[align=center] تحدثنا عن التزام المريض العادي بتناول العلاج بصورة منتظمة، وأشرنا إلى أن أغلب الدراسات تشير إلى ان هناك صعوبات كبيرة بالنسبة للمرضى العاديين للالتزام بأخذ العلاج بانتظام. وان نسبة كبيرة من المرضى لا تلزم بأخذ العلاج رغم أن العلاج لفترة قصيرة، وانه هناك نسبة قد تصل إلى تصل إلى 80٪ من المرضى لا يلتزمون بأخذ العلاج بصورة كما يصفها الأطباء.
وكذلك فأغلب الأشخاص المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة لا يلتزمون بأخذ علاجهم رغم خطورة الأمراض التي يعانون منها. وقد تمت دراسة مرض السكر وارتفاع ضغط الدم والصرع. ووجد بأن مرضى الأمراض الثلاث الأخيرة لا يلتزمون كذلك بتغيير سلوك الحياة الذي يتلاءم مع خطورة المرض الذي يعانون منه.
هذا كان مع المرضى العاديين، فكيف الأمر بالنسبة للمرضى النفسيين والعقليين؟.
حقيقة الأمر ان من أصعب المواضيع في علاج الأمراض النفسية هو موضوع قبول المريض للاعتراف بأنه مريض نفسي أو عقلي، والأمر الآخر هو قبوله لاستخدام العلاج.
أكثر الأمراض العقلية مثل الفصام، اضطراب الوجدان ثنائي القطب، الشكوك المرضية «البارانويا»، فهذه الأمراض الثلاث، هي أصعب الأمراض العقلية، وأهم ما يميز هذه الأمراض، ان صاحب المرض لا يعرف بأنه يعاني من مرض..؟ وقد يكون بالنسبة لغير المتخصصين شخص عادي ليس به ما يثير الخوف أو لا يعتقدون بأنه مريض.. وهذه مشكلة كبيرة، نظراً لأن الثقافة العربية لا تتناول مواضيع الأمراض النفسية بصورة عميقة، وبصورة صحيحة، بل دائما ما تظهر وسائل الإعلام الأمراض والاضطرابات العقلية والنفسية على انها شيء ليس ذا شأن، وتركز عليه من ناحية اجتماعية، دينية أكثر ما تهتم به كاضطراب وأمراض مثلها مثل الأمراض والاضطرابات المرضية الأخرى كأمراض القلب أو الكبد أو السكر..!.
المرضى العقليون، لا يستوعبون انهم مرضى، ولا يعتقدون انهم بحاجة إلى استخدام أدوية؟ فكيف يأخذون أدوية لأمراض لا يعترفون بها أو انهم يعانون منها..!!
المشكلة الكبيرة بألا تفريق بين الجاهل والمتعلم.. كثير من المرضى متعلمون وبعضهم يحمل شهادات عليا، ربما الدكتوراه أو الماجستير ومع ذلك لا يعترف بأنه مريض، ويرفض أخذ العلاج..!
قد يتساءل شخص: كيف يصاب شخص بعد ان تعلم وحصل على شهادات عليا، وربما يعمل في وظيفة مهمة كمهندس ان طبيب أو ضابط برتبة عالية أو أحيانا رجل يكون له منصب عال جدا.. كيف يمكن أن يصاب مثل هذا الشخص بمرض علقي أو حتى نفسي ويحتاج إلى علاج؟.
الإجابة بأن لا أحد يملك حصانة ضد أي مرض، بما في ذلك الأمراض العقلية أو النفسية..!! فلماذا يقبل الناس أن يصاب الشخص المتعلم أو الشخص المهم باضطرابات في الغدد الصماء وكذلك في القلب ولكن لا يتقبل أن يصاب أن بمرض نفسي..؟.
استخدام المرضى النفسيون للعلاجات النفسية:
المرضى النفسيين أصعب بكثير في تقبلهم للعلاج من المرضى العاديين الذين يعانون من أمراض عضوية، وذلك يكون دائماً بحكم عدم الاستبصار بالاصابة بالمرض وانكار ذلك أو نسبة الأمراض النفسية إلى أشياء أخرى كالسحر والجن وليست للأشياء العضوية التي تقول الدراسات الآن بأن معظم الأمراض النفسية لها اساس عضوي في تركيب وكيمياء الدماغ، وهما اللذان يسببان كثيراً من الأمراض النفسية والعقلية.
دائما يحتاج المريض النفسي من يرعاه بإعطائه العلاج ومتابعة أخذ المريض للعلاج، حيث بينت الدراسات ان 72٪ من المرضى الذين ينتكسون يكون ذلك بسبب الانقطاع عن تناول العلاج.
وتشير الدراسات بأن المرضى النفسيين لا يلتزمون باتباع تعليمات الأطباء في أخذ العلاج، وان النسبة التي لا تلتزم بالعلاج تصل إلى حوالي 800٪..!! وهذه نسبة عالية، وبذلك يصبح الدخول إلى المستشفى هو البديل حتى يتم الانتباه إلى أخذ المريض علاجه، وهذا أمر مكلف من جميع الجوانب.
