الكفار في جهة تكثر فيها الغنائم وبين جهة لا غنيمة فيها ويبعد أن يقال إدراك هذه التفرقة يحبط بالكلية ثواب جهادهم بل العدل أن يقال إذا كان الباعث الأصلي والمزعج القوي هو إعلاء كلمة الله تعالى وإنما الرغبة في الغنيمة على سبيل التبعية فلا يحبط به الثواب نعم لا يساوي ثوابه ثواب من لا يلتفت قلبه إلى الغنيمة أصلا فإن هذا الالتفات نقصان لا محالة.)) إحياء علوم الدين



ويقول القرافي ((وأما مطلق التشريك كمن جاهد ليحصل طاعة الله بالجهاد وليحصل المال من الغنيمة فهذا لا يضره ولا يحرم عليه بالإجماع لأن الله تعالى جعل له هذا في هذه العبادة ففرق بين جهاده ليقول الناس إنه شجاع أو ليعظمه الإمام فيكثر إعطاءه من بيت المال فهذا ونحوه رياء حرام وبين أن يجاهد ليحصل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو فهذا لا يضره مع أنه قد أشرك ولا يقال لهذا رياء بسبب أن الرياء ليعمل أن يراه غير الله تعالى من خلقه والرؤية لا تصح إلا من الخلق فمن لا يرى ولا يبصر لا يقال في العمل بالنسبة إليه رياءوالمال المأخوذ في الغنيمة ونحوه لا يقال إنه يرى أو يبصر فلا يصدق على هذه الأغراض لفظ الرياء لعدم الرؤية فيها وكذلك من حج وشرك في حجه غرض المتجر بأن يكون جل مقصوده أو كله السفر للتجارة خاصة ويكون الحج إما مقصودا مع ذلك أو غير مقصود ويقع تابعا اتفاقا فهذا أيضا لا يقدح في صحة الحج ولا يوجب إثما ولا معصية وكذلك من صام ليصح جسده أو ليحصل له زوال مرض من الأمراض التي ينافيها الصيام ويكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده والصوم مقصوده مع ذلك وأوقع الصوم مع هذه المقاصد لا تقدح هذه المقاصد في صومه بل أمر بها صاحب الشرع في قوله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع فأمر بالصوم لهذا الغرض فلو كان ذلك قادحا لم يأمر به عليه الصلاة والسلام في العبادات وما معها ومن ذلك أن يجدد وضوءه وينوي التبرد أو التنظيف وجميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم الخلق بل هي تشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك ولا تصلح للإدراك ولا للتعظيم فلا تقدح في العبادات فظهر الفرق بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات غرضا آخر غير الخلق مع أن الجميع تشريك نعم لا يمنع أن هذه الأغراض المخالطة للعبادة قد تنقص الأجر وأن العبادة إذا تجردت عنها زاد الأجر وعظم الثواب أما الإثم والبطلان فلا سبيل إليه ومن جهته حصل الفرق لا من جهة كثرة الثواب وقلته)) الفروق ج3/ص44

وقال ابن الشاط معلقاً على كلام القرافي ((الفرق الثاني والعشرون والمائة بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات من حيث إن التشريك فيها لا يحرم بالإجماع بخلاف الرياء فيها فيحرم هو أن التشريك فيها لما كان بما جعله الله تعالى للمكلف في هذه العبادة مما لا يرى ولا يبصر كمن جاهد ليحصل طاعة الله بالجهاد وليحصل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو وكمن حج وشرك في حجه غرض المتجر بأن يكون جل مقصوده أو كله السفر للتجارة خاصة ويكون الحج إما مقصودا مع ذلك أو غير مقصود وإنما يقع تابعا اتفاقا وكمن صام ليصح جسده أو ليحصل زوال مرض من الأمراض التي تداوى بالصوم بحيث يكون التداوي هو مقصوده أو بعض مقصوده والصوم مقصود مع ذلك وكمن يتوضأ بقصد التبرد أو التنظيف لم يضره في عبادته ولم يحرم عليه بالإجماع لأن جميع هذه الأغراض لا يدخل فيها تعظيم الخلق بل هي تشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك ولا تصلح للإدراك ولا للتعظيم فلا تقدح في العبادات إذ كيف تقدح وصاحب الشرع قد أمر بها في قوله صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي قاطع نعم إذا تجردت العبادة عن هذه الأغراض زاد الأجر وعظم الثواب وإذا لم تجرد العبادة عنها نقص الأجر وإن كان لا سبيل إلى الإثم والبطلان وأما الرياء فيها فإنه لما كان شركا وتشريكا مع الله تعالى في طاعته لمن يرى ويبصر من الخلق لأحد أغراض ثلاثة التعظيم وجلب المصالح الدنيوية ودفع المضار الدنيوية والأخيران يتفرعان عن الأول فإنه إذا عظم انجلبت إليه المصالح واندفعت عنه المفاسد فهو الغرض الكلي في الحقيقة فيقتضي رؤية النفع أو الضر لغيره تعالى......
