أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد

هذهة مجموعة أخرى من سلسلة مقالات لشيخنا أبي عبد الله النائلي الجزائري حفظه الله وهذه المرة عن الموعظة الحسنة والتي نشرها في هذا الأسبوع في جريدة الشرق القطرية في عموده الإسبوعي
فإليكم أحبتي الكرام الجزء الأول من هذه المقالات والله أسأل أن نكون من الهداة المهتدين الصالحين المصلحين

بسم الله الرحمن الرحيم
(1)الموعظة الحسنة
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
إن العباد بحاجة ماسة دائما إلى الموعظة و التذكير بما ينفعهم في الدنيا والآخرة، فللموعظة أثر عجيب في تهذيب النفوس و إصلاح القلوب بإذن الله .
لذا أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بتذكير الناس ووعظهم فقال سبحانه(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)[ النحل : 125]
قال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله- :"أي : ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم إلى سبيل ربك المستقيم ، المشتمل على العلم النافع ، والعمل الصالح . ( بالحكمة ) أي : كل أحد على حسب حاله وفهمه،وقبوله وانقياده ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل ، والبدأة بالأهم فالأهم ، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم ، وبما يكون قبوله أتم ، وبالرفق واللين . فإن انقاد بالحكمة ، وإلا فينتقل معه إلى الدعوة بالموعظة الحسنة ، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب . إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها ، والنواهي من المضار وتعدادها . وإما بذكر إكرام من قام بدين الله ، و إهانة من لم يقم به . وإما بذكر ما أعد الله للطائعين ، من الثواب العاجل والآجل ، وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل " . تفسير السعدي (ص 452)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"والموعظة الحسنة تجمع التصديق بالخبر والطاعة للأمر ولهذا يجيء الوعظ في القرآن مرادا به الأمر والنهى بترغيب وترهيب كقوله (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم و أشد تثبيتا)[النساء :66]".مجموع الفتاوى(2/45)
و كذلك أمر الباري سبحانه المؤمنين بوعظ أزواجهن الناشزات فقال سبحانه (واللاتي تخافون نشوزهن فعِظوهن) [ النساء : 34]

قال الشيخ ابن سعدي – رحمه الله- : "أي : ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته ، والترغيب في الطاعة ، والترهيب من المعصية ". تفسير السعدي (ص 177)
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُذكر أصحابه و يتخولهم بالموعظة، فعن أبي وائل - شقيق بن سلمة- قال: كان ابن مسعود يُذكرنا في كل خميس فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن، لو وددت أنك ذكرتنا في كل يوم؟ فقال: " أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلِّكم وإني أتخوَّلُكُم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا ". رواه البخاري (70) ومسلم (2821)
قال ابن بطال – رحمه الله- :" وفي حديث عبد الله –رضي الله عنه- : ما كان عليه الصحابة من الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والمحافظة على استعمال سُننه على حسب معاينتهم لها منه ، وتجنب مخالفته لعلمهم بما في موافقته من عظيم الأجر ، وما في مخالفته من شديد الوعيد والزجر" .شرح صحيح البخاري لابن بطال(1/154)
قال النووي –رحمه الله- : وفي هذا الحديث الاقتصاد في الموعظة لئلا تملها القلوب فيفوت مقصودها" . الشرح على صحيح مسلم ( 17/164)
فالموعظة الحسنة أيها الأحبة من أعظم أساليب الدعوة أثرا وأكثرها ثمارا ، وهي من أسباب حفظ الدين و انتشار الخير بين الناس ، سواء اتخذت صفة النصح أو التذكير أو الترغيب و الترهيب،ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة " . رواه مسلم ( 55) من حديث تميم الداري – رضي الله عنه-
فالنصيحة عماد الدين وقوامه ، وهي من أجل العبادات وأفضل القربات ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية–رحمه الله-: "فإن أعظم ما عبد الله به نصيحة خلقه " . مجموع الفتاوى ( 28/615)
ولقد سئل الإمام عبد الله بن المبارك –رحمه الله-:"أي الأعمال أفضل ؟ قال :النصح لله". الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا( ص72)
أيها الكرام إن من أصول أهل السنة و الجماعة أن مصدر تلقيهم نصوص الكتاب والسنة، مسترشدين بفهم السلف الصالح لها من الصحابة والتابعين(رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين)
قال الإمام إسماعيل بن محمد الأصبهاني-رحمه الله-:"وأما أهل الحق فجعلوا الكتاب والسنة إمامهم،وطلبوا الدين من قِبَلهما،وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم عرضوه على الكتاب والسنة ، فإن وجدوه موافقا لهما قبلوه ، وشكروا الله حيث أراهم ذلك ووفقهم إليه،و إن وجدوه مخالفا لهما تركوا ما وقع لهم و أقبلوا على الكتاب و السنة ورجعوا بالتهمة على أنفسهم " . الحجة في بيان المحجة ( 2/224)
ولهذا كان القرآن الكريم عند سلفنا الصالح (رحمهم الله) المصدر الأول في دعوتهم ووعظهم وتذكيرهم للناس ، وهذا بعد أن نظروا فيه وتدبروا في معانيه ، قال أبو زرعة الرازي - رحمه الله- : "من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليس له في هذه الكتب – يشير إلى كتب الوعظ – عبرة " . تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (8/215)
وجعلوا السنة منبعهم الثاني ، فعظموها و أمَّروها على أنفسهم ، وعملوا بها في أحوالهم كلها ،ودعوا للتمسك بها .
قال أبو عثمان النيسابوري-رحمه الله-:"من أمَّر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمَّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة".حلية الأولياء لأبي نعيم(10/244)
وقال ابن عطاء البغدادي – رحمه الله- : "من ألزم نفسه آداب السنة ، نور قلبه بنور المعرفة ، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب – صلى الله عليه وسلم- في أوامره و أفعاله و أخلاقه ". مدارج السالكين لابن القيم (2/466)
فالكتاب والسنة هما العمدة عند صدر هذه الأمة من السلف الصالح(رحمهم الله أجمعين)،فعلى الواعظ أن يسلك سبيل سلفه الصالح إذا أراد بعون الله أن تستقيم دعوته وتؤثر على الناس موعظته.
أيها الأحبة إن الموعظة الحسنة هي من عمل الأنبياء وسبيل الأصفياء ووسيلة الأتقياء ليدعو الناس بها إلى الخير و يحذرونهم من الوقوع في الشر ، ولهذا كان على من يحمل لواءها أن يتحلى بصفات أساسية و آداب ضرورية ، لتظهر بإذن خالقه ثمار موعظته ويعم النفع بها .
وقد تتساءلون سددكم الله عن هذه الصفات و تبحثون عن هذه الآداب ، وحق لكم ذلك ، لتميزوا بين من كان من أهلها وبين من تطفل على مائدتها ، وهذا ما سنجيبكم عنه بعون الله في تتمة المقال سائلين الله لنا ولكم التوفيق و السداد و العون والرشاد .
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .
أبو عبد الله النايلي