وحالياً يعتبر عنصر التكلفة المالية، من أهم أسباب توجه العلاج، حيث اصبحت كثير من الدول لا تعالج المرضى المزمنين، ومنهم بل ربما على القائمة الأولى هم المرضى النفسيون.. وفي بعض الولايات في أمريكا لا يسمح ببقاء المريض في المستشفى أكثر من ثلاثة أيام.. نظراً للتكلفة العالية التي يتحملها من يقوم بدفع نفقات العلاج، سواء كانت مؤسسة تأمين أو الحكومة. فماذا يفعل المريض الذي لا يتحسن خلال هذه الأيام الثلاث؟ إن مشكلة عدم التزام المريض النفسي بأخذ العلاج، وعدم تحسنه لا يؤثر فقط على المريض وأهله، ولكن على المجتمع بصورة عامة.
فأكثر المشردين في المدن الكبرى في العالم هم من المرضى النفسيين الذين لا يتعاطون العلاج، وربما بالأحرى لا يوجد من ينتبه لهم ويعالجهم فأصبحوا مشردين في الشوارع، وبعضهم قد يرتكب جرائم تحت وطأة المرض النفسي، خاصة مرضى الفصام والهوس الذين يعانون من أعراض ذهانية..!
تجربة الدول النامية ربما تكون أفضل من الدول المتقدمة في مجال رعاية المرضى النفسيين، فهناك لا يتحمل الأهل عبأ ابنهم المريض نفسياً بينما في الدول النامية، أو ما يعرف بدول العالم الثالث فإن الأسرة تتقبل وجود مريض نفسي في محيط الأسرة وترعاه، وتحاول مساعدته في الحصول على العلاج، وكذلك فإن الأهل يراقبون الابن ويتابعون علاجه وتناوله للعلاج بصورة أكثر دقة من حرصهم على تناوله العلاج لشخص آخر ليس مريضاً نفسياً.
تجربتنا في المملكة العربية السعودية، قد تكون جيدة إلى حد ما، فالمرضى الذين يصلون للعلاج في المستشفيات أو الأقسام المتخصصة «للأسف الشديد فإن نسبة المرضى الذين يصلون إلى العيادات النفسية لا يزيد على 3٪» من المرضى الذين يستحقون العلاج..!!».
هنا في المملكة العربية السعودية - رغم وجود بعض الفئات التي لا تقبل ولا تتعاون مع ابنائهم - إلا انه بوجه عام فإن العائلات تهتم كثيرا بأبنائهم وتحرص على مواظبته على تناول العلاج.
وقد بدأت في المملكة العربية السعودية خدمات رعاية المرضى النفسيين في منازلهم حيث تكونت فرقا تذهب إلى منزل المريض وتتعاون مع الأهل في كيفية مراعاة هذا المريض، وتقييم حالته النفسية وهل هو بحاجة لمراجعة طبيب ام ان حالته مستقرة، ولا يحتاج إلا لتزويده بالأدوية الخاصة بحالته. وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحا جيدا فكثير من المرضى الذين كانوا يدخلون المستشفى في السنة أصبحوا لا يدخلون المستشفى لسنوات، وهذا تقدم من كل المناحي الطبية والاقتصادية.
بقية الدول في العالم تتراوح معاملة المرضى النفسيين، حسب التقدم لهذه الدولة، وقد قرأت مقالا عن معاناة المرضى العقليين في أحد الدول العربية، وتناول هذا التحقيق الذي نشر قبل بضعة أيام في إحدى صحف تلك الدولة العربية، بأن المرضى النفسيين، يأتي بهم أهلهم إلى أحد اضرحة الأولياء الصالحين ويتركونهم هناك، حتى يحلم المريض بأن الولي الصالح جاءه في المنام وقال له اذهب..؟؟.
إذا لم تحدث هذه المعجزة فإن المريض أو المريضة يبقى مقيدا بالسلاسل والاغلال، ولأن هذه المنطقة يستأجرها رجال أعمال فإنهم يوكلون الحراسة لاشخاص أميين، كل ما يفعلونه هو ربط المريض بالسلاسل وتركه مقيدا بوتد مغروس في الأرض، وليس هناك تغذية سوى خبز مع ماء، ولا توجد أي رعاية صحية، بل ان المرضى يستغلهم الحراس في التسول ويستغلون المريضات في أعمال غير أخلاقية.. في هذه الحالات ليس هناك مجال لمتابعة الدواء أو ما إذا كان المريض مواظبا على العلاج أم لا.. هنا حقوق الإنسان التي من أهم أعمالها مراقبة كيفية علاج المرضى النفسيين لأنه معروف بأن المرضى النفسيين محل استغلال بشع في كثير من دول العالم، خاصة إذا لم يكن يكن قانون يحمي المرضى النفسيين من الاستغلال البشع من قبل اشخاص لا ضمير لهم ولا أخلاق!!
أخوكم/خالد[/align]