وبالجملة ففرق بين من يجاهد ليقول الناس إنه شجاع أو ليعظمه الإمام فيكثر عطاءه من بيت المال فيكون رياءا حراما وبين من يجاهد ليحصل السبايا والكراع والسلاح من جهة أموال العدو فلا يضره ولا يحرم عليه إجماعا ولا يقال لفعله رياء مع أنه قد شرك فيه بسبب أن الرياء العمل ليراه غير الله تعالى من خلقه والرؤية لا تصح إلا من الخلق وأما العمل لمن يرى ولا يبصر كالمال المأخوذ في الغنيمة ونحوه فلا يقال فيه رياء والله سبحانه وتعالى أعلم)) إدرار الشروق على أنوار الفروق ج3/ص430
ويقول ابن رجب الحنبلي ((فإن خالط نية الجهاد مثل نية غير الرياء مثل أخذه أجرة للخدمة أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهاده ولم يبطل بالكلية وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قالإن الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجلوا ثلثي أجرهم فإن لم يغنموا شيئا تم لهم أجرهم وقد ذكرنا فيما مضى أحاديث تدل على أن من أراد بجهاده عرضا من الدنيا أنه لا أجر له وهي محمولة على أنه لم يكن له غرض في الجهاد إلا الدنيا وقال الإمام أحمد التاجر والمستأجر والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزواتهم ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره وقال أيضا فيمن يأخذ جعلا على الجهاد إذا لم يخرج إلا لأجل الدراهم فلا بأس أن يأخذ كأنه خرج لدينه فإن أعطي شيئا أخذه وكذا روي عن عبدالله بن عمرو قال إذا جمع أحدكم على الغزو فعوضه الله رزقا فلا بأس بذلك وأما إن أحدكم إن أعطي درهما غزا وإن منع درهما مكث فلا خير في ذلك وكذا قال الأوزاعي إذا كانت نية الغازي على الغزو فلا أرى بأسا وهكذا يقال فيمن أخذ شيئا في الحج ليحج به إما عن نفسه أو عن غيره وقد روي عن مجاهد أنه قال في حج الحمال وحج الأجير وحج التاجر هو تام لا ينقص من أجورهم شيء وهذا محمول على أن قصدهم الأصلي كان هو الحج دون التكسب وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره فإن كان خاطرا ودفعة فلا يضره بغير خلاف فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولي وهو مروي عن الحسن البصري وغيره ويستدل لهذا القول بما خرجه أبو داود في مراسيله عن عطاء الخراساني أن رجلا قال يا رسول الله إن بني سلمة كلهم يقاتل فمنهم من يقاتل للدنيا ومنهم من يقاتل نجدة ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله فأيهم الشهيد قال كلهم إذا كان أصل أمره أن تكون كملة الله هي العليا وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية وكذلك روي عن سليمان بن داود الهاشمي أنه قال ربما أحدث بحديث ولي فيه نية فإذا أتيت على بعضه تغيرت نيتي فإذا الحديث الواحد يحتاج إلى نيات ولا يرد على هذا الجهاد كما في مرسل عطاء الخراساني فإن الجهاد يلزم بحضور الصف ولا يجوز تركه حينئذ فيصير كالحج فأما إذا عمل العمل لله خالصا ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك بفضل ورحمة واستبشر بذلك لم يضره ذلك وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير يحمده الناس عليه فقال تلك عاجل بشرى المؤمن خرجه مسلم وخرجه ابن ماجه وعنده الرجل يعمل العمل فيحبه الناس عليه ولهذا المعنى فسره الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وابن جرير الطبري وغيرهم وكذلك الحديث الذي خرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله الرجل يعمل فيسره فإذا اطلع عليه أعجبه فقال له أجران أجر السر وأجر العلانية ولنقتصر على هذا المقدار من الكلام على الإخلاص والرياء فإن فيه كفاية وبالجملة فما أحسن قول سهل بن عبد الله ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب وقال يوسف بن الحسين الرازي أعز شيء في الدنيا الإخلاص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي وكأنه ينبت فيه على لون آخر وقال ابن عيينة كان من دعاء مطرف بن عبد الله اللهم إني أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ثم لم أوف به لك وأستغفرك مما زعمت أنى أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد عملت)) جامع العلوم والحكم ج1/ص17
اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم.